أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2020
1994
التاريخ: 30-04-2015
3505
التاريخ: 16-11-2020
2493
التاريخ: 27-11-2014
3032
|
ما رواه الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) حيث سأله عن اختلاف القراءات وقال : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف .
فقال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : ( كذبوا ـ أعداء اللّه ـ ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد ) .
وروى عن (1) زرارة بسند صحيح عن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) أنّه قال : ( إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة ) (2) .
وما ذكره الإمام ( عليه السَّلام ) من أنّ الاختلاف جاء من قِبَلِ الرواة ، يُعلم من دراسة أسباب نشوء اختلاف القراءات عبر السنين ، وهذا ما نذكره تالياً .
عوامل نشوء الاختلاف في القراءات (3)
عمد جماعة من كبار الصحابة بعد وفاة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) إلى جمع القرآن في مصاحفهم الخاصة ، كعبد اللّه بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، والمقداد بن أسود وأضرابهم ، وهؤلاء قد اختلفوا في ثبت النص أو في كيفية قراءته ؛ ومِن ثَمّ اختلفت مصاحف الصحابة الأُولى ، وكان كلّ قطر من أقطار البلاد الإسلامية يقرأ حسب المصحف الذي جمعه الصحابي النازل عندهم .
كان أهل الكوفة يقرأون على قراءة ابن مسعود ، وأهل البصرة على قراءة أبي موسى الأشعري ، وأهل الشام على قراءة أُبي بن كعب ، وهكذا .
واستمر الحال إلى عهد عثمان حتى تفاقم أمر الاختلاف ، ففزع لذلك ثلّة من نُبهاء الأُمّة ـ أمثال الحذيفة بن اليمان ـ وأشاروا إلى عثمان أن يقوم بتوحيد المصاحف قبل أن يذهب كتاب اللّه عرضة الاختلاف .
ومن ثَمّ أمر عثمان جماعة بنسخ مصاحف موحّدة ، وإرسالها إلى الأمصار وإلجاء المسلمين على قراءتها ونبذ ما سواها من مصاحف وقراءات أُخرى .
وقد بعث عثمان مع كلّ مصحف مَن يُقرِّئ الناس على الثبت الموحد في تلك المصاحف ، فبعث مع مصحف المكي عبد اللّه بن سائب ، ومع الشامي المغيرة بن شهاب ، ومع الكوفي أبو عبد الرحمن السلمي ، ومع البصري عامر بن قيس ، وهكذا (4) .
وكان هؤلاء المبعوثون يُقرّئون الناس في كلّ قطر على حسب المصحف المرسَل إليهم ، ولكن لم تحسن الغاية المتوخاة من إرسال تلك المصاحف ؛ لوجود اختلاف في ثبت تلكم المصاحف ، مضافاً إلى عوامل أُخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، فكان أهل كلّ قطر يلتزمون بما في مصحفهم من ثبت ؛ ومن هنا نشأ اختلاف قراءة الأمصار ، مضافاً إلى اختلاف القرّاء الذي كان قبل ذاك ، فصار هناك عاملان لنشوء اختلاف القراءات :
1 ـ اختلاف القُرّاء ( الذين كانوا في الأمصار قبل وصول المصاحف ) .
2 ـ وجود الاختلاف في نفس تلك المصاحف الموحّدة حسب الظاهر .
فكان الاختلاف يُنسب تارةً إلى اختلاف القرّاء ، وأُخرى إلى اختلاف الأمصار التي بُعث إليها المصاحف .
قال ابن أبي هاشم : إنّ السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها أنّ الجهات التي وُجِّهتْ إليها المصاحف كان بها من الصحابة مَن حمل عنه أهل تلك الجهة ، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل ، فثبت أهل كلّ ناحية على ما كانوا تلقّوه سماعاً عن الصحابة بشرط موافقة الخط ، وتركوا ما يخالف الخط ... ، فمِن ثَمّ نشأ الاختلاف بين قرّاء الأمصار (6) .
