أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2016
683
التاريخ: 20-11-2016
1434
التاريخ: 12-1-2017
739
التاريخ: 20-11-2016
803
|
[جواب الشبهة]
1- حقيقة هذا النكاح :
إنما حقيقته أن تزوجك المرأة الحرة الكاملة المسلمة أو الكتابية نفسها، حيث لا يكون لك مانع في دين الإسلام عن نكاحها، من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدة، أو غير ذلك من الموانع الشرعية، ككونها معقودا عليها لأحد آبائك، و إن كان قد طلقها أو مات عنها قبل الدخول بها، و ككونها أختا لزوجتك مثلا، أو نحو ذلك.
تزوجك هذه المرأة نفسها بمهر مسمى إلى أجل مسمى، بعقد نكاح جامع لشرائط الصحة الشرعية، فاقد لكل مانع شرعي كما سمعت فتقول لك بعد تبادل الرضا و الاتفاق بينكما: زوجتك أو أنكحتك أو متعتك نفسي بمهر قدره كذا يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين أو سنة أو سنتين مثلا، أو تذكر مدة أخرى معينة على الضبط فتقول أنت لها على الفور: قبلت، و تجوز الوكالة في هذا العقد من كلا الزوجين كغيره من العقود، و بتمامه تكون زوجة لك، و أنت تكون زوجا لها، إلى منتهى الأجل المسمى في العقد، و بمجرد انتهائه تبين من غير طلاق كالإجارة، و للزوج فراقها قبل انتهائه بهبة المدة المعينة لا بالطلاق- عملا بنصوص خاصة حاكمة بذلك و يجب عليها مع الدخول بها [1] أن تعتد بعد هبة المدة أو انقضائها بقرائن، إذا كانت ممن تحيض، و الا فبخمسة و أربعين يوما كالأمة- عملا بأدلة خاصة تحكم بذلك.
فإذا و هبها المدة أو انقضت قبل أن يمسها فما له عليها من عدة، كالمطلقة قبل المس [2] وأولات الأحمال في المتعة أجلهن أن يضعن حملهن المطلقات، أما عدة المتوفى عنها زوجها في نكاح المتعة فهي عدة المتوفى عنها زوجها في النكاح الدائم مطلقا [3].
و ولد المتعة ذكرا كان أو أنثى يلحق بأبيه و لا يدعى إلا له كغيره من الأبناء و البنات و له من الإرث ما أوصانا اللّه به سبحانه بقوله عز من قائل : {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ولا فرق بين ولديك المولود أحدهما منها و الآخر من النكاح الدائم، و جميع العمومات الشرعية الواردة في الأبناء و الآباء و الأمهات شاملة لأبناء المتعة و آبائهم و أمهاتهم، و كذا القول في العمومات الواردة من الأخوة و الأخوات و أبنائهما، و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أبنائهم (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه) مطلقا.
نعم نكاح المتعة بمجرده لا يوجب توارثا بين الزوجين ولا ليلة ولا نفقة للتمتع بها، و للزوج أن يعزل عنها، عملا بأدلة خاصة تخصص العمومات الواردة في هذه الأمور من أحكام الزوجات.
هذا نكاح المتعة بكنهه و هذه متعة النساء بحقيقتها، وهذا هو محل النزاع بيننا و بين الجمهور.
2- إجماع الأمة على اشتراعه :
أجمع أهل القبلة كافة على أن اللّه تعالى شرع هذا النكاح في دين الإسلام، و هذا القدر مما لا ريب فيه لأحد من علماء المذاهب الإسلامية على اختلافهم في المشارب و المذاهب و الآراء بل لعل هذا ملحق- عند أهل العلم- بالضروريات مما ثبت عن سيد النبيين صلى الله عليه واله فلا ينكره أحد من علماء أمته، و من ألم بما يقوله أهل المذاهب الإسلامية كلهم في حكم هذا النكاح مستقرئا فقه الجميع، علم أنهم متصافقون على أصل مشروعيته و إنما يدعون نسخه كما ستسمعه ان شاء اللّه تعالى.
3- دلالة الكتاب على اشتراعه :
حسبنا حجة على اشتراعه قوله تعالى في سورة النساء {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] إذ أجمع أئمة أهل البيت و أولياؤهم على نزولها في نكاح المتعة و كان أبي بن كعب و ابن عباس و سعيد بن جبير و السدي يقرأونها فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى [4] و صرح عمر أن بن حصين الصحابي بنزول هذه الآية في المتعة و أنها لم تنسخ حتى قال رجل برأيه ما شاء ونص على نزول الآية في المتعة مجاهد أيضا فيما أخرجه عنه الطبري في تفسيره الكبير .
