أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2016
821
التاريخ: 13-11-2016
770
التاريخ: 14-11-2016
1026
التاريخ: 14-11-2016
753
|
شهدت دولة قتبان أطوارًا مختلفة من التوسع ومن الانكماش في تاريخها الطويل. وكيفت سياستها نحو جيرانها الأقربين، صداقة أو عداء أو حيادًا. بما يتمشى مع قدراتها وإمكاناتهم. فقد مر بنا في تتبع العلاقة بينها وبين جارتها القوية سبأ، كيف أنها لزمت الحياد والشماتة أيام حروب كرب إيل وتر السبأي ضد معين وأوسان (قبل عام 430 ق. م.) وكيف أمنت بهذا على أرضها من أطماعه بل وحصلت منه على بعض أراضي أوسان القريبة من البحر الأحمر مكافأة لها على مسلكها إزاءه. غير أن تلاصق الحدود بين الدولتين الطموحتين سبأ وقتبان كان من شأنه أن يهيئ استمرار فرص التنافس والاحتكاك ثم الاشتعال بينهما. وقد ورد في نصين ذكر حربين بينهما صعب توقيتهما إن كانتا سابقين على أيام الحياد في عهد كرب إيل وترى السبأي أم تاليتين لها. وصعب كذلك ترتيب أسبقية إحداهما على الأخرى. وعن إحدى هاتين الحربين تحدث قائد سبأي يدعى تبع كرب عن حرب بين الدولتين استمرت خمسة أعوام. وكانت قتبان فيما يبدو هي البادئة بها، وانتهت إلى ما يشبه الصلح أو الهدنة، الأمر الذي دعاه إلى أن يخصص أوقافًا كثيرة لمعابد أرباب سبأ الكبار، وذلك مما يعني من ناحية أنه اعتبر الصلح كسبًا ينبغي شكر أربابه عليه، ويعني من ناحية أخرى أن الحرب بين الدولتين لم تنته إلى نتيجة فاصلة وأن أيًا منهما لم تستطع القضاء على الأخرى.
وتحدث قائد قتباني يدعى يذمر ملك عن الحرب الأخرى وروى عن مرحلة منها أنه هزم عدة قبائل وعشائر واستولى على مدنها ونخيلها وأرضها، ثم أعلن تقديمها إلى المعبود عم وإلى أنباي وإلى ملكه يدع أب يجل بن ذمر عالي ملك قتبان. وذلك مما يعني أنه مع فخره بمجهوده في الحرب قد رد الفضل في النصر والحق في تملك الأرض المكتسبة ونتائج النصر إلى معبودي دولته الكبيرين وإلى ملكه الذي كان يعتبر نفسه ولدًا لهما وممثلًا لهما على وجه الأرض. وزاد ذلك القائد عبارة في نصه تحدث فيها عن مرحلة حرب واسعة شنتها سبأ وإمارة رعنان وقبائلها التي ساءها أن تملك القتبانيون جزءًا من أرضها، ضد قتبان. ولكي يضخم القائد القتباني من كثرة الأعداء وضراوة الحرب ألمح إلى أنه تجمع فيها حقد عهود المركبين وعهود الملوك السبأيين ضد ملكه يدع أب يجل بن ذمر عالي ملك قتبان وضد قتبان نفسها وضد أولاد عم جميعًا.
وبعد هذه الحرب التي لا يعرف شيء مؤكد عن نتائجها، والتي يفترض ألبرايت أن الملك القتباني الذى ذكر في سياق نصها وهو يدع أب يجل قد حكم في منتصف القرن الرابع ق. م -شقت قتبان طريقها وظلت تسيطر على أجزاء من المناطق الساحلية التى كانت تشغلها من قبل دولة أوسان والتي عاشت في بعض أجزائها قبائل حمير ذات الصلة والقرابة بالقبائل السبأية. وقد تلونت هذه القبائل الحميرية حينذاك بالولاء القتباني واعتبرت نفسها من ولد المعبود عم معبود القتبانين. وأطلقت على حصنها الرئيسي اسم ريدان، وهو اسم يراه الباحث فون فيسمان قتباني الأصل كان يطلق من قبل على حصن رئيسي للعاصمة القتبانية تمنع وقام على ملتقى الوديان إلى الجنوب منها. وقد ذكر في نص إنشائه (قبيل بداية القرن الرابع ق. م) أنه في اتجاه حدن، ولا زال حصن حدن (أو حادي) هذا قائمًا أسفل الجبل حيث توجد أطلال ريدان.
