أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
1647
التاريخ: 12-11-2016
586
التاريخ: 12-11-2016
589
التاريخ: 12-11-2016
735
|
يذكر الاخباريون العرب انهم استقوا مادتهم عن الحيرة وملوكها من موارد مشتركة تشمل الكتب المدونة التي كانت محفوظة في بيع الحيرة بالاضافة الى كتب الفرس.
وفي ذلك يقول ابن الكلبي انه كان (يستخرج اخبار العرب(1) وانساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ اعمار من عمل منهم لآل كسرى وتاريخ سنيهم من بيع الحيرة وفيها ملكهم وامورهم كلها).
ومع ذلك فهناك اختلاف غير قليل بين الاخباريين حول اسماء ملوك الحيرة واعمارهم وترتيب توليهم الحكم ومدة حكمهم وغير ذلك. ويذكر بعض الاخباريين ان عدد ملوك الحيرة يزيد قليلا على العشرين، وينقص عن هذا العدد عند البعض الاخر.
واذا فحصنا القوائم التي سجلها الاخباريون لملوك الحيرة ومدة حكم كل منهم اجمالا نجد ذلك يختلف مع ما ذكروه مفصلا عن مدة حكم كل منهم. ومثال ذلك ما ذكره المسعودي في مروج الذهب من ان عدة ملوك الحيرة ثلاثة وعشرون ملكا من بني نصر وغيرهم من العرب والفرس وان مدة حكمهم ستمائة واثنتان وعشرون سنة وثمانية اشهر.
وفي كتابة (التنبيه) ذكر ان (عدة من ملك الحيرة من بني نصر والعباد وغسان وتميم وكندة والفرس وغيرهم نيفا وعشرين ملكا ملكوا خمسمائة واثنين وعشرين سنة وشهورا).
ولكن القائمة التي اوردها المسعودي لا تضم سوى عشرة ملوك اولهم (عمرو بن عدي) وان مدة حكمه مائة سنة وآخرهم (اياس بن قبيصة الطائي) ومدة حكمه تسع سنين ومجموع مدة حكمهم تسع سنين ومجموع مدة حكمهم 404سنة وفي ذلك اختلاف كبير بين عدد الملوك ومجموع مدة حكمهم في الروايتين.
ويذكر حمزه الاصفهاني ان مجموع ملوك الحيرة من آل نصر والعباد والفرس خمسة وعشرون ملكا حكموا مدة ستمائة وثلاث وعشرين سنة واحد عشر شهرا، وفي موضع اخر قال ان الحيرة (قد عمرت خمسمائة وضعا وثلاثين سنة الى ان وضعت الكوفة ونزلها عرب الاسلام).
وقد اعد حمزة قائمة ملوك الحيرة ومدة حكم كل منهم واسم ملك الفرس الذي عاصره وهذه القائمة تضم 22ملكا ومجموع مدة حكمهم 538سنة واولهم عمرو بن عدي ومدة حكمه 118سنة وآخرهم النذر بن النعمان بن المنذر ولم يحكم سوى ثمانية شهور حين دخل خالد بن الوليد الحيرة.
وقد عرف ملوك الحيرة بآل نصر وآل لخم وآل محرق وآل نعمان وآل عدي ومن بينهم المنذر وكان العرب يطلقون عليهم صفة الملوك (الأشاهب) لما تميزوا به من الجمال. وكان حكم الحيرة في البداية ايدي التنوخيين ثم انتقل للخميين.
ونذكر فيما يلي اهم الملوك الذين توالوا على حكم الحيرة:
مالك بن فهم:
وفي نظر معظم المؤرخين يعتبر اول من حكم الحيرة من بني تنوخ ويذكرون انه من الأزديين وان مدة حكمه عشرون عاما. ويروي حمزه الاصفهاني انه تولى الحكم في الحيرة في زمان ملوك الطوائف، وكان مقره في الانبار وانه توفى برميه بسهم بيد ابنه سليم ولما علم مالك ان رامية وقاتله هو ابنه نطق بيتيين من الشعر قبل ان يلفظ انفاسه قال فيها:
جزاني لا جزاه الله خيرا ... سليمـة انه شرا جزاني
اعلمــــه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وعقب موته هرب سليمة الى عمان وحكم بعده اخوه (عمرو بن فهم) ولا يعرف من امره شيء يستحق الذكر.
جذيمة بن الابرش:
وكان حظه اكبر عند الاخباريين العرب فذكروا انه ابن مالك بن فهم ونسبوه الى العرب العاربة الاوائل وينتمي الى (بني وبار بن اميم بن لوذ بن سام بن نوح)كما جعلوه من افضل ملوك العرب رأيا(2) وابعدهم مغارا واشدهم نكاية واظهرهم حزما واول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم اليه العرب وغزا بالجيوش).
ويذكر ان به كان برص فهابت العرب ان تكنيه بذلك واطلقت عليه (جذيمة الوضاح او الابرش اعظاما له). وقد استغل (جذيمة الابرش) حالة الضعف والاضمحلال التي آلت اليها دولة الفرس البارثية، فعمل على توسيع نفوذه على الضفة الغربية لنهر الفرات كما قيل انه قد بسط سيطرته على (معد وعلى ارض البحرين).
ويروي الطبري ان الاملاك جذيمة شملت (ما بين الحيرة والانبار وبقة وهيت وناحيتهما وعين التمر واطراف البر الى الفوير والقطقطانة، وخفية وما الاها وبذلك كانت تقوم على ارض العراق وحول نهر الفرات، وامتدت الى ارض خارج حدود العراق.
وقد ادرك الساسانيون اهمية الدور الذي يمكن ان تقوم به المناذرة في العراق لصالحهم فاعترفوا بحكم(جذيمة بن الابرش) وتحالفوا معه ليضمنوا وقوفه امام هجمات البدو، وتأمين حدودهم الغربية وساعدتهم في حروبهم ضد الروم.
ويذكر المؤرخون ان (جذيمة الابرشي) اراد ان يضفي طابعا دينيا على حكمه فتكهن واتخذ صنمين سماهما (الضيزنين) ووضعهما في مكان معروف بالحيرة كان (يستسقى بهما ويستنصر بهما على الاعداء) فأضاف الاخباريون الى اوصافه(التنبؤ والكهانة وعبادة الاصنام).
ويرى الطبري انه اثناء غزوة لجذيمة ضد بني اياد استطاع بنو اياد ان يسرقوا صنمي جذيمة بعد ان سقوا سدنتهما الخمر ودارت مراسلات بينهم وبين جذيمة تعهدوا فيها بأعادة الصنميين اليه مقابل ان يمتنع عن غزوهم او حربهم، فقبل جذيمة هذا الطلب واشترط عليهم ان يرسلوا مع الصنميين ابن اختهم (عدي بن نصير بن ربيعة) وكان غلاما (ذا جمال وظرف) لكي يجعله نادما له، فوافقوا على ذلك ونزل في قصره وصارت له مكانه عالية ويقال ان (رقاش) اخت جذيمة ابصرت عديا هذا وشغفت به حبا ثم احتالت على اخيها حتى وافق على زواجها منه وهو في حالة سكر وتم الزواج في نفس الليلة ولما افاق جذيمة في صباح اليوم التالي وادرك ما حدث، خاف عدي على نفسه واسرع بالهرب.
وكان نتيجة هذا الزواج المزعوم انجاب عمرو بن عدي الذي تقول الاساطير ان (الجن قد استطارت به فأختفى).
ثم تشاء الصدف بعد ان شب عمرو ان يلتقي برجلين ومعهما قينة وكان على مذرية فقد مواله الطعام والشراب وبعد ان تعرف عليه الرجلان اعاداه الى خاله (جذيمة الابرش) فألبسته امه ملابس ابناء الملوك ووضعت طوقا في عنقه وادخلته على جذيمة فلما رآه قال(شب عمرو عن الطوق) فذهبت هذه العبارة مثلا.
وقد طال عمر جذيمة الابرش اذ قدر بعض الاخباريين مدة حكمة بمائة وثماني عشر سنة وقدرها حمزة الاصفهاني بستين عاما فقط. وكانت نهايته على يد الزباء في القصة المشهورة عندما استدرجته الى قصرها وقتلته، انتقاما لمقتل والدها (عمروبن الظرب) اثناء حربه مع جذيمة من قبل.