ويشهد لذلك أن اللّه سبحانه قد أبان في أوائل السورة حكم النكاح الدائم بقوله عز من قائل {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] إلى أن قال {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فلو كانت هذه الآية في بيان «الدائم» أيضا للزم التكرار في سورة واحدة، أما إذا كانت لبيان المتعة فإنها تكون لبيان معنى جديد، وأولو الألباب ممن تدبروا القرآن الحكيم علموا أن سورة النساء قد اشتملت على بيان الأنكحة الإسلامية كلها، فالدائم و ملك اليمين تبينا بقوله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ونكاح الإماء مبين بقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إلى أن قال {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25] والمتعة مبينة بآيتها هذه «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ».
4- اشتراعه بنصوص السنن :
حسبنا من السنة في هذا الباب صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة. و قد أخرج الشيخان البخاري و مسلم في اشتراع هذا النكاح صحاحا كثيرة عن كل من سلمة بن الأكوع و جائر بن عبد اللّه و عبد اللّه بن مسعود و ابن عباس و أبي ذر الغفاري و عمران بن حصين و الأكوع بن عبد اللّه الأسلمي و سبرة بن معبد، و أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده من حديث هؤلاء كلهم و من حديث عمر و حديث ابنه عبد اللّه، و أخرج مسلم في باب نكاح المتعة من كتاب النكاح من الجزء الأول من صحيحه عن جابر بن عبد اللّه و سلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول اللّه صلى الله عليه واله فقال: ان رسول اللّه أذن لكم أن تستمتعوا.
يعني متعة النساء. انتهى بلفظه. و الصحاح في هذا المعنى أكثر من أن تستقصي في هذا الإملاء.
5- القائلون بنسخة و حجتهم و النظر فيها :
قال أهل المذاهب الأربعة و غيرهم من فقهاء الجمهور بنسخ هذا النكاح و تحريمه محتجين بأحاديث أخرجها الشيخان في صحيحيهما و قد أمعنا فيها متجردين متحررين فوجدنا فيها من التعارض في وقت صدور النسخ ما لا يمكن معه الوثوق بها فإن بعضها صريح بأن النسخ كان يوم خيبر، و في بعضها أنه كان يوم الفتح و في بعضها أنه كان في غزوة تبوك، و في بعضها أنه كان في حجة الوداع، و في بعضها أنه كان في عمرة القضاء و في بعضها أنه كان عام أوطاس.
على أنها تناقض ما ستسمعه من صحاح البخاري و مسلم الدالة على عدم النسخ، و ان التحريم و النهي إنما كانا من الخليفة الثاني ببادرة بدرت على عهده من عمرو بن حريث و كان الصحابة قبلها يستمتعون على عهد الخليفتين كما كانوا يستمتعون على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله و ستسمع كلام عمران بن حصين و عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن عباس و أمير المؤمنين فتراه صريحا بأن التحريم لم يكن من اللّه تعالى و لا من رسوله صلى الله عليه واله و إنما كان بنهي عمر، و محال أن يكون هناك ناسخ يجهله هؤلاء و هم من علمت مكانتهم في العلم و منزلتهم من رسول اللّه و ملازمتهم إياه صلى الله عليه واله . على أنه لو كان ثمة ناسخ لنبههم إليه بعض الواقفين عليه، و حيث لم يعارضهم أحد فيما كانوا ينسبونه من التحريم إلى عمر نفسه علمنا أنهم أجمع معترفون بذلك مقرون بأن لا ناسخ من اللّه تعالى و لا من رسوله صلى الله عليه واله .
على أن الخليفة الثاني نفسه لم يدع النسخ كما ستسمعه من كلامه الصريح في اسناد التحريم و النهي إلى نفسه، و لو كان هناك ناسخ من اللّه عز و جل أو من رسوله صلى الله عليه واله لأسند التحريم إلى اللّه تعالى أو إلى الرسول فإن ذلك أبلغ في الزجر و أولى بالذكر.
وظني أن المتأخرين عن زمن الصحابة وضعوا أحاديث النسخ تصحيحا لرأي الخليفة إذ تأول الأدلة فنهي و حرم متوعدا بالعقوبة، فقال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله و أنا أحرمهما و أعاقب عليهما: متعة الحج و متعة النساء.
