أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2016
618
التاريخ: 12-1-2017
891
التاريخ: 12-1-2017
1677
التاريخ: 12-1-2017
992
|
[جواب الشبهة] :
...[من المفارقات الاصرار] على عدم جواز المسح على الرجلين في الوضوء، ووجوب الغَسل، في الوقت الذي يجيزون المسح على الحذاء في الوضوء اعتماداً على بعض الأحاديث المنقولة عن نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله).
مع أنّ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) تخالف ذلك عموماً، وكذلك هناك روايات معتبرة من طرق أهل السنّة صريحة في مخالفة ذلك.
وتوضيح ذلك: أجمع فقهاء الإمامية تبعاً لروايات أهل البيت (عليهم السلام) على عدم جواز المسح على الحذاء مطلقاً، ولكن أغلب فقهاء أهل السنّة يجيزون ذلك مطلقاً في الحضر والسفر، إلاّ أنّ بعضهم يقيد ذلك بموارد الضرورة.
وهنا تطرح مجموعة، من أسئلة، منها:
1. كيف يكون المسح على الأرجل غير جائز؟ بينما يجوز المسح على الحذاء، مع أنّهم عندما ذكروا غسل الأرجل، قالوا إنّ الغَسل لأجل التلوث أفضل من المسح.
فهل المسح على الحذاء المتلوث يمكن أن يحل محل الغسل؟
وهناك الكثير ممن قال بالتخيير بين غسل الأرجل والمسح على الحذاء.
2. لماذا تركتم التمسك بظاهر القرآن المجيد الذي يقول بمسح الرأس والرجلين، وذهبتم إلى المسح على الحذاء؟
3. لماذا لا تأخذون بروايات أهل البيت (عليهم السلام) التي اتفقت على عدم جواز المسح على الحذاء، الذين اعتبرهم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسيلة للنجاة بجوار كتاب الله؟
4. صحيح أنّ هناك روايات وردت عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) تقول: إنّه مسح على الحذاء، ولكن بالمقابل لدينا روايات معتبرة أيضاً تقول: إنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال بالمسح على الرجلين، فلماذا لا نلجأ إلى الآية القرآنيّة عند تعارض الروايات، ونجعلها حاكمة ومرجعاً في هذه الروايات المختلفة؟
وكلما تعمقنا أكثر في هذه المسألة تزداد حيرتنا :
حيث نقرأ في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: «إنّ المسح على الخفين واجب في حالات الضرورة والاضطرار، وأمّا بدون الضرورة فهو جائز، والغَسل أفضل من المسح».
وبعدها نقل عن الحنابلة قولهم: إنّ المسح على الخف أفضل من نزعه وغسل الرجلين; لأنّ الله تعالى يحب للناس أن يأخذوا برخصه كي يشعروا بنعمته عليهم، فيشكروه عليها، وقد وافق بعض الحنفية على هذا» (1).
بعدها ادعى أنّه قد ثبت المسح على الخفين بأحاديث كثيرة صحيحة تقرب من حد التواتر (2). والملفت للنظر أكثر أنّه تعرض بشكل مفصّل إلى شروط هذا النوع من الخفين، ومقدار المسح ومدته، (والمدّة المعتبرة في جواز ذلك) ومستحباته ومكروهاته، ومبطلات المسح على الخفين وأحكام الخفين، وما يلبس فوق الخفين، ونوعهما، وأنّه هل يجب أن يكونا مصنوعين من الجلد، أو يكفي غير الجلد أيضاً، وحكم الخفين المفتوحين وغير المفتوحين و... الذي يأخذ حيزاً كبيراً من هذا الكتاب (3).
5. لماذا لا نحمل روايات المسح على الحذاء على موارد الضرورة أو السفر أو الحرب، أو في الموارد التي لا يمكن نزع الحذاء فيها، أو استلزام ذلك الحرج الشديد؟
وهذه الأسئلة لا جواب لها إلاّ الأحكام المسبقة، وغير المدروسة المسببة للفوضى في مسألة بسيطة.
كنت ذات يوم في مطار جدة وشاهدت أحد هؤلاء الإخوة عند ما أقبل للوضوء، فقام بغسل رجليه بشكل جيد بدل المسح، وجاء آخر وغسل وجهه ويديه، ثم مسح بيده على حذائه، وذهب للصلاة. فأثار ذلك استغرابي وحيرتي، وقلت: هل يمكن لشخص حكيم مثل النبي (صلى الله عليه وآله) أن يعطي مثل هذه الأوامر التي لا يمكن توجيهها؟
وبعد هذه الأسئلة من اللازم أن نأتي على ذكر الأدلة الرئيسية، ومن خلال استعراض هذه الأدلة نستكشف المنشأ الأساسي لهذه الفتوى، وكذلك الطريق العقلائي للحل.