وقد ورد اسم جذيمة في نص نبطي يوناني يرجع الى عام 270م، عثر عليه في (ام جمال) بالشام جاء فيه (هذا موضع اي قبر نهر بن شلي مربي جذيمت ملك تنوخ).
وأعتبر ذلك النص من اقدم النصوص التي ورد فيها اسم (توخ).
عمرو بن عدي وانتقال حكم الحيرة الى اللخميين:
ولما لم ينجب جذيمة الابرش اولادا فبعد وفاته في عام 268م، خلفه على الملك ابن اخته (عمرو بن عدي بن نصر) وهم من بني لخم .وبذلك فقد انتقل حكم الحيرة والانبار الى اللخميين.
ويذكر اليعقوبي ان عمرو بن عدي بعد ان تسلم الحكم بادر بالانتقام لمقتل خاله جذيمة بن الابرش وارسل احد رجاله الذي احتال على الزباء حتى كسب ثقتها ثم عذر بها.
ويصف الطبري عمرو بن عدي بأنه اول من اتخذ الحيرة(3) منزلا من ملوك الحيرة واول من مجده اهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق، واليه ينسبون وهم ملوك آل نصر، فلم يزل عمرو بن عدي ملكا حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة، منفردا بملكه مستبدا بأمره يغزو المغازي ويصيب الغنائم وتفد عليه الوفود دهره الاطول لا يدين لملوك الطوائف بالعراق ولا يدينون له حتى قدم اردشير بابك في اهل قارس).
وهنالك اختلاف بين الاخباريين والمؤرخين حول مدة حكم عمرو بن عدي، فيحددها حمزة الاصفهاني بمائة وثماني عشر سنة ويحددها المسعودي بمائة سنة، ويجعلها الدينوري نيفا وستين سنة ويحددها اليعقوبي بخمس وخمسين سنة وقد انتهج عمرو بن عدي سياسة سلفه وخاله جذيمة الابرش في التحالف مع الفرس الساسانيين مما ساعد على تقوية نفوذه على عرب العراق.
امرؤ القيس بن عمرو:
وكان يعرف باسم (امرؤ القيس البدء) اي الاول، كما وصف (بالمحرق) وانه (ماوية بنت عمرو) اخت (كعب بن عمرو الازدي) حسب رواية حمزة الاصفهاني.
وقد تولى الحكم بعد وفاة والده عمرو بن عدي ويذكر حمزه الاصفهاني انه حكم مدة مائة واربع عشرة سنة منها ثلاث وعشرين سنة في زمن شابور بن اردشير وسنة وعشرة اشهر في زمن هرمز بن شابور ،وتسع سنين وثلاثة اشهر في زمن بهرام بن هرمز، وثلاث وعشرين سنة في زمن بهرام بن بهرام بن بهرام، وتسع وستين في زمن نرس بن بهرام بن بهرام وثلاث عشرة سنة في زمن هرمز بن نرس، وعشرين سنة وخمسة اشهر في ومن سابور ذي الاكتاف وهذه المدة تتفق مع ما ذكره الطبري نقلا عن ابن الكلبي ويذكر المسعودي ان مدة حكمة ستون سنة، اما اليعقوبي فيحددها بخمس وثلاثين سنة فقط.
واذا رجعنا الى نص (النمارة) الذي دون عليه تاريخ وفاة (امرؤ القيس بن عمرو) في عام 328م، تكون مدة حكمه اقل بكثير مما حدده الطبري وحمزه الاصفهاني ويذكر الطبري ان وفاة امريء القبس بن عمرو كانت في عهد (شابور ذي الاكتاف) الذي حكم بين 310- 379م.
وموضع (النمارة) يقع في الحيرة الشرقية من جبل الدروز في الشام وكان ضريحا لامرئ القيس بن عمرو وسجل على لوحته اخباره كالتالي، بعد تقريبها الى اللهجة العربية الشائعة:
1- (هذا قبر امريء القيس بن عمرو(4) ملك العرب كلهم الذي نال التاج.
2- وملك الاسدين ونزار وملوكهم وهزم مدجج بقوته وقاد الظفر الى اسوار نجران مدينة شمر.
3- وملك معدا واستعمل ابناءه على القبائل ووكلهم لذى الفرس والروم.
4- فلم يبلغ ملك مبلغة في القوة.
5- هلك سنة 223يوم 7 بكسلول (بتقويم بصرى) الموافق (السابع من شهر كانون الاول من سنة 328م)ليسعد الذي ولده.
وبذلك يعتبر (امرؤ القيس بن عمرو) اول ملك من ملوك الحيرة تصل اخباره مدونة بدلا من تداولها عن طريق الاخباريين.
ويذكر الاخباريون ان ملكه كان واسعا، وانه كان عاملا للفرس على (فرج العرب بن ربيعة ومضر وسائر من بادية العراق والحجاز والجزيرة) واثناء فترة حكم امريء القيس بن عمرو وقعت عدة معارك بين الفرس في عهد شابور ذي الاكتاف والروم البيزنطيين في عهد الامبراطور (جوليان المرتد).
ويذكر الطبري ان العرب ارادوا الانتقام من شابور لكثرة ما قتل منهم في مطلع حكمه فأنظموا الى جيش جوليان وبلغ عددهم في معسكره مائة وسبعون الف مقاتل. وفي البداية هزم جيش الفرس وهرب شابور ومن بقى معه وقتل الكثير من جنوده وعقب ذلك دخل جوليان وجنوده مدينة طيسفون عاصمة الفرس ونهبوا بيوت وخزائن واموال شابور.
ولكن شابور ما لبث ان جمع شتات جيشه وعاد لمهاجمة البيزنطيين واستطاع اخراجهم من طيسفون. وفي هذه الاثناء قتل الامبراطور جوليان واضطر خليفته الى طلب الصلح وتنازل للفرس عن بعض المقاطعات التابعة له والتي كانت تقع في بلاد ما بين النهرين .
وبعد ذلك التفت شابور الى الانتقام من العرب وامعن في قتلهم وكان ينزع اكتاف رؤسائهم حتى سماه العرب (شابور ذي الاكتاف) ولكن شابور ادرك صعوبة الاستمرار في سياسة العنف والقوة مع العرب، التي دفعت جماعات منهم الى مقاتلته في جانب الروم اثناء اشتداد المعارك بين الجانبين فأضطر شابور الى مصالحة العرب والاستعانة بهم ضد اعدائه وعلى اثر ذلك توثقت عري التحالف بين المناذرة حكام الحيرة، والفرس ضد الروم البيزنطيين. ويروي الاخباريون ان امرأ القيس بن عمرو قد تنصر وانه اول من اعتنق النصرانية من ملوك الحيرة ولكن هذا الامر تنقصه الادلة الكافية.
ومن اثاره الباقية حسب رأى بعض الباحثين ذلك (المشتى) الشهير الذي بناه ليكون قصرا له وحصنا يحمي ملكه الجديد وقد نقلت احجار جدرانه المزخرفة الى متحف (القيصر فربدرش ويلهلم)في برلين.
وبعد وفاة امرؤ القيس بن عمرو تولى الحكم بعده ابنه عمرو وذكر ان مدة حكمه كانت خمسا وعشرين سنه وانه عاصر من ملوك الفرس شابور ذا الاكتاف واخاه اردشير بن هرمز بن نرس، شابور الثالث ووصفه بعض الاخباريين (بمعسر الحرب) اي موقد الحرب، ولكنهم لم يذكروا شيئا عن تلك الحروب.
ثم توالى على حكم الحيرة عدد من الملوك لم يتفق الأخباريون على اسمائهم او مدة حكمهم او ترتيبهم في تولى الحكم ولم يذكروا شيئا هاما عن اعمالهم واستمر ذلك خلال الفترة ما بين منتصف القرن الرابع الميلادي ونهايته.
