المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

شائعة الخوف
25-11-2019
العربية الباقية وأشهر لهجاتها
17-7-2016
موريس – كلايمن
17-9-2016
مكنون المثيلة Methylome
6-2-2019
المجسّمة
27-9-2016
عبثية الأطفال بالأغراض والمقتنيات المنزلية
26-1-2023


الجرائم ضد الإنسانية  
  
1964   08:31 صباحاً   التاريخ: 23-3-2017
المؤلف : عبد الله علي عبو سلطان
الكتاب أو المصدر : دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق الانسان
الجزء والصفحة : ص99-108
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدولي العام و المنظمات الدولية / القانون الدولي العام /

يمكن اعتبار ان مفهوم (الجرائم ضد الانسانية) مفهوم حديث العهد نسبياً في القانون الدولي الجنائي . ولكن الحداثة لا يعني ان مصطلح (الجريمة ضد الانسانية) لم يكن معروفاً نهائياً وانما المقصود به عدم وجود تنظيم لهذه الجريمة في معاهدة دولية تعرف وتحدد اركان هذه الجريمة، فقد ورد هذا المصطلح في عام 1915 على أثر المجازر التي تعرض لها الشعب الارمني على يد الاتراك ولم يعاقب مرتكبوها بسبب اعتراض كل من الولايات المتحدة واليابان بقوة على تجريم مثل ذاك التصرف على اساس ان الجرائم ضد الانسانية تمثل انتهاكات للقانون الاخلاقي وليس القانون الوضعي وبذلك رفضتا ما انتهت اليه لجنة المسؤوليات لعام 1919 من ضرورة معاقبة مرتكبي هذه الجرائم ، ولكن عندما اقتضت مصلحتها معاقبة الزعماء الالمان بعد الحرب العالمية الثانية غيرت الولايات المتحدة موقفها من هذه الجريمة وأيدت ادراجها في ميثاق المحكمة العسكرية (نورمبرغ) التي أنشأتها مع حلفائها لمحاكمة المهزومين من الحرب العالمية الثانية علماً انه لم يحصل أي تطور قانوني دولي بشأن هذه الجريمة بين الاعوام 1919-1945 لكي يكون تفسيراً لهذا التغير في الموقف(1). ورغم ذلك فان مفهوم الجرائم ضد الانسانية بقى غامضاً لانه كما هو معروف ان المحكمة العسكرية (محكمة نورمبرغ) تم إنشاؤها بمناسبة الحرب العالمية الثانية لذلك اشترط الميثاق ان ترتكب هذه الجريمة اثناء الحرب فقط  مما ادى الى تتداخل مفهوم الجرائم ضد الانسانية مع جرائم الحرب ،ورغم ان مفهوم الجرائم ضد الانسانية بعد قيام الامم المتحدة كان محلاً للمناقشات العديدة في لجنة القانون الدولي ونشاط العديد من المنظمات غير الحكومية والأوساط الأكاديمية، الاان هذا الاهتمام المتزايد بالجرائم ضد الانسانية  لم يؤدي الى إبرام أية معاهدة دولية خاصة بها او وضع تعريف دولي لها  في وثيقة دولية رسمية(2). لذلك فان الطابع الغالب على هذه الجرائم كما يقول د. محمود شريف بسيوني ، هو الطابع العرفي لاكثر من نصف قرن ومشار اليه في قرارات المحاكم الوطنية(3). ومن اهم التعريفات التي أوردتها المحاكم الوطنية للجرائم ضد الانسانية نذكر تعريف محكمة استئناف مدينة ليون الفرنسية عام 1985 بمناسبة محاكمة (كلاوس باربي) إذ عرفتها المحكمة بانها (أعمال غير إنسانية واضطهادات تمت باسم الدولة تمارس سياسة هيمنة ايديولوجية وتم ارتكابها بشكل منهجي ليس فقط ضد اشخاص بسبب انتمائهم العرقي او الديني وانما أيضاً ضد خصوم سياسيين مهما كانت شكل معارضتهم)(4).     