والأدلة هي مجموعة من الروايات: يمكن تقسيمها إلى عدّة طوائف:
أ) الروايات التي نقلت من مصادر أهل البيت (عليهم السلام) والتي تنفي بشكل عام المسح على الحذاء، وعلى سبيل المثال:
1. ينقل الشيخ الطوسي عن أبي الورد قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام) إنّ أبا ظبيان حدثني أنّه رأى علياً (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفين، فقال: كذب أبو ظبيان: أمَا بَلَغَكُم قَوْلُ عَلِيّ(عليه السلام) فِيكُمْ: سَبَقَ الْكِتَابُ الخُفَّيْنِ؟
فقلتُ: هَلْ فِيهِمَا رُخْصَةٌ؟
فَقَالَ: لاَ، إلاّ مِنْ عَدُوّ تَتَقِيَّةً أو ثَلْج تُخَافُ عَلَى رِجْلَيْكَ» (4).
ونستفيد من هذا الحديث عدّة نقاط:
أولاً: أنّ المشهور في روايات أهل السنّة أنّ الإمام علياً (عليه السلام) لا يجيز المسح على الخفين، ومع هذا كيف يجيز أبو ظبيان وأمثاله لأنفسهم أن يكذبوا على الإمام (عليه السلام)، فهل كانت هناك مؤامرة؟
سيتضح الجواب عن هذا السؤال فيما بعد.
ثانياً: الإمام علي(عليه السلام) يشير إلى الطريق ويقول: القرآن المجيد مقدم على كل شيء، ولا يقدم على القرآن شيء، فإذا رأينا رواية تخالف القرآن يجب تأويلها، هذا مع أنّ آية الوضوء في سورة المائدة من الآيات التي لم تنسخ قطعاً.
ثالثاً: الإمام الباقر(عليه السلام) يشير إلى أنّ الروايات التي جاءت بالمسح على الخفين محمولة على الضرورة أيضاً، مثل: البرد الشديد الذي فيه خوف على الأرجل.
2. ينقل المرحوم الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) حديثاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «إنَّا أَهْلُ بَيْت... لا نَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَلْيَقْتَدِ بِنَا وَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِنَا»(5).
3. نقل في حديث آخر عبارة عجيبة عن الإمام الصادق(عليه السلام) يقول: «مَنْ مَسَحَ عَلَى الخُفَّينِ فَقَدْ خَالَفَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَكِتَابَهُ، ووضُوؤَهُ، لَمْ يَتُمَّ، وَصَلاتُهُ غَيْرَ مَجْزِيَة»(6).
في حين الالتفات إلى الروايات الواردة عن الإمام علي (عليه السلام) فيما يتعلق بعدم جواز المسح على الخُفين، يذكرني بكلام للفخر الرازي تعليقاً على مسألة الجهر والاخفات في البسملة، ـ فهناك مجموعة تقول بلزوم قراءتها إخفاتاً، والإمام علي (عليه السلام) يرى لزوم الجهر بقراءتها ـ يقول فيه: «من اتخذ علياً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه»(7).
ومع هذا الوضع نأتي إلى ذكر الروايات الأُخرى.
ب) الروايات التي تجيز المسح على الخُفين تنقسم إلى فئتين:
الفئة الأولى: الروايات المطلقة، مثل: مرفوعة سعد بن أبي وقاص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حول المسح على الخُفين قال: «إنَّه لاَ بَأسَ بِالوُضُوءِ عَلَى الخُفَّينِ»(8).
وفي حديث آخر نقله البيهقي عن أبي حذيفة قال: «مشى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سباطة قوم فبال قائماً ثمّ دعا بماء، فجئته بماء فتوضأ ومسح على خفيّه» وذكر البيهقي بأنّ هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن أبي الياسى، ورواه مسلم من وجه آخر عن الأعمش (9).
نحن واثقون من أنّ هذا الحديث موضوع من قبل بعض المنافقين الذين يريدون النيل من قداسة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبسبب سذاجة الكتّاب وبساطتهم دوِّن هذا الحديث في عدّة كتب معتبرة عند أهل السنّة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم.
فهل يمكن لشخصية محترمة أن تقدم على هذا النوع من العمل بلوازمه غير المناسبة، والتي يخجل القلم من شرحها، وما يبعث على الأسف وجود مثل هذه الروايات في كتب الصحاح، والتي مازال الاستدلال بها قائماً.
وعلى كل حال فهذه الروايات وأمثالها لا تقيد ولا تشترط في المسح على الخفين أي قيد أو شرط خاصين.
الفئة الثانية: هذه الروايات تحصر المسح على الخفين ـ بناء على الجواز ـ في موارد الضرورة فقط، مثل:
نقل مقدام بن شريح رواية عن عائشة يقول: سألتها عن المسح على الخفين، فقالت: اذهب إلى علي (عليه السلام) لأنّه رافق رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفره، فذهبت إلى علي (عليه السلام) وطرحت عليه السؤال، فقال: «كنّا إذا سافرنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرنا بالمسح على خفافنا»(10).