النعمان الاول(النعمان بم امريء القيس):
وفي نهاية القرن الرابع ومطلع القرن الخامس للميلاد تولى الحكم في الحيرة اشهر ملوكها وهو (النعمان الاول) بن امرئ القيس بن عدي، وامه شقيقه ابنة ابي ربيعة بن ذهل بن سيبان واخوها عمرو والمزدلف.
وكان يعرف بالنعمان الاعور وعرف ايضا (بالسائح) لما روي عن زهده في الدنيا في اواخر ايامه.
ويعتبر اول مالك من بين ملوك الحيرة تتسم الاخبار الواردة عنه بشيء من التأكد والتحقيق والتفصيل.
ويذكر المسعودي انه قد حكم خمسا وستين ستة ويحدد حمزة الاصفهاني مدة حكمه بثلاثين سنة فقط ويحددها الطبري بتسع وعشرين سنة واربعة اشهر. ويمكن القول ان حكمه كان خلال الفترة بين 390- 418م، وذلك تبعا لأقرب التقديرات الى الحقيقة.
ويصفه الاخباريون بأنه كان حازما قويا محاربا شديد الباس مع اعدائه وقد غزا عرب الشام عدة مرات فسبى وغنم منهم الكثير. ويذكر ان جيش النعمان كان يتألف من خمس كتائب هي:
1- دوسر: وكان افرادها من تنوخ وقد اشتهرت بشدة ضرباتها حتى قيل في الامثال (ابطش من دوسر).
2- الشهباء: وافرادها من الفرس.
3- الرهائن: وكانت تتألف من خمسمائة رجل اخذوا كرهائن من قبائل العرب ويستبدلون بعدد مماثل كل سنة ويقيمون على باب قصر الملك حيث يستخدمهم في غزواته وفي الامور الاخرى وينصرف المسرحون منهم بعد مضي سنة في الخدمة الى احيائهم واعمالهم الخاصة.
4- الصنائع وافرادها من بني قيس وبني تيم اللات بن ثعلبه وكانوا (خواص للملك) ولا يبرحون بابه.
5- الوضائع: وقوامها الف رجل من الفرس يتم استبدالهم بعدد مماثل بعد مضي سنة في الخدمة، وقد وضعهم ملوك الفرس في الحيرة لنجدة ملوكها العرب. ولكن النعمان كان يعتمد في غزواته على كتيبتي الدوسر والشهباء.
ويروى ان اصحاب الرهائن ووجوه العرب كانوا يفدون على النعمان في ايام الربيع من كل عام حيث يعدلهم الولائم ويقيمون طرفة لمدة شهر ثم ينصرفون الى احيائهم بعد ان يبدلوا رهائنهم ويأخذون معهم المرباع اي ربع الغنائم في الحروب والغزوات.
وينسب الى النعمان الاول بناء قصري (الخورنق) و(السدير) والخورنق من خرنقاه وهي كلمة فارسية معناها (المجلس الذي يأكل فيه الملك ويجلس) .
ولقصر الخورنق شهرة في كتب الادب والتاريخ ويذكر الطبري عن سبب بنائه (ان يزدجر الاول المعروف بالأثيم (5) كان لا يبقى له ولد فسأل عن منزل بريء مريء صحيح من الادواء والاسقام فدل على ظهر الحيرة فدفع ابنه بهرام جور الى النعمان هذا وامر بناء الخورنق سكنا له وانزله اياه وامره بإخراجه الى بوادي العرب).
وقد بنى قصر الخورنق على نهر سنداد بالقرب من الحيرة واستغرق بناؤه عشرين عاما وكان بنيانا عجيبا لم يرد مثله في العرب، واقامه رومي يدعى سنمار حسب زعم الاخباريين.
ومن القصص الشائعة التي ارتبطت بقصر الخورنق وبانيه سنمار ما يرويه الاخباريون انس نمار لما فرغ من بنائه تعجب النعمان ومرافقوه من حسنه واتقان عمله فقال لهم سنمار (لو علمت انكم توفونني اجري وتصنعون بي ما انا اهله لبنيت بناء يدور حيثما درات، فقال النعمان (وانك لتقدر على ان تبني ما هو افضل منه ثم لم تبنه ) فأمر به فطرح من رأس الخورنق ولقي حتفه). ويقال ان النعمان كره ان يعمل سنمار مثله لغيره فأرداه قتيلا.
وفي رواية اخرى قيل ان (احيحة بن الجلاح) اراد بناء (اطم) له فبناه سنمار وبعد ان اكمله عجب من بنائه فقال له سنمار اني لا عرف حجر لو انتزع لتفوض من عند آخره) فسأله عن الحجر فأراه موضعه فدفعه (احيحة) من الاطم وخر ميتا.
ومن نهاية سنمار بهذا الشكل بعد اتقان عمله جاء المثل المشهور جزاء سنمار الذي ورد فيه اشعار بعض الشعراء العرب مثل ابي الطمحان القيني وسليط بن سعد ويزيد بن اياس النهشلي.
اما قصر السدير فكان على مسافة بعيدة من الحيرة في وسط البرية التي تفصلها عن الشام. والسدير اصلها سهد لي وهي كلمة فارسية معناها ثلاث قباب او ثلاث شعب متداخلة. ويصفه الاخباريون بأنه قبة في ثلاث قباب متداخلة ولم يكن في ضخامة قصر الخورنق ولم يكن له شهرته.
وقد ورد في بعض الروايات ان النعمان قد اعتنق النصرانية وذلك بتأثير القديس (سمعان العمودي) الذي كان يقوم بالتبشير بين اهل الحيرة، وذكر انه شفى ببركته من مرض كان يعلني منه فتنصر على اثر ذلك ولكن هذه الرواية ينقصها الدليل.
ويفسر اعتناقه للنصرانية ونبذه لعبادة الاوثان وتفكيره بخلق الله وعزوفه عن متع الدنيا بقصه حواره مع وزيره وهو يجلس في شرفة قصر الخورنق ويطل على البساتين والجنان التي تليه وذلك ذات ليلة في اواخر ايامه اذ قال لوزيره وصاحبه (هل رايت مثل هذا المنظر فقط(6) ؟ فقال لا لو كان يدوم قال فما الذي يدوم؟ قال ما عند الله في الاخرة قال : فيم ينال ذلك قال : بتركك الدنيا وعبادة الله والتماس ما عنده، فتركه ملكه في ليلته ولبس المسوح وخرج مستخفيا هاربا لا يعلم به).
كما يروى ان النصارى قد تمتعوا في عهده بحرية كاملة فأباح لهم مباشرة شعائرهم الدينية وسمح لهم ببناء الكنائس .
وقد ذكر الطبري ان النعمان ترك ملكه وساح في الارض لمدة تسع وعشرين سنة واربعة اشهر منها خمس عشر سنة في زمن ملك الفرس (يزدجر) واربع عشر سنة في زمن ابنه (بهرام الخامس) والمعروف ان (بهرام الخامس) قد حكم فيما بين سنة 420وسنة 438م. واذا اخذنا بهذه الرواية تكون نهاية حكم النعمان الاول في عام 434م، بدلا من 418م، وهو التاريخ الشائع.
المنذر الاول:
وبعد ان تخلى النعمان الاول عن الحكم خلفه على العرش ابنه المنذر الاول وامه من بني غسان حسب رواية حمزة الأصفهاني والطبري وتدعى (هند بنت مناة بن زيد بن عمرو الغساني) في حين ذكر المسعودي انها من آل بكر واسمها(هند بنت الهيجانة).
ويذكر الطبري وحمزة الاصفهاني ان مدة حكم المنذر بن النعمان كانت اربعا واربعين سنة منها ثماني سنين وتسعة اشهر في ومن بهرام جور بن يزدجرد، وثماني عشر سنة في زمن يزدجر بن بهرام وسبع عشر سنة في زمن فيروز بن يزدجر.
ويحددها المسعودي بخمس وثلاثين سنة، اما اليعقوبي فيذكر ان مدة حكمه كانت ثلاثين سنة. ويلاحظ ان الطبري قد اغفل مدة حكم المنذر في زمن يزدجر بعد اختفاء والدة النعمان وتؤكد ذلك رواية ابن الكلبي التي تفيد ان انتقال الحكم الى المنذر كان في زمن يزدجر وليس ابنه بهرام.