ويعرف الفقه الجرائم ضد الإنسانية بانها (الجرائم التي تصدم ضمير الإنسانية جميعاً بفعل طبيعتها المنتشرة والمنظمة الى حد ان تعتبر الانسانية جميعها ضحية هذه الجريمة)(5). ولقد بدأت المحاولات الجدية من قبل الدول لتنظيم هذه الجريمة في إطار دولي في التسعينات من القرن العشرين بعدما اصبحت (عبارة الجريمة ضد الانسانية) صورة بشعة للأفعال الوحشية التي ارتكبت ضد اشخاص مثلما حدث في معسكرات الموت وحملات التطهير العرقي التي نفذت في البوسنة والهرسك واثناء مجزرة التوتسي في رواندا التي راح ضحيتها مئات الآلاف من البشر(6). حيث بدأت الدول تشعر بخطورة هذه الجريمة وضرورة المعاقبة عليها فتم النص عليه في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا السابقة في المادة (5) منها ، كما تم النص عليها في النظام الاساسي لمحكمة رواندا في المادة (3) من نظام المحكمة ، ثم تمت الاشارة الى الجرائم ضد الانسانية في مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية وامنها لعام 1996 إذ نصت المادة (18) من المدونة انها ارتكاب لمجموعة من الافعال وبشكل منتظم او على نطاق واسع ، ولكن يعد الاتفاق الذي وقع في روما لا نشاء المحكمة الدولية الجنائية عام 1998 من أهم الخطوات في مجال تطوير مفهوم الجرائم ضد الانسانية حيث جرى ولاول مرة في التاريخ تعريف الجرائم ضد الانسانية في معاهدة دولية جرى اعتمادها من غالبية الدول ، إذ تشكل هذه المعاهدة نقلة نوعية مهمة سواء على صعيد تحديد مصطلح (الجرائم ضد الانسانية) او في دلالاته واستخداماته إذ بموجب المادة (7) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة غدت (الجرائم ضد الانسانية) تشمل قائمة واسعة من الاعتداءات التي يتم ارتكاب أي منها بصورة منهجية وعلى نطاق واسع دون اشتراط وجود نزاع مسلح ، وهي (القتل العمد – الاسترقاق – الابعاد القسري للسكان – السجن والحرمان من الحرية – التعذيب – الاغتصاب – الاستعباد الجنسي – الاجبار على البغاء – الاجبار على الحمل او التعقيم او شكل اخر للاعتداء الجنسي – اضطهاد مجموعة سياسية او عرقية او قومية او اثنية او ثقافية او دينية – الابادة – الاختفاء القسري للاشخاص – الفصل العنصري) وبعد هذا العرض الموجز لتطور مفهوم الجرائم ضد الانسانية اود الاشارة الى ان هناك بعض الاسئلة تثار حول طبيعة هذه الجريمة وشروط تحققها مما يستلزم منا توضيحها وهذه الاسئلة هي :