كلّ ذلك صار سبباً لاختلاف القراءات التي ليس لها منشأ سوى نفس القرّاء أو المصاحف الموحدة .
مضافاً إلى عوامل أُخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، نذكر منها ما يلي :
1 ـ بداءة الخط
كان الخط عند العرب آنذاك في مرحلة بدائية ؛ ومن ثَمّ لم تستحكم أُصوله ، ولم تتعرّف العرب على فنونه والإتقان من رسمه وكتابته الصحيحة ، وكثيراً ما كانت الكلمة تُكتب على غير قياس النطق بها ، ولا زال بقي شيء من ذلك في رسم الخط الراهن .
كانوا يكتبون الكلمة ، وفيها تشابه واحتمال وجوه ، فالنون الأخيرة كانت تُكتب بشكل لا تفترق عن الراء ، وكذا الواو عن الياء ، وربّما كتبوا الميم الأخيرة على شكل الواو ، والعين الوسط كالهاء ، كما ربّما يفكّكون بين حروف كلمة واحدة فيكتبون الياء منفصلةً عنها ، كما في ( يستحي ي ) و ( نحي ي ) و ( أُحي ي ) أو يحذفونها رأساً كما في ( إيلافهم ) كتبوها ( إلافهم ) بلا ياء ؛ ولذلك قرأ أبو جعفر وِفق الرسم بلا ياء ، وربّما رسموا التنوين نوناً في الكلمة ، كما في كلمة ( كأيّن ) في
قوله سبحانه : {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [الحج : 45] ، كما كُتب النون ألفاً في كثير من المواضع منها {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق : 15] ، {وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف : 32] وهاتان النونان نون تأكيد خفيفة كتبوها بألف التنوين ، وقوله : {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء : 67] كتبوا ( إذاً ) بدل ( إذن ) تشبيهاً بالتنوين المنصوب .
كما رسموا ألفاً بعد كثير من واوات زعموا واو الجمع ، وعلى العكس حذفوا كثيراً من ألفات واو الجمع .
فمن الأوّل قوله : ( إنّما أَشكوا بَثّي ) و ( فلا يربوا ) و ( نبلوا أخباركم ) و ( ما تتلوا الشياطين ) .
ومن الثاني قوله : ( فاءو ) و ( جاءو ) و ( فباؤ ) و ( تبوّءو الدار ) و ( سعو ) و ( عتو ) و غير ذلك كثير .
2 ـ الخلو من النقط
كان الحرف المعجم يُكتب كالحرف المهمل بلا نقط مائزة بين الإعجام والإهمال ، فلا يفرّق بين السين والشين في الكتابة ، ولا بين العين والغين ، أو الراء والزاي ، والباء والتاء والثاء والياء ، أو الفاء عن القاف ، أو الجيم والحاء والخاء ، والدال عن الذال ، أو الصاد عن الضاد ، أو الطاء عن الظاء ، فكان على القارئ نفسه أن يميّز بحسب القرائن الموجودة أنّها باء أو ياء ، جيم أو حاء ، و هكذا .
من ذلك قراءة الكسائي : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبأ فتثبتوا ) وقرأ الباقون : ( فتبيّنوا ) .
وقرأ ابن عامر والكوفيون ( ننشزها ) وقرأ الباقون ( ننشرها ) .
وقرأ ابن عامر وحفص : ( ويكفِّر عنكم ) و قرأ الباقون : ( نكفِّر ) .
وقرأ ابن السميفع : ( فاليوم ننحيك ببدنك ) والباقون ( ننجّيك ) .
وقرأ الكوفيون غير عاصم : ( لنثوينهم من الجنّة غُرفاً ) و الباقون ( لنبوِّئنّهم ) ، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً (7) .
3 ـ إسقاط الألفات
كان الخط العربي الكوفي منحدراً عن خط السريان ، وكانوا لا يكتبون الألفات الممدودة في ثنايا الكلم ، وقد كتبوا القرآن بالخط الكوفي على نفس المنهج ، فصار ذلك سبباً لاختلاف القراءات .
