أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-6-2017
2806
التاريخ: 2023-02-08
3238
التاريخ: 28-6-2017
2850
التاريخ: 2023-02-21
3545
|
مع أن ظهور مثل هؤلاء المتنبئين الكذبة في شتى مناطق الحجاز كان خطرا على وحدة أهلها الدينية، فان التفكير في أمر الروم الذين كانت الشامات وفلسطين من مستعمراتهم آنذاك ـ كان يستأثر باهتمام رسول الله (صلى الله عليه واله) اكثر من غيره لأنه كان يعلم بأنّ القادة اللائقين في اليمامة واليمن قادرين على مواجهة المتنبئين، ولهذا قضي على الاسود العنسي وهو رجل آخر ادّعى النبوة كذبا في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) وذلك بعد يوم من وفاة النبي على والي اليمن.
لقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله) متيقنا وواثقا من أن الدولة الرومية التي تلاحظ اتساع رقعة النفوذ الاسلامي الصاعد، والتي رأت كيف أن رسول الاسلام استطاع أن يقتلع جذور اليهودية من الحجاز، وفرض الجزية على فريق النصارى يدفعونها للحكومة الاسلامية، غاضبة لذلك اشدّ الغضب.
لقد كان النبي (صلى الله عليه واله) منذ أمد بعيد يعتبر خطر الروم خطرا جديّا لا يمكن التغاضي عنه واحتقاره، ولهذا السبب نفسه وجه في السنة الثامنة من الهجرة جيشا كبيرا قوامه ثلاثة آلاف بقيادة جعفر بن أبي طالب و زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة إلى تخوم الشام حيث يسيطر الروم، وقد استشهد في هذه المعركة القادة الثلاثة، وقفل الجيش الاسلامي راجعا إلى المدينة من دون انتصارات بتدبير من خالد بن الوليد.
وفي السنة التاسعة عند ما بلغه نبأ استعداد الروم لمهاجمة الحجاز وهو آنذاك في المدينة خرج (صلى الله عليه واله) بشخصه على رأس جيشه قوامه ثلاثون ألفا إلى تبوك، وعاد من دون مواجهة إلى المدينة.
ولهذا كان هذا الخطر جديا في نظر النبي (صلى الله عليه واله)، ومن هنا فانه (صلى الله عليه واله) لما عاد من حجة الوداع الى المدينة هيّأ جيشا من المهاجرين والانصار اشرك فيه اشخاصا معروفين بارزين مثل أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد بن الوقاص و. و. وأمر بأن يشارك فيه كل من هاجر إلى المدينة خاصة.
ثم ان رسول الله (صلى الله عليه واله) لتحريك مشاعر المجاهدين عقد بيده لواء لأسامة بن زيد الذي أمّره على ذلك الجيش. وقال له : سر الى موضع قتل ابيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحا وشنّ الغارة على أهل ابنى .
فأعطى اسامة اللواء الى بريدة وعسكر بالجرف ليلتحق به جنود الاسلام أفواجا أفواجا، وليتحرك الجميع في وقت واحد.
لقد اختار رسول الله (صلى الله عليه واله) لقيادة هذا الجيش شابا في مقتبل العمر، وأمّره على طائفة كبيرة من شيوخ الانصار والمهاجرين، ولقد أراد (صلى الله عليه واله) من فعله هذا أمرين :
أولا : أن يجبر ـ من خلال ذلك ـ ما لحق من المصيبة بأسامة بسبب مقتل والده زيد بن حارثة الذي استشهد في معركة مؤتة مع الروم، وليرفع من شخصيته.
ثانيا : أراد أن يؤكد قانونه في مجال التوصيف وتوزيع المناصب والمسؤوليات ويجعل ذلك على اساس الكفاءة والشخصية القيادية ان المناصب والمسئوليات الاجتماعية لا تحتاج إلى غير الكفاءات والمؤهلات ولا ترتبط بحال بالعمر والسن.
لقد فعل النبي ذلك حتى يهيئ الشباب الذين يتمتعون بالمؤهلات الكافية لتسلّم المسؤوليات الاجتماعية الثقيلة ويحلموا أن المناصب والمهامّ ـ في النظام الاسلامي ـ ترتبط ارتباطا مباشرا بالكفاءة والمؤهلات القيادية، لا العمر والسنّ.
ثم ان الاسلام الواقعي هو الانضباطية الشديدة والانقياد الكامل تجاه التعاليم الالهية السامية، والمسلم الحقيقي هو من ينقاد لتعاليم الله تعالى واوامره تعاليمه ويقبل بها من كل قلبه كجندي في ساحة القتال، سواء أكانت له فيها نفع أم لا، وسواء أكانت تضرّ به أم لا، وسواء أكانت مطابقة لأهوائه ومطامحه أم لا.
ولقد بيّن الامام علي (عليه السلام) حقيقة الاسلام في عبارة موجزة ولكن بليغة ومعبرة اذ قال : الاسلام هو التسليم .