أ-ماذا يعني استقلال ارتكاب الجرائم ضد الانسانية عن النزاعات المسلحة ؟ ب- ما المقصود بعنصر (ركن) السياسة في الجرائم ضد الانسانية ؟ ج- هل يشترط ان ترتكب الجرائم ضد الانسانية بحق جماعات موصوفة ؟ د- ما نوع القصد المطلوب لارتكاب جرائم ضد الانسانية؟ .

أ- استقلال ارتكاب الجرائم ضد الانسانية عن النزاعات المسلحة :

المسألة التي نريد توضيحها هل يشترط الارتباط بين ارتكاب الجرائم ضد الانسانية والنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية . بداية يجب القول ان فكرة الارتباط بين ارتكاب الجرائم ضد الانسانيةووجود حالة حرب ظهرت لاول مرة في ميثاق المحكمة العسكرية في نورمبرغ ومحكمة طوكيو وهذا يعني ان اختصاص المحكمتين بالجرائم ضد الانسانية لم يكن معقوداً إلا على  التي لها صلة بالحرب مما يعني اشتراط الارتباط بينهما ، ولكن ما هو موقف المحاكم الدولية الجنائية والمجتمع الدولي والصكوك الدولية من مسألة الارتباط بين الجرائم ضد الانسانية ووجود نزاع مسلح بعد ذلك؟ لا بد من الاشارة الى ان المحاكم الدولية الجنائية اختلفت حول هذه المسألة فالمادة (5) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا اشترط وجود ارتباط بين الجرائم ضد الانسانية والنزاعات المسلحة الدولية اوغير الدولية ، اما المادة (3) من النظام الاساسي لمحكمة رواندا فلم تشترط وجود مثل هذا الارتباط ، كما لم تشترط المادة (18) من مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية وامنها لعام 1996 أيضاً الارتباط بين ارتكاب الجرائم ضد الانسانية ووجود نزاع مسلح . أما بالنسبة للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة فقد ثارت في الاعمال التحضيرية التي سبقتها مشكلة الارتباط وانقسمت الدول الى اتجاهين الاول يرى ان الجرائم المرتكبة ضد الانسانية يمكن ان ترتكب وقت السلم وفي اطار اعمال منهجية كما يمكن ان ترتكب وقت النزاعات المسلحة اما الثاني وقد أيدتة غالبية الدول العربية فيرى ان الجرائم ضد الانسانية التي يجب ادراجها في النظام الاساسي هي الجرائم التي ترتكب في حالة النزاعات المسلحة وليس التي ترتكب وقت السلم(7).  بل ان بعض الوفود المشاركة ذهبت الى وجوب ارتباط الجرائم ضد الانسانية بالنزاع المسلح الدولي فقط(8). ومن المؤكد اليوم ان الرأي الاول هو الاصوب لان غالبية الصكوك الدولية والاجتهادات الفقهية القانونية والتحليلات العلمية اوضحت انه لا يوجد التزام بان تكون هذه الجرائم قد ارتكبت إبان صراعات مسلحة لكي تعد جرائم ضد الانسانية(9). وانا بدوري أؤيد الرأي الاول كذلك واستند الى الحجج الآتية :

  1. ان اتجاه المحكمتين العسكريتين (نورمبرغ وطوكيو) في ربط الجرائم ضد الانسانية مع وجود حالة حرب له ما يبرره حيث ان هاتين المحكمتين لم يكونا محكمتين دوليتين جنائيتين بمعنى الكلمة بل محكمتين عسكريتين منشأتين بارادة المنتصر للنظر في الجرائم المرتكبة في الحرب العالمية الثانية واشتراط الارتباط هذا لم يكن القصد منه ان يكون الارتباط ركناً في تعريف الجريمة ضد الانسانية بل وضع القيد على اختصاص المحكمة الزماني .
  2. هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي ابرمت بعد المحكمتين وكان لها صلة بالجرائم ضد الانسانية إلا انها لم تشترط الارتباط بينها وبين النزاعات المسلحة نذكرمنها على سبيل المثال اتفاقية عدم تقادم الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب عام 1968 وكذلك مبادئ التعاون الدولي لتعقب مرتكبي الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب عام 1973.
  3. رغم ان النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا قد اشترطت في المادة (5) منها الارتباط إلا ان تقرير الامين العام الذي قدمه الى مجلس الامن لوضع تصوراته عن نظام المحكمة في ذلك الوقت جاء ليفسر النص المذكور بقوله (ان صياغته العامة وسياق النظام العام ككل تفيد بان الجرائم ضد الانسانية قد ترتكب خارج نطاق الصراعات المسلحة كلية دولية كانت ام غر دولية)(10) ، كما ان المحكمة نفسها لم تشترط الارتباط عند نظرها واصدارها للاحكام القانونية ، إذ ذهبت المحكمة الى القول في حكمها الصادر في قضية (Tadic) (ان القانون الدولي العرفي لا يشترط وجود صلة بين الجرائم ضد الانسانية والنزاع المسلح)(11). وهذا هو اتجاه المحكمة الدولية لرواندا اذا لم يشترط المادة (3) هذا الارتباط(12). واتجاه المحكمة الدولية الجنائية الحالية إذ جاء النظام الاساسي الخاص بها خالياً من شرط الارتباط بين الجرائم ضد الانسانية والنزاع المسلح .
  4. ان اشتراط الارتباط امر غير منطقي إذ يترتب عليه ان تصبح هذه الجرائم مطابقة لجرائم الحرب وفي هذا تجاهل للتطور الحاصل في مجال فقه القانون الدولي الجنائي في اعتبار ان هناك استقلال بين الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب لما فيه من انكار لحقوق الانسان(13).
  5. هناك تداخل بين الجرائم ضد الانسانية واحترام حقوق الانسان في كل زمان ومكان لذلك فان الربط بينهما وبين النزاع المسلح امر يتعارض مع العدالة الدولية ، حيث ان اطلاق التجريم على الاعمال التي ترتكب في حق الانسانية يجعل من الممكن مساءلة النظم التسلطية التي تمضي في التنكيل والبطش بمعارضيها وشعوبها كسياسة عامة بهدف استمرار هيمنتها التامة على مقدرات البلاد(14). كما ان تأثيم الافعال المكونة لهذه الجرائم وسيلة فعالة لتوفير الحماية الجنائية لحقوق الانسان وقت السلم والحرب بل احد الضمانات الاساسية للحد من طغيان الحكام الذين يتنكرون للقيم الانسانية العليا(15).

