أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2016
1090
التاريخ: 13-11-2016
688
التاريخ: 14-11-2016
617
التاريخ: 14-11-2016
658
|
قدر الاتساع القديم لمدينة تمنع (هجر كحلان الحالية) عاصمة قتبان بنحو 52 فدانًا -وخلد الرحالة بليني أهميتها حينما روى أنها كانت تتضمن65 معبدًا. ومع ما في رواية بليني من مبالغة واضحة فإن الآثار الباقية في تمنع تشهد بروعتها النسبية القديمة فعلًا رغم عوامل التخريب التي لحقت بها قديمًا وحديثًا. وقد أنشئت هذه العاصمة فوق ربوة مرتفعة بعض الشيء عند النهاية الشمالية لوادي بيحان، وكان يحيطها سور يحميها وإن تداخلت بعض المساكن في أجزائه نتيجة لازدياد العمران. وتضمن السور أربع بوابات كشف عن اثنتين منها في ناحيتي الجنوب الغربي والجنوب الشرقي للمدينة. وكانت أولى البوابتين وتعرف عادة باسم البوابة الجنوبية، هي الأقدم، وترتب على بنائها بأحجار صلبة كبيرة أن بقي للآن جزء من بنيانها يرتفع أكثر من ثلاثة أمتار، وأجزاء من الصرحين أو البرجين اللذين كانا يحيطان بها. ويبدو أنه كان لمدخلها باب خشبي ضخم ينزل من أعلى إلى أسفل حين غلقه ويدعمه من الخلف عارض خشبي أفقي متين. واحتفظت جدران البوابة، وهذا هو الأهم، بنصوص عديدة سجلت بأسماء بعض ملوك قتبان، وكان من أقدمهم يدع أب ذبيان -كما تضمن أحدهم تشريعًا للدولة أشرنا من قبل إلى فقرة منه.
وقام في داخل المدينة مبنى متسع فخم، اعتبره فإن بيك معبدًا رئيسيًا، واعتبره جام قصرًا ملكيًا للاحتفالات العامة. وقد شيدت الأجزاء الأقدم منه على مرحلتين خلال عهود المكربين بين القرن السابع والقرن السادس ق. م. ثم جددت أجزاؤه وأضيفت إليها إضافات مرتين أيضًا على الأقل في عصور الملكية في أواخر القرن الرابع ق. م. ثم في القرن الأول ق. م. وتشابهت بعض هذه الإضافات مع أساليب العمارة الشائعة في الحضارات الخارجية التى اتصل القتبانيون بها، فشيدت جدران المبنى خلال مرحلة البناء الثانية بمشكاوات رأسية (أو دخلات رأسية) متسعة تعاقبت على مسافات متساوية، وكان هذا الأسلوب المعماري شائعًا من قبل في أقطار شرقية قديمة مثل نواحي العراق ومصر وفارس وغيرها. وعندما تمت المرحلة الأخيرة لتجديد المبنى في عهد الملك شهر يجل يهرجب في بداية القرن الأول ق. م. أخذت عناصره ببعض خصائص فن العمارة الهيلنستية الشائعة في عصره. وقد بدأ في صورته العامة عند اكتماله تؤدي إلى بابه درجات متسعة يحف بها جداران جانبيان. ويؤدي مدخله إلى فناء كبير مرصوف كانت تحيط به من ثلاثة جوانب أعمدة مربعة، بينما يتوسط ضلعه الشرقي (المقابل للمدخل) خمس درجات حجرية متسعة أخرى يزيد عرضها عن ستة أمتار، وتؤدي إلى بهو كبير مرتفع تحتمل تكسية أرضيته وأسافل جدرانه الداخلية ببلاطات من الألباستر القرمزي رقمت بحروف تساعد على وضع كل صف منها في موضعه المناسب. وتوسط هذا البهو ممر للمواكب قامت على جانبيه أربعة صفوف من المباني الصغيرة لم يتضح الغرض منها حتى الآن. ولعل الارتفاع التدريجي من باب الدخول إلى الفناء ومن الفناء إلى البهو كان مقصودًا لذاته.
