أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-12-2019
1698
التاريخ: 22-11-2019
1493
التاريخ: 15-11-2016
1335
التاريخ: 15-11-2016
2962
|
حوارية مع ابي بكر:
س1 ـ يقول البعض من أهل السنّة بأنّك وصلت إلى الخلافة برضى من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويستشهدون على ذلك بأنّك صلّيت بالناس عند مرض الرسول (صلى الله عليه وآله)، وبأنّك أوّل من أسلم من الرجال، وأنّك صديقه في الغار فما ردّك على ذلك؟
ج ـ أولا: لم يكن معي من رسول الله أيّ نصّ، ولو كان معي مثل هذا النصّ لاحتججت به يوم السقيفة; لأنّي كنت في أشد الحاجة إلى ما أثبت به أمري يوم ذاك.
ـ ثانياً: أمّا بشأن ما يدّعيه البعض من موضوع الصلاة، فهي لم تكن إلاّ مرّة واحدة. وقصتها: إنّ ابنتي عائشة بعثت لي وقالت: إنّ رسول الله مريض فصلّ بالناس، وما إن بدأت بالصلاة حتى خرج رسول الله يتهادى من شدّة مرضه بين الفضل بن العباس وعلي ودخل المسجد وصلّى عن يميني قاعداً وصلّى الناس، فلمّا فرغ من الصلاة أقبل على الناس وكلّمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول: "يا أ يّها الناس سُعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإنّي والله لا تمسكوا عليّ شيئاً. إنّي لم أُحلّ لكم إلاّ ما أحلّ لكم القرآن، ولم أُحرّم لكم إلاّ ما حرّم عليكم القرآن"(1).
وعليه فإنّ رسول الله لم يأمرني بالصلاة بالناس، ولو كان فعل لما خرج على هذا الحال وصلّى هو بالناس.
وكيف يأمرني بذلك وقد كان جنّدني في جيش أُسامة بن زيد وقد كان معسكراً خارج المدينة، وكنت معهم، وإنّما كنت أتردّد على المدينة لعيادة رسول الله، ومن المعلوم أنّ قائد الجيش هو الإمام في الصلاة، وقد كان أُسامة بن زيد هو إمامنا في الصلاة؟
وقبل وفاته استأذنته بالذهاب إلى أهلي بالسنح(2)، فأذن لي، لذلك عندما توفّي رسول الله لم أكن في المدينة.
وأيضاً لم احتج بقصة الصلاة في السقيفة لأنّها عليّ لا لي.
ـ وأمّا بشأن أنّي كنت صديقه في الغار، فقصته أنّني أتيت في يوم هجرة رسول الله إلى داره، فوجدت علياً، فسألته عن نبيّ الله فأخبرني أنّه لحق بالغار من ثور، فخرجت مسرعاً، فلحقت نبيّ الله في الطريق، فسمع رسول الله جرسي في ظلمة الليل، فحسبني من المشركين، فأسرع في المشي، فانقطع قبال نعله، ففلق إبهامه حجر، فكثر دمها، وأسرع السعي، فخفت أن يشقّ على رسول الله، فرفعت صوتي وتكلّمت، فعرفني رسول الله، فقام حتى أتيته، فانطلقنا ورجل رسول الله تستن دماً حتى انتهينا إلى الغار في الصبح(3).