ب- ما المقصود بعنصر السياسة في الجرائم ضد الإنسانية :

عنصر السياسة في الجرائم ضد الانسانية يعني ان يكون ارتكاب هذه الجرائم عملاً بسياسة دولة او منظمة غير حكومية داخلية تقضي بارتكاب هجوم ضد السكان المدنيين او يكون تعزيزاً لهذه السياسة ويكون ذلك عن طريق التشجيع او الدعم الايجابي من قبل الدولة او المنظمة لارتكاب هذه الجرائم او قد يكون على اساس الاحجام عن القيام بواجب منع هذه الأعمال بقصد تشجيع ارتكابها(16) وعنصر السياسة يقصد به أيضاً ان يكون التخطيط او التنظيم او التحريض من مصدر معين (دولة او جهة غير حكومية) وهذا يعني انه لا يشترط ان يسند هذه السياسة الى السلطات الرسمية في الدولة بل يمكن إسنادها الى الجماعات المختلفة التي تكون متورطة في ارتكاب هذه الاعمال المجرمة مثل الحركات الانفصالية او المنظمات الإرهابية ، ولا يشترط ان تكون هذه السياسة معلنة فقد تكون ضمنية وهذا هو الغالب في معظم الحالات ، إذ ان ارتكاب هذه الاعمال على نطاق واسع وبشكل منظم يعد قرينة على ان هذه الاعمال هي جزء من السياسة العامة(17). ومع ان عنصر السياسة كان محل اختلاف بين الدول و انتقاد من جانب المنظمات الدولية غير الحكومية، على اساس ان المحكمة الدولية الجنائية باشتراطها ان تكون الجرائم ضد الانسانية مرتكبة عملاً بسياسة دولة او منظمة قد اضافت عنصرا جديدا الى هذه الجرائم لم يكن موجوداً في النظام الاساسي لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا(18). إلا انه من الثابت ان اشتراط السياسة هو الذي يضفي على الفعل اللاانساني حجماً كبيراً وتجعل منه جريمة ضد الانسانية ، وهذا يعني ان ارتكاب الفرد لأي من الافعال التي تشكل جريمة ضد الانسانية دون ان يكون ارتكابها جزءا من سياسة دولة او منظمة لا تؤدي الى تحقق وصف الجرائم ضد الانسانية ولذلك يذهب الفقيه الجنائي د. محمود شريف بسيوني الى القول (ان عنصر السياسة هو العنصر الأساسي الذي يضفي الصفة الدولية على الجرائم ضد الإنسانية)(19). واشتراط عنصر السياسة يعني استبعاد الحوادث النادرة والافعال التي ترتكب دون علم الدولة من نطاق الجرائم ضد الانسانية وبقاءها خاضعة للاختصاص الجنائي الوطني(20).

جـ- هل يشترط ان ترتكب الجرائم ضد الانسانية بحق جماعات موصوفة :