ويذكر الطبري انه بعد وفاة يزدجر تم تنصيب شخص آخر كسرى على الفرس من خارج اسرة يزدجر لسوء سيرته في الناس .
وكان الفرس قد كرهوا ان يتولى عليهم بهرام جور بعد وفاة والده يزدجر وقالوا (بهرام ابنه قد نشأ بارض العرب ولا علم له بالملك).
وكان يزدجر قد دفع ابنه بهرام جور عقب ولادته الى النعمان فأحتضنه واحضر له نساء عربيات لرضاعته ولما بلغ خمس سنوات احضر له مؤدبين علموه الكتابة والفقه والرمي والصيد والفروسية فاكتسب اخلاقا فاضله ومهارة فائقة واقام في قصر الخورنق الذي بناه من اجله.
ولما كبر بهرام جور ورأى عزوف الفرس عن توليه عليهم مكان ابيه يزدجر بعد وفاته طلب مساعدة المنذر بن النعمان الذي بادر بأرسال قوة لمناصرته بقيادة ابنة النعمان وسار هو على راس قوة اخرى قوامها ثلاثون الفا من الفرسان العرب واصطحب معه يهرام وبعد مفاوضات وافق زعماء الفرس على خلع من نصبوه كسرى عليهم واجلسوا بهرام على عرش ابيه واستفاد بذلك التاج وحقه الشرعي في العرش.
وكان للمنذر بن النعمان منزلة رفيعة عند يزدجر ويرى الطبري انه قد شرفه وكرمه وملكه على العرب(7) وحباه بمرتبتين سنتين تدعى احداهما (رام ابزود يزدجرد) اي (زاد سرور يزدجرد) وتدعى الاخرى بمهشت اي اعظم الخول وامر ان يسير بهرام الى بلاد العرب).
وكان للمنذر بن النعمان دور هام في الحرب التي وقعت بين الروم والفرس، بعد تولى (بهرام جور بن يزدجرد) العرش بوقت قصير.
وقد طلب منه بهرام ان يهاجم بلاد الشام ليخفف من ضغط الروم عليه ولكن التوفيق لم يحالفه اذ غرق جانب كبير من قواته اثناء عبور نهر الفرات حددهم سقراط بنحو مائة الف وهو مبالغ في ذلك فعاد الى بلاده مع من تبقى من جيشه وذلك في عام 421م.
في العام التالي 422م، تجددت الحرب بين الفرس والروم وشارك فيها المنذر بقواته ولكنه مني بخسارة كبيرة ايضا.
وقد انتهت هذه المعارك بعقد صلح بين الفرس والبيزنطيون في سنة 422م استمرت لمدة طويلة، وكانت وفاة عام 462م، على الارجح، وخلفه على عرش الحيرة ابنه الاسود من زوجته (هر ابنة النعمان) من بني الهيجمانة) حسب رواية الطبري ومن لخم تبعا لرواية حمزة الاصفهاني. وقد وقعت حروب كثيرة بين الاسود والغساسنة كان النصر حليفه فيها ويذكر انه قد اسر عددا من زعمائهم كما غزا بني ذيبان وبني اسد وكانت مدة حكمه احدى وعشرين سنة ولا تعرف نهايته على وجه التحديد.
وبعد انتهاء عهد الاسود توالى على الحكم المنذر بن المنذر والنعمان بن الاسود وابو يعفر بن علقمة الذميلي، وامرؤا القيس الثالث بن النعمان وغيرهم ولا يعرف من اخبارهم شيء يستحق الذكر.
المنذر الثالث: المنذر بن امريء القيس (ابن ماء السماء):
وهو من اشهر ملوك الحيرة المناذرة اللخميين وارتبطت سيرته ببعض القصص الاسطورية. وقد عرف بالمنذر بن ماء السماء نسبة الى امه (مارية ابنة عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط)، واطلق عليها (ماء السماء) لجمالها وحسنها.
كما عرف المنذر (بذي القرنين) لانه كان له ضفيرتان في شعره. وقد تزوج من (هند بنت آكل المرار) وانجب منها عددا من الاولاد منهم عمرو بن هند الذي تولى الحكم بعده. ويختلف الباحثون في تحديد بدء توليه الحكم ويذكرون ان ذلك كان في عام 506م، او عام 508م او عام 512م او عام 514م. ولكنهم يتفقون في ان انتهاء حكمة كان في حوالي عام 554م.
ويرى الطبري ان مدة حكمة كانت تسعا واربعين سنة بينما حددها حمزة الاصفهاني باثنتين وثلاثين سنة، منها ست سنوات في زمن قباد بن فيروز وست وعشرين سنة في زمن كسرى انور شروان بن قباذ كما كان يعاصر الحارث بن جبلة من ملوك الغساسنة والحارث بن عمرو من ملوك كندة.
وحدث في عام 518م ان تجدد النزاع بين الفرس والروم نتيجة لتباطيء الامبراطور (جيستنيوس) في دفع الاتاوة التي اتفق على دفعها للفرس في صلح عام 506م عقب الحرب التي استمرت بين الجانبيين من عام 502الى عام 506م.
فحرض قباذ المنذر على التحرش باملاك الروم في الشام فهاجمها المنذر في عام 519م، وفي بعض المعارك تمكن المنذر من اسر قائدين روميين كبيرين هما ديمو ستراتوس ويوحنا .
وفي سنة 524م ارسل الامبراطور جيستنيوس وفد الى المنذر ضم ابراهيم وشمعون الأرشامي واسقف الرصافة سرجيوس وذلك في محاولة لفلك اسر القائدين الروميين، ونجحوا في تخليصهما وكان المنذر آنذاك في البادية في موضع يسمى (الرملة).
ثم تجددت الحرب بين الفرس والروم في عام 528م، ووقف المنذر الى جانب الفرس وغزا املاك الروم في الشام وحصل على مغانم كثيرة وبعد قليل عاد بجنوده الى قاعدته.
وفي العام التالي 529م، توغل المنذر بقواته في بلاد الشام حتى بلغ حدود انطاكية ثم دخل اراضي اسيا الصغرى وفي طريقة استولى على الخابور ونصيبين وحمص وأباميا وفامية وانطاكية وخلقيدون واحرق كثيرا من المواضع وقتل كثيرا من السكان واسر أربعمائة راهبة وزعم بعض المؤرخين السريان انه اضحى بهن كقربان الى الالهة (العزى) ولا يوجد دليل كاف على ذلك كما يقال انه اخذهن انفسه.
ويذكر ان كسرى قباذ قد عزل المنذر بن ماء السماء لرفضه قبول مذهب المزدكية الذي اعتنقه قباذ ونصب الحارث بن عمرو الكندي مكانه الذي ارتضى هذا المذاهب ولما تولى كسرى انوشروان اعاد المنذر بن ماء السماء على الحيرة وطرد منها الحارث بن عمرو.
مشاركة الحارث بن جبلة الغساني في الحرب الى جانب الروم ضد الفرس والمنذر الثالث وقوع الصدام بين الامارتين العربيتين:
وقد رأى الامبراطور جستنيانوس الذي خلف الامبراطور جيستنيوس على عرش بيزنطة ضرورة دعم قوة حلفائه الغساسنة والاستعانة بهم في حماية سوريا، من هجمات المناذرة فنصب الحارث بن جبلة الغساني ملكا على عرب الشام، ومنحه لقب (فيلاركا) اي عامل على عرب بلاد الشام، وكلفه بحماية حدود الامبراطورية من اعتداءات المنذر وعرب العراق.
وفي سنة 531م، وقعت المعارك بين الفرس والروم في منطقة الفرات واشترك الحارث ين جبلة بقواته في هذه الحرب بجانب الروم وكان المنذر وجيشه يكون الجناح الايسر لجيش الفرس.