ومن غريب الأمور دعوى بعض المتأخرين أن نكاح المتعة منسوخ بقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5، 6] بزعم أن المتمتع بها ليست زوجة و لا ملك يمين (قالوا): أما كونها ليست بملك يمين فمسلم، و أما كونها ليست بزوجة فلأنها لا نفقة لها و لا إرث و لا ليلة.
والجواب: أنها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي كما سمعت، و عدم النفقة و الإرث و الليلة فإنما هو لأدلة خاصة خصصت العمومات الواردة في أحكام الزوجات كما بيناه سابقا.
على أن هذه الآية مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق، فلا يمكن أن تكون ناسخة لإباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالإجماع.
ومن عجيب أمر هؤلاء المتكلفين أن يقولوا بأن آية «المؤمنون» ناسخة لمتعة النساء إذ ليست بزوجة ولا ملك يمين، فإذا قلنا لهم: و لم لا تكون ناسخة لنكاح الإماء المملوكات لغير الناكح وهن لسن بزوجات للناكح و لا بملك له، قالوا حينئذ: ان سورة «المؤمنون» مكية، و نكاح الإماء المذكورات إنما شرع بقوله تعالى- في سورة النساء وهي مدنية - {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] والمكي لا يكون ناسخا للمدني، لوجوب تقدم المنسوخ على الناسخ، يقولون هذا القول و ينسون أن المتعة إنما شرعت في المدينة و أن آيتها في سورة النساء أيضا، و قد منينا بقوم لا يتدبرون فإنا للّه و انا إليه راجعون.
6- صحاح تنم على الخليفة :
أخرج مسلم- في باب المتعة بالحج و العمرة من صحيحة - بالإسناد إلى أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة و كان ابن الزبير ينهى عنها، فذكر ذلك لجابر، فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول اللّه صلى الله عليه واله فلما قام عمر [5] قال: ان اللّه كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء [6] فأتموا الحج و العمرة و أبنّوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة [7].
و هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث عمر في مسنده عن أبي نضرة أيضا و لفظه عنده ما يلي: قال أبو نضرة: قلت لجابر أن ابن الزبير ينهى عن المتعة و ان ابن عباس يأمر بها فقال لي: على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول اللّه صلى الله عليه واله و مع أبي بكر فلما ولي عمر [8] خطب الناس فقال: ان القرآن هو القرآن و ان رسول اللّه هو الرسول و أنهما كانتا «متعتان» على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله إحداهما متعة الحج و الأخرى متعة النساء [9].
و هذا صريح فصيح في أن النهي إنما كان منه بعد ولايته و قيامه بأمر الخلافة، و مثله حديث عطاء- فيما أخرجه مسلم في باب نكاح المتعة من صحيحه - قال:
قدم جابر بن عبد اللّه معتمرا، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله و أبي بكر و عمر وحديث أبي الزبير- كما في الباب المذكور من صحيح مسلم- قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنا نستمتع [10] بالقبضة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله و أبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث و في الباب المذكور من صحيح مسلم أيضا عن أبي نضرة.
قال: كنت عند جابر فأتاه آت فقال: ان ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهم [11] على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله ثم نهانا عنهما عمر.
و قد استفاض قول عمر و هو على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله و أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما [12] متعة الحج و متعة النساء. حتى نقل الرازي هذا القول عنه محتجا به على تحريم متعة النساء فراجع ما حول آيتها من تفسيره الكبير.
و هذا متكلم الأشاعرة و إمامهم في المعقول والمنقول «القوشجي» يقول في أواخر مبحث الإمامة من سفره الجليل- شرح التجريد-: ان عمر قال و هو على المنبر:
أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله و أنا أنهى عنهن و أحرمهن و أعاقب عليهن متعة النساء و متعة الحج و حي على خير العمل، و قد اعتذر عنه بأن هذا كان اجتهادا منه و عن تأول، و الأخبار في هذا و نحوه مما يضيق عنه وسع هذا الإملاء.
