أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-6-2017
7188
التاريخ: 17-6-2017
11711
التاريخ: 17-6-2017
8026
التاريخ: 5-6-2017
4869
|
الحكمة من المعاني الشعرية التي كانت معروفة في شعر ما قبل الإسلام، فقد كان الشاعر الجاهلي يتأمّل حياته وواقعه، ويتفحّص حال قبيلته، ووضع الإنسان فيها ويتأرجح رأيه ونظرته إلى الحياة، فهناك من رآها فانية، وتأمّل الحروب فيها، فزادت نفسه رغبة في الحياة، وتحدّى ظروف الموت القاهرة، فلجأ إلى الخمرة والقيان مفلسفاً هذا بنظرته إلى الحياة التي لا دوام فيها ولا خلود لإنسان، سعدت حياته فيها، أو شقيت. وهكذا وجدنا طرفة بن العبد ينقل لنا في أشعاره مسوغاته التي يقنع بها نفسه في سبب انغماره بالملذّات، بينما وجدنا شاعراً آخر كزهير بن أبي سلمى ينظر إلى الأُمور نظرة أُخرى، فالمنايا تخبط خبط عشواء لا يفلت منها أحد، والحروب تفني وتبيد، والمستقبل المجهول مصير كلّ إنسان، توافيه منيّته آخر المطاف، فما عليه إلّا أن يعمل ما يخلد ذكره بين الناس. تجد كلّ هذه الأفكار والنظرات في معلّقته التي امتدح بها هرم بن سنان ولم تعد فيها نظرته إلى الحياة نابعة من حكمته وتجاربه فحسب، بل نجح في إبرازها لتكوّن حكمة الأُمّة نتيجة التجارب الطويلة التي تشهدها كلّ يوم. اما الموت فقد حيّر البشرية أمره، فنرى الشاعر قبل الإسلام يعزى نفسه بتأمّلات طويلة في عالم الأحياء، فيطوف في عوالم الحيوان الذي يعرفه في بيئته، حمار الوحش والظباء والكلاب، ويتأمّل حياتها المنعزلة البعيدة عن الناس، وكيف يفاجؤها الصيّاد فيشتّت شملها وجمعها. كما حاول بعضهم اللجوء إلى التعاويذ والتمائم، كلّ ذلك يصوّر حيرة الإنسان في ذلك العصر ازاء ظاهرة الموت الأبدية، فيقف متأمّلاً ومفسّراً وفق نظرته الخاصّة إلى الأُمور، ولم تكن الحكمة غرضاً قائماً بذاته في الشعر العربي، وإنّما ترد في ثنايا الأغراض الشعرية المعروفة قبل الإسلام، وعبر المعاني الشعرية المختلفة التي يعبّر عنها الشاعر مدحاً أو غزلاً، فخراً أو هجاءً، وما ذلك إلّا لكونها ممثّلة لخلاصة تجارب الشاعر أو نظرته إلى الحياة إزاء أي أمر من أُمورها، وازاء أي موقف من مواقفها. من هنا تداخلت الحكمة ضمن الأغراض الشعرية الأُخرى، وقد وجدنا من المؤلّفين القدماء من جعلها ضمن باب من أبواب الشعر، كما وجدنا من جعلها مفردة بكونها معنى أو غرضاً قائماً بذاته. فأبو تمام جعل الحكمة ضمن باب الأدب فنجد معاني الحكمة متفرّقة في أشعار الشعراء في هذا الباب، بينما عدّ عبدالكريم النهشلي شيخ ابن رشيق الحكمة من أصناف الشعر، حين قال: (أصناف الشعر أربعة المديح والهجاء والحكمة واللهو .. ويكون من الحكمة الأمثال والتزهيد والمواعظ).
وبغض النظر عن المؤثّرات العامّة التي قيلت بشأن وجود الحكمة في العصر الجاهلي، تبقى الحكمة وثيقة الصلة بالحياة الإنسانية عامّة والعربية خاصّة، فنظرة العربي إلى الأُمور لابدّ أن تحكمها تجاربه وأفكاره وبيئته، وما ينتج عن هذه النظرة من تأمّلات وأفكار يسمّيان حكمة.
