أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-7-2016
3080
التاريخ: 5-10-2014
3885
التاريخ: 22-04-2015
1337
التاريخ: 13-11-2014
1641
|
لقد كانت الروح القبلية سائدة على المجتمع الإسلامي الفتيّ يومذاك ، وكان لرئيس القبيلة نفوذ واسع بين أفراد قبيلته ، وقد كان الولاء للقبيلة متوغلاً في نفوسهم حتى بعد إسلامهم رغم ما تلقّوه من التعاليم الإسلامية والتربية القرآنية ، ولذلك كانت تلك النزعة تظهر بين الفينة والأُخرى وينشب بسببها النزاع ويكاد يتسع لولا حكمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتدبيره.
ويكفي في ذلك ما رواه أهل السير في تفسير قوله سبحانه : {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون : 8] .
وقد نشب نزاع في العام السادس من الهجرة في أرض بني المصطلق عند ماء ، حيث تنازع رجلان أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار على سقي الماء ، فاقتتلا ، فصرخ الأنصاري فقال : يا معشر الأنصار ، والآخر قال : يا معشر المهاجرين ، فاجتمع من كلٍّ رهطٌ بسيوفهم ، فلولا حكمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لسالت دماء في أرض العدو حيث قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « دعوها فإنها دعوى منتنة » (1) يعني أنّها كلمة خبيثة لأنّها من دعوى الجاهلية ، وجعل الله المؤمنين إخوة وحزباً واحداً.
وكم لهذا الموقف من نظائر في التاريخ ، وبإمكانك أن تقرأ دور شاس بن قيس الذي كان شيخاً من اليهود كيف خطّط لإثارة النعرات الطائفية بين الأوس والخزرج حتى كادت أن تندلع الفتنة بينهما مرة أُخرى إلا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخمدها بحكمة بالغة ، قائلاً : يا معشر المسلمين الله الله ، أبدعوى الجاهلية وانا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألّف به بين قلوبكم ». (2)
كل ذلك يدل على وجود رواسب الجاهلية بين قبيلتي الأوس والخزرج حتى بعد اعتناقهم الإسلام وانضوائهم تحت لوائه. ويشهد على ذلك مضافاً إلى ما مرّ ما أخرجه البخاري في صحيحه في قصة الإفك ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر : « يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت علىٰ أهلي إلاّ خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً ، وما يدخل على أهلي إلاّ معي ».
قالت عائشة : فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.
قالت : فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ـ ، قالت : وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميّة ـ فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمرو الله ، والله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يُقتل.
فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عم سعد ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ، لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين.
قالت عائشة : فثار الحيّان ( الأوس والخزرج ) حتى همُّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر.
قالت : فلم يزل رسول الله يخفّضهم حتى سكتوا وسكت. (3)
فكيف يجوز والحال هذه أن يترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أُمَّته المفطورة على العصبيات القبلية ، وعلى الاستئثار بالسلطة والزعامة وحرصهاً على النفس ، ورفض سلطة الآخر ؟
فهل كان يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك تعيين مصير الخلافة لأُمَّة هذه حالها ، وفي تعيينه قطع لدابر الاختلاف والفرقة ؟
وهل كان من المحتمل أن تتفق كلمة الأُمَّة جمعاء على واحد ، ولا تخضع للرواسب القبلية ، ولا تبرز إلى الوجود مرة أُخرى ما مضى من الصراعات العشائرية وما يتبع ذلك من حزازات ؟
أم هل يجوز لقائد يهتم ببقاء دينه وأُمّته أن يترك أكبر الأُمور وأعظمها وأشدها دخالة في حفظ الدين ، إلى أُمة نشأت على الاختلاف ، وتربَّت على الفرقة ، مع أنّه كان يشاهد الاختلاف منهم في حياته أحياناً ، كما عرفت ؟
إنّ التاريخ يدل على أنّ هذا الأمر قد وقع بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في السقيفة
حيث سارعت كلّ قبيلة إلى ترشيح نفسها للزعامة ، منتحلة لنفسها أعذاراً وحججاً وطالبة ما تريد بكلّ ثمن حتى بتجاهل المبادئ وتناسي التعاليم الإسلامية والوصايا النبوية.
فقد ذكر ابن هشام تحت عنوان « أمر سقيفة بني ساعدة ، تفرق الكلمة » (4)
نقلاً عن عمر بن الخطاب ما يدل على اختلاف الكلمة وعدم الاتفاق على أحد.
فذلكة وتحليل
هذه صورة مصغرة من تاريخ المسلمين في العصر الأوّل ، وقد عرفت أنّ الأعداء كانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر للقضاء عليهم من الخارج والداخل.
ومن جانب آخر كانت الرواسب القبلية خامرة في نفوسهم تبرز بين الحين والآخر.
فهذه الظروف تفرض على قائد حكيم كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفكِّر مليّاً في مستقبل الأُمة الإسلامية بعد رحيله ، فيخطّط تخطيطاً حكيماً للحيلولة دون مضاعفات الخطر الثلاثي والتعصبات القبلية التي تهدد كيان الإسلام وتقوّض أركانه من خلال نصب قائد بأمر من قبل الله سبحانه يقود الأُمة الإسلامية إلى ساحة الجهاد بُغية دفع الأخطار المحدقة بهم ، وبقداسته ومثاليته وكونه منصوباً من الله سبحانه يقطع دابر الخلاف في تعيين الخليفة ، وهذا بخلاف ما لو ترك الأُمة على حالها والعدو ببابها والنزاع القبلي على قدم وساق.
_____________________
1. السيرة النبوية : 2 / 290 ـ 291.
2. السيرة النبوية : 1 / 555 ـ 557.
3. صحيح البخاري : 5 / 189 ، باب غزوة بني المصطلق.
4. السيرة النبوية : 2 / 659 ـ 660.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|