المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



التفسير ومقاصد القرآن  
  
3851   04:14 مساءاً   التاريخ: 23-09-2015
المؤلف : جواد علي كسار
الكتاب أو المصدر : فهم القرآن دراسة على ضوء المدرسة السلوكية
الجزء والصفحة : ص 105- 126 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التفسير / مفهوم التفسير /

ما هي مقاصد القرآن ؟ وما هو السبيل إلى معرفتها وتحديدها؟ ممّا يملي أن يمر البحث بالخطوتين التاليتين :

أ- بيان الكيفية التي نعرف بها مقاصد القرآن والإشارة إلى المنهج الذي يحددها.

ب- بيان طبيعة الامور التي تعد بنظر الإمام مقاصد للقرآن.

أ- كيف نعرف المقاصد

ترتبط عملية معرفة مقصد أو مقاصد القرآن الكريم بنظرية التفسير أو قراءة النص على نحو أعم. لقد قدمت الخبر العلمية قديما وحديثا إطارين عريضين لتحديد المراد من النص يبتنيان كلاهما على مسلّمة تفيد أنّ المتكلم يقصد إفهام المخاطب ، إثباتا لمعقولية النص وإمكان فهمه. يتمثل الإطار الأوّل بالعودة إلى النص نفسه لتحديد قصد المؤلف ومعرفة نيته ، إيمانا منه بأنّ القصد أمر ذاتي يكمن في البنية الداخلية الذاتية للنص. على حين ينظر الإطار الثاني إلى علاقة القصد بالأثر على أنّه أمر خارجي ، ومن ثمّ تقطع علاقة النص بقائله أو كاتبه ومؤلفه دون إلغاء معقوليته وإمكان فهمه ، وينظر إليه بعيدا عن نيته ، ويفهم كأثر خارجي معقول من خلال الأدوات والعلوم المألوفة (1).

إنّ التأمل في نصوص الإمام الخميني ودراستها تنتهي إلى أنّ الإمام يعتمد إطارين في تحري مقاصد النص القرآني ومعرفتها وتحديدها ، هما :

الأوّل : الطريق العقلي البرهاني ، الذي يعتمد معطيات البحث العقلي ويطل‏ على القرآن من خارجه.

الثاني : الطريق القرآني ، الذي يستمد القرآن نفسه في معرفة مقاصده.

يكتب الإمام مدللا على الطريقين معا : «يتحتم أن نأخذ المقصود من تنزيل هذا الكتاب من كتاب اللّه نفسه ، بغضّ النظر عن الجهات العقلية والبرهانية التي تعلمنا المقصد ، ذلك أنّ مصنف الكتاب أعرف بمقصده» (2). من الواضح أنّ هذا النص يثبت مشروعية الطريقين كليهما؛ طريق العقل وطريق النص في معرفة مقاصد القرآن والكشف عنها ، وتفضيله الطريق الثاني لا يعني إبطال الأوّل وإلغاء مشروعيته ، بل لأنّه الأبلغ في مقام الاحتجاج ما دام الحديث يدور حول معرفة مقاصد القرآن الكريم ، وإلّا فإنّ الطريق العقلي البرهاني (الأوّل) «يعلمنا المقصد ويفهمنا إياه» كما ينص الإمام.

بالنسبة للارتكاز إلى المعطيات العقلية والبرهانية يقدم الفكر الخميني مداخل متعدّدة مثل دراسة هدف النبوات والغاية من الوحي ورسالات السماء عامة ، أو ما يدخل في نطاق ما صار يعرف حديثا بفلسفة الدين ودور السماء والوحي في الحياة الإنسانية. وهذا نمط من البحث يستند إلى نتائج العقل وثمار البرهان في تحديد مقاصد القرآن ، وهو يطلّ على القرآن من خارجه.

برغم تعدّد المداخل التي ينتخبها ينتهي الإمام في حصيلة هذا البحث إلى أنّ فلسفة الوحي والنبوات وكتب السماء تكمن في معرفة اللّه وتوحيده ، ثمّ تأتي بقية المقاصد متفرّعة عن هذا المقصد أو مترتبة عليه. سننتخب فيما يلي ثلاثة نصوص قصيرة يؤشّر كلّ واحد منها على مدخل خاص يؤكد النتيجة ذاتها :

انطلاقا من فلسفة الوحي ، يسجّل : «يتمثل الهدف الأساسي للوحي بإيجاد المعرفة للبشر؛ معرفة الحقّ تعالى. وهذا المعنى يأتي في رأس جميع الامور» (3).

انطلاقا من فلسفة إنزال الكتب ، ينتهي الإمام إلى النتيجة ذاتها ، وهو يقول :

«يتمثل المقصد التام لجميع كتب السماء وفي طليعتها القرآن الكريم ، بتعريف الحقّ تعالى بجميع ما له من الأسماء والصفات» (4).

كما تواجهنا النتيجة نفسها عند ما يطلّ النص الخميني على الموضوع انطلاقا من فلسفة بعث الرسل والأنبياء وإنزال الشرائع ، حيث يقول : «يتمثل المقصد الأساسي ويبرز المقصود الأهم للأنبياء العظام ، ولتشريع الشرائع وتأسيس الأحكام ونزول الكتب السماوية خاصة القرآن الشريف الجامع ... بنشر التوحيد والمعارف الإلهية» (5).

