أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-11-2016
6195
التاريخ: 19-3-2018
696
التاريخ: 18-11-2016
850
التاريخ: 18-11-2016
530
|
[جواب الشبهة]
ثمّة شبهة طرحها المستشرقون؛ الّذين اعتقدوا بأنّ التشيّع ظاهرة طارئة على المجتمع الإسلامي، فأخذوا يفتّشون عن علّتها وسبب حدوثها، حتّى انتهوا إلى القول بأنّ التشيّع فارسي المبدأ أو الصبغة، والترديد بين الأمرين؛ لأجل أنّ لهم في المقام رأيين:
1 ـ إنّ التشيّع من مخترعات الفرس؛ اخترعوه لأغراض سياسية، ولم يعتنقه أحد من العرب قبل الفرس.
2 ـ إنّ التشيّع عربي المبدأ، وإنّ لفيفاً من العرب اعتنقوه قبل أن يدخل الفرس في الإسلام، ولمّا أسلموا، اعتنقوه وصبغوه صبغة فارسيّة، لم تكن له من قبل.
أمّا الأُولى، فقد اخترعها المستشرق دوزي، وحاصله: إنّ للمذهب الشيعي نزعة فارسيّة، لأنّ العرب كانت تدين بالحرّيّة، والفرس تدين بالمُلك والوراثة، ولا يعرفون معنى الانتخاب، ولمّا انتقل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى دار البقاء، ولم يترك ولداً، قالوا عليّ أولى بالخلافة من بعده.
يُلاحظ عليه: أوّلاً: إنّ التشيّع، حسب ما عرفتْ، ظهر في عصر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو الّذي سمّى أتباع عليّ بالشيعة، وكانوا متواجدين في عصر النبيّ وبعده، إلى زمن لم يدخل أحد من الفرس، سوى سلمان في الإسلام.
إنّ روّاد التشيّع في عصر الرسول والوصي، كانوا كلّهم عرباً، ولم يكن بينهم أيُّ فارسيٍّ، سوى سلمان المحمّدي، وكلّهم يتبنّون فكرة التشيّع.
وثانياً: إنّ التاريخ يدلّنا على أنّ الفرس دخلوا في الإسلام يوم دخلوا، بالصبغة السنيّة، وهذا هو البلاذري يحدّثنا في كتابه، ويقول:
كان ابرويز وجّه إلى الديلم، فأتى بأربعة الآف، وكانوا خدمه وخاصّته، ثُمَّ كانوا على تلك المنزلة بعده، وشهدوا القادسيّة مع رستم، ولمّا قُتل وانهزم المجوس، اعتزلوا، وقالوا: ما نحن كهؤلاء، ولا لنا ملجأ، وأثرنا عندهم غير جميل، والرأي لنا أنّ ندخل معهم في دينهم، فاعتزلوا. فقال سعد: ما لهؤلاء، فأتاهم المغيرة بن شعبة، فسألهم عن أمرهم، فأخبروه بخبرهم، وقالوا: ندخل في دينكم، فرجع إلى سعد، فأخبره، فأمنهم. فأسلموا وشهدوا فتح المدائن مع سعد، وشهدوا فتح جلولاء، ثُمَّ تحوّلوا فنزلوا الكوفة مع المسلمين.(1)
لم يكن إسلامهم يومذاك، إلاّ كإسلام سائر الشعوب، فهل يمكن أن يقال: إنّ إسلامهم يومذاك كان إسلاماً شيعيّاً.
وثالثاً: إنّ الإسلام كان يمشي بين الفرس بالمعنى الّذي كان يمشي في سائر الشعوب، ولم يكن بلد من بلاد إيران معروفاً بالتشيّع، إلى أن انتقل قسم من الأشعريّين الشيعة إلى قم وكاشان، فبذروا بذرة التشيّع، وكان ذلك في أواخر القرن الأوّل، مع أنّ الفرس دخلوا في الإسلام في عهد الخليفة الثاني ـ أي في سنة 17هـ ، وهذا يعني أنّه قد انقضت عشرات الأعوام، ولم يكن عندهم أثر من التشيّع.
