أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-2-2017
5975
التاريخ: 30-11-2016
3813
التاريخ: 1-3-2017
5442
التاريخ: 2-3-2017
10800
|
قال تعالى : {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُو لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 97 - 100].
جبرئيل وميكائيل اسمان أعجميان عربا وقيل جبر في اللغة السريانية هو العبد وإيل هو الله وميك هو عبيد فمعنى جبريل عبد الله ومعنى ميكائيل عبيد الله وقال أبو علي الفارسي هذا لا يستقيم من وجهين أحدهما أن إيل لا يعرف من أسماء الله تعالى في اللغة العربية والآخر أنه لوكان كذلك لكان آخر الاسم مجرورا أبدا كقولهم عبد الله والبشرى والبشارة الخبر السار أول ما يرد فيظهر ذلك في بشرة الوجه .
فأنزل الله تعالى هذه الآية جوابا لليهود وردا عليهم فقال {قل} لهم يا محمد {من كان عدوا لجبريل} إذا كان هو المنزل للكتاب عليك {فإنه نزله على قلبك بإذن الله} لا من تلقاء نفسه وإنما أضافه إلى قلبه لأنه إذا أنزل عليه كان يحفظه ويفهمه بقلبه ومعنى قوله {بإذن الله} بأمر الله وقيل أراد بعلمه أو بإعلام الله إياه ما ينزل على قلبك وقوله {مصدقا لما بين يديه} معناه موافقا لما بين يديه من الكتب ومصدقا له بأنه حق وبأنه من عند الله لا مكذبا لها {وهدى وبشرى للمؤمنين} معناه إن كان فيما أنزله الأمر بالحرب والشدة على الكافرين فإنه هدى وبشرى للمؤمنين وإنما خص الهدى بالمؤمنين من حيث كانوا هم المهتدين به العاملين(2) بما فيه وإن كان هدى لغيرهم أيضا وقيل أراد بالهدى الرحمة والثواب فلذلك خصه بالمؤمنين ومعنى البشرى أن فيه البشارة لهم بالنعيم الدائم وإن جعلت مصدقا وهدى وبشرى حالا لجبريل فالمعنى أنه يصدق بكتب الله الأولى ويأتي بالهدى والبشرى وإنما قال سبحانه {على قلبك} ولم يقل على قلبي على العرف المألوف كما تقول لمن تخاطبه لا تقل للقوم أن الخبر عندك ويجوز أن تقول لا تقل لهم أن الخبر عندي وكما تقول قال القوم جبريل عدونا ويجوز أن تقول قالوا جبريل عدوهم وأما قوله تعالى : {من كان عدوا لله وملائكته ورسله} فمعناه من كان معاديا لله أي يفعل فعل المعادي من المخالفة والعصيان فإن حقيقة العداوة طلب الإضرار به وهذا يستحيل على الله تعالى وقيل المراد به معاداة أوليائه كقوله إن الذين يؤذون الله وقوله {وملائكته} أي ومعاديا لملائكته {ورسله وجبريل وميكال} وإنما أعاد ذكرهما لفضلهما ومنزلتهما كقوله تعالى {فيهما فاكهة ونخل ورمان} وقيل إنما أعاد ذكرهما لأن اليهود قالت جبريل عدونا وميكائيل ولينا فخصهما الله بالذكر لأن النزاع جرى فيهما فكان ذكرهما أهم ولئلا تزعم اليهود أنهما مخصوصان من جملة الملائكة وليسا بداخلين في جملتهم فنص الله تعالى عليهما ليبطل ما يتأولونه من التخصيص ثم قال {فإن الله عدو للكافرين} ولم يقل فإنه وكرر اسم الله لئلا يظن أن الكناية راجعة إلى جبرائيل أو ميكائيل ولم يقل لهم لأنه قد يجوز أن ينتقلوا عن العداوة بالإيمان وقد طعن بعض الملحدة في هذا فقال كيف يجوز أن يقول عاقل أنا عدو جبريل وليس هذا القول من اليهود بمستنكر ولا عجب مع ما أخبر الله تعالى عن قولهم بعد مشاهدتهم فلق البحر والآيات الخارقة للعادة اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وقولهم أرنا الله جهرة وعبادتهم العجل وغير ذلك من جهالاتهم .