ومعنى ذلك انه هل يجب ان ترتكب الجرائم ضد الانسانية على اساس من التمييز أي ضد فئة معينة على اساس قومية او سياسية او اثنية او عنصرية او دينية ام لا يشترط ذلك. الواقع انه في نطاق القانون الدولي الجنائي ومن خلال ملاحظة نصوص المحاكم الدولية الجنائية نجد ان هناك اختلافا بينها حول هذه المسألة فالمحكمة الدولية الجنائية لرواندا اشترطت صراحةً  ضرورة ان ترتكب الجرائم ضد الانسانية كجزء من هجوم واسع ومنهجي على السكان المدنيين على أسس قومية او سياسية او اثنية او عرقية او دينية(21). أما المحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا فإنها لم تشترط مثل هذا الشرط  في المادة (5) بل مجرد ان تكون الافعال المكونة لهذه الجرائم موجهة ضد أي من السكان المدنيين . اما بالنسبة للمحكمة الدولية الجنائية الحالية ففي الاعمال التحضيرية  اقترحت بعض الوفود وخاصة الوفد الفرنسي اشتراط ارتكاب الجرائم ضد الانسانية  على اساس من التمييز على غرار المادة (3) من نظام محكمة رواندا ، وبمعنى           اخر فان وجهة النظر هذه ترى لزوم ارتكاب الجرائم ضد الانسانية لدوافع او أسس قومية او سياسية او اثنية او عنصرية او دينية ولكن الاغلبية الساحقة للوفود رفضت اشتراط التمييز لان هذا الشرط غير مطلـوب بمـوجب القانـون الدولــي العرفـي إلا بالنسبة للفعل اللاانساني المتمثل (بالاضطهاد) الذي يعد احد الافعال المكونة للجرائم ضد الانسانية(22). ونحن نؤيد الرأي القائل بعدم اشتراط ارتكاب الجرائم ضد الانسانية على اساس تمييزي(23). لان القول بضرورة ارتكاب هذه الجرائم على اساس تمييزي يجعل من هذه الجريمة صورة مطابقة لجريمة الابادة الجماعية التي سبق ان قلنا انها ترتكب على اساس تمييزي ضد جماعات موصوفة على اسس قومية او اثنية او عرقية او دينية، فضلاً عن ان اشتراط ارتكاب الجرائم ضد الانسانية على اساس تمييزي يعني استبعاد الجرائم المرتكبة بحق جماعات اخرى لا تربطهم أية روابط (عرقية او دينية او قومية او اثنية) كما هو الحال بالنسبة للجرائم المرتكبة بحق المثقفين والفئات الاجتماعية او السياسية وخاصة اذا ما علمنا ان هذه الفئات تم استبعادها من الخضوع لاحكام جريمة الابادة الجماعية لعدم ادراجهم في الاتفاقية الخاصة بهذه الجريمة لعام 1948(24). ولذلك فان اشتراط ارتكاب الجرائم ضد الانسانية أيضاً على اساس تمييزي يعني عدم حماية هذه الفئات لانها كما  خرجت من نطاق جريمة الابادة الجماعية سوف تخرج من نطاق الجرائم ضد الانسانية ، ناهيك عن ان اشتراط هذا الشرط يؤدي الى تعقيد اثبات الجريمة ضد الانسانية وذلك لان معيار التمييز من الصعب اثباته لكونه عنصرا شخصيا(25). لذلك نجد ان النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية في المادة (7) قد تلافى مثل هذه الاشكالات وجاءت خالية من الاشارة الى معيار التمييز كشرط لارتكاب الجرائم ضد الانسانية وانما اكتفت بالقول بان ترتكب الافعال المكونة لهذه الجرائم ضد أي من السكان المدنيين،وهكذا وعلى نقيض الشرط القانوني الفريد في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية لروندا ، فإنه لا يشترط ان تكون هذه الأفعال قد ارتكبت بنية تمييزية .

د- ما هو القصد المطلوب في الجرائم ضد الإنسانية :