وفي العام التالي 532م عقد الصلح بين الروم والفرس ولكن النزاع بين الحارث بن جبلة والمنذر الثالث استمر بسبب اختلافها على الاتاوة التي تجبي من عرب منطقة ستيراتا الرعوية وتقع في جنوب تدمر وتمتد الى دمشق وكانت تشكل الحد الفاصل بين املاك الدولتين ، فحرص كسرى انوشروان الذي خلف قباذ المنذر على احتلال هذه المنطقة واثناء ذلك ادعى كسرى انوشروان ان الامبراطور جستنيانوس قد اخل بشروط الصلح باتصاله بالمنذر وبمحاولة اغرائه وجره الى جانبه بأرساله احد قادته المحنكين ويدعى (سوموس) بكتاب خاص الى المنذر يمنيه فيه بالوعود المغرية وبأموال طائلة اذا انضم الى جانب الروم.
وفي عام 540م، كانت الحرب قد تهيأت من جديد بين الفرس والروم وشارك فيها الحارث بن جبلة الذي غزا ارض الجزيرة كما اشترك فيها المنذر الذي هاجم بلاد الشام، ووصل الى فينيقية وتوغل في ارض لبنان.
وفي عام 545م عقدت هدنه لمدة خمس سنوات بين الفرس والروم ومع ذلك قل تنقطع المناوشات بين الحارث بن جبلة والمنذر بن ماء السماء ولكن الدولتين الكبيرتين لم تدخلا بصفة مباشرة في هذه المنازعات المحلية.
وبعد مدة قصيرة من عقد هذه الهدنة واثناء اشتعال الحرب بين المناذرة والغساسنة، تمكن الحارث من اسر احد ابناء الحارث بن جبلة، عندما كان يرعى خيوله في البادية ويقول (بروكوبيوس) انه قدمه قربانا للالهة (العزى) الامر الذي ملأ قلب الحارث بالحقد ودفعه للاستعداد للانتقام من المنذر.
وبعد ان جمع كل منهما كل ما يملك من قوة وسلاح، اشتباكا في حرب طاحنة، حقق الحارث فيها انتصارا كبيرا، وقتل عددا كبيرا من جنود المنذر، كما تمكن من اسر اثنين اولاده واسرع المنذر بالفرار للنجاة بنفسه هو ومن بقي من اتباعه.
يوم حليمة ومقتل المنذر بن ماء السماء عام 554م:
وكانت خاتمة الصراع بين المنذر بن ماء السماء والحارث بن جبلة، في عام 554م، عندما قتل المنذر في معركة حليمة التي دارت بين الجانبين وذلك نسبة الى حليمة بنت الحارث التي قيل انها كانت( تخلق قومها وتحرضهم غلى القتال) وذكر انها (عطرت مائة من فرسان ابيها والبستهم الدروع بيديها تشجيعا لهم على القتال).
وروى ابن الاثيران الموضع الذي وقع فيه القتال اسمه مرج حليمة وان اسم ابنة الحارث هو هند لا حليمة وقال ان الاسود هو الذي قتل في هذه المعركة، وليس (المنذر بن ماء السماء).
كما ان بعض المؤرخين يطلق على هذه المعركة اسم معركة عين اباغ، وانها وقعت في موضع يسمى (ذات الخيار). ووصفه بعضهم بأنه كان عظيما واشترك فيه عدد كبير من المقاتلين (وعظم الغبار حتى قيل ان الشمس قد احجبت وظهرت الكواكب المتباعدة من مطلع الشمس).
وينسب بعض الاخباريين الى ابنه المنذر ابياتا من الشعر في رثاء والدها منها قولها:
وقالوا: فاسا منكم قتلنا .... فقلنا: الرمح يكلف بالكريم
بعين اباغ قاسمنا المنايا .... فكان قسيمها خير القسيم
ويروى ان ولدين للحارث قتلا في هذه المعركة وقام الحارث بدفن ولديه في الحيرة ونهبها واحرقها.
وجاء في رواية ان الغساسنة قد تمكنوا من اسر احد ابناء المنذر يدعى امرؤ القيس وذلك في نفس المعركة التي قتل غيها والده المنذر بن ماء السماء وانه ظل في الاسر لديهم حتى قام رجال بكر بن وائل بغارة على بعض المواضع بوادي الشام، وقتلوا احد ملوك الغساسنة وخلصوا امرأ القيس بن المنذر من الاسر.
وفي رأي كوسان دي برسغال ان هذه الغارة كانت بقيادة احد ابناء المنذر وانها كانت غارة انتقامية لمقتله.
عمرو بن هند (عمرو بن المذر بن امرىء القيس):
خلف المنذر بن ماء السماء في حكم الحيرة بعد مقتله سنة 554م، ابنه عمرو بن هند وعرف بهذا اللقب نسبة الى امه (هند بنت عمرو بن حجر آكل المرار الكندي) ويتصل نسبه الى بالكنديين من جهة امه.
وعرف ايضا بصفة (مضرط الحجارة) وذلك اشارة الى شدة بأسه وصرامته وغطرسته. كما لقب بالمحرق لانه القى في النار قتلى بني تميم وعددهم 150 شخصا اثناء غزوه لديارهم وقيل لانه احرق نخل اليمامة.
ووصف ايضا بسرعة انفعاله ومهابته الشديدة واعتبره بعض الاخباريين شريرا، وزعموا انه كان لا يبتسم ولا يضحك وان حياته كانت تسير على يوميين يوم بؤس ويوم نعيم وفي ايام بؤسه يقتل اول من يلقاه، ويوم نعيمه خصصه للصيد والشرب حتى كان وقته يضيق عن استقبال الناس من ذوي الحاجات مما دفع طرفه بن العبد لهجائه بعد ان استاء من هذه المعاملة وامر عمرو بقتله هو وخليفة المتلمس.
وفي عهده كثر تردد الشعراء المشهورين على الحيرة لإنشاده ونيل جوائزه، وشهدت مجالسه منافسة الشعراء فيما بينهم، ونقد بعضهم شعر الاخر. ويذكر الطبري وحمزه الاصفهاني، ان مدة حكم عمرو بن المنذر بن السماء كانت ستة عشر سنة، في زمن كسرى انوشروان وتبلغ اربعا وعشرين سنة، حسب رواية المسعودي ، وكانت له غزواته ضد القبائل غزوته لبني تغلب، عندما رفضوا مساعدته لأخذ الثأر لمقتل ابيه من بني غسان، وكان قد طلب منهم الرجوع الى طاعته والغزو معه فأبوا وقالوا (مالنا نغزوا معك انحن رعاء لك)؟ فغضب لذلك عمرو بن هند، وحشد الجموع وقام بغزو تغلب في ديارهم في اول عمل له، فأوقع بهم واضرهم بشدة.
ويذكر ان الشاعر (الحارث بن حلزة) قد حضر مجلس عمرو بن عند وانشده معلقته الشهيرة التي حرضه فيها على ضرب بني تغلب، وسرد عدة حوادث من مواقفهم الغادرة، مما زاد في هياجه وغضبه عليهم وقد اكرمه عمرو بن هند على هذه القصيدة التي عبرت عن حقده على التغلبيين كما غزا عمرو بن هند بني طي بتحريض من زرارة بن عدس بن عبد الله الحنظلي الذي اغراه بالغنائم الكثيرة وكان متحرجا من غزوهم في باديء الامر لارتباط معهم في حلف.
وتحت الحاح زرارة بن عدس غزاهم واخذ سبعين رجلا من بني عدي كأسرى وهم من رهط حاتم الطائي. ولما عاد عمرو بن هند الى الحيرة توسط لديه حاتم الطائي في اطلاق الاسرى فوهبهم له.
وغزا ايضا تميما واحرق قتلاهم وذلك انتقاما منهم لقتلهم اخاه سعد وقيل ابنه مالك في رواية اخرى.
ويروى ان عمرو بن هند قد اغار على بلاد الشام في عام 563م، وكانت تحت النفوذ الحارث بن جبلة الغساني ولامتناع عربها عن دفع الاتاوة التي اعتادوا سدادها لملوك الحيرة مقابل امتناعهم عن مهاجمة حدودهم وكان قد اتفق على ذلك في الصلح الذي عقد بين الفرس والروم في العام السابق 562م.