شهادة المستشرقين على أنّ التشيّع عربي المبدأ:
إنّ لفيفاً من المستشرقين وغيرهم، صرّحوا بأنّ العرب اعتنقت التشيّع قبل الفرس، وإليك نصوصهم:
1 ـ قال الدكتور أحمد أمين: إنّ الفكر الفارسيّ استولى على التشيّع؛ لقدمه على دخول الفرس في الإسلام، وقال: والّذي أرى؛ كما يدلّنا التاريخ، أنّ التشيّع لعليّ بدأ قبل دخول الفرس إلى الإسلام، ولكن بمعنى ساذج، ولكن هذا التشيّع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأُخرى في الإسلام، وحيث إنّ أكبر عنصر دخل في الإسلام، الفرس، فلهم أكبر الأثر في التشيّع.(2)
2 ـ قال المستشرق فلهوزن: كان جميع سكان العراق ـ في عهد معاوية ـ خصوصاً أهل الكوفة، شيعة، ولم يقتصر هذا على الأفراد، بل شمل، خصوصاً، القبائل ورؤساء القبائل.(3)
3 ـ وقال المستشرق جولد تسيهر: إنّ من الخطأ القول بأنّ التشيّع ومراحل نموّه، يمثّل الأثر التعديلي الّذي أحدثته أفكار الأُمم الإيرانيّة في الإسلام، بعد أن اعتنقته، أو خضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية، وهذا الوهم الشائع؛ مبنيٌّ على سوء فهم الحوادث التاريخيّة؛ فالحركة العلويّة نشأت في أرض عربيّة بحتة.(4)
4 ـ يقول المستشرق آدم متز: إنّ مذهب الشيعة ليس كما يعتقد البعض رد فعل من جانب الروح الإيرانيّة يخالف الإسلام، فقد كانت جزيرة العرب شيعة كلّها عدا المدن الكبرى، مثل مكة وتهامة وصنعاء، وكان للشيعة غلبة في بعض المدن أيضاً، مثل عُمان وهجر وصعدة، أمّا إيران، فكانت كلّها سنّة ما عدا قم، وكان أهل اصفهان يغالون في معاوية حتّى اعتقد بعض أهلها انّه نبيّ مرسل.(5)
5 ـ يقول الشيخ أبو زهرة: إنّ الفرس تشيّعوا على أيدي العرب، وليس التشيّع مخلوقاً لهم، ويُضيف: وأمّا فارس وخراسان وما وراءهما من بلدان الإسلام، فقد هاجر إليها كثيرون من علماء الإسلام الذين كانوا يتشيّعون، فراراً بعقيدتهم من الأُمويّين أوّلاً، ثُمَّ العباسيّين ثانياً، وإنّ التشيّع كان منتشراً في هذه البلاد انتشاراً عظيماً قبل سقوط الدولة الأُموية بفرار أتباع زيد ومن قبله إليها.(6)
6 ـ قال السيِّد الأمين: إنّ الفرس الّذين دخلوا الإسلام لم يكونوا شيعة في أوّل الأمر إلاّ القليل، وجلّ علماء السنّة وأجلاّؤهم من الفرس، كالبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم النيسابوري والبيهقي، وهكذا غيرهم ممّن أتوا في الطبقة التالية(7)
تحليل النظريّة الثانيّة:
إنّ هذه النظريّة وإن كانت تعترف بأنّ التشيّع عربي المولد والمنشأ، ولكنّها تدّعي أنّه اصطبغ بصبغة فارسيّة بعد دخول الفرس في الإسلام.
يقول فلهاوزن: إنّ آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيّين، أمّا كون هذه الآراء قد انبثقت من الإيرانيّين، فليست تلك الملائمة دليلاً عليه، بل الروايات التاريخيّة تقول بعكس ذلك؛ إذ تقول إنّ التشيع الواضح الصريح كان قائماً أوّلاً في الأوساط العربيّة، ثُمَّ انتقل بعد ذلك منها إلى الموالي، وجمع بين هؤلاء وبين تلك الأوساط.
ولكن لمَّا ارتبطت الشيعة العربيّة بالعناصر المضطهدة تخلّت عن تربية القوميّة العربيّة، وكانت حلقة الارتباط هي الإسلام، ولكنّه لم يكن ذلك الإسلام القديم، بل نوعاً جديداً من الدين.(8)
أقول: إنّ مراده أنّ التشيع كان في عصر الرسول وبعده بمعنى الحب والولاء لعليّ، لكنّه انتقل بيد الفرس إلى معنى آخر؛ وهو كون الخلافة أمراً وراثيّاً في بيت عليّ (عليه السّلام)، هذا هو الّذي يصرّح به الدكتور أحمد أمين ويقول: إنّ الفكر الفارسي استولى على التشيّع، والمقصود من الاستيلاء، هو جعل الخلافة أمراً وراثيّاً كما كان الأمر كذلك بين الفرس في عهد ملوك بني ساسان وغيرهم.
يلاحظ عليه: أنّ كون الحكم والملك أمراً وراثيّاً لم يكن من خصائص
الفرس، بل وراثيّة الحكم كانت سائدة في جميع المجتمعات، فالنظام السائد بين ملوك الحيرة وغسّان وحمير في العراق والشام واليمن كان هو الوراثة، والحكم في الحياة القبلية في الجزيرة العربيّة كان وراثيّاً، والمناصب المعروفة لدى قريش؛ من السقاية والرفادة وعمارة المسجد الحرام والسدانة، كانت أُموراً وراثيّة، حتّى أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يغيّرها، بل أنّه أمضاها، ومن هنا نرى أنّه قد دفع مفاتيح البيت لبني شيبة؛ لما كانت السدانة منصباً لهم أيّام الجاهليّة، فتخصيص الفرس بالوراثة وغمض العين عن غيرهم أمر عجيب!!، فعلى ذلك يجب القول إنّ التشيّع اصطبغ بصبغة فارسيّة وغسّانيّة وحميريّة وأخيراً عربيّة، فما معنى تخصيص فكرة الوصاية بالفرس ـ مع كونها آنذاك ـ فكرة عامّة عالميّة؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فتوح البلدان: 279.
(2) فجر الإسلام: 176.
(3) الخوارج والشيعة: 113.
(4) العقيدة والشريعة: 204.
(5) الحضارة الإسلامية: 102.
(6) الإمام جعفر الصادق: 545.
(7) أعيان الشيعة: 1/33.
(8) الخوارج والشيعة: 169.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|