هكذا ينتهي الطريق العقلي البرهاني من خلال مداخل ثلاثة هي : تحليل فلسفة الوحي ، وتحليل فلسفة إنزال الكتب وبعث الأنبياء برسالات السماء ، إلى نتيجة واحدة ، ومقصد رئيسي واحد هو معرفة الحقّ وتوحيده ، مع ما يستبطنه هذا المقصد من مقاصد فرعية وما يحويه في ثناياه من تفصيلات اخرى هي لوازم له ونتائج مترتبة عليه.

على هذا تكون حركة التفسير معنية بالعمل على هذا المقصد ، وينبغي للمفسّر أن يدور في عمله من حوله وما يرتبط به ، كما ينبغي اختيار المنهجية الأقدر على استكناه هذا المقصد وبيانه على نحو تفصيلي ، وإلّا فإنّ العزوف عن هذا المسار والشطّ عنه كلّف الامّة ولا يزال حرمانا كبيرا من عطاء القرآن. بتعبير الإمام :

«بالجملة ، كتاب اللّه هو كتاب معرفة وأخلاق ودعوة إلى السعادة والكمال ، ومن ثمّ ينبغي لكتاب التفسير أن يكون كتابا عرفانيا وأخلاقيا ، مبيّنا للجهات العرفانية والأخلاقية وبقية ما في القرآن من جهات الدعوة إلى السعادة. فالمفسر الذي يغفل عن هذه الجهة أو يصرف النظر عنها ولا يوليها أهمّية ، يكون قد غفل عن مقصود القرآن والمنظور الأساسي لإنزال الكتب وإرسال الرسل. وهذا خطأ حرم هذه الامّة قرونا من الاستفادة من القرآن ، وسدّ طريق الهداية على الناس» (6).

أصبح الخط العام لمقصد القرآن واضحا على خلفية الطريق الأوّل المتمثل بالبحث العقلي والبرهاني ، لكن ما ذا بالنسبة إلى الطريق الثاني؟

ب- مقاصد القرآن قرآنيا

الطريق الثاني الذي سلكه النص الخميني لتحديد مقصد القرآن أو مقاصده تمثل بالعودة إلى القرآن نفسه ، وذلك نزولا على قاعدة : «إنّ مصنّف الكتاب أعرف بمقصده» (7). عند هذه النقطة بالذات يلحظ أنّ نصوص الإمام تتسم بالكثافة والتفصيل ممّا يسمح ببناء رؤية واضحة وتفصيلية ، تتجاوز الرؤية الإجمالية العامة التي أنتجها الطريق الأوّل ، بيد أنّها تتوافق معها في الروح والجوهر.

لقد مرّت الإشارة فيما سبق إلى أنّ الإمام يلتقي مع الاتجاه العام في الفكر التفسيري الذي يعدّ التفسير هو الكشف عن المقاصد وبيانها وشرحها ، وإماطة اللثام‏ عمّا يكتنف المعاني من غموض والتباس عند المتلقي. وفي طبيعة المقصد أو المقاصد يعود الفكر القرآني للإمام ليلتقي مع مدرسة أهل المعنى فيما تبنته من مقاصد للقرآن ، بحيث يبدو للمتمعّن أنّ الإمام منسجم أشد الانسجام مع متبنيات هذه المدرسة ، ولا يزيد ما قدمه على هذا الصعيد على أن يكون حلقة معاصرة من حلقات الاتجاه المعنوي وتعبير معاصر عن المدرسة العرفانية ، خاصة عند ابن عربي والخط الصدرائي المحاذي لها.

إنّ وحدة الإطار المعرفي بين الإمام الخميني ورموز هذا الاتجاه وانتمائهم إلى مدرسة واحدة ، هو الذي يفسر لنا التشابه في تحديد طبيعة مقصد القرآن أو مقاصده. لقد كان بالإمكان أن نتقصّى عناصر الشبه والاشتراك في حديث هذه المدرسة عن طبيعة مقاصد القرآن ، من خلال دراسة توغل فيما قدمه رموز الاتجاه في هذا المضمار ، بيد أنّنا سننأى عن ذلك مكتفين بإشارات سريعة إلى تراث الغزالي وصدر الدين الشيرازي من القدماء ثمّ الطباطبائي من المعاصرين ، قبل أن نحط الرحال مع ما قدمه الإمام الخميني. لا ريب أنّنا ندرك الفارق المعرفي بين الغزالي والثلاثة الباقين ، ذلك أنّ السيد الطباطبائي والإمام الخميني لا يخفيان ولا ينفيان انتماءهما إلى الاتجاه العرفاني عند ابن عربي والمنحى الصدرائي الذي تمثّله مدرسة الحكمة المتعالية ، بقدراتها المشهودة على إعادة طرح مقولات ابن عربي العرفانية من خلال البرهان.

إلّا أنّ الإشارة إلى الغزالي تبقى تحظى بأهمّية من جهتين على الأقل ، الاولى ذوقه العرفاني ومشربه المعنوي الذي قاده إلى النتائج نفسها التي وصل إليها أو تبناها الثلاثة الآخرون برغم الاختلاف في الانتماء المذهبي بين الطرفين ، ممّا يعطينا نتيجة بالغة الأهمّية تفيد أنّ الاتجاه المعنوي يستطيع أن يجمع بين انتماءات‏ مختلفة ويوحّد بينها ، بعيدا عن اختلاف مواقعها المذهبية فقهيا (8). أمّا الجهة الثانية فتتمثل بإشارة صدر الدين الشيرازي صراحة بما قدّمه الغزالي ليس على صعيد هذه النقطة وحدها بل على صعيد شواغل اخرى في الفكر القرآني ، وفي غيره من المواضيع‏ (9). ولا ننسى أنّ صدر الدين الشيرازي أحد المصادر الأساسية للإمام‏ الخميني ، بل لا يمكن دراسة منظومة الإمام فلسفيا وعرفانيا وقرآنيا بعيدا عن الاتجاه الصدرائي.