ثم تكررت هذه الغارات على الشام في عامي 566و567م وكانت بقيادة اخيه قابوس. وكان الروم قد ارسلوا رسولين قبل ذلك الى الفرس لبحث موضوع دفع اتاوة لملك الحيرة وقد انكر الرسولان بطرس ويوحنا حق ملك الحيرة في اخذ اتاوة سنوية من الروم.
وبعد ذلك ارسل عمرو بن هند رسولا الى القيصر (جوستينوس) للتفاوض على الاتاوة المطلوبة فلقي معاملة غير لائقة وكان ذلك دافعا لقيام غارتي عام 566 و 567م، وذلك حسب تفسير (ميندز).
وقد استغل عمرو بن هند ضعف دولة كندة عمل على توسيع نفوذه في الجزيرة العربية، وشمل اليمامة وكانت البحرين ضمن دائرة سلطانه في الخليج العربي.
وتذكر احدى الروايات ان عمرو بن هند قد جعل اخاه قابوس بن المنذر عاملا على البادية.
مقتل عمرو بن هند عام 574م:
وكانت نهاية عمر بن هند عام 574م، عندما قتله عمرو بن كلثوم التغلبي في قصة مشهوره يستفاد منها ان غروره هو الذي تسبب في مقتله وخلاصة قصة مقتله، حسب رواية صاحب الاغاني انه افتخر بنسبه ذات يوم امام جلسائه وقال لهم (هل تعلمون(8) ان احدا من العرب من اهل مملكتي يأنف ان تخدم امه امي؟ فقالوا: ما نعرفه الا ان يكون عمرو بن كلثوم التغلبي، فأن امه ليلى بنت المهلهل بن ربيعة وعمها كليب بن وائل اعز العرب، وزوجها كلثوم وابنها عمرو فسكت واضمر ذلك في نفسه).
ثم بعث عمرو بن هند الى عمرو بن كلثوم يدعوه لزيارته هو وامه فقدما اليه وانزلهما منزلا حسنا، وامر بتقديم الطعام للحاضرين، واراد ان يختبر ام عمرو، ويتأكد من صحة ما سمعه عنها، فقال لامه (اذا فرغ الناس من الطعام ولم يبق الا الطرف فنحي خدمتك عنك، فاذا دنا الطرف فاستخدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء ففعلت هند ما امرها به ابنها، فصاحت ليلى عندئذ: واذلاه يا آل تغلب) فسمعها ولدها عمرو بن كلثوم من الخباء المجاور وثار الدم في وجهه، والقوم يشربون فألتقط سيفا لعمرو بن هند كان معلقا في السرداق وضرب به رأس بن هند واراده قتيلا ونادى في التغلبيين فأخذوا ما امكنهم اخذه وعادوا الى ديارهم وفي شعر على لسان (افنون) وهو(صريم بن معشر) اشارة الى هذا الحارث بالقول:
لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا ... لتخدم ليلى امه بموفق
كما يشير الى ذلك عمرو بن كلثوم نفسه قائلا:
الا هبي بصحتك فأصبحينا ... ولا تبقى خمورا لأندرينا
وهي من روائع شعره في الفخر واحدى المعلقات السبع.
قابوس بن المنذر:
خلف قابوس بن المنذر اخاه عمرو بن هند في حكم الحيرة بعد وفاته في عام 574م، وكان عمرو بن هند يؤثره على بقية اخوته فكان يعهد اليه بقيادة الجيوش في بعض غزواته وولاه بعض اقاليم الدولة.
ويذكر ان هند هي ام قابوس كما هي ام عمرو ولكن المسعودي يجعل امه (بنت الحارث من آل معاوية بن معد يكرب). ويحدد الطبري مدة حكمه بأربع سنوات منها ثمانية اشهر في زمن كسرى انوشروان والمعروف ان عهد انوشروان ينتهي في عام 579م، ولكن المسعودي يجعل مدة حكمه ثلاثين سنة.
وعندما آل الى قابوس ملك الحيرة كان شيخا متقدما في السن ولذلك وصفه بعض الاخباريين باللين الضعيف ويبدو ان هذه الصورة قد استخلصوها عنه من شعر الهجاء الذي قال فيه بعض الشعراء.
وفي شعر نسب الى طرفه بن العبد هجا فيه عمرو بن هند وقابوسا اضفى صفة (قينة العرس) على قابوس وعمرو قائلا:
يأت الذي لا تخاف سبته ... عمرو وقابوس قينتا عرس
وعقب وفاة الحارث بن جبلة الغساني استغل قابوس هذه الفرصة للهجوم على الغساسنة في ديارهم وكان وقتها عاملا على البادية في اواخر عهد اخيه عمرو بن هند ولكن المنذر بن الحارث الذي خلف اباه في الحكم فاجأه بهجوم مضاد والحق به هزيمة منكرة واسر عددا من الامراء اللخميين ولم ينج الا القليل من اتباعه هرب معهم في اتجاه نهر الفرات والمنذر يطاردهم بقواته حتى اقترب من الحيرة، ويرى (نولد دكه) ان هذه المعركة هي معركة (عين اباغ) وانها وقعت في حوالي عام 570م.
وبعد ان تولى قابوس الحيرة انتهز فرصة القطيعة بين المنذر بن الحارث والقيصر(جوستينوس) ولا يعرف سببها على وجه التحديد وان كان (ابن العبري) يرجع ذلك الى مطالبة المنذر بن الحارث للقيصر بدفع اموال لاعداد جيش قوي يستطيع به الوقوف امام الفرس، فأغار قابوس على حدود املاك الروم في الشام حتى بلغ انطاكية.
وقد تواصلت هجمات قابوس على بلاد الشام طوال مدة القطيعة بين الغساسنة والروم والتي استمرت لمدة ثلاثة سنوات واثناءها كان المنذر يحتمي مع اتباعه بالصحراء.
وبعد مصالحة الروم للغساسنة جمع المنذر بن الحارث اتباعه وشن هجوما خاطفا على الحيرة والحق بها الكثير من الخسائر وتمكن من اطلاق سراح اسرى الروم الذين كانوا في سجونها وكان ذلك في حوالي عام 578م. ويظن (روتشتاين) ان الهجوم قد وقع بعد وفاة قابوس في عهد اخيه وخليفته في الحكم المنذر الرابع.
تنصيب احد الفرس على عرش الحيرة لمدة عام بعد وفاة قابوس:
وروى الاخباريون انه بعد وفاة قابوس في سنة 579م، عهدت دولت الفرس بعرش الحيرة الى رجل فارس الاصل يدعى (فيشهرت) او (سهرب) او (السهراب) ويذكر حمزة الاصفهاني ان حكمه قد دام لمدة سنة وذلك في اواخر عهد كسرى(انوشروان). ولم يذكر الاخباريون شيئا عن سبب تنصيب هذا الرجل الغريب على الحيرة وربما حدث نزاع بين البيت في الحيرة على من يخلف قابوس عقب وفاته مما ادى الى تدخل الفرس.
وبعد ان زالت اسباب الخلاف عاد ملك الحيرة الى آل لخم اذ عين المنذر بن المنذر او المنذر الرابع ملكا على الحيرة وكانت مدة حكمه اربع سنوات ولم يحدث في عهده شيء يستحق الذكر.
النعمان بن المنذر(النعمان الثالث):
ويعرف (بأبي قابوس) وكان بعض الشعراء يكنونه (بأبي قبيس)او(ابي منذر). وهو اكبر ابناء المنذر الرابع من زوجته (سلمى بنت وائل بن عطيه بن كليب) وينسب بعض الاخباريين الى آل فدك وهم من اليهود وكان معظمهم يحترفون مهنة الصياغة. وقد هجاه عمرو بن كلثوم في احد قصائده قائلا ان (خاله صائغا ينفخ الكير ويصوغ القروط بيثرب).
ويصفه الاخباريون بأنه كان دميم الخلقة احمر الوجه ابرشا قصير القامة وكان على عكس اخوته الاثنى عشر الذين اشتهروا بجمال الخلقة والوسامة والهيبة ووصفوا لذلك (بالاشاهب).