على أنه لم يكن من المنتظر أن تسير الأمور في مصلحة قتبان دائمًا. فبعد عام 285ق. م استطاعت جيوش الملك السبأي يثع أمر بيين أن تسترد بعض الأراضي التي اكتسبتها قتبان من أسلافه خلال القرن الرابع ق. م، وذكر نصه من المدن التى استردتها جيوشه حينذاك مدن نعمان وصنعاء وذبحان ذو حمرور.
وشهدت قتبان فترة ازدهار أخيرة في عصر أسرة حاكمة ثالثة أو رابعة بلغت شأوها في عهد شهر يجل يهرجب الذي يؤرخ ألبرايت وفون فيسمان عهده ببداية القرن الأول ق. م. وقد تطلعت قتبان في عهده إلى دولة معين الواقعة إلى الشمال منها فاجتزأت جانبًا من أرضها وعقدت معها حلفًا احتفظت لنفسها فيه بالمكانة الأسمى، ولعلها استهدفت من وراء هذا الحلف أن تضيق به على دولة سبأ فتضغط هي عليها من الجنوب وتضغط حليفتها معين عليها من الشمال. ويرجع إلى أيام هذا التحالف نص من عهد ملك معين وقه إيل يثع أرخه كاتبه المعيني باسم ملكه واسم ولي عهده وشريكه في الحكم إيل يفيع يشور الثاني، كما أرخه في الوقت نفسه باسم الملك القتباني شهر يجل يهرجب، وذلك مما يدل على اعترافه الضمني بنفوذ قتبان على بلده. وعندما انفرد ولي العهد المعينى إيل يفع يشور بالحكم بعد أبيه حضر حفل توليته في عاصمته كاهنان قتبانيان نيابة عن ملكهما. ولعل هذه الفترة من الازدهار القتباني هي التي روى عنها الرحالة الروماني بليني أن إنتاج الكندر كان يأخذ طريقه من حضرموت وعاصمتها شبوة إلى حيث تتسلمه قتبان وعاصمتها تمنع على طريق البخور الممتد حتى ساحل الحبر المتوسط، وروى عنها كذلك ما سبق أن استشهدنا به من أن الجبانيتاي (أو القتبانيين) لهم مدن كثيرة أكبرها نجاو وتمنع، وأنها كان في هذه الأخيرة 65 معبدًا مما يشير إلي ثرائها.
ولكن يبدو أن بلوغ القمة قد يعقبه الانحدار أحيانًا، فقبيل عهد شهر يجل يهرجب اهتز أحد الموارد الاقتصادية للدولة بعد نجاح السفن المصرية في عصر البطالمة في اجتياز مضيق باب المندب حوالي عام 120 أو 117 ق. م للاتجاه إلى الهند والاتجار معها رأسًا دون وساطة عرب السواحل الجنوبية ومنهم القتبانيون. وليس من المستبعد أن هذا الوضع كان من أسباب تحول أطماع قتبان إلى دولة معين لكي تعوض من مكاسب تجارتها البرية ما أوشكت أن تخسره من مكاسب تجارة الساحل.
ولكن ترتب على تخفيف قبضة قتبان الاضطراري على المناطق الساحلية للبحر الأحمر أن تألبت عليها قبائل حمير المنتشرة فيها، ويبدو أنها كانت قد نجحت في تجميع كلمتها من قبل بداية القرن الأول ق. م. وبيتت النية على الاستقلال عن قتبان. وليس ما يعرف حتى الآن عن تفاصيل هذه المحاولة إلا أنها حققت هدفها في النصف الأخير من القرن الأول ق. م. فقاتلت قتبان وأخذت منها ما كان باقيًا لها من سواحلها.
وتوفرت بهذا فرصة ذهبية لسبأ التى سكتت على الازدهار القتباني المجاور لها على مضض، وعانت من تضييق قتبان عليها من الجنوب وتضييق حليفتها أو تابعتها معين عليها من الشمال. فاستغلت فرصتها وبدأت بأضعف الفريقين وهي معين فهاجمت عاصمتها واستولت على مناطق واسعة من أراضيها قبل الربع الثالث من القرن الأول ق. م.