فيما يلي نمر بإيجاز على ما قدمه كلّ واحد من هؤلاء لكي تتضح خلفية نظرية مقاصد القرآن عند الإمام والإطار العام الذي ينتظم فكره القرآني.

1- الغزالي‏

يقدّم الغزالي مركبا نظريا سداسيا لمقاصد القرآن تتدرّج فيه المقاصد الستّة من حيث سموها وفضلها وأهميتها ، كما يلي :

أ- معرفة اللّه ، وهي المقصد الأسنى لكتاب اللّه والكبريت الأحمر حسب تعبيره. وتشتمل على معرفة الذات ، ومعرفة الصفات ، ومعرفة الأفعال. ومعرفة الذات أنفس هذه المعارف ، وكذلك أضيقها مجالا وأعسرها منالا. أمّا الصفات فالمجال فيها أفسح ، في حين أنّ الأفعال هي بحر متسع أكنافه ولا تنال بالاستقصاء أطرافه ، لأنّ ليس في الوجود إلّا اللّه وأفعاله‏ (10).

ب- بيان السلوك إلى اللّه أو الصراط المستقيم بالتبتل والانقطاع وتزكية القلب. والعمدة فيه أمران الملازمة لذكر اللّه ، والمخالفة لما يشغل عنه. وهذا هو السفر إلى اللّه‏ (11).

ج- تعريف الحال عند الوصول متمثلا بعلم الآخرة وعلم المعاد ، ببيان ما يلقاه الواصلون على حسب طريق السلوك في الدنيا. ففريق إلى الجنة ولذة لقاء اللّه والنظر إليه ، وفريق إلى الخزي والعذاب والجحيم والحجب عن اللّه والإبعاد عنه‏ (12).

د- بيان أحوال السالكين والناكبين ، إذ يتمثل الأوّل بقصص الأنبياء والأولياء وهو «العنبر الأشهب» بتعبير الغزالي ، والثاني ببيان قصص الكفار ومآلهم كقصص نمرود وفرعون وعاد وإبليس والشيطان وغيرهم. وفائدة هذا المقصد الترهيب والتنبيه والاعتبار ، والآيات الواردة فيها كثيرة (13).

ه- حكاية أقوال الجاحدين ومحاجّة الكفار ومجادلتهم وإيضاح مخازيهم بالبرهان الواضح وكشف أباطيلهم وتخاييلهم. وفي محاجّة اللّه تعالى إياهم بالحجج لطائف وحقائق يوجد فيها «الترياق الأكبر» ، وآيات هذا المقصد كثيرة ظاهرة (14).

و- تعريف عمارة منازل الطريق ، وكيفية التأهب للزاد ، والاستعداد بإعداد السلاح الذي يدفع سرّاق المنازل وقطّاعها ، فما لم ينتظم أمر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع إلى اللّه. هذا المقصد يشير إلى الجانب الفقهي أو التشريعي في القرآن الكريم‏ (15).

في تعبير ربما يكون جامعا للمقاصد الستة هذه ، يكتب الغزالي في «إحياء علوم الدين» : «القرآن يشتمل على ذكر صفات اللّه عز وجلّ ، وذكر أفعاله ، وذكر أحوال الأنبياء عليهم السّلام ، وذكر أحوال المكذبين لهم وأنّهم كيف اهلكوا ، وذكر أوامره وزواجره ، وذكر الجنة والنار» (16).

هل تستوي هذه المقاصد فيما بينها في الشرف والفضيلة؟ أبدا ، يقسم الغزالي العلوم إلى علوم القشر والصدف وإلى علوم اللباب. ومع أنّ المقاصد الستة وما تؤشر إليه وتستلزمه من معارف هي من اللباب ، إلّا أنّها تنقسم بدورها إلى طبقة عليا وسفلى ، فالمقاصد الثلاثة الاولى وما يرتبط بها من معارف هي الطبقة العليا من اللباب لسمو موضوعها المتمثل بالغيب والآخرة والملكوت ، على حين تمثل المقاصد الثلاثة الأخيرة وما يرتبط بها من معارف الطبقة السفلى من اللباب.

يعود التفاوت ليفرض منطقه على المقاصد الثلاثة الاولى بما يملي سمو المقصد الأوّل متمثلا بمعرفة اللّه ، هذه المعرفة التي تدور حول الذات والصفات والأفعال ، ممّا يسمح للغزالي أن يستخدم منطق المفاضلة مرة اخرى لتتميّز معرفة الذات على معرفتي الصفات والأفعال. فمع أنّ هذه المعارف الثلاث التي تنتظم عنوان معرفة اللّه (جل جلاله) كلها يواقيت يعزّ الظفر بها ، إلّا أنّ ذلك لا يمنع من أن تكون معرفة الذات أنفسها ، ولذلك «لا يشتمل القرآن منها إلّا على تلويحات وإشارات» (17).

على أي حال ينتهي الغزالي في تحديد المقصد الأقصى للقرآن الكريم ، بقوله : «سر القرآن ولبابه الأصفى ، ومقصده الأقصى دعوة العباد إلى الجبار الأعلى ، رب الآخرة والاولى ، خالق السماوات العلى والأرضين السفلى وما بينهما وما تحت الثرى» (18).