و قد استمتع على عهد عمر ربيعة بن أمية بن خلف الثقفي أخو صفوان فيما أخرجه مالك- في باب نكاح المتعة من الموطأ- عن عروة الزبير قال: ان خولة بنت حكيم السلمية دخلت على عمر و قالت له: ان ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فقال: هذه المتعة لو كنت تقدمت لرجمت. أي لو كنت تقدمت في تحريمها و الانذار برجم فاعلها قبل هذا الوقت لرجمت ربيعة و المرأة التي استمتع بها إذ كان هذا القول منه قبل نهيه عنها، نص على ذلك ابن عبد البر فيما نقله الزرقاني عنه في شرح الموطأ ولا يخفى ظهور هذا الكلام في أن التصرف في حكم المتعة إنما هو منه لا من سواه.
7- المنكرون عليه :
أنكر عليه علي أمير المؤمنين فيما أخرجه الثعلبي و الطبري عند بلوغهما إلى آية المتعة من تفسيريهما الكبيرين إذ أخرجا بالإسناد إليه أنه قال، لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شفي.
و أنكر عليه ابن عباس فقال [13]: ما كانت المتعة الا رحمة رحم اللّه بها أمة محمد لو لا نهيه- أي عمر- عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شفي- أي إلا قليل من الناس كما فسرها ابن الأثير في مادة شفى بالفاء من النهاية، و كان ابن عباس يجاهر بإباحتها و له في ذلك مع ابن الزبير- حتى في أيام امارته- حكايات يطول المقام بذكرها [14] و أنكر عليه جابر كما سمعت من حديثه في ذلك.
و أنكر عليه ابنه عبد اللّه كما هو ثابت عنه، و قد أخرج الإمام أحمد في ص 95 من الجزء الثاني من مسنده من حديث عبد اللّه بن عمر قال- و قد سئل عن متعة النساء-:
و اللّه ما كنا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله زانين ولا مسافحين. ثم قال: واللّه لقد سمعت رسول اللّه يقول : ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال و كذابون ثلاثون أو أكثر.
وسئل مرة أخرى عن متعة النساء فقال- كما عن صحيح الترمذي- [15] : هي حلال. فقيل له: ان أباك نهى عنها. فقال: أرأيت ان كان أبي نهى عنها و صنعها رسول اللّه صلى الله عليه واله أنترك السنة ونتبع قول أبي؟! و أنكر عليه عبد اللّه بن مسعود كما هو معلوم عنه و قد أخرج الشيخان في صحيحيهما و اللفظ للبخاري عن عبد اللّه بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول اللّه صلى الله عليه واله وليس لنا شيء، فقلنا : ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معين- ثم قرأ علينا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [المائدة: 87].
وأنت تعلم ما في تلاوة الآية من الإنكار الشديد على تحريمها كما صرح به شارحو الصحيحين.
و أنكر عليه عمران بن حصين فيما استفاض عنه، و قد نقل الرازي [16] عنه أنه قال: انزل اللّه في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى و أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه واله بالمتعة و ما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء- قال الرازي-: يريد عمر.
وأخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ففعلناها مع رسول اللّه صلى الله عليه واله و لم ينزل قرآن يحرمها و لم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء.
وأخرج أحمد في مسنده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه و عملنا بها مع رسول اللّه فلم تنزل آية بنسخها و لم ينه عنها النبي حتى مات.
وأمر المأمون أيام خلافته أن ينادي بتحليل المتعة فدخل عليه محمد بن منصور و أبو العيناء فوجداه يستاك و يقول- فيما نقله ابن خلكان- [17] وهو متغيظ: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله وعهد أبي بكر وأنا النهي عنهما.
قال: ومن أنت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول اللّه و أبو بكر فأراد محمد بن منصور أن يكلمه فأومأ إليه أبو العيناء و قال رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟! فلم يكلماه و دخل عليه يحيى بن أكثم. فخلا به و خوفه من الفتنة و ذكر له أن الناس يرونه قد أحدث في الإسلام بهذا النداء حدثا عظيما يثير العامة و الخاصة إذ لا فرق عندهم بين النداء بإباحة المتعة و النداء بإباحة الزنى و لم يزل به حتى صرف عزيمته إشفاقا على ملكه و نفسه.
و ممن استنكر حرمة المتعة و أباحها و عمل بها عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي المولود سنة ثمانين و المتوفى سنة تسع و أربعين و مائة و كان من أعلام التابعين ترجمة ابن خلكان في وفياته و ابن سعد في ص 361 من الجزء 5 من طبقاته و قد احتج به أهل الصحاح و ترجمة ابن القيسراني في ص 314 من كتابه «الجمع بين رجال الصحيحين» و أورده الذهبي في ميزانه فذكر أنه تزوج نحوا من تسعين امرأة بنكاح المتعة و أنه كان يرى الرخصة في ذلك (قال): و كان فقيه أهل مكة في زمانه.