وكشفت البعثة الأمريكية للآثار التي أظهرت تفاصيل هذا المبنى الفخم منذ عام 1950 - 1951 عن مساحة واسعة أيضًا حول البوابة الجنوبية لمدينة تمنع تضمنت مزيدًا من الجدران المتصلة بها ومدخل فنائها وشارعين وعدة مبان. كما كشف الأهلون بعد ذلك بطريق المصادفة عن مبان أخرى. وتعددت الفروض بشأن الأغراض التي خدمتها هذه العناصر المكتشفة وكانت منها دور تضمنتت نصوصًا تحدد أسماءها وأسماء أصحابها أحيانًا (مثل: دار يفش، ودار يافع، ودار هدث، ودار شعبان، ودار عثمان .. إلخ).
وظهرت مبان أخرى افترض مكتشفوها أنها خدمت أغراضًا عامة. ففي داخل بوابة المدينة وجدت على سبيل المثال ساحة رصفت بالحجر وقامت على جانبيها دكات حجرية مما احتمل معه أنها كانت ساحة سوق أو ساحة اجتماعات (بما يشبه ساحة أو دار للندوة) ومبنى آخر شيد على دكة مرتفعة ويؤدي إليه درجان (أحدهما من ناحية الجنوب والآخر من ناحية الشرق)، وتضمن في مدخله صفوفًا من المناضد الحجرية، مما دفع بمكتشفه إلى أن يفترض أنه كان يمثل دار محكمة مركزًا للشرطة أو نحوه.
ومن أهم الدور الخاصة التي أشرنا إلى الكشف عنها قرب بوابة المدينة مبنيان متصلان سمي أقدمهما بيت يفش، وسمي الآخر بيت يافع أو يفعم، واتصل به بطريق يؤدي إلى فناء، وكنموذج للمباني الثرية في تمنع لا بأس من تقديم وصف مفصل لبيت يفش. فقد تألف من طابقين: طابق أرضي ذي صفات أو بواكي مسقوفة، وعدة غرف تقوم بدور مصانع خاصة صغيرة، ثم طابق علوي تضمن شرفات ومقصورة مباخر ومخزنين للبخور. ويستنتج من ستة نصوص تعلقت به أنه شيد في أواخر القرن الثاني ق. م. (كما يعتقد ألبرايت) ثم اشتراه وجدده رجل من أثرياء العاصمة يدعى هوفعم بن ثونب في بداية القرن الأول ق. م. ووقفه باسمه (وربما باسمه مع اثنين من أسرته مرة أخرى؟) على كبار معبودات قتبان: أنباي، وإيل تعلاي، وعثتر، وعم، وذات سنتم، وذات ظهران، وورفو. وبقيت بين أطلال هذا المبنى ثلاث غرف في حالة طيبة بحيث عثر في داخلها على صناديق للبخور ومرايا برونزية وما شابهها.
