أبدى المناذرة للساسانيين مساعدات، فأيدوهم عند تأسيس دولتهم، وساعدوهم في الحروب ضد البيزنطيين؛ وصدوا القبائل العربية، وضبطوها؛ وحاولوا جلبها الى جانب الفرس. وقد قدر الفرس هذه الخدمات والاسناد، فمنحوهم قسطا وافرا من الاستقلال، ولم يتدخلوا في شؤونهم الداخلية، او يعرقلوا اعمالهم. واباحوا لهم ان ينشئوا لبلاطهم كثيرا من التقاليد والمراسيم، بل ارسل يزدجرد ولي عهده بهرام جور ليتربى في الحيرة، الأمر الذي قوى من مركز المناذرة، ومتعهم بنفوذ خاص في البلاد الساسانية، بل انهم كانوا في بعض الاحيان يقومون بدور مهم في الشؤون الساسانية. وقد رأينا كيف ان المناذرة كانوا العامل الأول في تغلب بهرام جور على خصومه، وتسلمه عرش الاكاسرة.

وقد عزز هذا الجانب ملوك المناذرة، وقوى من مركزهم ونفوذهم؛ فكانوا يلبسون التيجان، ولعلهم كانوا يقيمون ستارة تحجبهم عن زوارهم، فلا يظهرون شخصيا الا لأشد المقربين إليهم. وقد اتخذوا لهم حجابا، وكانت تحيتهم الخاصة بهم (أبيت اللعن). وكان لهم روادف هم كالوزراء في الإسلام؛ فكان الملك اذا ركب يركب الرديف وراءه، واذا جلس الرديف عن يمينه؛ واذ شرب سقى الرديف بكاسه بعده؛ واذا غاب خلفه. وكانت الردافة مقصورة على بني يربوع. ولما أراد النعمان أبو قابوس تحويلها الى الحارث الدرامي، ثار بنو يربوع عليه، مما يدل على اهميتها (1).

الجيش في المناذرة:

لقد اتخذ النعمان السائح جيشا نظاميا كون منه كتيبتين، هما الدوسر والشهباء، فاما الدوسر، فكان لها قائدان، كما قد يستدل من اسمها. وقد ظلت الى عهد أبي قابوس، حيث كانت تعتبر اخشن الكتائب واشدها بطشاً؛ وكانت تجمع من مختلف القبائل العربية، ولا سيما من قبيلة بكر.

وأما الشهباء، فلا نعلم عن اصلها شيئا. ويرى المؤرخون العرب ان اسمها مشتق من البياض، لان جنودها كانوا بيض الوجوه. ولكن يوسف غنيمة يرى انها مشتقة من شاه باي أي موطأ الملك، فكأنها كانت كالحرس الملكي. والواقع ان هذه الكتيبة كانت في زمن أبي قابوس مكونة من اخوته وبني عمه واتباعهم واعوانهم.

وبجانب هذا، كان للمناذرة الرهائن وكانوا حوالي خمسمائة رجل يأخذهم الملك رهائن من قبائل العرب ليقيموا عنده سنة، ويستخدمهم في حروبه وغزواته. وهم يتبدلوا كل سنة.

ثم الصنائع وكانوا خواص الملك، والمقربين إليه، يستعين بهم في حروبه، فهم كحرسه الخاص، وهم من بني قيس بن ثعلبة وبني تيم اللات من بكر. ولا بد أن هؤلاء قد نشأوا مؤخراً، أي بعد هجرة بكر الى اطراف العراق(2).

ثم الوداع وهم حوالي الف رجل من الفرس، يضعهم كسرى بتصرف ملك المناذرة في الحيرة، ويبدلون كل سنة (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاغاني : ج12 ص11؛ ياقوت : ج3 ص519.

(2) الكامل للمبرد: 2/82.

(3) المناقب المزيدية : 121.