يقول {ولقد أنزلنا إليك} يا محمد {آيات} يعني سائر المعجزات التي أعطيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن البلخي وقيل هي القرآن وما فيها من الدلالات عن أبي مسلم وأبي علي وقيل هي علم التوراة والإنجيل والأخبار عما غمض مما في كتب الله السالفة عن الأصم كقوله تعالى يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب {بينات} أي واضحات تفصل بين الحق والباطل {وما يكفر بها إلا الفاسقون} ومعناه الكافرون وإنما سمي الكفر فسقا لأن الفسق خروج من شيء إلى شيء واليهود خرجوا من دينهم وهو دين موسى بتكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإنما لم يقل الكافرون وإن كان الكفر أعظم من الفسق لأحد أمرين (أحدهما) أن المراد أنهم خرجوا عن أمر الله إلى ما يعظم من معاصيه والثاني أن المراد به أنهم الفاسقون المتمردون في كفرهم لأن الفسق لا يكون إلا أعظم الكبائر فإن كان في الكفر فهو أعظم الكفر وإن كان فيما دون الكفر فهو أعظم المعاصي .
أخبر الله سبحانه عن اليهود أيضا فقال {أوكلما عاهدوا} الله {عهدا} أراد به العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبي الأمي عن ابن عباس وكلما لفظ يقتضي التكرر فيقتضي تكرر النقض منهم وقال عطاء هي العهود التي كانت بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير عاهدوا أن لا يعينوا عليه أحدا فنقضوا ذلك وأعانوا عليه قريشا يوم الخندق {نبذه فريق منهم} أي نقضه جماعة منهم {بل أكثرهم} أي أكثر المعاهدين {لا يؤمنون} ولا تعود الهاء والميم إلى فريق إذ كانوا كلهم غير مؤمنين فأما المعاهدون فمنهم من آمن كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما فأما وجه دخول بل على قوله {بل أكثرهم} فإنه لأمرين (أحدهما) أنه لما نبذه فريق منهم دل على أن ذلك الفريق كفر بالنقض فقال بل أكثرهم كفار بالنقض الذي فعلوه وإن كان بعضهم نقضه جهلا وبعضهم نقضه عنادا والثاني أنه أراد كفر فريق منهم بالنقض وكفر أكثرهم بالجحد للحق وهو أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وما يلزم من اتباعه والتصديق به .
_________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص315-318.
2- وفي جملة من النسخ : (العالمين ) بدل (العاملين).
{قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ}. . أي فهو كافر عليه لعنة اللَّه . . وأجمع أهل التفسير على ان سبب نزول هذه الآية ان اليهود سألوا النبي ( صلى الله عليه واله ) عن الملك الذي ينزل عليه بالوحي ؟ . فقال : هو جبريل . قالوا : ذاك عدونا ، لأنه ينزل بالشدة والحروب ، وميكال بالسلام والرخاء ، ولوكان ميكال هو الذي يأتيك بالوحي لآمنا بك .
لقد جعلوا النزاع في ظاهره أولا حول شخصية محمد ( صلى الله عليه واله ) ، وانهم يريدون نزول الوحي على واحد من شعب إسرائيل ، لا من شعب العرب - كما زعموا - ولما ألزمهم اللَّه ونبيه بالحجة حوّلوا النزاع إلى شخص جبريل ، لا محمد . .
والحقيقة - كما قدمنا - انه لا نزاع على محمد وجبريل ، ولا عرب وعروبة ، ولا يهود ويهودية ، لا شيء أبدا الا مصالحهم الذاتية . . الا الدعارة والخمر والربا والاحتكار . . ولكنهم ينافقون ، ويتسترون بالأكاذيب والأباطيل .
ومن باب النقاش والإلزام بالحجة قال سبحانه : {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} . أي ان عداوتكم لجبريل لا وجه لها ، لأنه مجرد أداة وواسطة لتبليغ الوحي من اللَّه إلى محمد . . وهذا الوحي يشتمل على تصديق ما تضمنته توراتكم من صفات محمد وعلامات نبوته ، وفي الوقت نفسه هو هدى وبشرى للمؤمنين ، وعليه يكون معنى عدائكم لجبريل عداء للَّه وللوحي وللتوراة ، ولهدى اللَّه لخلقه ، وبشراه للمؤمنين .
{ ولَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ} . أي ان ما أتى به محمد ( صلى الله عليه واله ) لا يقبل الشك بعد ان اقترن بالحجج والبراهين ، ولا ينكره الا كافر باللَّه ، معاند للحق . والمراد بالفسق هنا فسق العقائد ، أي الكفر ، لا فسق الأفعال الذي يجتمع مع الايمان .