2- الشيرازي‏

عند صدر الدين الشيرازي لا تخرج مقاصد القرآن عن الستة التي ذكرها الغزالي ، بيد أنّها تكتسب شرحا ضافيا يوسع من بيانها ويسبغ عليها عمقا وتركيزا أكثر من خلال ما يستكثر لها من أدلة وشواهد وتطبيقات.

تتحول المقاصد الستة عند الشيرازي إلى ثلاثة هي كالدعائم والاصول ، وثلاثة اخرى هي كالروادف المتمّمة. يكتب ممهدا : «اعلم أنّ سر القرآن ومقصوده الأقصى ولبابه الأصفى ، دعوة العباد إلى الملك الأعلى ، ربّ الآخرة والاولى ...

و الغاية المطلوبة فيه تعريف كيفية ارتقاء العبد من حضيض النقصان والخسران إلى أوج الكمال والعرفان ، وبيان السفر إليه طلبا للقائه ومجاورة مقربيه ... ولأجل ذلك انحصرت فصوله وأبوابه وسوره وآياته في ستة مقاصد ، ثلاثة منها هي كالدعائم والاصول المهمة ، وثلاثة اخرى هي كالروادف المتممة.

أمّا الثلاثة المهمة ، فهي : تعريف الحقّ المدعو إليه ، وتعريف الصراط المستقيم الذي يجب ملازمته في السلوك إليه ، وتعريف الحال عند الوصول».

ثمّ يستدلّ لهذه الثلاثة بكلام من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو يضيف : «فالأوّل معرفة المبدأ ، والآخر معرفة المعاد ، والأوسط معرفة الطريق.

و إلى هذه الثلاثة أشار أمير المؤمنين عليه السّلام : رحم اللّه امرأ أعدّ لنفسه ، واستعد لرمسه ، وعلم من أين وفي أين وإلى أين» (19).

عن المقاصد الثلاثة الاخرى ، يكتب : «و أمّا الثلاثة الرادفة المتمّمة ، فأحدها تعريف لأحوال المحبين المبعوثين للدعوة ولطائف صنع اللّه فيهم ... والغرض فيه التشويق والترغيب إلى منازلهم ومقاماتهم. وتعريف أحوال الناكبين والناكلين عن الإجابة ... والغرض فيه الاعتبار والترهيب.

و ثانيها حكاية أقوال الجاحدين وكشف فضائحهم وتجهيلهم وتسفيه عقولهم بالمجادلة والمحاجة على الحقّ. والمقصود منه ، أمّا في جنبة الباطل فالإفضاح والتحذير والتنفير ، وأمّا في جنبة الحقّ فالإيضاح والتثبيت والتقرير.

و ثالثهما تعريف عمارة المراحل إلى اللّه ، وكيفية أخذ الزاد والاستعداد للمعاد.

و المقصود منه معرفة كيفية معاملة الإنسان مع أعيان هذه الدنيا ، وأنّها يجب أن تكون مثل معاملة المسافر مع أعيان مراحل سفره البعيدة».

ثمّ يأتي على ذكرها تفصيلا بشرح كلّ مقصد من المقاصد الستة بعد أن أتى عليها إجمالا (20).

في مكان آخر ، بالتحديد في مقدمة تفسيره لسورة الحديد يذكر المقاصد ذاتها لكن بتقريب آخر ، يعدّ فيه الثلاثة الاول بمنزلة الفرائض والثلاثة الأخيرة بمنزلة النوافل في تقريب الإنسان إلى اللّه : «إنّ القرب الحاصل بالثلاثة الاول هو قرب الفرائض المشار إليه في الحديث المشهور ... وأمّا الثلاثة الأخيرة فهي كالمعينة المتمّمة التي كالنوافل ، والقرب الحاصل بها للعبد من الحقّ هو قرب النوافل» (21).

خلاصة القول عند الشيرازي أنّه : «ما من علم رباني ومسألة إلهية ، وحكمة برهانية ، ومعرفة كشفية إلّا ويوجد في القرآن أصله وفرعه ومبدئه وغايته وثمرته ولبابه» (22).

و مع أنّ الشيرازي يعلن أنّ المقاصد الثلاثة الاولى هي اصول ودعائم ، فإنّ ذلك لم يمنعه- كما فعل الغزالي قبله- من تحكيم منطق التفاضل بينها لتأتي معرفة المبدأ أو علم الربوبية (23) في المقدمة ، وذلك انطلاقا من «أنّ هذه المعارف في درجات متفاوتة من الشرف والفضيلة مع اشتراك الجميع في الخير والمنفعة ، فأين معرفة ذات الحقّ وصفاته وأفعاله من معرفة علف الدابة وسقيها في طريق السفر إليه» (24)!

مرّة اخرى ، وبرغم ما لهذه الأقسام الثلاثة المندرجة في علم المبدأ (معرفة الذات والصفات والأفعال) من أهمّية بحيث تملي «الفريضة على كلّ مسلم تحصيل العلم بها» (25) ، إلّا أنّ ذلك لم يمنع الشيرازي من اللجوء إلى منطق التفاضل مجددا مؤكّدا أنّ لعلم المبدأ بابين شريفين «أحدهما أشرف وأنور من الآخر ، وهو العلم بوجوده ووحدانيته ، وتقدس صفاته وأسمائه ... والآخر العلم بأفعاله» (26).