وانكمشت قتبان على خارطة الجنوب بعد أن خسرت أرض حمير وخسرت حليفتها معين، ولكنها جاهدت في سبيل البقاء وساعدها على الاستمرار أن غريمتها دولة سبأ كانت تعاني هي الأخرى من مشاكل متعددة نتعرض لها في حينها، فلم تستطع أحداهما أن تقضي على الأخرى، وإن اتصلت المناوشات بينهما.
وفي هذه المرحلة المضطربة من تاريخ قتبان توالي ملوك لا يذكر لعهودهم من الأعمال الإنشائية إلا أن أول عملة ذهبية قتبانية سكت في عهد أحدهم وهو ورواو إيل غيلان في الحصن الملكي القتباني حريب. وكانوا في مجموعهم ضعاف الحيلة إزاء اضطراب موازين القوى في الجنوب، وكان ازياد ضعفهم مشجعًا أو مترتبًا على هجوم جديد غير متوقع من جارتهم الشرقية دولة حضرموت التي بسطت نفوذها على الأجزاء الشرقية من قتبان، بحيث عثر على ثلاثة نقوش في وادي بيحان القتباني تمجد ثلاثة ملوك حضرميين. وقد روى أحدهما أن ملكه الحضرمي عمل على تسوير مدينة غيلان بعد أن تغلب أبوه على قتبان (أو على جزء منها) وروى آخر أنه تم في عهد ملك حضرمي مشروع للري في منطقة وعلان (القتبانية).
وكان في العاصمة تمنع ملك قتباني لا يزال يحسن الظن بسلطته وهو شهر هلال بن ذر أكرب. إذ وجد له نص مرسوم يطلب فيه إلى كبير العاصمة (أي المدير المحافظ أو من يؤرخ باسمه) بتحصيل الضرائب ممن يسكنون ويزرعون الأراضي في سد (قرب العاصمة) وأمر المزارعين بأن يلتزموا بمرسومه ابتداء من أول ذي فرعم إلى السادس من ذي فقحو يومًا بيوم وشهرًا بشهر. واستنتج الباحث رودوكاناكيس من العبارة الأخيرة أن ذا فرعم يمثل أو شهور السنة الزراعية عند القتبانيين ,أن ذا فقحو يمثل آخرها. ولو أنه ما من بأس فيما يبدو أن يكون ذو فرعم أول الحصاد، وذو فقحو آخره، فمواسم الحصاد هي التى يستطيع المزارعون أن يوفوا فيها بالتزاماتهم تجاه الدولة، وليست مواسم الزراعة كلها. وربما دل اللفظان في سبأ على العشرتين الأوليين من الشهر.
وفي عهد الملك شهر هلال أيضا حوالي عام 100 أو 106 م دمرت تمنغ عاصمة قتبان تدميرًا عنيفًا لازالت آثاره باقية في معالمها القديمة التي اكتسى بعضها بطبقة كثيفة من الرماد دلت على حريق متعمد، لا تعرف حتى الآن حقيقة المتسببين فيه.
وعلى الرغم مما لحق بها، جاهدت قتبان في سبيل البقاء لفترة أربعين عامًا أخرى أو نحوها، فاكتفت بمناطقها الغربية، ونقلت عاصمتها إلى حريب التي أشرنا إلى سك أول عملة ذهبية قتبانية فيها، ووجدت بها بالفعل عملات أخرى ضربت بها، ونقشت على بعضها صورة البومة وتحتها خنجر. وكانت صورة البومة من رموز بعض العملات الإغريقية الأسكندرية. ويبدو أن قتبان قد اضطرت نتيجة لضعف حيلتها أن تنضم إلى حضرموت في مشاكلها ضد دولة سبأ بعد أن أصبحت هاتان الدولتان هما مركز الثقل في الجنوب العربي فحاربت في صف حضرموت، ثم تهاوت حوالي عام 140م (أو146م) بعد أن استهلكت قوتها، وانحسر كيانها السياسي، وهجرت مناطقها الزراعية بعد أن قلت رعاية مشاريع المياه فيها، وغطت الرمال عليها. وآلت أرضها فيما بعد إلى حوزة دولة سبأ وذوريدان منذ أوائل القرن الرابع الميلادي.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|