{أَو كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} . والعهود التي نبذها ونقضها اليهود كثيرة : منها الايمان بمحمد ، ومنها عدم إعانة المشركين عليه ، ومنها تصديق الأنبياء وعدم قتلهم ، ومنها ان لا يعبدوا الا اللَّه ، وغير ذلك . .
فكذّبوا محمدا ، وأعانوا عليه أهل الشرك أعداءه وأعداءهم ، وكذّبوا الأنبياء ، وصلبوا السيد المسيح ، وعبدوا العجل ، وفعلوا الأفاعيل .
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}. أي ان فريقا منهم عبدوا العجل ، وقتلوا الأنبياء ، وغير ذلك ، والأكثر لم يفعلوا شيئا من هذا النوع ، ولكنهم مع ذلك هم الكفرة الفجرة .
واختصارا ان المبطل يستطيع أن يدعي الحق لنفسه ، والمجرم البراءة لها ، وأيضا يستطيعان أن يبررا الباطل والجريمة بالأقاويل والأباطيل ، ولكن سرعان ما يفتضحان إذا دمغتهما البراهين التي لا مفر منها ، ولا ملجأ ، كما افتضح اليهود في كذبهم ودعواهم العمل بما أنزل اللَّه عليهم من الوحي والعداء لجبريل .
التعايش السلمي ، والايمان باللَّه :
يهدف الداعون إلى التعايش السلمي - فيما يهدفون إليه - ان تحل الخلافات بين المتخاصمين بالمؤتمرات والمفاوضات . . ولكن قد علمتنا التجارب ان المنطق السليم ، والمحاجة بالحسنى لا تجدي شيئا مع أرباب الامتيازات والمنافع الشخصية . .
فمحال أن يتنازل أهل الأطماع عن أطماعهم الا بوسائل الضغط والتخويف . . ان التعايش السلمي يحتاج إلى عقل متفتح ، وخلق كريم . . وأي خلق كريم عند من لا يؤمن الا بالمادة ، والا بالاحتكار والاستثمار . . وأية حجة تقنع أهل الطمع والجشع ! يقال : ان كلا من الكتلتين : الشرقية والغربية ، تدعو إلى التعايش السلمي فيما بينهما ، وفي الوقت نفسه تتسلح كل منهما ، وتتحصن خوفا من الأخرى . .
ان أقل ما يفرضه هذا التعايش ان تتفقا معا على التسليم فعلا لا قولا بما قامت عليه الأدلة والبراهين ، تماما كما يتفق المتناظران المنصفان ويسلمان بما توافرت الأدلة على ثبوته . . وقد ثبت بالفطرة وبديهة العقل ان لكل شعب الحقّ الكامل في تقرير مصيره ، لا يسوغ لأحد أن يتدخل في شأن من شؤونه ، فأين العمل بهذا المبدأ ؟ .
ان التفاوض بالطرق السلمية ، والرضوخ للحق لا يتحقق على وجهه الأكمل الا إذا كانت جميع الأطراف المعنية مؤمنة بالحق لوجه الحق . . ومحال أن يهتدي إلى خير ، ويرجى منه الخير من لا يؤمن الا بذاته ، ولا يهتم الا بمنافعه .
____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص157-159.
قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك} إلخ.
السياق يدل على أن الآية نزلت جوابا عما قالته اليهود وأنهم تابوا واستنكفوا عن الإيمان بما أنزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعللوه بأنهم عدو لجبريل النازل بالوحي إليه.
والشاهد على ذلك أن الله سبحانه يجيبهم في القرآن وفي جبريل معا في الآيتين وما ورد من شأن النزول يؤيد ذلك فأجاب عن قولهم: إنا لا نؤمن بالقرآن لعداوتنا لجبريل النازل به
أولا: أن جبريل إنما نزل به على قلبك بإذن الله لا من عند نفسه فعداوتهم لجبريل لا ينبغي أن يوجب إعراضهم عن كلام نازل بإذن الله،
وثانيا: أن القرآن مصدق لما في أيديهم من الكتاب الحق ولا معنى للإيمان بأمر والكفر بما يصدقه.
وثالثا : أن القرآن هدى للمؤمنين به، ورابعا أنه بشرى وكيف يصح لعاقل أن ينحرف عن الهداية ويغمض عن البشرى ولوكان الآتي بذلك عدوا له.