وقد اثرت هذه الصفات الخلقية الدميمة في نفسية النعمان واوجدت عنده عقدة مركب النقص التي لازمته طيلة حياته وكان لها اثرها في سلوكه، وجعلته سريع الغضب يأخذ بالوشايات بدون تمحيص او تروي فنقم عليه الناس وهجاه بعض الشعراء وتهكموا عليه لعيوبه الخلقية والسلوكية واطلق عليه البعض لقب (الصعب) ومنهم الشاعر (لبيد بن ربيعة العامري) الذي وصفه في شعره (بالصعب ذي القرنين) والقرنان ضفيرتان من شعره رباهما.
وقد تولى النعمان الثالث الحكم بعد وفاة ابيه المنذر الرابع في عام 583م، ولم يكن انتقال الملك اليه بسهولة.
ذلك ان اباه المنذر الثالث كان له ثلاثة عشر ولدا ومعظمهم يطمع في الملك وكان يعلمك بالخلافات القائمة بينهم في ذلك الوقت فلم يشأ ان يزيد هذا الخلاف، بتعين احدهم وفرضه على الاخرين، كما تحرج من تنصيب اكبرهم وهو النعمان، وعقدة النقص التي كانت يعاني منها وعجزه عن فرض نفسه على اخوته اذ عينه خلفا له.
وعلى اثر ذلك دعاهم كسرى(هرمز بن انوشروان) اليه لاختبارهم ولانتقاء احدهم لتولي عرش الحسرة وذلك بعد الاستفسار من مستشاره في الشؤون العربية عدى بن زيد العبادي الذي كان يميل الى النعمان.
ولما وفد ابناء المنذر على كسرى نزلوا على عدي بن زيد الذي تظاهر بأنه يفضلهم على ربيبه النعمان ونصحهم بأن يجيبوا على سؤال كسرى بإجابة معينة قائلا (ان سألكم الملك: اتكفونني العرب(9) فقولوا نكفيكهم الا النعمان)، وطلب من النعمان ان يجيب على سؤال كسرى بإجابة مختلفة يعتقد انها ترضي كسرى ، بقوله (ان سألك الملك عن اخوتك فقل له: ان عجزت عنهم فأنا عن غيرهم اعجز)).
وقد سر كسرى بجواب النعمان ورضى عنه ونصبه ملكا على الحيرة والبسه تاجا قيمته ستون الف درهم مرصع باللؤلؤ والذهب. وبذلك انتصر النعمان على اخوته وتولى الملك وكان ذلك من دواعي سرور عجي بن زيد العبادي.
ويذكر ان خصوم عدي بن زيد وعلى راسهم عدي بن اوس بن مرينا قد حقدوا على عدي بن زيد بسبب الحيلة التي دبرها لنجاح النعمان فوشوا لديه حتى غضب عليه النعمان واستدرجه اليه ثم القى به في السجن حيث لقى حتفه بعد قليل بأيدي اعدائه الذين اطلقهم عليه النعمان.
وكانت مدة حكم النعمان بن المنذر اثنتين وعشرين سنة منها سبع سنين وثمانية اشهر في زمن هرمز بن انوشروان واربع عشر سنه واربعة اشهر في زمن ابرويز بن هرمز.
وكان النعمان بن المنذر محبا للشعر والشعراء والخطب والخطباء وقد اعتبره الاخباريون من افضل خطباء زمانه، مثل خطبة ايام كسرى في المجالس الحافلة التي دعى اليها وكانت تضم وفودا من الروم والهند والصين ووفودا من قبائل العرب.
كما كان قصره مقصد الشعراء الذين وفدوا عليه لمدحه ومدح آل لخم ونيل جوائزه وفي مقدمتهم النابغة الذبياني الذي كان له صلة وثيقة بالنعمان وكان يعيش في كنفه ويجزل العطاء له على قصائده المشهورة التي مدحه بها وكان الشعراء الاخرون يحسدونه على العطايا القيمة التي وهبها له النعمان ووشي به بعضهم لديه في بعض الاحيان.
ويروى انه ذات يوم استأذن النابغة للدخول على النعمان وكان في مجلس شراب وعنده خالد بن جعفر بن كلاب فلما دخل عليه سلم وحياه بتحية الملك جلس وقال (ايها الملك ايفاخرك صاحب غسان؟ قوالك لقفاك احسن من وجهه ولشمالك اجود من يمينه ولامك خير من ابيه ولغدك اسعد من يوميه) فضحك النعمان ثم قال لخالد (من يلومني على حب النابغة؟ الك حاجة؟ قال: نعم فقضى حوائجه بأسرها واحسن جائزته فأنصرف داعيا له).
ومن الشعراء الاخرين الذين وفدوا على النعمان ومدحوه ونالوا جوائزه المنخل اليشكري والمنقب العبدي والاسود بن يعفر وحاتم الطائي وحسان بن ثابت، وغيرهم.
ويذكر ان المنخل اليشكري فلم ينعم طويلا بالمكانة المرموقة في غياب النابغة فلم يلبث ان انقلب عليه النعمان واودعه السجن حيث لقى حتفه من التعذيب بعد قليل.
وقد ذكر بعض المؤرخين ان النعمان بن المنذر قد اعتنق النصرانية وترك عبادة الاوثان وكان ذلك في حوالي عام 593م. ولبعض مؤرخي الكنيسة وبعض الاخباريين قصص في كيفية اهتداء النعمان الى النصرانية ويصدر هذه القصص غالبا نصارى الحيرة.
ومن هذه القصص ان الشيطان اصاب النعمان بلوثه ووسوسة فلجأ الى كهنة الاوثان لشفائه فلجأ الى شمعون بن جابر اسقف الحيرة وسبريشوع اسقف لاشوم وغيرهما واستفاد منهم وتحسنت حالته الصحيحة وعلى اثر ذلك قرر تغير دينه واعتنق النصرانية على المذهب النسطوري كما تنصر بعض اولاده ومنهم الحسن والمنذر وقبل ذلك دخلت في النصرانية اختاه هند ومارية.
اما الاخباريون فيرجعون قصة تنصر النعمان الى تأثير عدي بن زيد عليه وانه خرج معه ذات يوم راكبا فمرا على مقابر خارج الحيرة فحدث عدي عن العبر التي تمكن ان يستخلصها المرء من اصحاب القبور ومن ذلك قوله:
رب ركب قد اناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
ثم اضحوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهـر حالا بعـد حـال
وكان لمواعظ عدي بن زيد اثرها في نفسية النعمان دفعه الى اعتناق النصرانية وبعد ان دخل النعمان في النصرانية جعل من نفسه حاميا للمذهب النسطوري الذي انتشر في العراق وصارت الحيرة احد المعاقل المهمة لهذا المذهب، واعتنقه الكثير من اصحاب الجاه والسلطان. وبعد ان اعتنق النعمان المذهب النسطوري ابعد اتباع مذهب اليعاقبة وطردهم من سائر اعماله فازدادت النسطورية قوة.
ونسب الى النعمان رعايته (لدير اللجة) واطلق عليه هذا الاسم نسبة الى ابنته (اللجة). وطول مدة حكم النعمان بن المنذر لم تحدث سوى بعض الغارات التي شنها على حدود بلاد الشام ولا يعرف الا القليل عن اخبارها.
كما حدث بعض المناوشات مع القبائل المجاورة نتيجة لاتساع رقعة الارض التي امتد نفوذه اليها من البحرين جنوبا الى جبال طيء غربا.
وفي يوم (طخفة) اشتبكت قوات النعمان مع بني يربوع كما اشتبك مع بني عامر بن صعصعة في موقعة يوم السلان ولكن النصر لم يكن حليفه في الموقعتين واضطر لدفع دية كبيرة لأطلاق سراح ابنه واخيه وعدد من الرؤساء الذين اسروا في المعركتين.
وكانت فدية الملوك التي دفعها النعمان بألف بعير.
تدهور العلاقات بين النعمان وكسرى الفرس في اواخر ايامه:
وفي اواخر ايام النعمان بن المنذر ساءت العلاقات بين كسرى ابرويزبن هرمز ويختلف المؤرخون حول اسباب ذلك فمنهم من يرجع ذلك الى سجنه لعدي بن زيد العبادي وقتله، وكان من المقربين الى كسرى، واوغر صدر كسرى على النعمان بن عدي المسمى زيد الذي كان يعمل في بلاط كسرى.
