أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2016
1059
التاريخ: 14-11-2016
862
التاريخ: 2023-12-11
992
التاريخ: 13-11-2016
803
|
التوسع الحربي:
غالبًا ما تترتب على المشروعات الداخلية الكبيرة في الدول الفتية الناشئة مطالب ونتائج متنوعة يعبر الحكام عنها ويتولون رسم سياستها باسم شعبهم. فهي من ناحية تستدعي توفير الأمن لتنفيذها، وتستدعي العمل على تغطية نفقاتها سواء من موارد داخلية أو خارجية، كما تستدعي في الوقت نفسه العمل على حمايتها من الأخطار المتوقعة الداخلية منها أو الخارجية أيضًا. فإذا تم تنفيذ هذه المشروعات وآتت ثمارها وزاد الدخل القومي منها غالبًا ما يرتفع شأن أصحابها في نظر أنفسهم ونظر شعبهم، وهنا إما أن تشجعهم شهرتهم على أن يستزيدوا من الرفاهة لأنفسهم ويخلدوا إلى النعيم. وإما أن تشجعهم على أن يستزيدوا من قوتهم العسكرية والسياسية ليزيدوا لأنفسهم عن طريقها ما يعتقدون أنهم يستحقونه من المجد والشهرة.
ومرت دولة سبأ بأمثال هذه الملابسات والظروف حين مهدت لمشروعات الري الكبرى فيها وحين أتمتها. فقبيل البدء في مشروع سد مأرب عملت دولة سبأ على الاستزادة من موارد اقتصادية جديدة ولو على حساب جيرانها، كما أخذت تؤمن نفسها منهم. وكان أقرب هؤلاء الجيران غليها: دولة معين في شمالها ودولة أوسان في جنوبها الغربي. وكانت الأولى تنافسها فيما تأتي به تجارة البر. وكانت الثانية تنافسها فيما تأتي به تجارة البحر، وبدأت دولة سبأ منذ عهد المكرب يدع إيل بين الذي يؤرخ أصحاب التاريخ المختصر عهده ببداية القرن السادس ق. م. تقص أطراف دولة معين القريبة منها. ويفهم من نصوصه أنه عمل على تسوير مدن الحدود وتقوية أبراجها ليتخذها جيشه مراكز دفاعية أو هجومية في الوقت المناسب. ويحتمل من نفس النصوص أن مدنًا حدودية معينية الأصل دخلت فعلًا في حوزة دولته مثل نشق ودابر (في جنوب منطقة الجوف). ثم أعاد رجاله تحصينها لنفس الأغراض الدفاعية والهجومية السابقة.
وجرى خلفاء هذا المكرب على سياسته وعملوا على توسيع المدن الحدودية ومنها المدن المعينية التي دخلت في طاعة دولتهم. وأسكنوا فيها جماعات من السبأيين لينتفعوا بها. ويكونوا رقباء على أهلها. وسندًا لدولتهم فيها. وكان من ذلك أن زيد اتساع مدينة نشق 60 شوحطا في عهد المكرب كرب إيل بيين (في حوالي عام 560ق. م.) ثم زاد اتساعها مرة أخرى وأصلح ما حولها وأوقفت على مصلحة السبأيين في عهد ولده ذمر عالي وتر (منذ حوالي عام 535 ق. م.).
وانتفعت الدولة بحالة الأمن والرخاء التى وفرتها هذه الإنجازات وأمثالها فمضت في تنفيذ مشروع سد مأرب الكبير. وما أن تم تنفيذ مراحله في عهد يثع أمر بيين حتى التفتت إلى توسيع الحدود وإرهاب الجيران مرة أخرى. فقد واصل هذا المكرب العمل على تسوير المدن وتجديد الحصون وروت نصوص عهده أنه هاجم (والأصح أن جيشه هاجم) مدن معين حتى منطقة نجران. ودمر بعضها وأحرق قراها وقتل منها الألوف وسبى الألوف. وروت نفس النصوص أنه (أو جيشه) اندار على دولة قتبان التي تجاور دولته من الجنوب وأنزل بمدنها دمارًا مماثلًا. ويلاحظ هنا أننا وإن سلمنا باتجاه النشاط الحربي لدولة سبأ إلى هذه الاتجاهات إلا أننا حرصنا على أن نقول وروت نصوص الملك السبأي كذا أو ادعت كذا للإشارة إلى أننا غير ملزمين بالضرورة بأن نسلم بحرفية ما ورد فيها عن ألوف القتلى وألوف الأسرى وتوالي الانتصارات دائمًا لصالح أصحابها. ذلك أن المبالغات في تقارير الحروب أمر مألوف في العصور القديمة بل والعصور الحديثة أيضًا.
وبعد جيلين أن نحوهما نشطت سبأ إلى حرب توسعية أخرى في عهد أخر مكربيها كرب إيل وتر (الثاني). وكان داهية في الحرب والسياسية. ويفهم من نصوص عهده أنه هادن دولة قتبان ودولة حضرموت ليتفرغ لحربه مع دولة معين. وضمن حيادهما مرة أخرى ليحمي ظهره في حربه مع دولة أو سان. وبدأ فاتجه بأطماعه إلى دولة معين ليستغل ما أنزلته الجيوش السبأية من قبل في نفوس أهل مدنها من الرعب وما صاروا إليه على أيامه من تفرق الكلمة وما لجأ إليه بعض أمرائهم من إعلان استقلالهم الذاتي عن جسم دولتهم، وهاجمها ببعض جيوشه. وعندما اتجه إلى دولة أوسان استمال إليه بعض حلفائها وأبتاعها ليضعفها ويحرمها من معونتهم. ثم انحط عليها بقواته. وهكذا أخذت الجيوش السبأية تضرب هنا وهناك وتخرب وتحرق المدن والقرى بضراوة ثم اتجهت شمالًا لتكمل سيطرتها على منطقة الجوف ومنطقة نجران. وهنا ادعت نصوص كرب إيل وتر سيطرته على الألوف من الأسرى وقضائه على الألوف من الجنود . وتكفي الإشارة هنا إلى ما عقبت به نصوص ذلك المكرب المنتصر من أنه أعاد توزيع الأقاليم التى خضعت له. فاحتجز بعضها لنفسه. وخصص بعضها لمعبوده الأكبر إلمقه. وأقطع بعضها للقبائل الموالية له ولاسيما قبيلته التي كانت تسمى فيشان أو بيشان، كما تنازل عن بعضها لدولتي قتبان وحضرموت مكافأة لهما على حيادهما خلال حروبه الطويلة مع خصومه، وتعويضًا لهما عن سبق اعتداء أوسان على حدودهما.
وعندما اطمأن كرب إيل وتر إلى سلامة مركزه شجعته انتصاراته على أن يصيغ حكمه بالصيغة المدنية علانية إلى جانب قداسته الروحية. فأعلن نفسه ملكًا، وادعى في نصوصه أن ربه إلمقه هو الذى تخيره ملكًا أو صيره ملكًا وأيده في مشروعاته. وسجل أخبار انتصاراته (عن طريق كتبته) في نص كبير في المعبد الأكبر بالعاصمة القديمة صرواح، ومن تصاريف الأقدار أن نص النصر الكبير هذا قد آل مصيره إلى التلف والمهانة في بداية العصر الحاضر بعد أن أطل وجه الحجر الذي نقش عليه على حظيرة للماشية وأطل وجهه الآخر على طريق السابلة ليعبث الصغار فيه ماشاءت لهم رغبة العبث.
وكما كان كرب إيل وتر خاتمة لعهود المكربين أصبح بداية لعهود جديدة في تاريخ دولته وهي عهود الملكية السبأية التي يبدؤوها أصحاب التاريخ المختصر بحوالي عام 410ق. م. (بينما كان أصحاب التاريخ المطول يبدونها بحوالي عام 630ق. م.).
وقبل أن ندع عهود الكربين نود الإشارة إلى نظرية جديدة خرج بها الباحث A.G.Loundine منذ عام 1956، ولم تستقر صحتها تمامًا حتى الآن. ومفادها أن السبأيين وإن لم يؤرخوا نصوصهم بسنوات حكم المكربين ولم يدرجوا أسماء أولئك المكربين في قوائم متصلة. مما أدى إلى الاختلاف الواسع في تاريخ عهودهم كما أسلفنا من قبل، إلا أن التنظيمات السبأية جعلت إلى جانب المكرب موظفًا كبيرًا بلقب رشو، ربما بمعنى الكاهن النائب، ليؤرخ الناس باسمه في فترة نيابته التى تسمى رشوة أو رشاوة، وكان يلي الكهانة لمعبود قومه عثتر بالوراثة ولدًا عن والد في أكبر عشيرة في الدولة بعد عشيرة الملك (وهي عشيرة حزفر من قبيل خليل) -ويشرف إلى جانب كهانته على مشروعات الري والزراعة بخاصة. وربما لم تكن لنيابته فترة محدودة في عهود المكربين ولكنها أصبحت محددة بست أو سبع سنوات في عهود الملكية ، وقد يحمل مع لقبه الخاص لقب مود أي صديق إشارة إلى الصلة أو المودة بينه وبين مكرب دولته.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|