وأجاب عن قولهم: إنا عدو جبريل أن جبريل ملك من الملائكة لا شأن له إلا امتثال ما أمره به الله سبحانه كميكال وسائر الملائكة وهم عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وكذلك رسل الله لا شأن لهم إلا بالله ومن الله سبحانه فبغضهم واستعدائهم بغض واستعداء لله ومن كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدولهم، وإلى هذين الجوابين تشير الآيتان.
قوله تعالى: {فإنه نزله على قلبك}، فيه التفات من التكلم إلى الخطاب وكان الظاهر أن يقال على قلبي، لكن بدل من الخطاب للدلالة على أن القرآن كما لا شأن في إنزاله لجبريل وإنما هو مأمور مطيع كذلك لا شأن في تلقيه وتبليغه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن قلبه وعاء للوحي لا يملك منه شيئا وهو مأمور بالتبليغ.
واعلم أن هذه الآيات في أواخرها، أنواع الالتفات وإن كان الأساس فيها الخطاب لبني إسرائيل، غير أن الخطاب إذا كان خطاب لوم وتوبيخ وطال الكلام صار المقام مقام استملال للحديث مع المخاطب واستحقار لشأنه فكان من الحري للمتكلم البليغ الإعراض عن المخاطبة تارة بعد أخرى بالالتفات بعد الالتفات للدلالة على أنه لا يرضى بخطابهم لرداءة سمعهم وخسة نفوسهم ولا يرضى بترك خطابهم إظهارا لحق القضاء عليهم.
قوله تعالى: {عدو للكافرين}، فيه وضع الظاهر موضع المضمر والنكتة فيه الدلالة على علة الحكم كأنه قيل: فإن الله عدولهم لأنهم كافرون والله عدو للكافرين.
قوله تعالى: {وما يكفر بها إلا الفاسقون}، فيه دلالة على علة الكفر وأنه الفسق فهم لكفرهم فاسقون ولا يبعد أن يكون اللام في قوله: {الفاسقون} للعهد الذكري ويكون ذلك إشارة إلى ما مر في أوائل السورة من قوله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } [البقرة: 26، 27].
وأما الكلام في جبريل وكيفية تنزيله القرآن على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا الكلام في ميكال والملائكة فسيأتي فيما يناسبه من المحل إن شاء الله.
قوله تعالى: {نبذه} ، النبذ الطرح.
_______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ،ص192-194.
قومٌ جَدِلون:
سبب نزول الآية الكريمة يبيّن طبيعة العناد واللجاج والجدل في اليهود، إبتداء من زمان موسى(عليه السلام) ومروراً بعصر خاتم الأنبياء وحتى يومنا هذا يعرضون عن الحقّ بألوان الحجج الواهية.
حجّتهم في هذا الموضع المذكور في الآية ثقل التكاليف التي يأتي بها جبرائيل، وعداؤهم لهذا الملك، ورغبتهم في أن يكون ميكائيل أميناً للوحي!! وكأن الملائكة هم مصدر الاحكام الإلهية! والقرآن الكريم يصرّح بأن الملائكة ينفّذون أوامر الله ولا ينحرفون عن طاعته: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } [التحريم: 6].
القرآن يجيب عن ذريعة هؤلاء: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرَيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ} وما جاء به جبرائيل يصدّق ما نزل في الكتب السماوية السابقة: {مُصَدِقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} وهو إضافة إلى كل هذا: {وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
فالجواب في هذه الآية ينطوي على ثلاث شعب:
أوّلا: إن جبريل لا يأتي بشيء من عنده، بل ما يأتي به هو{بِإِذْنِ الله}.
ثانياً: ما جاء به جبريل تصدّقه الكتب السماوية السابقة، لانطباقه على العلامات والدلالات المذكورة في تلك الكتب.
ثالثاً: محتوى ما جاء به جبرائيل يدلّ على أصالته وحقّانيته.
الآية التالية تؤكد نفس هذا الموضوع تأكيداً مقروناً بالتهديد وتقول: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] مشيرة بذلك إلى أن موقف الإنسان من الله وملائكته ورسله ومن جبرئيل وميكائيل، لا يقبل التفكيك، وأن الموقف المعادي من أحدهم هو معاداة للآخرين(2).
وبعبارة اُخرى: الأوامر الإلهية الباعثة على تكامل الإنسان، تنزل عن طريق الملائكة على الرسل، وإن كان بين مهمات الملائكة اختلاف، فذلك يعود إلى تقسيم المسؤوليات لا إلى التناقض بين المهمات، واتخاذ موقف معاد من أحدهم هو عداء الله سبحانه.