1 ـ قرأ الكوفيون ( أَلم نجعل الأَرض مهداً ) بدل مهاداً ؛ لأنّها كُتبت في المصحف بلا ألف .
2 ـ قرأ حمزة والكسائي وشعبة ( وحِرم ) بكسر الحاء وسكون الراء بدل ( وحرام على قرية ) ؛ لأنّها كُتبت في المصحف بلا ألف .
3 ـ قرأ أبو جعفر و البصريون ( وَإِذْ وعدنا موسى أربعين ليلة ) بدل ( واعدنا ) ؛ لأنّها كُتبت هكذا في القرآن ، وهكذا سائر الموارد التي نجم الاختلاف فيها من إسقاط الألف في الكتابة وقراءته في اللفظ .
4 ـ تأثير اللهجة
لا شكّ أنّ كلّ أُمّة وإن كانت ذات لغة واحدة لكن لهجاتها تختلف حسب تعدّد القبائل والأفخاذ المنشعبة منها ، فهكذا كانت القبائل العربية تختلف بعضها في اللهجة وفي التعبير والأداء ، وقد سبّب ذلك اختلافاً في القراءة .
1 ـ اختلافهم في الحركات : مثل ( نستعين ) بفتح النون وهي لغة قيس وأسد ، وكسر النون لغة غيرهم ، ومثل ( معكم ) بفتح العين وكسره .
2 ـ اختلافهم في الهمزة والتليين : نحو ( مستهزؤن ) و ( مستهزون ) .
3 ـ اختلافهم في التقديم والتأخير : تقول العرب صاعقة وصواعق وبه نزل القرآن ، وبنو تميم يقولوا : ( صاقعة ) و ( صواقع ) .
4 ـ اختلافهم في الإثبات والحذف نحو ( استحيت ) و( استحييت ) .
5 ـ اختلافهم في النبر بالياء والواو أي تبدلهما همزة ، يقولون يا ( نبئ اللّه ) مكان ( يا نبي اللّه ) ، وكانت هذيل تقلب الواو المكسورة همزة ، فتقول : ( إعاء ) بدل ( وعاء ) .
قال سيبويه : بلغنا أنّ قوماً من الحجاز من أهل التحقيق يهمزون ( نبي ) و ( بريئة ) مكان نبي و بريّة .
ولمّا حجّ المهدي قَدِم المدينة ، فقَدِم الكسائي ليصلّي بالناس فهمز ، فأنكر عليه أهل المدينة وقالوا : إنّه ينبر في مسجد رسول اللّه بالقرآن .
إلى غير ذلك من موارد اختلاف اللهجة التي سبّبت اختلافاً في القراءة .
وهذا الاختلاف بين القبائل كان قد يعظم ويشتدّ ، كالخلاف بين القبائل
العدنانية في الحجاز ، والقبائل القحطانية في اليمن ، سواء في المفردات والتراكيب أم في اللهجات ، حتى قال أبو عمرو بن العلاء : ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ، ولا عربيّتهم بعربيّتنا .
________________________________________
1 ـ الكافي : 2 ، كتاب نقل القرآن ، باب النوادر ، الحديث 13 و 12 .
2 ـ الكافي : 2 ، كتاب نقل القرآن ، باب النوادر ، الحديث 13و 12 .
3 ـ صدرنا في هذا البحث عن كتاب ( التمهيد في علوم القرآن ) تأليف العلاّمة المحقّق محمد هادي معرفة ، و قد أغرق نزعاً في التحقيق ، فلم يبقَ في القوس منزعاً ( حيّاه اللّه وبيّاه ) .
4 ـ تهذيب الأسماء للنووي : 1 / 257 .
6 ـ البيان في تفسير القرآن : 165 ، نقلاً عن التبيان للجزائري : 86 .
7 ـ مجمع البيان : 8 / 290 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
معهد الكفيل للنطق والتأهيل: أطلقنا برامج متنوعة لدعم الأطفال وتعزيز مهاراتهم التعليمية والاجتماعية
|
|
|