ولا يقبل ابو حنيفة الدينوري هذا التعليل ويعتبر ان سبب سخط كسرى محاولات النعمان واهل بيته الاستقلال بحكم الحيرة وتوابعها عن الفرس ويستند في ذلك الى كتاب نسب الى كسرى الذي وجهه الى ابنه وجاء فيه:
(واما ما زعمت من قتلى النعمان بن المنذر(10) وازالتي الملك عن آل عمرو بن عدي الى اياس بن قبيصة فأن النعمان واهل بيته واطئوا العرب واعلموهم توقعهم خروج الملك عنا اليهم وقد كانت وقعت اليهم ذلك في كتب فقتلته ووليت الامر اعرابيا لا يعقل من ذلك شيئا)
وهذا التفسير الذي اورده الدينوري في كتابه الأخبار الطوال اقرب الى الصواب وهناك تفسير اخر ذكره بعض الاخباريين بما يشبه القصص والاساطير مفادها ان كسرى ابرويز بن هرمز طلب بعض النساء ذات يوم لأهله واولده وكلمه زيد بن عدي في ذلك وابلغه ان عند النعمان من بناته وبنات عمه واهله اكثر من عشرين امراة بنفس الصفات التي ذكرها كسرى فامر كسرى بالكتابة الى النعمان لإحضارهن اليه.
وقال زيد بن عدي (ايها الملك ان شر شيء(11) في العرب وفي النعمان خاصة انهم يتكرمون عن العجم فأنا اكره ان يغيبهن فابعثني وابعث معي رجلا من العجم من حرسك يفقه العربية حتى ابلغ ما تحبه فبعث معه رجلا جليدا فخرج به زيد حتى بلغ الحيرة فلما دخل على الملك النعمان قال : انه قد احتاج الى نساء لأهله وولده واراد كرمتك بصهره فبعث اليك فشق عليه فقال لزيد اما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى؟).
ولما عاد زيد بن عدي ومرافقه الى فارس ابلغا كسرى ما حدث فغضب على النعمان واضمر في نفسه الانتقام منه وقال: رب عبد قد صار الطغيان الى اكثر من هذا). وبهذه المكيدة اوغر صدر كسرى على النعمان انتقاما منه لسن واده وقتله من قبل ويذكر ان كسرى ارسل كتابا الى النعمان يستدعيه للحضور الى العاصمة المدائن فأدرك سوء المصير الذي ينتظره.
وعقب ذلك حمل النعمان سلاحه وماله وتوجه الى ديار طيء لكي يحتمي طرفهم وكانت له زوجة منهم هي ابنة (سعد بن حارثه بن لام الطائي) وهو من اشراف طيء ولكنهم ابو ان يحموه خوفا من كسرى فغادرهم الى من كان يغدق عليهم من قبل، ليحتمي بهم فلم يجره احد منهم فانصرف عنهم قائلا(لا طاقة لكم بجنود كسرى).
ويروى ان كسرى قد صف له في المدائن ثمانية الاف جارية في صفين وهن مزينات له(اما فينا للملك غنى عن بقر السواد)؟ فعلم انه لا محالة هالك.
وهناك لقي زيد بن عدي فقال له النعمان (انت فعلت هذا بي لئن تخلصت لأسقينك بكاس ابيك) فرد زيد قائلا (امضى نعيم فقد اخيت لك اخيه لا يقطعها المهر الآرن).
مقتل النعمان بن المنذر سنة 605م وانتهاء حكم المناذرة في الحيرة وتولى اياس بن قبيصة العرش:
ويذكر ان كسرى قد امر بسجن النعمان فاودع سجن (ساباط) في المدائن وقيل بسجن خانقين وذكر ايضا انه سجن في (القطقطانة). ويروى ان وفاته كانت بالطاعون عندما وقع هذا الوباء وهو في سجن خانقين كما يذكر ان كسرى قد امر به فرمى تحت اقدام الفيلة فوطأته حتى مات وقال في موته هاني بن مسعود:
ان ذا التـــاج لا ابـــالك اضحــــى ... في الورى راسه تحوت الفيول
ان كسرى عدا على الملك النعمان ... حتـــى سقــــاه ـــــمر البليــل
وفي رواية اخرى قيل انه قد مات في سجن ساباط في المدائن.
وذكر ان احد ابناء النعمان وكان يقول الشعر قد قال شعرا عندما سمع بمقتل والده جاء فيه:
قولا لكسرى والخطوب كثيرة ... ان الملوك يهرمز لم تحبر
ورثاه لبيد بن ربيعة في قصيدة منها:
له الملك في ضاحي معه واسلمت ... اليه القياد كلها ما يحاول
وقيل انه بعد موت النعمان استباح كسرى امواله واهله وولده وامر ببيعهم بابخس الاثمان .
وبموت النعمان انتهى حكم المناذرة في الحيرة وقد ولى الفرس احد عملائهم وهو اياس بن قبيصة الطائي الذي سبق ان عهد اليه بإدارة شؤون الملك لعدة اشهر قبل ان يعطي التاج للنعمان وقبل انه كان نصرانيا وكانت مدة حكمة تسع سنوات من عام 605م الى 614م، في زمن كسرى (ابرويز).
وفي بعض حروب الفرس مع الروم دفعه كسرى ابرويز لقتال الروم فالحق بهم هزيمة بالقرب من (ارزن) ومن اهم الحروب التي خاضها الى جانب الفرس (موقعة ذي قار) .... .
المناذرة يستعيدون ملك الحيرة لمدة وجيزة وتولي المنذر بن النعمان بن المنذر العرش خلالها:
وكان المناذرة بعد سجن النعمان بن المنذر ووفاته وانتهاء حكمهم في الحيرة وقد توجه والى جهات البحرين حيث استطاع احد ابناء النعمان وهو المنذر الخامس المعروف (بالمغرور) ان يكون امارة عربية مستقلة.
ثم استغل عرب الحيرة اندلاع الاضطرابات في الدولة الساسانية فأعلنوا الثورة وتمكنوا من خلع (آزادابه) الفارسي واقاموا المنذر بن النعمان ملكا عليهم وذلك في عام 631م. وبذلك استعاد المناذرة ملك الحيرة وان لم يدم ذلك سوى ثمانية اشهر هي مدة حكم المنذر بن النعمان.
وخلال هذه الفترة بدأت الفتوحات الاسلامية وعلى اثر دخول خالد بن الوليد الحيرة بجيشه انتهت دولة المناذرة وزال حكم المنذر بن النعمان او المنذر الخامس. وروى ان المنذر بن النعمان قد اضطر لمغادرة الحيرة قبل وصول جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد اليها.
وقيل انه عاد الى البحرين، فجعله اهلها اميرا عليهم وهم من ربيعة وقيس بن ثعلبة وكانوا قد ارتدوا عن الاسلام فأوفد اليهم ابو بكر جيشا بقيادة العلاء بن الحضرمي ودارت معركة انتصر فيها العلاء في المرحلة الثانية وقتل المنذر وتعرف هذه المعركة (بيوم جوانا).
ويذكر انه بعد دخول خالد بن الوليد الحيرة فرض على اهلها اتاوة قدرها مائة الف درهم.
_______
(1) د. جواد علي: المرجع السابق، ج3، ص305.
(2) د. جواد علي: نفس المرجع – ج3، ص178
(3) د. جواد علي: نفس المرجع، ج3، ص186.
(4) د. جواد على: نفس المرجع، ج3 ص192
(5) د. جواد علي: نفس المرجع، ج3، ص199.
(6) د. جواد على: نفس المرجع، ج3، ص203.
(7) د. جواد علي: نفس المرجع، ج3، ص207.
(8) د. جواد علي: نفس المرجع – الجزء الثالث، ص255.
(9) د. جواد علي: نفس المرجع – الجزء الثالث، ص264.
(10) د. نبيه عاقل: تاريخ العرب القديم وعصر الرسول، ص196.
(11) د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، الجزء الثالث، ص 269.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|