8- رأي الإمامية في المتعة :
اجمع الإمامية- تبعا لأئمتهم الاثني عشر- على دوام حلها، و حسبهم حجة على ذلك ما قد سمعته من إجماع أهل القبلة على أن اللّه تعالى شرعها في دينه القويم و أذن في الاذن بها منادي نبيه العظيم و لم يثبت نسخها عن اللّه تعالى و لا عن رسوله صلى الله عليه واله حتى انقطع الوحي باختيار اللّه تعالى لنبيه دار كرامته، بل ثبت عدم نسخها بنصوص صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة فراجعها في مظانها من وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة.
على أن في صحاح أهل السنة و سائر مسانيدهم نصوصا صريحة في بقاء حلها و استمرار العمل بها على عهد أبي بكر و شطر من عهد عمر حتى صدر منه النهي عنها في شأن عمر و بن حريث، و حسبك من ذلك ما أوردناه في هذه العجالة، ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو القى السمع و هو شهيد.
__________________
[1] و عدم بلوغها سن اليأس الشرعي.
[2] ولا عدة على من بلغت سن اليأس كالمطلقة أيضا.
[3] سواء أ كانت مدخولا بها أم لا و سواء أ كانت يائسا أم لا و سواء أ كانت حبلى أم حائلا. و عدة الحبلى إذا مات عنها زوجها في كلا النكاحين، أبعد الأجلين- و هما وضع الحمل و مضي المدة و هي أربعة أشهر و عشر بعد علمها بموت الزوج.
[4] أخرج ذلك عنهم غير واحد من الأعلام كالإمام الطبري حول الآية من أوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير، و الزمخشري أرسل هذه القراءة في كشافه عن ابن عباس إرسال المسلمات و نقل عياض عن المازري- كما في أول باب نكاح المتعة من شرح صحيح مسلم للإمام النووي-: ان ابن مسعود قرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل، و الرازي ذكر في تفسير الآية أنه روى عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن (قال) و هذا أيضا هو قراءة ابن عباس (قال) و الأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة «قال»: فكان ذلك إجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة إلى آخر كلامه في ص 201 من الجزء 3 من تفسيره الكبير.
[5] أي فلما قام بأمر الخلافة، و هذا صريح بأن هذه الأحداث:
النهي و التحريم و الانذار لم تكن من قبل.
[6] ليتني أوليت أحدا غيري يعرف لهذه الكلمة وجها يقتضي تحريم المتعة أ تراه كان يرى أنها من خواص الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم كلا أني لأربأ به عن هذا الوهم.
[7] الرجم حد من حدود اللّه عز و جل لا يشترعه إلا نبي على أن القائل بالمتعة مستنبط إباحتها من الكتاب و السنة فان كان مصيبا فيهما أخذ و ان كان مخطئا فإنها هو مشتبه لا حد عليه لو فعلها فإن الحدود تدرأ بالشبهات.
[8] هذا صريح بأن تحريم المتعة الذي أشاد به الخليفة في خطابه لم يكن قبل ولايته على الناس.
[9] لا مندوحة عن قبول روايته إذ قال: كانتا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه واله اما تحريمه إياهما فلرأي رآه.
[10] الظاهر من قوله: كنا نستمتع أن سيرة الصحابة كانت مستمرة على ذلك بعلم من النبي صلى الله عليه واله و أبي بكر و عمر قبل نهيه.
[11] فعلناهما ظاهر باستمرار سيرتهم على فعلها كقوله السابق نستمتع و كقوله استمتعنا.
[12] لا يخفى ظهوره في أن النهي انما هو منه لا من اللّه تعالى و لا من رسول اللّه صلى الله عليه واله .
[13] فيما رواه عنه ابن جريج و عمر بن دينار.
[14] ألفتك إلى ما كان منها في صفحة 489 من المجلد 4 من شرح نهج البلاغة الحميدي أحمد يدي حيث ترجم ابن الزبير أثناء شرحه لقول أمير المؤمنين عليه السلام: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم.
[15] نقله عن الترمذي كل من العلامة في نهج الصدق و الشهيد الثاني في مبحث المتعة من روضته.
[16] أثناء بحثه عن حكم متعة النساء حول آيتها من تفسيره الكبير .
[17] في ترجمة القاضي يحيى بن أكثم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|