جِبْرِيل وَمِيكَال
ورد اسم جبريل ثلاث مرات، واسم ميكال مرة واحدة في القرآن الكريم (3). ويستفاد من الآيات أنّهما ملكان مقرّبان من ملائكة الله تعالى. قيل: إنّ اسم جبرئيل عبري يعني «رجل الله» أو «قوة الله» (جبر: تعني الرجل أو القوّة، وئيل: بمعنى الله).
هذه الآيات الكريمة تعرّف جبريل أنه رسول الوحي الإلهي إلى النّبي، ومنزّل القرآن على قلبه، ولواسطة الوحي اسم آخر في الآية 102 من سورة النحل هو: {رُوحُ الْقُدُسِ} أمّا الآية 191 من سورة الشعراء فتسميه {الرُّوحُ الأَمِينُ}، ويصرّح المفسرون أن المقصود من روح المقدس والروح الأمين، هو جبرئيل.
وهناك أحاديث تدور حول تشكل جبرائيل بصور متعددة لدى نزوله على النّبي، وكان في المدينة ينزل على صورة (دحية الكلبي) وهو رجل جميل الطلعة.
يستفاد من سورة النجم أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد جبرائيل مرّتين على هيئته الأصلية(4).
ذكرت المصادر الإسلامية أسماء أربعة من الملائكة المقربين هم: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، وأعظمهم مرتبة جبرائيل.
وفي كتب اليهود ورد ذكر جبريل وميكال، ومن ذلك ما ورد في كتاب دانيال حيث وصف جبرائيل بأنه الغالب لرئيس الشياطين، ووصف ميكائيل بأنه حامي قوم بني إسرائيل(5).
ذكر بعض المحققين أن المصادر اليهودية خالية من الدلالة على خصومة جبرائيل لهؤلاء القوم، وهذا يؤيد أن ادعاءات اليهود بشأن موقفهم من جبرائيل، لم يكن إلاّ ذريعة للتنصل من الإسلام إذ لا يوجد في مصادرهم الدينية ما يشير إلى وجود مثل هذه العداوة بينهم وبين جبرئيل.
الناكثون من اليهود
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]
الآية تشير إلى الآيات والعلامات والدلائل الكافية الواضحة التي توفرت لدى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وتؤكد أن المعرضين عن هذه الآيات البينات أدركوا في الواقع حقّانية الدعوة، لكنهم هبّوا للمعارضة مدفوعين بأغراضهم الشخصية: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَات بَيِّنَات وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ الْفَاسِقُونَ}.
التفكير في آيات القرآن ينير الطريق لكل طالب حق منصف، وبمطالعة هذه الآيات يمكن فهم صدق دعوة نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعظمة القرآن.
لكن هذه الحقيقة الواضحة لا يفهمها الذين انطفأ نور قلوبهم بسبب الذنوب، من هنا نرى الفاسقين الملوثين بالخطايا يعرضون عن الإيمان بالرسالة.
ثم يتطرق القرآن إلى صفة مجموعة من اليهود، وهي صفة النكول ونقض العهود والمواثيق، وكأنها صفة تأريخية تلازمهم على مرّ العصور {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، بَلْ أكثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
لقد أخذ الله ميثاقهم في جانب الطور أن يعملوا بالتوراة لكنهم نقضوا الميثاق، وأخذ منهم الميثاق أن يؤمنوا بالنّبي الخاتم المذكور عندهم في التوراة فلم يؤمنوا به.
يهود «بني النضير» و«بني قريضة» عقدوا الميثاق مع النّبي لدى هجرته المباركة إلى المدينة أن لا يتواطؤوا مع أعدائه، لكنهم نقضوا العهد، وتعاونوا مع مشركي مكة في حرب الأحزاب ضد المسلمين.
وهذه الخصلة في هذا الفريق من اليهود نجدها اليوم متجسدةً في الصهيونية العالمية التي تضع كل المواثيق والقرارات والمعاهدات الدولية تحت قدميها، متى ما تعرّضت مصالحها للخطر.
________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص254-258.
2 ـ الميزان، في تفسير الآية المذكورة.
3 ـ اسم «جبريل» ورد مرّتين في هذه الآيات ومرّة في سورة التحريم الآية (4) واسم ميكال لم يرد إلاّ في هذا الموضوع من القرآن.
4 ـ أعلام القرآن، ص 277 و629.
5 ـ أعلام القرآن، ص 277 و629.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|