أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1795
التاريخ: 11-10-2014
2094
التاريخ: 27-11-2014
2205
التاريخ: 19-02-2015
2045
|
يظهر من غير واحد من المعاجم ، كلسان العرب والقاموس المحيط ، أنّ للفظ « المثل » معاني مختلفة ، كالنظير والصفة والعبرة وما يجعل مثالاً لغيره يُحذا عليه إلىٰ غير ذلك من المعاني (1).
قال الفيروزآبادي : المِثْل ـ بالكسر والتحريك ـ الشبه ، والجمع أمثال ؛ والمَثَلُ ـ محرّكة ـ الحجة ، والصفة ؛ والمثال : المقدار والقصاص ، إلى غير ذلك من المعاني (2).
ولكن الظاهر انّ الجميع من قبيل المصاديق ، وما ذكروه من باب خلط المفهوم بها وليس للّفظ إلا معنى أو معنيين ، والباقي صور ومصاديق لذلك المفهوم ، وممن نبَّه علىٰ ذلك صاحب معجم المقاييس ، حيث قال :
المِثْل والمثَل يدلاّن على معنى واحد وهو كون شيء نظيراً للشيء ، قال ابن فارس : « مثل » يدل على مناظرة الشيء للشيء ، وهذا مثل هذا ، أي نظيره ، والمثل والمثال بمعنى واحد. وربما قالوا : « مثيل كشبيه » ، تقول العرب : أمثل السلطان فلاناً ، قتله قوداً ، والمعنى انّه فعل به مثلما كان فعله.
والمِثْل : المثَل أيضاً ، كشِبْه وشبَه ، والمثل المضروب مأخوذ من هذا ، لأنّه يذكر مورّى به عن مثله في المعنىٰ.
وقوله : مَثَّلَ به إذا نُكِّل ، هو من هذا أيضاً ، لأنّ المعنىٰ فيه إذا نُكل به : جعل ذلك مثالاً لكل من صنع ذلك الصنيع أو أراد صنعه. والمثُلات أيضاً من هذا القبيل ، قال الله تعالى : { وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ } [الرعد : 6] أي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله ، وواحدها : مُثُل (3).
وعلى الرغم من ذلك فمن المحتمل أن يكون من معانيه الوصف والصفة ، فقد استعمل فيه امّا حقيقة أو مجازاً ، وقد نسب ابن منظور استعماله فيه إلى يونس ابن حبيب النحوي ( المتوفّى 182 ه ) ، ومحمد بن سلام الجمحي ( المتوفّى 232 ه ) ، وأبي منصور الثعالبي ( المتوفّى 429 ه ) (4).
ويقول الزركشي ( المتوفّى 794 ه ) : إنّ ظاهر كلام أهل اللغة ان المثل هو الصفة ، ولكن المنقول عن أبي علي الفارسي ( المتوفّى 377 ه ) انّ المثل بمعنى الصفة غير معروف في كلام العرب ، إنّما معناه التمثيل (5).
ويدل على مختار الأكثر ما أورده صاحب لسان العرب ، حيث قال : قال عمر بن أبي خليفة : سمعت مُقاتِلاً صاحب التفسير ، يسأل أبا عمرو بن العلاء ، عن قول الله عزّ وجلّ : {مَثَلُ الْجَنَّةِ} [الرعد : 35] ، ما مَثَلُها ؟ فقال : {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ } [محمد : 15] ، قال : ما مَثَلُها ؟ فسكت أبو عمرو.
قال : فسألت يونس عنها ، فقال : مَثَلها صفتها ، قال محمد بن سلام : ومثل ذلك قوله : {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} [الفتح : 29] أي صفتهم.
قال أبو منصور : ونحو ذلك روي عن ابن عباس ، وأمّا جواب أبي عمرو لمقاتل حين سأله ما مثَلُها ، فقال : فيها أنهار من ماءٍ غير آسنٍ ، ثمّ تكريره السؤال ما مَثَلُها وسكوت أبي عمرو عنه ، فانّ أبا عمرو أجابه جواباً مقنعاً ، ولما رأىٰ نبوة فَهْمِ مقاتل ، سكت عنه لما وقف من غلظ فهمه. وذلك انّ قوله تعالى : {مَثَلُ الْجَنَّةِ} [محمد : 15] تفسير لقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } [الحج : 14] وصف تلك الجنات ، فقال : مَثَلُ الجنة التي وصفتها ، وذلك مثل قوله : {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ } [الفتح : 29] أي ذلك صفة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه في التوراة ، ثم أعلمهم أنّ صفتهم في الإنجيل كزرعٍ (6).
ثمّ إنّ الفرق بين المماثلة والمساواة ، أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين ، لأنّ التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص ، وأمّا المماثلة فلا تكون إلاّ في المتفقين (7).
وأمّا الفرق بين المماثلة والمشابهة هو انّ الأُولى تستعمل في المتفقين في الماهية والواقعية ، بخلاف الثانية فإنّما تستعمل غالباً في مختلفي الحقيقة ، المتفقين في خصوصية من الخصوصيات.
وبهذا يعلم انّ التجربة تجري في المتماثلين والمتفقين في الحقيقة ، كانبساط الفلز حينما تمسُّه النار ، وهذا بخلاف الاستقراء ، فإنّ مجراه الأُمور المختلفة كاستقراء انّ كل حيوان يتحرك فكه الأسفل عند المضغ ، فيتعلّق الاستقراء بمختلفي الحقيقة كالشاة والبقرة والإبل.
وقد تكرر في كلام غير واحد من أصحاب المعاجم ان المَثَل والمثْل سيان ، كالشَبَه والشبْه ، ومع ذلك كلّه نرى أنّ القرآن ينفي المثْل لله ، ويقول : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : 11] وفي الوقت نفسه يُثبت له المثَل ، ويقول : {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل : 60].
والجواب : انّه لا منافاة بين نفي المِثْل لله واثبات المَثَل له ؛ أمّا الأوّل ، فهو عبارة عن وجود فرد لواجب الوجود يشاركه في الماهية ، ويخالفه في الخصوصيات ، فهذا أمر محال ثبت امتناعه في محلِّه ، وأمّا المَثَلُ فهو نُعوت محمودة يُعرف بها الله سبحانه كأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وعلى هذا ، المَثَلْ في هذه الآية وما يشابهها بمعنى ما يوصف به الشيء ويعبَّر به عنه ، من صفات وحالات وخصوصيات.
فهذه الآية تصرّح بأنّ عدم الإيمان بالآخرة مبدأ لكثير من الصفات القبيحة ، ومصدر كل شر ، وفي المقابل انّ الإيمان بالآخرة هو منشأ كل حسنة ومنبع كلّ خير وبركة ، فكلّ وصف سوء وقبيح يلزم الإنسان ويلحقه ، فإنّما يأتيه من قبل عدم الإيمان بالآخرة ، كما أنّ كلّ وصف حسن يلزم الإنسان ينشأ من الإيمان بها ، وبذلك ظهر معنى قوله : { لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} [النحل : 60] الذي يدلّ بالملازمة للذين يؤمنون بالآخرة لهم مثل الحسن.
وأمّا قوله سبحانه : {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل : 60] فمعناه أنّه منزّه من أن يوصف بصفات مذمومة وقبيحة كالظلم ، قال سبحانه : {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف : 49]. وفي الوقت نفسه فهو موصوف بصفات محمودة.
فكلّ وصف يستكرهه الطبع أو يردعه العقل فلا سبيل له إليه ، فهو قدرة لا عجز فيها ، وحياة لا موت معها إلى غير ذلك من الصفات الحميدة ، بخلاف ما يقبله الطبع فهو موصوف به.
وقد أشار إلى ذلك في غير واحد من الآيات أيضاً ، قال : {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم : 27] وقال : {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه : 8]، فالأمثال منها دانية ومنها عالية فإنّما يثبت له العالي بل الأعلى (8).
ومنه يعلم أنّ الأمثال إذا كان جمع مثْل ـ بالسكون ـ فالله سبحانه منزّه من المثْل والأمثال ، وأمّا إذا كان جمع مثَل ـ بالفتح ـ بمعنى الوصف الذي يحمد به سبحانه ، فله الأمثال العليا ، والأسماء الحسنى كما مرّ.
_______________________
(1) لسان العرب : 13 / 22 ، مادة مثل.
(2) القاموس المحيط : 4 / 49 ، مادة مثل.
(3) معجم مقاييس اللغة : 5 / 296.
(4) لسان العرب : 13 / 22 ، مادة مثل.
(5) البرهان في علوم القرآن : 1 / 490.
(6) لسان العرب : مادة مثل.
(7) لسان العرب : مادة مثل.
(8) لاحظ : الميزان : 12 / 249.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|