هذه هي الخريطة المقاصدية التي يرسمها الفكر القرآني لصدر الدين الشيرازي ويصفها بقوله : «فهذه هي المقاصد الستة المشتمل عليها ، المنحصر فيها القرآن وآياته» (27). وسنجد أنّ بصماتها تبرز بقوّة ووضوح في الفكر القرآني للإمام الخميني فيما يحدده من مقاصد لكتاب اللّه.

3- الطباطبائي‏

يحدّد السيد محمد حسين الطباطبائي أمّهات مقاصد القرآن ومعارفه ، بالنقاط التالية :

1- المعارف المرتبطة بأسماء اللّه وصفاته ، أمّا الذات فإنّ القرآن يرى أنّها غنية عن البيان.

2- المعارف المتعلّقة بأفعاله سبحانه من الخلق والأمر ، والإرادة والمشيئة ، والهداية والإضلال ، والقضاء والقدر وغير ذلك.

 3- المعارف المتعلقة بالوسائط الواقعة بينه وبين الإنسان ، كالحجب واللوح والقلم والعرش والكرسي والبيت المعمور والسماء والأرض والملائكة والشياطين والجن وغيرها.

4- المعارف المتعلقة بالإنسان قبل الدنيا.

5- المعارف المتعلقة بالإنسان في الدنيا ، كمعرفة تأريخه ونفسه واجتماعه ، ومعرفة النبوة والرسالة والوحي والإلهام ، والكتاب والدين والشريعة. ومن هذا الباب مقامات الأنبياء المستفادة من قصصهم.

6- المعارف المتعلقة بالإنسان بعد الدنيا ، وهو البرزخ والمعاد.

7- المعارف المتعلقة بالأخلاق الإنسانية ، ومن هذا الباب ما يتعلق بمقامات الأولياء في صراط العبودية من الإسلام والإيمان والإحسان والإخبات والإخلاص وغير ذلك. يضيف الطباطبائي بعد عرض هذه المعارف وما تدلّل عليه من مقاصد :

«أمّا آيات الأحكام ، فقد اجتنبنا تفصيل البيان فيها لرجوع ذلك إلى الفقه» (28).

من الواضح أنّ هذه الخريطة المقاصدية تستوفي هي الاخرى المقاصد الستة التي ذكرها الغزالي وفصّلها الشيرازي ، وهي تتنقّل من المبدأ إلى المعاش فالمعاد وما بينها.

4- الإمام الخميني

سلفت الإشارة إلى أنّ الإمام يقترح طريقين لتحرّي مقصد القرآن أو مقاصده التي ينبغي للتفسير أن يعكف على كشفها وبيانها وشرحها ، هما :

1- سبيل البحث العقلي والممارسة البرهانية وما يثمرانه على هذا الصعيد.

2- الرجوع إلى القرآن نفسه واستنطاقه والتدبر في أطرافه.

انتهت المحطات المختصرة التي قدمناها على صعيد الطريق الأوّل ، إلى أنّ المقصد الأقصى لكتاب اللّه يتمثل بفتح الطريق إلى معرفة اللّه بجميع ما له من أسماء وصفات.

و قد آن وقت معرفة المقصد أو المقاصد من خلال ما يرشد إليه القرآن الكريم نفسه ، عملا بقاعدة : «مصنّف الكتاب أعرف بمقصده» (29) التي مرت إليها الإشارة فيما سلف.

بم يتحدث القرآن ؟ وما هي رسالته ؟ يجيب الإمام : «نلقي الآن نظرة إلى ما ذكره المصنف حيال شئون القرآن ، فنلحظه يقول : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة : 2]. لقد وصفه بأنّه كتاب هداية ، حيث دأب في سورة صغيرة أن يكرر مرات : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر : 17] ، كما نلحظه يقول : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل : 44] ، كما يقول أيضا : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29] إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي يطول ذكرها» (30) ممّا يتحدث عن المقاصد مباشرة أو يحثّ على تحرّيها.

نصوص الإمام مكثّفة في هذا المجال ، ربّما كان أشملها ما جاء في كتاب «آداب الصلاة» (31) ، حين تحدّث عن أمّهات مقاصد القرآن ، وراح يمهّد لها ، بقوله :

«اعلم أنّ هذا الكتاب الشريف كما صرّح هو به كتاب هداية ، وموجّه سلوك الإنسانية ، ومربّي النفوس ، وكتاب شفاء الأمراض القلبية ، ومنير طريق السير إلى اللّه» (32).

بعد مقدمة ثانية تحدث بها الإمام على غرار اللغة الصدرائية (33) (نسبة إلى صدر الدين الشيرازي) ، وذكر أنّ القرآن تنزّل من مقام القرب إلى هذه الدنيا متعينا بكسوة الألفاظ ليحرر الإنسان من أغلال الطبيعة وأسرها ، ويرفعه من حضيض النقص والضعف والحيوانية إلى أوج الكمال والقوة والإنسانية ، ويدفع به صوب مقام القرب ولقاء اللّه ، عاد سماحته ليقول : «من هذه الجهة يعدّ هذا الكتاب كتاب دعوة إلى الحقّ والسعادة ، وبيان كيفية الوصول إلى هذا المقام ، وإنّ مندرجاته إجمالا هي ما له دخل في هذا السير والسلوك الإلهي أو أنّه يعين السالك والمسافر إلى اللّه» (34).