السقيفة:
س2 ـ كيف علمتَ بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وما قصة اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة؟
ج ـ أخبرتك آنفاً أنّني كنت في داري عند أهلي في (السنح)، وعند عودتي إلى المدينة لعيادة رسول الله وجدت عمر على باب المسجد واقفاً شاهراً سيفه يتهدّد ويتوعّد الناس، وهو يقول: إنّ رسول الله لم يمت، ولكنّه ذهب إلى ربِّه كما ذهب نبّي الله موسى (عليه السلام)، وإنّه سيعود ويقطع أيدي وأرجل رجال يزعمون أنّه مات. وكان لا يدع أحداً يدخل إلى الدار، فقلت له: على رسلك يا عمر أنصت، فأبى إلاّ أن يتكلّم، فلمّا رأيته لا ينصت دخلت، وكان رسول الله مسجّى في ناحية البيت عليه برد حبرة، فكشفت عن وجهه وقبّلته، وقلت: بأبي أنت وأمي، أمّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثمّ لن يصيبك بعدها موتة أبداً، ثمّ رددت الثوب على وجهه، ثمّ خرجت وأقبلت على الناس، فحمدت الله وأثنيت عليه ثمّ قلت:
- "أيّها الناس، من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن وكان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت، ثمّ تلوت هذه الآية: {وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ...} إلى آخر الآية(4).
فوالله لكأن الناس لم يعلموا أنّ هذه الآية نزلت على رسول الله، فأتاني عمر وأخبرني أن أخرج إليه، وعندما خرجت أخبرني أنّ بعض الأنصار مجتمعون في سقيفة بني ساعدة لأمر، ولابدّ أن نكون هناك حتى لا يقطع أمر لا نكون فيه، فذهبنا وأخذنا معنا أبا عبيدة بن الجراح، وفي طريقنا باتجاه السقيفة وجدنا (عويم بن ساعدة الأنصاري ومعن بن عدي) وهما من صفوة الأنصار وممّن شهدوا بدراً، وقالوا لنا: ارجعوا واقضوا أمركم بينكم.
فلم نلتفت إليهم وتابعنا مسيرنا إلى السقيفة، وعندما وصلنا وجدنا جماعة من الأنصار ويوجد بينهم رجل مزّمل.
فقلنا لهم: من هذا الرجل؟
فقالوا: سعد بن عبادة، وقد كان مريضاً لا يقوى على الوقوف.
وهنا حاول عمر أن يتكلّم، ولكنّي منعته وبدأت الكلام، فحمدت الله وأثنيت عليه، ثمّ ذكرت ما للأنصار من فضل فلم أترك شيئاً إلاّ قلته، ثمّ قلت: كنا معاشر المسلمين المهاجرين أوّل الناس إسلاماً، والناس لنا في ذلك تبع، ونحن عشيرة رسول الله، وأوسط العرب أنساباً. ليس من قبائل العرب إلاّ ولقريش فيها ولادة.
وبعد أن أنهيت كلامي وقف عمر، وقد كان قد زوّر مقالة قبل أن يأتي إلى السقيفة، وكان يريد أن يقولها قبلي ولكن منعته(5).
فقال عمر: إنّه والله لا ترضى العرب أن تؤمرّكم ونبيّها من غيركم، ولكنّ العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلاّ من كانت فيها وأولوا الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمّد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته، إلاّ مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورّط في هلكة.
فقالت الأنصار: لا نبايع إلاّ علياً.
فقلت لهم: إنّي ناصح لكم في أحد هذين الرجلين أبي عبيدة بن الجرّاح، أو عمر بن الخطاب، فبايعوا من شئتم.
فقال عمر: معاذ الله أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا، أبسط يدك أُبايعك.
فبايعني عمر وأبو عبيدة وتتابع الأنصار على مبايعتي، وتخلّف سعد وأولاده.
فقال عمر: اقتلوا سعداً قتله الله.
وتمّت البيعة، ثمّ ذهبنا إلى المسجد فقال عمر للناس:
مالي أراكم حلقاً شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار، فقام عثمان ومن معه من بني أُميّة فبايعوا، وقام سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا، وأيضاً بايع كلّ من كان من الأنصار في المسجد بعدما قال عمر: إنّ كلّ الأنصار بايعوا(6).