وأمتع ما عثر عليه بجوار جداره الجنوبي المواجه لبوابة العاصمة تمثالان من البرونز (ارتفاع كل منهما61 سم وطوله 70سم) ولا يعرف إن كان في الأصل متجاورين أو متقابلين. ويمثل كل منهما لبؤة بكفل أسد ترفع إحدى ساقيها الأماميتين، ويعتليها غلام عار يمسك قوسًا بيمناه ويقبض بيسراه على حلقة لسلسلة كانت تنتهي بطوق يحيط بعنق اللبؤة، ولعله كان يسمك أيضًا بسوط أو نحوه. والغلامان توأمان مع اختلاف يسير بينهما في الملامح، ويعتبر التمثالان من أروع القطع الفنية التى احتفظت بها مناطق الجنوب العربي حتى الآن والتى تزكي ما رواه استرابون في القرن الأول ق. م. عن مهارة العرب الجنوبيين في الصناعات المعدنية. وسجل على قاعدة أحد التمثالين اسما الفنانين ثويب وولده عقرب (حرفيًا: ثويبم وعقربم) اللذين قاما بزخرفة الدار وقلدا بالتمثالين نموذجًا من الفن الهيلينستي السكندري فنجحا في عملية التقليد إلى حد ملحوظ وإن ظل تشكيلهما أقل إتقانًا من الأصول الهيلينستية المماثلة لهما والتي وجد بعضها في منف في مصر. وإلى جانب الهدف الزخرفي في هذه المجموعة الفنية افترض بعض الباحثين أنها رمزت إلى معنى ميثولوجي (أي ديني أسطوري). وفي تحديد هذا المعنى آراء شتى، ومنها ما يرى أن اللبؤتين ترمزان إلى شمس الشتاء وشمس الصيف، وأن راكباهما التوأمين يمثلان عثتر نجم الشعرى ابن القمر، كما يقومان بدور سدنة عم المعبود الأكبر لدولة قتبان وقد أخضعا له الشمس وروضاها. وليس ما يمنع من افتراض أن المجموعة كلها كانت تخدم كذلك غرض الحماية الرمزية لبيت يفشان، أو غرض الحماية الرمزية لما يدخل من بوابة المدينة المجاورة له من قوافل التجارة. ولكل من هذه الفروض والآراء ما يبرره من عقائد العرب الجنوبيين ومن العقائد الهيلينستية المنقولة لا سيما من مدينة الأسكندرية التي روى بعض المؤرخين الكلاسيكيين أن وفودًا من التجار العرب الجنوبيين كانوا يشتركون في مواكبها وأسواقها ويتبادلون الأفكار مع أهلها، فضلًا عمن كان يقصد بلاد العرب نفسها من رحالة العصر الهيلنستي، وما يصلها عن طريق التجارة من القطع الفنية ذات الدلالات أو الأغراض العقائدية والتى تغري الفنانين بتقليدها.
ولم تخل دار من الدور الباقية الأخرى من آثار تدل على ثراء أهلها وتدل على أهمية ما يمكن أن يظهر من آثار بقية المدينة حين يتم الكشف عنها، وهو ما ندع التفصيل فيه الآن.
وكانت لقتبان فنونها المحلية في النحت والنقش وصناعة الحلي وقطع الزينة وهذه نتجاوز عنها أيضًا مؤقتًا مراعاة للإيجاز. ومن نماذج النحت في الحجر التى تأثرت بالفن الهيلينستي ولت على اتساع صلات قتبان بالخارج، رأس مرمرية توضع في مستوى تمثالي اللبؤتين والغلامين البرونزيين، وهي لأنثى أطلق عمال الحفائر الأثرية عليها اسم مريم أو مريام فاشتهرت به. وعثر عليها فى إحدى مقابر حايد بن عقيل جبانة العاصمة، ويحتمل إرجاع صناعتها إلى ما بين القرن الأول وبين القرن الثاني ق. م. وقد انعقدت خصل شعرها خلف رأسها من نفس مادة الحجر بما يشبه الطريقة المصرية القديمة، واحتفظ محجرا عينيها بآثار التطعيم باللازورد على عادة كثير من تماثيل الجنوب وعادة التماثيل المصرية أيضًا. وعنقها طويل كانت تحيط به قلادة، وأذناها مثقوبتان ليتدلى منهما قرطان. ومع ما أخذت به هذه الرأس من الأسلوب الهيلينستي، حز فنانها على صدغيها تقليدًا لوشم أو شريط قد يعبر عن عادة محلية أو قبلية، إن لم يكن تقليدًا لأثر حجامة أجريت لصاحبة الرأس ابتغاء الشفاء من مرض ما.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|