ينتهي الإمام بعد ذلك إلى بيان المقصد الأقصى بعبارة هي من غرر عباراته في هذا المجال ، يقول فيها : «بشكل عام ، إنّ أحد المقاصد المهمة للقرآن دعوته إلى معرفة اللّه ، وبيان المعارف الإلهية من الشئون الذاتية والأسمائية والصفاتية والأفعالية ، وأهمها في هذا المقصود توحيد الذات والأسماء والأفعال ممّا ذكر بعضه صراحة وبعضه الآخر على نحو الإشارات» (35).

يلتقي الإمام في هذا المقصد مع أسلافه ، وينتظم مع الإطار العام لمدرسة العرفان وأهل المعنى ، ممّن ذكرنا نصوص بعضهم فيما مضى. ثمّ تأخذ بقية المقاصد موقعها في المنظومة حيث يأتي الإمام على ذكرها كما يلي :

1- قوله : «من مقاصده الأخر دعوته إلى تهذيب النفوس وتطهير البواطن من أرجاس الطبيعة وتحصيل السعادة. وبالجملة كيفية السير والسلوك إلى اللّه.

و هذا المقصد ينقسم إلى شعبتين مهمتين :

احداهما : التقوى بجميع مراتبها المندرجة فيه؛ التقوى عن غير الحقّ والإعراض المطلق عمّا سوى اللّه.

ثانيهما : الإيمان ، بتمام مراتبه وشئونه المندرجة فيه ، ممّا يفضي إلى الإقبال على الحقّ ، والرجوع لتلك الذات المقدسة والإنابة إليها.

و هذه من المقاصد المهمة لهذا الكتاب الشريف ، بحيث ترجع إليه أكثر مطالبه بلا واسطة أو مع الواسطة» (36).

2- من المقاصد الأخر لهذه الصحيفة الإلهية هو ذكر «قصص الأنبياء والأولياء والحكماء وكيفية تربية الحقّ إياهم ، وتربيتهم الخلق. ففي هذه القصص فوائد لا تحصى وتعليمات جمة ، كما أنّ فيها من المعارف الإلهية والتعاليم وضروب التربية الربوبية ما يذهل العقل ، فسبحان اللّه وله الحمد والمنّة»(37).

القرآن عند الإمام الخميني «ليس كتاب قصة وتأريخ ، بل هو كتاب سير وسلوك إلى اللّه ، وكتاب توحيد ومعارف ، ومواعظ وحكم» (38) ، ومن ثمّ ينبغي توخي العبرة من قصص الأنبياء والأولياء في هذا البعد لا في البعدين الفني والعلمي اللذين يكمنان وراء كتب القصة والتأريخ. بتعبير الإمام : «بالجملة ، إنّ ذكر قصص الأنبياء عليهم السّلام وكيفية سيرهم وسلوكهم ، وكيفية تربيتهم عباد اللّه ، وبيان حكمهم ومواعظهم ومجادلاتهم الحسنة لهو من أعظم أبواب المعارف والحكم ، وأرفع أبواب السعادة والتعاليم التي شرعها الحقّ جل مجده لعباده» (39).

بعد أن يذكر الإمام مثالا من قصة إبراهيم عليه السّلام في السيرين الأنفسي والآفاقي ممّا طواه خليل اللّه ، يستدرك قائلا : «ممّا يدخل في هذا القسم أو هو مقصد مستقل بنفسه ، حكم ومواعظ ذات الحقّ المقدسة ، حيث دعا العباد بنفسه بلسان قدرته في المواضع المناسبة ، إما إلى المعارف الإلهية والتوحيد والتنزيه كما هو الحال في سورة التوحيد المباركة وأواخر سورة الحشر وأوائل الحديد وبقية موارد الكتاب الإلهي الشريف ، حيث لأصحاب القلوب والسوابق الحسنى من هذه القسمة حظوظ لا تحصى.

فأصحاب المعارف يستفيدون من الكريمة المقدسة {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء : 100] قرب النافلة والفريضة ، وفي الوقت ذاته يفهم منها الآخرون الخروج بالبدن والهجرة مثلا إلى مكة أو المدينة.

أو دعاهم إلى تهذيب النفوس والرياضات الباطنية ، كما في الكريمة الشريفة :

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس : 9 ، 10] إلى غير ذلك . أو دعاهم إلى العمل الصالح كما هو معلوم ، أو التحذير من مقابلات كلّ واحدة من هذه الصنوف.

ممّا يدخل في هذا القسم أيضا الحكم اللقمانية وحكم بقية الأجلاء والمؤمنين المذكورة في مواضع مختلفة من هذه الصحيفة الإلهية ، كما في قضايا أصحاب الكهف» (40).

3- من المقاصد الاخرى لهذه الصحيفة النورية : «بيان أحوال الكفار والجاحدين والمخالفين للحق والحقيقة ، والمعاندين للأنبياء والأولياء عليهم السّلام ، وبيان ما آل إليه أمرهم وما انتهت إليه عواقبهم وكيفية بوارهم وهلاكهم ، كما هو الحال في قضايا فرعون وقارون ونمرود وشداد وأصحاب الفيل وبقية الكفرة والفجرة ، ممّا في كلّ واحد منها مواعظ وحكم ، بل معارف لأهلها. ممّا يدخل في هذا القسم قضايا إبليس الملعون ، وممّا يدخل في هذا القسم أيضا أو يكون قسما مستقلا هو ما يرتبط بغزوات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فإنّ فيها مطالب شريفة ، منها بيان كيفية مجاهدات أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لإيقاظ المسلمين من نوم الغفلة ، ودفعهم للجهاد في سبيل اللّه ، وتنفيذ كلمة الحقّ وإماتة الباطل» (41).