اجتماع الأنصار:
س3 ـ هذا يعني أنّ الأنصار لم يكونوا مجتمعين من أجل أن يبايعوا سعد بن عبادة كما يزعم البعض; لأنّه كما ذكرت كان مريضاً ولا يقوى على الوقوف، وإنّ جماعة من الأنصار كانوا يعودونه، وأيضاً في معرض حديثك قلت: أنّكم صادفتم عند مجيئكم إلى السقيفة (عويم بن ساعدة ومعن بن عدي) وهما باتجاه المسجد، أي خارجين من السقيفة وغير هذا، فكيف يكونون مجتمعين من أجل البيعة مع أنّ عمر قد منع الناس من أن يقولوا: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد مات؟ أي إنّ الذين كانوا خارج المسجد لا يعلمون حقيقة الموقف..؟
ج ـ هذا صحيح، ولكن عندما علم عمر باجتماع الناس في السقيفة، تبادر إلى ذهنه أنّهم لابدّ أن يذكروا أمر الخلافة من بعد الرسول بناءً على مرض الرسولَ وهذا ما حصل.
س4 ـ من هو الشخص الذي أخبر عمر باجتماع السقيفة كما تسمّيه؟ مع أهمية هذا الشخص; لأنّ عمر صدّقه وأخبرك بذلك وذهبتم بناءً على هذا الخبر ودون أن تنتظرون الانتهاء من تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودفنه ممّا أخّر دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة أيام(7)؟
ج ـ لا أعرف بالضبط من هو المخبر، ولكن من أخبرني هو عمر.
أخذ البيعة من قريش:
س5 ـ هل كانت البيعة عامة؟ أي هل كانت بالإجماع أم أنّه امتنع أحد عن هذه البيعة؟
ج ـ لم تكن هذه البيعة عامة في أوّل الأمر، بل امتنع عن البيعة من الأنصار سعد بن عبادة، وعند دخولنا إلى المسجد وقول عمر للناس أن يقوموا للبيعة خرج من المسجد علي ومعه بنو هاشم وأبو ذر الغفاري وطلحة والزبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وعمّار بن ياسر وآخرون من المهاجرين(8).
س6 ـ ماذا فعلتم بعد ذلك بمن امتنع عن البيعة؟
ج ـ في أوّل الأمر لم نهتم بمن امتنع عن البيعة، لكن عندما بدأ خروج علي يحمل فاطمة بنت محمّد (عليها السلام) على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، وكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فكانت تقول لهم فاطمة (عليها السلام) ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(9).
وعند عودة أبي سفيان حاول أيضاً أن يستنهض علياً بقوله:
أين الأذلاّن علي والعباس؟ وما لهذا الحيّ من قريش بهذا الأمر؟ وقال لعلي: امدد يدك أُبايعك، ولكنّ عليّاً رفض ذلك، وقال له: إنّك واللّه ما أردت إلاّ الفتنة وإنّك واللّه طالما بغيت للإسلام شرّاً.
وهنا كلّمني عمر قائلا:
إنّ أبا سفيان قادم، وإنّا لا نأمن شرّه، فدع له ما بيده من الصدقات.
(وقد كان أبو سفيان يجمع الصدقات بناءً على أمر رسول الله).
فتركنا له ما بيده من الصدقات، وعيّنت ابنه معاوية قائداً آخر بنفس الجيش تحت إمرة أخيه يزيد، فكان معاوية على مقدّمة جيش يزيد في فتح صيدا وعرفة وجبيل وبيروت. وهكذا رضي أبو سفيان وامتنّ لنا وقال: وصلته رحم(10).