فليس غريباً بعد هذا أن نقول باستمرار معاني الحكمة في العصر الإسلامي، خاصّة إذا تذكّرنا ما أثاره الإسلام من دعوة إلى التفكير والتأمّل في كثرة التساؤلات التي أثارتها الآيات الكريمة في نفس العربي المسلم عن أسرار خلق الله وعن حكمته في خلق السموات والأرض، تضاف إلى هذا دعوة الإنسان إلى أخذ العبرة والموعظة من تجارب الآخرين في آيات كثيرة تحدّثت عن الأقوام والأُمم البائدة، وما أُرسل إليها من رسالات سماوية.
لقد صارت الحكمة في عصر صدر الإسلام ضالة المؤمن، حيث ما وجدها فهو أحقّ بها، وما ذلك إلّا لكون الحكمة نظرة صادقة إلى الحياة مستمدّة من التجربة الإنسانية، فما دامت الحكمة موافقة للحقّ، فهي ضالّة المؤمن حيثما يجدها. وبذا يدرج الحديث الشريف إنّ من الشعر لحكمة، ضمن الحديث عن الحكمة في هذا العصر.
لقد ذهب بعض الباحثين إلى القول بقلّة شعر الحكمة في عصر صدر الإسلام، وانّ أغلبه ممّا صدر عن شعراء مخضرمين، وأنّ الحكمة في شعر حسّان قليلة قلّتها في شعر أهل عصر، لأنّ حسّاناً في الجاهلية قد اتّسع وقته لارسال النصائح والحكم والنظرات التأمّلية والكلام في أخلاق الناس.
وذكر آخرون أنّ سبب قلّة شعر الحكمة في عصر صدر الإسلام، هو القرآن الكريم الذي شغلت حكمته الشعراء وغير الشعراء، لأنّ القيم الروحية والخلقية أغنت الشعراء من أن يقدّموا حكمهم في أشعارهم، كما أنّهم راحوا يتأمّلون آياته، فشغل فكرهم وجعل تأمّلهم في الكون والحياة والإنسان تأمّلاً موجّهاً يسعى إلى غاية معلومة وهدف سام. ونرى إنّ هذين التعليلين غير كافيين، لأنّ الواقع الإنساني والشعري يرفضان فكرة نضوب الحكمة في شعر صدر الإسلام، لأنّ طبيعة الأحداث الحاسمة التي مرّ بها العربي تفرض عليه أن يقف متأمّلاً مستخلصاً أفكاره ونظراته للحياة ممّا يشهده في مجتمعه وبيئته الجديدة، وإذا كان للقرآن أثر في معاني الحكمة، فهو أثر كبير لا في صرف الشعراء عنها، وإنّما في توجيهها وجهة موافقة لما وجّهت إليه أفكار الناس وسلوكهم في الحياة، فقد جاء الدين الإسلامي بفكر وجّه حياة العربي، وأخذ به نحو العمل الجدّي النافع لمجتمعه فلم تعد الحياة غير مجدية (ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك)، كما أنّها ليست خالدة ولا مخلّدة لأحد، وإنّما (لكلّ أجب كتاب). كما أكّدت الآيات أنّ سنّة الله في خلقه تتجلّى في قدرته على الخلق والممات والبعث والنشور، والحياة الدنيا ليست فانية فناءً مطلقاً فلا داعي لليأس والضياع، وإنّما هناك الآخرة بما تحمله من معاني الخلود والبقاء للخير حيث الخلود في الجنّة، والعذاب الشديد لكلّ من ينحرف عن جادّة الخير والصواب في نار جهنّم ..
