أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017
5472
التاريخ: 13-2-2017
4586
التاريخ: 10-2-2017
15096
التاريخ: 27-2-2017
8977
|
قال تعالى : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء : 123-124].
لما ذكر سبحانه الوعد والوعيد قال عقيب ذلك : {ليس بأمانيكم} معناه : ليس الثواب والعقاب بأمانيكم أيها المسلمون ، عن مسروق ، والسدي .
وقيل : الخطاب لأهل الشرك من قريش ، لأنهم قالوا : لا نبعث ، ولا نعذب ، عن مجاهد ، وابن زيد. {ولا أماني أهل الكتاب} أي : ولا بأماني أهل الكتاب في أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى. وهذا يقوي القول الأخير على أنه لم يجر للمسلمين ذكر في الأماني ، وذكر أماني الكفار قد جرى في قوله : {ولأمنينهم}.
هذا وقد وعد الله المؤمنين فيما بعد بما هو غاية الأماني.
{من يعمل سوءا يجز به} اختلف في تأويله على أقوال أحدها : أنه يريد بذلك جميع المعاصي صغائرها وكبائرها ، وإن من ارتكب شيئاً منها ، فإن الله سبحانه يجازيه عليها ، إما في الدنيا ، وإما في الآخرة ، عن عائشة ، وقتادة ، ومجاهد.
وروي عن أبي هريرة أنه قال : " لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا : يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء ! فقال : أما والذي نفسي بيده ، إنها لكما أنزلت ، ولكن أبشروا ، وقاربوا ، وسددوا ، إنه لا تصيب أحدا منكم مصيبة إلا كفر الله بها خطيئته ، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه " رواه الواحدي في تفسيره مرفوعا وقال القاضي أبو عاصم القارئ العامري : " في (2) هذا قطع لتوهم من توهم أن المعصية لا تضر مع الأيمان ، كما أن الطاعة لا تنفع مع الكفر ".
وثانيها : إن المراد به مشركو قريش ، وأهل الكتاب ، عن الحسن ، والضحاك ، وابن زيد ، قالوا : وهو كقوله {وهل نجازي إلا الكفور} وثالثها : إن المراد بالسوء هنا : الشرك ، عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير. {ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} معناه : ولا يجد هذا الذي يعمل سوءا من معاصي الله ، وخلاف أمره ، وليا يلي أمره ينصره ، ويحامي عنه ، ويدفع عنه ما ينزل به من عقوبة الله ، ولا نصيرا أي : ناصرا ينصره وينجيه من عذاب الله.
ومن استدل بهذه الآية على المنع من جواز العفو عن المعاصي ، فإنا نقول له :
إن من ذهب إلى أن العموم لا ينفرد في اللغة بصيغة مختصة به ، لا يسلم أنها تستغرق جميع من فعل السوء ، بل يجوز أن يكون المراد بها بعضهم على ما ذكره أهل التأويل ، كابن عباس وغيره. على أنهم قد اتفقوا على أن الآية مخصوصة ، فإن التائب ومن كانت معصيته صغيرة ، لا يتناوله العموم ، فإذا جاز لهم أن يخصصوا العموم في الآية بالفريقين ، جاز لنا أن نخصها بمن يتفضل الله عليه بالعفو ، وهذا بين والحمد لله .
وقوله سبحانه : {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} وإنما قال : {وهو مؤمن} ، ليبين أن الطاعة لا تنفع من دون الأيمان . {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} وعد الله تعالى بهذه الآية جميع المكلفين من الرجال والنساء ، إذا عملوا الأعمال الصالحة أي : الطاعات الخالصة ، وهم مؤمنون ، موحدون ، مصدقون نبيه ، بأن يدخلهم الجنة ، ويثبتهم فيها ، ولا يبخسهم شيئا مما يستحقونه من الثواب ، وإن كان مقدار نقير في الصغر. وقد قابل سبحانه الوعيد العام في الآية التي قبل هذه الآية بالوعد العام في هذه الآية ، ليقف المؤمن بين الخوف والرجاء.
_________________________
1. مجمع البيان ، ج3 ، ص 197-198 .
2. [جميع] .