4- من المقاصد الاخرى التي يذكرها الإمام للقرآن الكريم ، هي : «بيان قوانين ظاهر الشريعة والآداب والسنن الإلهية ، ممّا توفر هذا الكتاب النوراني على ذكر كلياتها ومهماتها. والأساس في هذا القسم الدعوة إلى اصول المطالب‏ وضوابطها مثل باب الصلاة والزكاة والخمس والحج والصوم والجهاد والنكاح والإرث والقصاص والحدود والتجارة وأمثالها. ولمّا كان هذا القسم المتمثل بعلم ظاهر الشريعة عام المنفعة ، وقد جعل لجميع الطبقات من حيث تعمير الدنيا والآخرة ، ويستفيد منه الناس كلّهم بقدرهم؛ فقد تمّت الدعوة إليه بكثافة في الكتاب ، وتناولت الأحاديث الشريفة والأخبار خصوصياته وتفاصيله بوفرة ، وجاءت تصانيف علماء الشريعة في هذا المقصد أكثر من بقية الأقسام وأرفع»(42).

5- من المقاصد الاخرى للقرآن الكريم ، ذكر «أحوال المعاد والبراهين لإثباته ، وكيفية العذاب والعقاب ، والجزاء والثواب ، وتفاصيل الجنة والنار والتعذيب والتنعيم. في هذا المقصد بيان حالات أهل السعادة ودرجاتهم من أهل المعرفة والمقربين ، وأهل الرياضة والسالكين ، وأهل العبادة والناسكين. كما بيان حالات أهل الشقاوة ودرجاتهم من الكفار والمحجوبين والمنافقين والجاحدين وأهل المعصية والفاسقين. ويلحظ أنّ ما له فائدة بحال العامة قد ذكر أكثر وبصراحة ، أمّا ما تعود منفعته إلى طبقة خاصة فقد ذكر بطريق الرمز والإشارة. فرضوان اللّه وآيات لقاء اللّه مثلا ذكرت لذلك الفريق ، على حين جاء الآية {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين : 15] مثلا إلى فريق آخر.

ثمّ في هذا القسم- تفصيل المعاد والرجوع إلى اللّه- معارف لا تحصى وأسرار صعبة مستصعبة ، لا يمكن الاطلاع على كيفيتها إلّا بسلوك برهاني أو نور عرفاني» (43).

6- آخر مقصد يذكره الإمام ، هو : «بيان كيفية الاحتجاجات والبراهين التي أقامتها الذات المقدسة للحق تعالى بنفسها ، لإثبات المطالب الحقة والمعارف الإلهية مثل الاحتجاج لإثبات الحقّ والتوحيد والتنزيه والعلم والقدرة وبقية الأوصاف الكمالية ... والاحتجاج لإثبات المعاد ورجوع الأرواح وإنشاء النشأة الاخرى ، والاحتجاج لإثبات ملائكة اللّه والأنبياء العظام ، ممّا هو موجود في مواضع مختلفة من هذا الكتاب الشريف.

هذا بالنسبة إلى احتجاجات الذات المقدسة نفسها. كما هناك ما نقله الحقّ تعالى من براهين الأنبياء والعلماء لإثبات المعارف ، مثل احتجاجات خليل الرحمن سلام اللّه عليه وغير ذلك» (44).

بعد هذه الجولة العريضة في مقاصد القرآن وما يحتويه ينتهي الإمام إلى القول : «هذه أمهات مقاصد هذا الكتاب ، وإلّا فهناك أيضا مطالب متفرقة اخرى يحتاج إحصاؤها إلى وقت كاف» (45).

______________________________

(1)- يمثل علم الدلالة عند الأقدمين والهرمنيوطيقا عند المحدثين الإطار العريض لهذا الموضوع ، بحكم أنّهما يتعهدان ببيان مجموعة القواعد والمعايير التي ينبغي اتباعها في فهم النص. ينظر على هذا الصعيد : إشكاليات القراءة وآليات التأويل ، نصر حامد أبو زيد ، مفهوم النص ، نصر حامد أبو زيد. كما ينظر أيضا : هرمونتيك كتاب وسنت ، محمد مجتهد شبستري. وأيضا وعلى نحو أكثر اختصار ودلالة ، مجلة بحوث قرآنية ، العدد المزدوج 21- 22 : 130- 177 ، ينظر : هرمونتيك «هرش» ودانش تفسير (هرمنيوطيقا هرش وعلم التفسير) ، محمد بهرامي.

(2)- آداب الصلاة : 193.

(3)- صحيفه امام 19 : 225.

(4)- نفس المصدر 20 : 409.

(5)- آداب الصلاة : 153.

(6)- نفس المصدر : 193.

(7)- نفس المصدر.

(8)- على هذا الأساس برز اتجاه ينظر إلى انتماء ابن عربي (560- 638 ه) كمثال بعيدا عن متبنياته الفقهية ، مركزا على قناعاته المعرفية في الوجود والإنسان والقرآن وأمهات ما يتفرع عليها من مسائل مثل إيمانه الجازم بالإنسان الكامل لينتهي إلى أنّه يلتقي مع فلاسفة عرفاء الشيعة على أرضية مشتركة ، وأنّ الأخيرين يشتركون معه في القناعات ذاتها. على هذا لا يمكن للفروع الفقهية أن تقدم حلا حاسما على هذا الصعيد بقدر ما يمكن أن يقدمه الإطار المعرفي في تحديد الانتماء.

على ضوء هذا المقياس مال صدر الدين إلى تشيّع الغزالي (شرح الكافي : 169) وتشيع ابن عربي (شرح الكافي : 111) ، وعلى الغرار ذاته يجزم عدد من المعاصرين المنتمين إلى الاتجاه العرفاني في خطه الصدرائي بتشيّع ابن عربي أيضا.

(9)- تشهد آثار صدر الدين ومصنفاته اقتباسات مكثفة عن الغزالي نقلها بنفسها أو مع التلخيص والشرح ، حري أن يشار إليها في الطبقات الحديثة المحققة لكتبه. الجدير بالتنبيه أنّ الشيرازي ينسب إلى الغزالي ما يأخذه عنه في بعض الأحيان ولا يشير إليه في أحايين اخرى.

على الصعيد القرآني تحديدا ، يكتب الشيرازي في «مفاتيح الغيب» بعد نهاية الفاتحة التاسعة من المفتاح الثاني ، ما نصه : «هذا مع أنّ هذه التحقيقات والتأويلات في الرموز القرآنية والكنوز الرحمانية ، إشارة وجيزة من بسيط تمثيلات حجة الإسلام ، وخلاصة مجملة من وسيط منخولات ذا الحبر الهمام ، محصلة لنجاة النفوس وشفاء الأرواح ، ملخصة لطريق الهداية والفلاح ، إذ هو أيده اللّه بحر زاخر يقتنص من أصدافه جواهر القرآن ، ونار موقدة - يقتبس من مشكاته أنوار البيان ، ذهنه الوقاد كبريت أحمر ، يتخذ منه كيمياء السعادة الكبرى ، وفكره غواص يستنبط من بحار المباني لآلئ المعاني ، فهمه صرّاف محك دنانير العلوم على معيار العلوم ، عقله ميزان يزن مثاقيل البرهان القويم على منهج الصراط المستقيم ، وله الحكم المسيحية في إحياء أموات علوم الدين ، والمعجزة الموسوية من إخراج اليد البيضاء لإيضاح معالم اليقين ، فطوبى لنفس هذه آثارها وخواصها ، وسقيا لروح إلى اللّه مصيرها ومناصها».

(مفاتيح الغيب : 97- 98)

(10)- جواهر القرآن : 10- 11.

(11)- نفس المصدر : 12.

(12)- نفس المصدر : 14.

(13)- نفس المصدر : 14- 15.

(14)- نفس المصدر.

(15)- نفس المصدر : 15- 16.

(16)- إحياء علوم الدين 1 : 282.

(17)- جواهر القرآن : 10.

(18)- نفس المصدر : 9.

(19)- مفاتيح الغيب : 49- 50. بالنسبة إلى حديث الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام ، فقد جاء في بعض الصيغ والنسخ : «و استعدّ لأمسه» بدلا من : «استعد لرمسه» فقد ذكره المصنف بهذه الصيغة في تفسيره. (تفسير القرآن الكريم 7 : 309)

كما ذكر الرازي في تفسيره أنّ القرآن مشحون بذكر هذه العلوم الثلاثة التي تتطابق مع نظرية تفيد أنّ للإنسان أياما ثلاثة ، هي : الأمس والبحث عنه يسمى بمعرفة المبدأ ، واليوم الحاضر والبحث عنه يسمى العلم الأوسط ، واليوم الآخر والبحث عنه يسمى علم المعاد. راجع : التفسير الكبير 2 : 569- 570 ، في تفسير قوله سبحانه : آمَنَ الرَّسُولُ‏ كما ينظر أيضا : تفسير القرآن الكريم 7 : 265- 309 ، حيث يؤكد فيها أنّ «هذه العلوم الثلاثة للإنسان لإصلاح الأيام الثلاثة» على وفق المفهوم المذكور الذي يستشفه ، بل يدلل عليه من حديث الإمام علي عليه السّلام.

(20)- مفاتيح الغيب : 49- 51.

(21)- تفسير القرآن الكريم 6 : 142.

(22)- نفس المصدر : 5.

(23)- هكذا عبر عنه في مفاتيح الغيب : 51.

(24)- تفسير القرآن الكريم 6 : 143.

(25)- مفاتيح الغيب : 53.

(26)- تفسير القرآن الكريم 7 : 263- 264.

(27)- نفس المصدر 6 : 143.

(28)- الميزان في تفسير القرآن 1 : 13.

(29)- آداب الصلاة : 193.

(30)- آداب الصلاة : 193- 194.

(31)- ينظر نفس المصدر : 184- 191 ، الفصل الثاني من المصباح الأوّل من الباب الرابع ، الذي جاء بعنوان : بيان مقاصد الكتاب الإلهي الشريف ومطالبه وما يشتمل عليه إجمالا.

(32)- آداب الصلاة : 184.

(33)- ينظر : مفاتيح الغيب : 11.

(34)- آداب الصلاة : 185.

(35)- نفس المصدر.

(36)- نفس المصدر : 186.

(37)- نفس المصدر.

(38)- نفس المصدر.

(39)- نفس المصدر : 188.

(40)- آداب الصلاة : 189.

(41)- نفس المصدر : 189- 190.

(42)- نفس المصدر : 190.

(43)- آداب الصلاة : 190- 191.

(44)- نفس المصدر : 191.

(45)- نفس المصدر.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .