المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

اختبارات وظائف الكلية Renal Function Tests
2024-05-18
التعريف بالاثر المستقبلي للقرار المضاد
8-6-2016
الإجراءات الضرورية بالتعامل مع الانحرافات
19-4-2017
مظلومية كريم اهل البيت (عليه السلام)
7-03-2015
Tetrahedral Carbon
21-12-2021
مبدأ التتام complementarity principle
25-5-2018


ابن طباطبا والصورة الادبية  
  
3257   11:24 صباحاً   التاريخ: 26-7-2017
المؤلف : علي علي مصطفى صبح
الكتاب أو المصدر : في النقد الأدبي
الجزء والصفحة : ص :161-164
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-1-2020 1660
التاريخ: 4-10-2015 9519
التاريخ: 4-6-2017 42377
التاريخ: 18-1-2020 1929


ويؤيّد ابن طباطبا(1) ما جاء به بشر بن المعتمر في صحيفته المشهورة فيقول: "إذا أراد الشاعر بناء قصيدة، فحضر المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرًا أو أعدّ له ما يلبسه إيَّاه، من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي سلس له القول عليه، فإذا اتفق له بيت، يشاكل المعنى الذي يرومه، ابتدأ وعمل فكرة في شغل القوافي، بما تقتضيه من المعاني، على غير تنسيق للشعر، وترتيب لفنون القول فيه، بل يعلق كل بيت، يتفق له نظمه، على تفاوت ما بينه وبين ما قبله فإذا أكملت له المعاني وكثرت الأبيات، وفق بيتها بأبيات تكون نظامًا لها، ومسلكًا جامعًا لما تشتت منها، ثم يتأمّل ما قد أدَّاه إليه طبعه، ونتجته فكرته، فيستقصى انتقاده، وبرم ما وهي منه، ويبدل بكل لفظه مستكرهة، لفظ سهلة نقية، وإذا اتفق له قافية قد شغلها في معنى من المعاني، واتفق له معنى آخر مضاد المعنى الأول، وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الأول، نقلها إلى المعنى المختار، الذي هو أحسن وأبطل ذلك البيت، أو نقض بعضه، وطلب لمعناه قافية تشاكله، ويكون كالمنساج الحاذق، الذي يفوق وشيه بأحسن التفويف ويسديه ... ولا يهلهل شيئًا منه فيشينه، وكالنقاش الدقيق الذي يضع الأصباغ في أحسن تقاسيم تنشئه، ويشبع كل صبغ منها، حتى يتضاعف حسنه في العيان، وكناظم الجواهر، الذي يؤلّف بين النفيس منها، والثمين الرايق ولا يشين عقوده، بأن يفاوت بين جواهرها في نظمها وتنسيقها، وكذلك الشاعر إذا أسس شعره على أن يأتي فيه بالكلام البدوي والفصيح، لم يخلط به الحضري المولد، وإذا أتى بلفظة غريبة أتبعها أخواتها(2)".

وهذا هو العمل الفني في القصيدة الشعرية وهو ممتزج بالصورة الأدبية امتزاجًا كاملًا في العملية الشعرية، عندما ينقل الشاعر بموضوع ما ويعاقبه، فيعمد إلى نظمه في قصيدة، ويحضر المعاني، ويعيش معها في صراع داخلي، يعمل فيه العقل والوجدان والمشاعر، فإذا استوى لديه الشكل في ألفاظ تتلاءم معها، ثم اختار لها القالب الموسيقي الذي يتناسب معها قافية ووزنًا، شدَّ جزئيات القالب بألفاظ وصور على هذا النمط، حتى يستقيم البيت من الشعر، وهكذا بقية الأبيات يختار لكل معنى في أبيات القصيدة صورة أدبية، تتفق معه دلالة وإيقاعًا، فإذا فرغ من القصيدة عاودها مرة مرة، فإذا وجد هناك ثغرات ملأها في المعاودة والمراجعة، فيصل ما انقطع بين المعاني بمعنى مناسب، أو ما قدر بين الصور "الأبيات" بصورة تتآلف مع أخواتها، وكذلك الأمر في لفظة شاردة أو قافية قلقة، فيأخذ بيده هذه ويضع بالأخرى تلك.
والشاعر في تصويره وتأليفه كالنساج الحاذق، الذي يحكم نسجه، ويصقل ثوبه وكالنقاش الذي يختار في نقشه أحسن الألوان، ويرتبها، يمزجها بالقدر اللازم، ويركز فيها حتى تخلب العيون، وكناظم الجواهر، الذي يؤلف بين حباته النفسية لتأخذ كل حبة مكانها الأصغر فالصغير، فالكبير فالأكبر، وهكذا يصنع في نظم العقد وتنسيقه، والناقد الكبير يبين:
أولًا: عملية التحضير للقصيدة بما فيها من إعداد المعنى الذي هو هنا أوسع نطاقًا من الفكرة والغرض والتجربة الشعرية، يدل عليه قوله "إذا أراد الشاعر بناء قصيدة، فحضر المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه".
ثانيًا: المعاني المجردة إنما تكون في الذهن "في فكر الشاعر نثرًا".
ثالثًا: إن الشاعر وهو يعاني التجربة، يشكل أثناء ذلك عن المعاني صورًا شعرية متناثرة: "ويعدّ لها ما يلبسها إيَّاه من الألفاظ التي تطابقه".

رابعًا: أن العقل والفكر يتدخل في النهاية، ليؤلف بين الصور، التي تكون بيتًا يتفق مع المعنى" فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى، ابتدأ وأعمل فكرة في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني ... إلخ".
خامسًا: إنه يربط بين اللفظ بإيقاعه ودلالته وبين المعنى، ويشير بذلك إلى قضية النظم وبه تتحقق الصورة الشعرية. "وأعدَّ له ما يلبسه من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي سلس له القول عليه".
سادسًا: أن التجربة الشعرية في الذهن، التي تحسمها الصورة في الخارج، غامضة ومزلقة للشاعر، فيحتاج إلى معاودة الصور مرات ليستردّ ماند من الصور أو ما خفي منها، ويبرزها في مكان تتناسب فيه مع أخواتها في الخارج. "فإذا أكملت له المعاني، وكثرت الأبيات وفق بينها بأبيات تكون نظامًا لها ... إلى قوله وطلب لمعناه قافية تشاكله".
سابعًا: والفقرة السابقة تؤكد التلاحم بين الصور والأبيات، فتشيع بيتها الوحدة ويسري فيها الترابط، وابن طبا طبا يشير إلى الوحدة في الصورة الأدبية في موطن آخر فيقول: "بل يجب أن تكون القصيدة كلها كلمة واحدة في اشتباه أولها بآخرها نسجًا وحسنًا وفصاحة وجزالة ألفاظ، ودقة معانٍ، وصواب تأليف. ... حتى تخرج القصيدة كأنها مفرغة إفراغًا، لا تناقض في معانيها، ولا في مبانيها ولا تكلف في نوعها (4)" وهذه هي الوحدة الموضوعية بأدقّ معناها، كما يراها النقاد المعاصرون فهو يرى أن تكون الألفاظ في الصورة، والصور في البيت، والبيت في القصيدة، كلمة واحدة في تلاؤم النسج والحسن والفصاحة والجزالة وصواب التأليف، حتى لا يحدث ضعف في مبنى الصورة، ولا ثغرة فيها، ولا تتكلف في نسجها.

ويؤكد هذه الوحدة في موطن آخر فيقول: -
"
وينبغي للشاعر أن يتأمَّل تأليف شعره وتنسيق أبياته ... فلا يباعد كلمة عن أختها، ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها، ويتفقد مصراع كل يشاكل من قبله "(5).
على الشاعر أن يتأمل نظمه وتأليفه فيتجنب الحشو فيه، ولا يفصل بين الأخوات من الكلام بأجنبي، ويضع الصراع متلائمًا مع قرينه.
ومن الخطأ أن تذهب كما ذهب بعض الدارسين إلى أن ابن طباطبا لا يهتم بالوحدة العامة في القصيدة أو في الصورة الكلية، وإنما يهتم بالوحدة في البيت الواحد، أو في الصورة الجزئية كما يقول د. غنيمي هلال، لأن ابن طباطبا ناقدنًا الجليل قد حدَّد الوحدة الموضوعية تحديدًا كاملًا.
والذي أعنيه ويتصل بالبحث، هو موقف ابن طباطبا من الصورة الأدبية في الشعر ومدى إدراكه لها وكيف عالجها، ولا يضر هنا كثيرًا أنه عالجها في صورها الجزئية أو في البيت الواحد أو أنها ترتبط بالنظم والتأليف، أو كانت رافدًا قويًّا من روائد النصوح في النظم والصورة الأدبية كما عند الإمام عبد القاهر الجرجاني بعد ذلك.
ثامنًا: الذي يدل على أنه اهتم بالصياغة والتأليف وسلامة النظم، أنه جعل الشاعر كالتاج الحاذق والنقاش الماهر، وناظم الجواهر الدقيق، هنا يربط ابن طباطبا بين التصوير الأدبي، وبين فنون التصوير الأخرى المحسة من نسج ونقش وصوغ ليوضح أن هذه الصناعة من تلك، إذن بالصورة الأدبية عنده كالنسج والنقش والصوغ، وبهذا المفهوم وتلك الموازنة تأثر عبد القاهر فيما بعد "ويكون كالنساج ... إلى قوله وكذلك الشاعر".
تاسعًا: التلاؤم الشديد بين اللفظة واللفظة في الجزلة والدقة، وفي غرابة اللفظ وبداوته في الحضرية المولدة يقول: "إذا أسس شعره على أن يأتي فيه بالكلام البدوي - الفصيح، لم يخلط به الحضري المولد، وإذا أتى بلفظة غريبة أتبعها أخواتها" وكذلك قوله: "في اشتباه أولها بآخرها نسجًا وحسنًا، ونصاحة وجزالة ألفاظ، ودقة معانٍ وصواب تأليف".

 

__________
(1) هو محمد بن أحمد بن طباطبا المتوفي سنة 322 هـ.
(2)عيار الشعر: ابن طباطبا ص 23 في القاهرة 1956 م.

(3)عيار الشعر: ابن طباطبا ص 126، 127 ط القاهرة 1956.

(4) المرجع السابق ص 124.
(5) النقد الأدبي الحديث: د. محمد غنيمي هلال ص 216.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.