في الحقيقة ان مشكلة القصد المطلوب في الجرائم ضد الانسانية قد تولد بعد ان اشترطت المادة (7) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية ضرورة ان يكون مرتكب الجريمة على علم بالهجوم الذي يشكل الفعل اللاانساني الذي ارتكبه او الافعال اللاانسانية التي ارتكبها جزءا منه ، وهذا يعني ان المادة المذكورة لا تكتفي بالقصد العام القائم على العلم والإرادة بل تتطلب وجود (قصد خاص) أي لا بد من ان يكون الفاعل على علم بالاطار الأوسع الذي ارتكبت فيه الجرائم المنسوبة اليه تنفيذاً لسياسة دولة او منظمة . ورغم ان النظام الاساسي لكل من محكمة يوغسلافيا ورواندا لم يورد مثل هذه العبارة (عن علم بالهجوم) إلا ان احكام المحكمتين اشارت الى ذلك . ففي قضية (Tadic) اشارت المحكمة الدولية ليوغسلافيا الى ضرورة توافر النية لارتكاب الجريمة مقرونة بالعلم بالإطار الأوسع الذي ترتكب فيه(26). كما قد اشارت المحكمة الدولية لرواندا الى ذلك أيضاً في قضية المتهم (kayishema-clement) بقولها (انه لا يكفي ان يتعمد الجاني ارتكاب احدى الافعال اللاإنسانية المكونة للجريمة ضد الانسانية بل لا بد من ان يدرك الاطار العام لفعله)(27). وعلى هذا الأساس يجب ان يكون للمنفذين لهذه الجرائم القصد الخاص عن طريق معرفة السياسة العامة التي يقومون بتنفيذها او مناصرتها(28). لذلك فان الجرائم ضد الإنسانية يتطلب الركن المعنوي فيها  الى جانب القصد العام قصدا خاصا(29). إذ ما دام وجود الهجوم واسع النطاق او النظامي هو الصفة الاساسية للجريمة ضد الانسانية ، فان المتهم يجب ان يكون على علم بالاطار الواسع لهذه الجريمة وان افعاله جزء منها حتى يتوافر القصد الخاص اما اذا انعدم العلم انعدم القصد الخاص ، فقد يكون لدى الفرد نية القتل دون ان يكون له نية ارتكاب جريمة ضد الإنسانية(30). ومع ذلك فإننا نعتقد بضرورة الاخذ بالمعيار السابق الذي اشرنا إليه في جريمة الابادة الجماعية، وهو قصد عام للمخططين ومصدري الاوامر على المستوى الاعلى (صانعي السياسة) ام المنفذين على المستوى الادنى فيجب توافر القصد الخاص لديهم.

__________________

1- انظر : د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، نشاتها ونظامها الاساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، نادي القضاة، القاهرة، الطبعة الثالثة ، 2002، ص29. 

2- انظر : د. سمعان بطرس فرج اللة، الجرائم ضد الانسانية، ابادة الجنس وجرائم الحرب، وتطور مفاهيمها، ضمن كتاب دراسات في القانون الدولي الانساني، تقديم د.مفيد شهاب، دار المستقبل العربي، القاهرة الطبعة الاولى،2000 ، ص440. 

3- مشار الى ذلك في تقديم لكتاب الدكتور محمود شريف بسيوني ، الجرائم ضد الانسانية في القانون الجنائي الدولي ، منشورات (مارينوس بنجهوف 1998) على الموقع التالي في شبكة الانترنت :

     http:// www. crime of war. Org / arabic / legal. 5 htm.

4-See : Andr’e huet and rehee koering – joulin – droit penal international presses universitaires de France,2 editon 2001, p 88.

5- انظر كل من : دان ساكسون ، السرقة بالاكراه ضد الانسانية ، معاملة الجريمة ضد الانسانية في القانون الانساني الدولي كأساس للاضطهاد والابادة الجماعية ، منتدى حول الجريمة والمجتمع ، المجلد (2) ، العدد الاول ، المركز المعني بمنع الاجرام الدولي ، الامم المتحدة ، نيويورك ، كانون الاول 2002 ، ص116 ؛ وكذلك انظر : Peter Burns, Crime Against Humanity, International protection and International Development. http:// www. pwias . ubc. ca. p. 1.

6-See: Geoffry Robertson, Crime Against Humanity, The Struggle for Global Justice, Allenlane. The Penguin Press, 1999, p.6.   

7- انظر في عرض الاتجاهين : الطاهر مختار علي سعد، القانون الدولي الجنائي، الجزاءات الدولية، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، الطبعة الاولى 2001، ص195.

8-انظر : د. محمد يوسف علوان، الجرائم ضد الانسانية، ضمن الندوة العلمية)المحكمة الجنائية الدولية، تحدي الحصانة(جامعة دمشق، كلية الحقوق، من 3-4 تشرين الاول،2001 ، ص206.