وأمّا بالنسبة للعباس، فقد أشار عليّ المغيرة بن شعبة بقوله:
إنّ الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له في أمر الخلافة نصيباً يكون له ولعقبه، وتكون لكما الحجّة على عليّ وبني هاشم إذا كان العباس معكم، فانطلقت مع عمر وأبي عبيدة والمغيرة حتى دخلنا على العباس فحمدت الله وأثنيت عليه ثمّ قلت:
(إنّ الله بعث محمّداً نبياً وللمؤمنين ولياً، فمّن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده، فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متّفقين غير مختلفين، فاختاروني عليهم وليّاً ولأمورهم راعياً، وما أخاف بعون الله وهناً ولا حيرة ولا جبناً وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب، وما أزال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ما أجمعت عليه عامة المسلمين ويتخذوكم لجأ فتكونوا حصنه المنيع، فإمّا دخلتم فيما دخل فيه العامة أو دفعتموهم عمّا قالوا إليه، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك ولعقبك من بعدك، إذ كنت عمّ رسول اللّه، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم، وعلى رسلكم يا بني عبد المطلب فإنّ رسول الله منا ومنكم).
ثمّ قال عمر: أي والله، وأُخرى أنا لم نأتكم حاجة منّا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما أجمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم وعامتكم.
ولكن كان ردّ العباس حاسماً، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
إنّ الله بعث محمّداً كما زعمت نبياً، وللمؤمنين ولياً، فمّن الله بمقامه بين أظهرنا حتى اختار الله له ما عنده، فخلى على الناس أمرهم، ليختاروا لأنفسهم، مصيبين للحقّ، لا مائلين عنه بزيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت فحقّنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم، متقدّمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنّما يجب لك بالمؤمنين، فما وجب إن كنا كارهين، فأمّا ما بذلت لنا، فإنّ يكن حقّاً لك فلا حاجة لنا به، وإن يكن حقّاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم عليهم، وإن كان حقّنا لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض.
وأمّا قولك إنّ رسول الله منّا ومنكم، فإنّه من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها..(11).
س7 ـ إذن لم تصيبوا هدفكم بأن تجعلوا العباس (رضي الله عنه) من طرفكم؟!
ج ـ نعم، لأنّه رفض وامتنع عن البيعة، وكان ردّه حاسماً، وانضم إلى عليّ، ولم يبايع إلاّ بعد ستّة أشهر، أيّ بعد موت فاطمة بنت محمّد.
محاولة أخذ البيعة من سيّد أهل البيت (عليهم السلام):
س8ـ ماذا حصل بعد ذلك بالآخرين الذين امتنعوا عن البيعة؟
ج ـ تفقدّت يوماً قوماً تخلّفوا عن البيعة فقالوا لي: إنهم في دار عليّ، فبعثت عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة؟
فقال: وإن! فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً فإنّه قال: "حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن".
فوقفت فاطمة على بابها، فقالت: "لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردّوا لنا حقّنا".
فأتى عمر إليّ، وقال: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟
فقلت لقنفذ (وهو مولى): اذهب فادع لي عليّاً، فذهب إلى عليّ فقال له: ما حاجتك؟
فقال: يدعوك خليفة رسول الله.
فقال عليّ: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فأبلغني الرسالة فبكيت طويلا.
فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقلت لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع.
فجاءه قنفذ، فأدى ما أمرته به، فرفع عليّ صوته فقال: سبحان الله! لقد ادّعى ما ليس له.
فرجع قنفذ فأبلغني الرسالة فبكيت طويلا.
ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقّوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة، فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم آخرون، فأخرجوا عليّاً، فمضوا به إلي.
فقالوا له: بايع.
فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟
قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.
فقال: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
فقال عمر: أما عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا، (وقد كنت ساكتاً لا أتكلّم).
فقال له عمر: بايع أبا بكر.
فقال: "أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟
ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمّد منكم، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة؟ وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلاّ فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: إنّك لست متروكاً حتى تبايع.
فأجابه الإمام علي: "احلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً".
والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايع.
فقلت له: إن لم تبايع فلا أكرهك.
فقال أبو عبيدة لعلي: يا بن عم، إنّك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالا واضطلاعاً به، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
فقال علي: "الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به; لأنّا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأُمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية؟! والله إنّه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعداً".
فلمّا سمع بشير بن سعد الأنصاري ـ الذي شقّ جمع الأنصار وبايعني في السقيفة ـ قال: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ـ ما اختلف عليك اثنان.
أمام إصرار عليّ قال عمر لي: ألا تأمر فيه بأمرك.
فقلت: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق عليّ بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصيح ويبكي وينادي:
"يا بن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني"(12).
س9 ـ بعد أن استتب لك أمر الخلافة بعثت إلى أبيك رسالة فما نصها؟
ج ـ نعم، لقد بعثت لوالدي رسالة ليدخل فيما دخل الناس فيه، وقلت له فيها:
من خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أبيه أبي قحافة.
أما بعد; فإنّ الناس تراضوا بي فإنّي اليوم خليفة الله، فلو قدمت علينا لكان أحسن بك.
فلمّا قرأ أبي أبو قحافة الكتاب، قال:
إن كان الأمر في ذلك بالسنّ، فأنا أحقّ من أبي بكر، لقد ظلموا عليّاً حقّه، وقد بايع له النبيّ وأمرنا ببيعته، ثم كتب لي:
من أبي قحافة إلى أبي بكر، أما بعد:
فقد أتاني كتابك، فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضاً، مرّة تقول: خليفة رسول الله، ومرّة تقول: خليفة الله، ومرّة تقول: تراضى بي الناس، وهو أمر ملتبس، فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً، ويكون عقابك منه إلى الندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب يوم القيامة، فإنّ للأُمور مداخل ومخارج، وأنت تعرف من هو أولى بهامتك، فراقب الله كأنّك تراه، ولا تدعنّ صاحبها، فإنّ تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك(13).
س10 ـ هذا يعني أنّكم استعملتم سياسة الترغيب والترهيب، ولم يكن الموضوع موضوع بيعة ونصّ ومشورة؟
فقد حاولتم استخدام القوّة بعد أن أعيتكم الحجّة في السقيفة على سعد بن عبادة ومن معه، فعند امتناعه عن البيعة حاول عمر في السقيفة تحريض الناس على قتله بقوله: اقتلوا سعداً قتله الله.
ورغّبتم أبا سفيان واستملتموه بعدما حاول مبايعة عليّ لغرض في نفسه، ورفض عليّ ذلك بقوله: والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، والله طالما بغيت للإسلام شرّاً، لا حاجة لنا بنصيحتك.
فقد تركتم له ما بيده من الصدقات كما أشار عمر.
وحاولتم استمالة العباس بأن تجعلوا له في الأمر شيئاً له ولعقبه من بعده، لكنّه رفض.
وأيضاً حاولتم أخذ البيعة من عليّ بالقوّة وعندما خشيتم انقلاب الناس عليكم عند سماع حجّته وقول الأنصار: لو سمعت الأنصار منك هذا قبل بيعتها لأبي بكر لم يختلف عليك اثنان، فتركتموه، أو كما قلت أنت لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جانبه؟
ج ـ نعم، هذا صحيح، ولكن كان كلّ هذا من أجل حفظ بيضة الدين ولكي نلتفت إلى الأُمور الأُخرى، فقد كانت بعض القبائل قد بدأت بالارتداد، فكان لابدّ من أن نسرع في إتمام البيعة.
____________
1- تاريخ الطبري 7: 441.
2- السنح: أرض قريبة من المدينة.
3- تاريخ الطبري 2: 100.
4- آل عمران: 144.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 7، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 13، ونحوه في تاريخ الطبري 2: 458.
6- الإمامة والسياسة: 18.
7- تفسير القرطبي 4: 224.
8- الإمامة والسياسة: 28.
9- الإمامة السياسة: 19، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 13.
10- نظام الحكم للقاسمي: 152، تاريخ الطبري 2: 449.
11- الإمامة والسياسة: 32 ـ 33.
12- الإمامة والسياسة: 28 ـ 31.
13- الاحتجاج للطبرسي 1: 115.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|