إن الذين يؤمنون ببعض تعاليم الاسلام دون بعض، كلما واجهوا ما لا يوافق اهواءهم الباطنية منها اعترضوا عليه وحاولوا التملّص من المشاركة في تنفيذه بشتى المعاذير والحجج.
لا شك أن هذا الفريق يفتقر إلى روح الانضباطية، والتسليم الواقعيّ والانقياد الكامل الذي يمثل روح الاسلام وأساسه.
لقد كان تأمير قائد شاب يدعى اسامة بن زيد الذي لم يكن يتجاوز يومذاك ـ العشرين عاما شاهد صدق على ما نقول، لأنّ تأميره على لفيف من الصحابة يكبرون عنه في العمر أضعافا شقّ على البعض، لأنهم اعترضوا على الاجراء، وطعنوا في اسامة، واطلقوا عبارات تكشف جميعها عن افتقارهم لروح الانقياد والطاعة والتسليم الذي يجب أن يتحلى بها الجندي المسلم تجاه قائد الاسلام الأعلى ( النبي )، واوامره وتعييناته.
ولقد كان محور كلامهم هو أن النبي أمّر شابا صغير السنّ على شيوخ من الصحابة.
ولكنهم غفلوا عن المصالح والأهداف التي توخّاها رسول الله (صلى الله عليه واله) من هذا الإجراء، وكانوا يقدّرون كل عمل بعقولهم الضيقة المحدودة، ويقيسونه بمقايسهم الشخصية.
فرغم أنهم لمسوا من قريب كيف أن النبي (صلى الله عليه واله) كان يحرص على تعبئة هذا الجيش وبعثه، ولكن عناصر مشبوهة أخّرت حركة الجيش المذكور من معسكر الجرف وتوجهه إلى النقطة المطلوبة، وكانت تسعى لعرقلة هذه المهمة.
وبعد يوم من عقد رسول الله (صلى الله عليه واله) اللواء لأسامة تمرّض (صلى الله عليه واله) بشدة وأصابه صداع شديد تركه طريح الفراش واستمر هذا المرض عدة أيام حتى قضى صلوات الله عليه.
وقد علم رسول الله (صلى الله عليه واله) في مرضه أنّ هناك من تخلّف عن جيش اسامة وأن هناك من يعرقل توجّهه نحو المنطقة التي عيّنها، وأن هناك بالتالي من يطعن في اسامة فغضب (صلى الله عليه واله) لذلك غضبا شديدا، وخرج وهو يلتحف قطيفة، وقد عصّب جبهته بعصابة إلى مسجده ليتحدث إلى المسلمين من قريب، ويحذّرهم من مغبّة هذا التخلّف، فصعد المنبر على ما هو عليه من حمّى شديدة وبعد أن حمد الله واثنى عليه قال : أمّا بعد أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميرى اسامة، ولئن طعنتم في إمارتي اسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله كان للإمارة خليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ وانّهما لمخيلان لكل خير، واستوصوا به خيرا فانه من خياركم.
ثم نزل (صلى الله عليه واله) ودخل بيته واشتدت به الحمى، فجعل يقول لمن يعوده من أصحابه : أنفذوا بعث اسامة .
ولقد بلغ من إصرار رسول الله (صلى الله عليه واله) على بعث جيش اسامة انه كان يقول وهو في فراش المرض : جهزوا جيش اسامة، لعن الله من تخلّف عنه .
وقد تسببت هذه التأكيدات في أن يحضر جماعة من المهاجرين والأنصار عند رسول الله (صلى الله عليه واله) للتوديع والخروج عن المدينة تلقائيا والالتحاق بجيش اسامة في معسكره بالجرف.
وفيما كان اسامة يتهيّأ للتوجه بجيشه إلى حيث أمر الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) بلغ بعض الصحابة الحاضرين في الجيش انباء عن تدهور صحة النبي (صلى الله عليه واله) فتسببت في عدولهم عن الحركة حتى كان يوم الاثنين، فحضر اسامة عند رسول الله (صلى الله عليه واله) ليودّعه فرأى آثار التحسن بادية على ملامح النبي (صلى الله عليه واله).
فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله) حاثا اياه على المبادرة والمسارعة في الخروج : اغد على بركة الله .
فعاد اسامة إلى المعسكر وأمر بالتحرك فورا، ولكن الجيش لم يكن قد غادر الجرف بعد، حتى جاء نبأ من المدينة بأن رسول الله (صلى الله عليه واله) يحتضر، فعمد من كانوا يبحثون عن حجة للتخلف عن جيش اسامة، والذين حاولوا خلال ستة عشر يوما أن يعرقلوا توجهه بشتى المعاذير والحجج إلى التوسل هذه المرة بقضية احتضار النبي (صلى الله عليه واله) وعادوا إلى المدينة فورا، وعاد الجيش برمته هو الآخر إلى المدينة متجاهلين ـ جميعا ـ أوامر النبي (صلى الله عليه واله) بالخروج.
ولم يتحقق أحد آمال النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) في أيام حياته بسبب اللانضباطية التي ابداها فريق من شيوخ القوم واعيان الجيش.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|