وهكذا اتّجهت أفكار الشعراء لتصوّر ما استمدّوه من حكمة من القرآن الكريم. وتفاوت ذكرها بتفاوت قدرة الشاعر على فهم نظرة الإسلام إلى الحياة فهذا حسّان بن ثابت يستمدّ معناه في بعض شعره من الآية الكريمة (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (سورة الزمر الآية 19). فيقول ذاكراً هجرة الرسولq:
وهل يستوي ضلّال قوم تسفّهوا |
|
عمى وهداةُ يهتدون بمعتد |
لقد نزلت منه على أهل يثرب |
|
ركاب هدى حلّت عليهم بأسعد |
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله |
|
ويتلو كتاب الله في كلّ مسجد |
وعمر الإنسان محدود، وأجله مقدّر، لذلك يرثي حسّان بن ثابت الرسولq مؤكّداً الفكرة نفسها:
فلم يترك الله فينا بعده ذكراً |
|
ولم يعش بعده أُنثى ولا ذكراً |
ذلّت رقاب بني النجّار كلّهم |
|
وكان أمراً من أمر الله قد قدرا |
وقد أكّد الشعراء هذه الفكرة، وأكثروا من ذكرها في مراثيهم في عصر صدر الإسلام، فلا داعي لتكرارها هنا. إنّما نكتفي بالقول بأنّ الإسلام زاد من ذكر الحكمة في ضرب المثل في أشعار الشعراء لكثرة ما ورد منها في القرآن الكريم، وللحصافة التي صار عليها العقل العربي في نظرته إلى الحياة الدنيا وإلى تصاريف أُمورها. كلّ هذا أجرى الحكمة على لسان الشاعر وأحضر أمامه صورة الأمثال والعبر. وقد وجدنا بعض الشعراء يوقفون قصائد في أشعارهم على التأمّل متمثّلين بعض معاني القرآن الكريم، ونضرب لهؤلاء مثلاً النابغة الجعدي في قصيدته التي بدأها بقوله:
الحمد لله لا شريك له |
|
من لم يقلها فنفسه ظلما |
ويستمرّ في هذه القصيدة مثنياً على الله تعالى، مستمدّاً من كتابه الكريم، معانيه وأفكاره متأمّلاً قدرته، وتدبيره في خلقه، ويتطرّق بعد هذا إلى سوق الحكمة والموعظة، فيذكر الناس بحال الأُمم البائدة التي ذكرها الله في القرآن الكريم، أو الذين عرف الناس سلطانهم وجبروتهم ثمّ أذلّهم الموت والفناء:
يا أيّها الناس هل ترون إلى |
|
فارس بادت وخدّها رغما |
أمسوا عبيداً يرعون شاءكم |
|
كأنّما كان ملكهم حلما |
أو سبأ الحاضرين مأرب إذ |
|
يبنون من دون سيله العرما |
فمزّقوا في البلاد واغترفوا الـ |
|
ـهون وذاقوا البأساء والعدما |
أمّا أبو الأسود الدؤلي فهو من الشعراء الذين عاشوا في صدر الإسلام وزمناً من العصر الأموي (توفّي 69هـ) عرف بكونه غزير الحكمة وأوفرها، لكثرة تجاربه وتقيّده بأحكام دينه في سلوكه، ولاشتغاله بالعلم والفقه. وقد عزا الدكتور فتحي الدجني كثرة الحكمة في شعره إلى روحانية الإسلام التي تعمّقت في نفسه فضلاً عن ملازمته للإمام علي وإلى كونه قاضياً أحسّ بمشاكل الناس عن قرب بسبب اختلاطه بهم.
ولأبي العيال الهذلي أبيات في الحكمة نظر فيها إلى الحياة نظرة شاملة، وأنّ فيها الغثّ والسمين، ويمكن إصلاح بعضه ببعض. كما أنّه يدعو إلى عدم التسرّع في الأحكام، لأنّ كثيراً من الظنون قد لا تصدق عند الاختبار والتمحيص. أمّا الرجال أو الناس عامّة فإنّهم ليسوا سواءً، ولا تدلّ مظاهرهم على ما يضمرون، فقد تكون دواخل نفوسهم خيراً أكثر ممّا يبدو على وجوههم، وشبه هذا بالماء الذي قد يبدو رائقاً ولكن المذاق هو الحكم في صفائه أو سوء مذاقه:
وبعض الأمر أصلحه ببعض |
|
فإنّ الغثّ يحمله السمين |
ولا تعجل بظنّك قبل خبر |
|
فعند الخبر تنقطع الظنون |
ترى بين الرجال العين فضلاً |
|
وفيما أضمروا الفضل المبين |
كلون الماء مشتبهاً وليست |
|
تخبّر عن مذاقته العيون |
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|