يشير هذا التعبير بشكل واضح إلى أنّ المسح على الخفين كان متعلقاً بموارد الضرورة; لأنّه يقول: إذا سافرنا كان يأمرنا بذلك.
وهناك روايات أخرى من هذا القبيل.
ويتضح من خلال التدقيق في مجموع الروايات الموجودة في المصادر المعروفة لأهل السنّة، وقبل إعطاء الأحكام المسبقة ما يلي:
أولاً: طبقاً للقاعدة المعروفة في علم الأصول (قاعدة الجمع بين المطلق والمقيد، وذلك بتقييد المطلقات) يجب حمل إطلاق الروايات التي تجيز المسح على الخفين على موارد الضرورة، مثل السفر أو في ميدان المعركة، أو موارد أخرى مشابهة لها، والملفت للنظر أنّ البيهقي في سننه قد خصص باباً مفصلاً حول الفترة الزمنية المجازة للمسح على الخفين، وبيّن من خلال بعض الروايات أنّها محدّدة بثلاثة أيّام في السفر، ويوم واحد في الحضر(11).
أليست جميع هذه الروايات دليلا واضحاً على هذه الحقيقة؟ وهي أنّ جميع الروايات التي ذكرت المسح على الخفين مختصة بحالات الضرورة، وأمّا في الحالات العادية فلا معنى لعدم خلع الخفين وعدم مسح الرجلين.
وأمّا ما يقوله البعض: إنّ ذلك لأجل رفع العسر والحرج عن الأمّة، فكلام غير مقبول; لأنّ نزع الخفين العاديين لا يحتاج إلى جهد.
ثانياً: في حالة الإنتياه للروايات المتعددة المنقولة في المصادر المعروفة لأهل البيت (عليهم السلام) وأهل السنّة، يقول الإمام علي (عليه السلام): بأنّ هذا المسح كان قبل نزول الآية السادسة من سورة المائدة المتعلقة بالوضوء، فإذا كان جائزاً، فالجواز حاصل قبل نزول آية الوضوء، وأمّا بعد نزولها فلم يكن المسح على الخفين جائزاً أيضاً، حتى في الحروب والأسفار; لأنّه في حالة تعسر نزع الخفين يكون البديل هو التيمم، لأنّ الأمر بالتيمم جاء في ذيل الآية بشكل عام.
ثالثاً: إذا رأى بعض الحضر أنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد مسح على الخفين، فيمكن أن يكون حذاء النبي (صلى الله عليه وآله) ذا فتحات وشقوق تتيح له المسح عليه.
يقول المرحوم الشيخ الصدوق ـ وهو من المحدثين المعروفين لدى الإماميّة ـ في كتابه المعروف من لا يحضره الفقيه: «إنّ النجاشي أهدى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) خفاً، وكان موضع ظهر القدم مفتوحاً، فمسح النبي(صلى الله عليه وآله)على رجليه وعليه خفّاه، فقال الناس: إنّه مسح على خفّيه» (12).
خصص البيهقي المحدّث المعروف في كتابه «السنن الكبرى» باباً تحت عنوان باب الخف الذي مسح عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) «ويستفاد من بعض أحاديث هذا الباب» «وكانت كذلك خفاف المهاجرين والأنصار مخرّقة مشقّقة» (13).
ويحتمل بناءً على ما تقدم أنّ هؤلاء كانوا يمسحون على أقدامهم أيضاً.
والغريب في هذا البحث أنّ رواة أحاديث المسح على الخفين كانوا من الذين وفقوا لشرف خدمة النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكنّ الإمام علياً (عليه السلام) كان بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) دائماً، ولم يقبل أبداً بالكلام المطابق للأحاديث المعروفة عند أهل السنّة.
والأغرب من هذا ما نقلته عائشة التي كانت بجوار النبي (صلى الله عليه وآله) غالباً وقالت: «لئن تقطع قدماي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفّين» (14).
_________________
1. انظر الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1، ص 135 .
2. نفس المصدر، ص 136 .
3. الفقه على المذاهب الأربعة، ص 135 ـ 147 .
4. التهذيب، ج 1، ص 347، ح 1092 .
5. من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 415 .
6. وسائل الشيعة، ج 1، ص 279 .
7. التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 1، ص 207 .
8. السنن الكبرى، ج 1، ص 269 .
9. السنن الكبرى، ج 1، ص 270 .
10. نفس المصدر، ص 272 .
11. السنن الكبرى، ج 1، ص 275 و 276 .
12. من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 48 .
13. السنن الكبرى، ج 1، ص 283 .
14. المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 98 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|