ترتكز هاتان الآيتان على مبدأ بديهي ، لا يجادل أحد فيه ، ويرتفع بقيمته من مستوى التعديل والتغير بتغير الأزمان والأحوال ، والتخصيص بالنساء أو الرجال ، وهو « الإنسان مجزي بأعماله ان خيرا فخير ، وان شرا فشر » . . وتكرر هذا المعنى بأساليب شتى في كتاب اللَّه ، منها قوله في الآيتين : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ . . } {ومَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} . ومنها : { لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ} [إبراهيم : 51] .
ومنها : { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم : 31] . . إلى كثير من الآيات . وبعد هذا الإجمال نشرع بالتفصيل :
{ لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ ولا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ } . قال الجاحدون لمن دعاهم إلى الإيمان : سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ، ان هذا إلا خلق الأولين ، وما نحن بمعذبين . وقال اليهود والنصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى . وقال قائل من المسلمين : ان النار خلقت لغير المسلمين . . وهكذا كل أناس فرحون بما يدينون . . فرد اللَّه عليهم جميعا بقوله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } كائنا من كان ، وليس بين اللَّه وبين أحد نسب ولا سبب إلا الإخلاص والعمل الصالح ، وكفى دليلا على ذلك قوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ } . وفي الحديث : ان اللَّه يقول غدا : اليوم أضع نسبكم ، وأرفع نسبي ، أين المتقون ؟ .
وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : « ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ، واللَّه مالنا على اللَّه حجة ، ولا معنا من اللَّه براءة ، وانّا لميتون وموقوفون ومسؤولون ، من أحب الغلاة فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبنا ، الغلاة كفار ، والمفوضة مشركون (2) » .
بين الرجل والمرأة :
{ ومَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ } .
ما دام الذكر والأنثى سواء في التكليف والمسؤولية تحتم أن يكونا سواء في الجزاء .
ومهما قيل في الفرق بين الرجل والمرأة في هذه الحياة فإنه لا فرق إطلاقا بينهما يوم الحق والفصل . فالمقارنة ان صحت بوجه ما فإنها لا تصح بحال من حيث الجزاء على الحسنات والسيئات . وسبق الكلام عن المرأة عند تفسير الآية 228 من سورة البقرة ، فقرة « بين الرجل والمرأة » في الشريعة الإسلامية ، المجلد الأول ص 343 .
وقوله تعالى : { وهُوَ مُؤْمِنٌ } شرط لدخول الجنة ، كما هو صريح الآية :
{ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ } وليس شرطا لغيرها من الجزاء والمكافأة على العمل الصالح ، فالكافر إذا عمل الخير لوجه الخير ، لا للشهرة والإتجار ، كافأه اللَّه عليه ، لأنه عادل لا يضيع أجر من أحسن عملا ، كيف وهو القائل : { هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلَّا الإِحْسانُ } . وليس من الضروري أن تكون الجنة جزاء المحسن ، فقد يكون الجزاء في الدنيا ، أو في الآخرة بتخفيف العذاب ، أو لا بالجحيم ولا بالنعيم . وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 176 من سورة آل عمران فقرة « الكافر وعمل الخير » ، وعند تفسير الآية 34 من سورة النساء .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 445-446 .
2. المفوضة هم الذين قالوا : ان العبد مستقل بأفعاله ، وليس للَّه فيها صنيع ، على عكس المجبرة الذين قالوا : ان اللَّه يخلق الأفعال في العبد ، وليس للعبد فيها صنع ، أما أهل العدل فقالوا : لا جبر ولا تفويض ، بل بين بين .
قوله تعالى : { لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ } عود إلى بدء الكلام وبمنزلة النتيجة المحصلة الملخصة من تفصيل الكلام ، وذلك أنه يتحصل من المحكي من أعمال بعض المؤمنين وأقوالهم ، وإلحاحهم على النبي صلى الله عليه وآله أن يراعي جانبهم ، ويعاضدهم ويساعدهم على غيرهم فيما يقع بينهم من النزاع والمشاجرة أنهم يرون أن لهم بإيمانهم كرامة على الله سبحانه وحقا على النبي صلى الله عليه وآله يجب به على الله ورسوله مراعاة جانبهم ، وتغليب جهتهم على غيرهم على الحق كانوا أو على الباطل ، عدلا كان الحكم أو ظلما على حد ما يراه اتباع أئمة الضلال ، وحواشي رؤساء الجور وبطائنهم وأذنابهم ، فالواحد منهم يمتن على متبوعه ورئيسه في عين أنه يخضع له ويطيعه ، ويرى أن له عليه كرامة تلتزمه على مراعاة جانبه وتقديمه على غيره تحكما.
وكذا كان يراه أهل الكتاب على ما حكاه الله تعالى في كتابه عنهم قال تعالى : {وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} : ( المائدة : 18 ) ، وقال تعالى : { وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا} : ( البقرة : 135 ) ، وقال تعالى : {قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} : ( آل عمران : 75 ) .
فرد الله على هذه الطائفة من المؤمنين في مزعمتهم ، وأتبعهم بأهل الكتاب وسمى هذه المزاعم بالأماني استعارة لأنها كالأماني ليست إلا صورا خيالية ملذة لا أثر لها في الأعيان فقال : ليس بأمانيكم معاشر المسلمين أو معشر طائفة من المسلمين ولا بأماني أهل الكتاب بل الأمر يدور مدار العمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وقدم ذكر السيئة على الحسنة لأن عمدة خطأهم كانت فيها .
قوله تعالى : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً } جيء في الكلام بالفصل من غير وصل لأنه في موضع الجواب عن سؤال مقدر ، تقديره إذا لم يكن الدخول في حمى الإسلام والإيمان يجر للإنسان كل خير ، ويحفظ منافعه في الحياة ، وكذا اليهودية والنصرانية فما هو السبيل ؟ وإلى ما ذا ينجر حال الإنسان ؟ فقيل : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ } (إلخ) .
وقوله { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } مطلق يشمل الجزاء الدنيوي الذي تقرره الشريعة الإسلامية كالقصاص للجاني ، والقطع للسارق ، والجلد أو الرجم للزاني إلى غير ذلك من أحكام السياسات وغيرها ويشمل الجزاء الأخروي الذي أوعده الله تعالى في كتابه وبلسان نبيه.
وهذا التعميم هو المناسب لمورد الآيات الكريمة والمنطبق عليه ، وقد ورد في سبب النزول أن الآيات نزلت في سرقة ارتكبها بعض ، ورمى بها يهوديا أو مسلما ثم ألحوا على النبي صلى الله عليه وآله أن يقضي على المتهم .
وقوله { وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً } يشمل الولي والنصير في صرف الجزاء السيئ عنه في الدنيا كالنبي صلى الله عليه وآله أو ولي الأمر وكالتقرب منهما وكرامة الإسلام والدين ، فالجزاء المشرع من عند الله لا يصرفه عن عامل السوء صارف ، ويشمل الولي والنصير الصارف عنه سوء الجزاء في الآخرة إلا ما تشمله الآية التالية .
قوله تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً } هذا هو الشق الثاني المتضمن لجزاء عامل العمل الصالح وهو الجنة ، غير أن الله سبحانه شرط فيه شرطا يوجب تضييقا في فعلية الجزاء وعمم فيه من جهة أخرى توجب السعة .
فشرط في المجازاة بالجنة أن يكون الآتي بالعمل الصالح مؤمنا إذ الجزاء الحسن إنما هو بإزاء العمل الصالح ولا عمل للكافر ، قال تعالى : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } : ( الأنعام : 88 ) ، وقال تعالى : { أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً } : ( الكهف : 105 ) .
قال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ } فأتى بمن التبعيضية ، وهو توسعة في الوعد بالجنة ، ولو قيل : ومن يعمل الصالحات ـ والمقام مقام الدقة في الجزاء ـ أفاد أن الجنة لمن آمن وعمل كل عمل صالح ، لكن الفضل الإلهي عمم الجزاء الحسن لمن آمن وأتى ببعض الصالحات فهو يتداركه فيما بقي من الصالحات أو اقترف من المعاصي بتوبة أو شفاعة كما قال تعالى : { إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ } : ( النساء : 116 ) وقد تقدم تفصيل الكلام في التوبة وفي قوله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ } : ( النساء : 17 ) في الجزء الرابع ، وفي الشفاعة في قوله تعالى { وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً } : ( البقرة : 48 ) في الجزء الأول من هذا الكتاب .
وقال تعالى : { مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى } فعمم الحكم للذكر والأنثى من غير فرق أصلا خلافا لما كانت تزعمه القدماء من أهل الملل والنحل كالهند ومصر وسائر الوثنيين أن النساء لا عمل لهن ولا ثواب لحسناتهن ، وما كان يظهر من اليهودية والنصرانية أن الكرامة والعزة للرجال ، وأن النساء أذلاء عند الله نواقص في الخلقة خاسرات في الأجر والمثوبة ، والعرب لا تعدو فيهن هذه العقائد فسوى الله تعالى بين القبيلين بقوله { مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى }.
ولعل هذا هو السر في تعقيب قوله { فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ } بقوله { وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً } لتدل الجملة الأولى على أن النساء ذوات نصيب في المثوبة كالرجال ، والجملة الثانية على أن لا فرق بينهما فيها من حيث الزيادة والنقيصة كما قال تعالى : { فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } : ( آل عمران : 195 ) .
_________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 75-77 .
امتيازات حقيقية وأخرى زائفة :
لقد بيّنت هذه الآية واحدا من أهم أعمدة أو أركان الإسلام ، هو أنّ القيمة الوجودية لأي إنسان وما يناله من ثواب أو عقاب ، لا تمت بصلة إلى دعاوى وأمنيات هذا الإنسان مطلقا ، بل أن تلك القيمة ترتبط بشكل وثيق بعمل الإنسان وإيمانه وأنّ هذا مبدأ ثابت ، وسنّة غير قابلة للتغيير ، وقانون تتساوى الأمم جميعها أمامه ، ولذلك تقول الآية في بدايتها : {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ...} وتستطرد فتقول : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً}.
وكذلك الذين يعلمون الخير ، ويتمتعون بالإيمان ، سواء أكانوا من الرجال أو النساء ـ فإنّهم يدخلون الجنّة ولا يصيبهم أقل ظلم أبدا ، حيث تقول الآية : {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} (٢) .
وبهذه الصورة يعمد القرآن إلى نبذ كل العصبيات بكل بساطة ، معتبرا الاعتبارات والارتباطات المصطنعة الخيالية والاجتماعية والعرقية وأمثالها خاوية من كل قيمة إذا قيست برسالة دينية ، ويعتبر الإيمان بمبادئ الرسالة والعمل بأحكامها هو الأساس.
وفي تفسير الآية الأولى من الآيتين الأخيرتين حديث نقلته مصادر الشيعة والسنّة ، مفاده أنّ المسلمين حين نزلت هذه الآية استولى عليهم الرعب وأخذوا يبكون خوف ، لمعرفتهم بأنّ الإنسان معرض للخطأ ويحتمل كثيرا صدور ذنوب منه ، فلو فرض عدم وجود عفو أو غفران وأن يؤاخذ كل إنسان بجريرته ، فإنّ الأمر سيكون في غاية الصعوبة ، لذلك لجؤوا إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له أن هذه الآية قد أفقدتهم كل أمل ، فأقسم النّبي لهم بالله أنّه ما جاءت به الآية هو الصحيح ، ولكنه بشّرهم بأنّها ستكون خير محفز لهم للتقرب إلى الله والقيام بالأعمال الصالحة ، وإنّ ما سيصيبهم من محن ومصائب وآلام حتى لو كانت من وخز شوكة سيكون كفارة لذنوبهم (3) .
سؤال :
من الممكن أن يستدل البعض من الجملة القرآنية التالية : {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً} على أنّ قضية الشفاعة ونظائرها قد ألغيت بهذه الآية بصورة تامّة ، فيعتبرونها دليلا لإلغاء الشفاعة بصورة مطلقة .
الجواب :
لقد أشرنا سابقا إلى أن الشفاعة لا تعني أنّ الشفعاء من أمثال الأنبياء والأئمة والصالحين لهم جهاز أو تنظيم مستقل يقابل قدرة الله ، بل الصحيح هو أنّ الشفعاء لا يشفعون لأحد إلّا بإذن الله ، وعلى هذا الأساس فإنّ مثل هذه الشفاعة ستعود في النهاية إلى الله وتعتبر فرعا من ولاية ونصرة وعون الله.
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 315-317 .
2. لقد أوضحنا المراد من عبارة «نقير» في تفسير الاية ٥٣ من نفس هذه السورة.
3. نور الثقلين ، الجزء الأوّل ، ص ٥٥٣.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|