9- انظر : الوثيقة IOR 40/05/00   الخاصة بمنظمة العفو الدولية بعنوان(محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية) والمشار اليها في الورشة العربية الاولى حول المحكمة الدولية الجنائية ، المركز الاقليمي للأمن الإنساني ، المعهد الدبلوماسي الاردني ، 2003، ص3 من الوثيقة.

10-  تقرير الامين العام المقدم الى مجلس الامن استناداً الى الفقرة (2) من القرار (808) في 3/5/1993 ، الامم المتحدة ، الوثائق الرسمية لمجلس الامن ، السنة (48) ، 1993 ، الوثيقة (S/25704) .

11-Case of Tadic : http:// www. un. org/ icty/ tadic/appal/judgment-aj-9965e.pdf 

12- يقول د. محمود شريف بسيوني : ان اشتراط الارتباط بالحرب في تشريع المحكمة الدولية لرواندا يعني استحالة محاكمة هذه الجرائم لان الصراع كان داخلياً صرفاً ، بسبوني ، الاطار العرفي للقانون الدولي الانساني، التداخلات والثغرات والغموض ،ضمن كتاب القانون الدولي الانساني، تقديم د.احمد فتحي سرور، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الاولى، 2003 ، ص88. 

13-انظر : د. حسنين عبيد ابراهيم صالح، الجريمة الدولية، دراسة تحليلية تطبيقية، دار النهضة العربية،القاهرة، الطبعة الاولى،1979، ص260.

14- انظر : د. سمعان بطرس فرج الله ، مصدر سابق ، ص242.

15- انظر : د. عبد الواحد محمد الفار، الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها، دار النهضة العربية،القاهرة،1996، ص289.

16- انظر : د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، نشأتها ونظامها الاساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، نادي القضاة، القاهرة، الطبعة الثالثة ، 2002، ص156.

17- انظر : د. سمعان بطرس فرج الله ، مصدر سابق ، ص443. 

18- د. محمد يوسف علوان ، الجرائم ضد الانسانية ، مصدر سابق ، ص ص 212-213.

19- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، تقييم النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، ضمن كتاب دراسات في القانون الدولي الانساني ، مصدر سابق ، ص455؛ وكذلك : بسيوني ، الاطار العرفي للقانون الدولي الانساني ، مصدر سابق ، ص91. 

20- محمد يوسف علوان،المحكمة الجنائية الدولية،ضمن الندوة العلمية بعنوان)القانون الدولي الانساني الواقع والطموح(،جامعة دمشق،كلية الحقوق،من4-5تشرين الثاني 2000 ، ص209. 

21- انظر : م (3) من النظام الاساسي لمحكمة رواندا . 

22- انظر : د. محمد يوسف علوان ، الجرائم ضد الانسانية ، مصدر سابق ، ص208.

23- تجدر الاشارة الى ان هناك من الفقهاء من يخلط ما بين الاضطهاد كفعل من الافعال المكونة للجرائم ضد الانسانية والافعال الاخرى المكونة للجرائم ضد الانسانية ويقول ان المجني عليهم في هذه الجرائم هم الذين ينتمون الى عقيدة دينية واحدة او مذهب سياسي واحد او قومية واحدة او ابناء عرق واحد وهذا غير مطلوب إلا في فعل الاضطهاد دون بقية الافعال اللاانسانية الاخرى . انظر : د. علي عبد القادر القهوجي ، مصدر سابق ، ص118.

24- انظر ما سبق شرحه في المطلب الاول .

25- د. محمد يوسف علوان،الجرائم ضد الانسانية،ضمن الندوة العلمية)المحكمة الجنائية الدولية،تحدي الحصانة(جامعة دمشق،كلية الحقوق،من 3-4 تشرين الاول،2001 ، ص208.

 26-Case of Tadic - http:// www. un. Org/ icty/ tadic/ appal/ jugement- aj – 99675 e. pdf.

27- Case of Kayishema - http:// www. un. Org / ictr / default/ jugement – kayishema- clement. 

28- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الدولية الجنائية ، مصدر سابق ، ص159.

29- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي، القانون الدولي الجنائي، اهم الجرائم الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية،بيروت، الطبعة الاولى،2001 ، ص125.

30- انظر : د. محمد يوسف علوان ، الجرائم ضد الإنسانية ، مصدر سابق ، ص214. 

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .