أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
943
التاريخ: 11-11-2016
972
التاريخ: 11-11-2016
928
التاريخ: 11-11-2016
3313
|
كانت دولة معين أقرب الدول الجنوبية اتصالًا بالمناطق الشمالية في شبه الجزيرة العربية. ونشأت في الجوف الجنوبي فيما يمتد بين حدود حضرموت وبين المنطقة الحدودية الحالية الفاصلة بين المملكة العربية السعودية وبين جمهورية اليمن الشمالية، عند نجران. وانتفعت معين بسهل متسع يغذيه بالخصوبة ومياه الري نهر خارد وفروعه.
واختلفت تقديرات المستشرقين في تعيين البداية السياسية لدولة معين فيما بين القرن الثالث عشر ق. م. والقرن الحادي عشر ق. م. وبداية القرن السادس ق. م. وبداية القرن الرابع ق. م. ويبدو أن أكثر هذه التقديرات احتمالًا هو بداية القرن السادس ق. م.
واتخذت الدولة عاصمتها في مدينة قرنا وفي شرق الجوف الجنوبي. وبنيت مستطيلة في مساحة صغيرة نسبيًا تبلغ نحو مائة ألف متر مربع، وسورت بسور ضخم ذي مدخلين تحميهما الأبراج الحجرية، وبقي جزء من البرجين اللذين يحفان بمدخلها الشرقي. وقام إلى جانب العاصمة معبد كبير رددت النصوص المعينية اسمه وهو معبد رصف ولازالت بقية من أعمدته ونقوشه وزخارفه قائمة تشهد بكفاية أصحابها وإن تجاوزنا عن وصفه مراعاة للإيجاز واكتفاء بما وصفنا به أمثاله في سبأ وقتبان.
وتناولت البحوث الأثرية من مواطن العمران الأخرى في معين مدن: يثل (خربة براقش) وكمنهو (خربة كمنة) ونشان (خربة السودا) ونشق (خربة البيضاء) ورجمة (في أخدود نجران) .... وغيرها.
تعاقبت على حكم معين خمس أسرات حاكمة لم تحتفظ النصوص الباقية بألقاب حكامها الأوائل، ولكن يرجح أن سلطتهم بدأت بنفس الصبغة الدينية التي ظهرت عند جيرانهم. فتلقب كل منهم بلقب مزود ربما بمعنى من يزود
المعبودات أو المعابر بقرابينها، أو من يزود دولته بخيراتها. واعتمد هذا الترجيح على بقاء هذا اللقب مزود ضمن ألقاب حكام معين المتأخرين حتى بلغوا أن تلقبوا بألقاب الملوك.
وعملت معين على استثمار أراضيها الصالحة للزراعة بإقامة بعض مشروعات الري الصغيرة للاستفادة من الأمطار والسيول ومياه نهر خارد وفروعه، وذلك مما جعل الرحالة الروماني بلينى يصف أراضيهم بأنها أرض خصبة تكثر فيها الأشجار والنخيل والأعناب ولهم فيها قطعان كثيرة. غير أن معين اعتمدت في حياتها الاقتصادية أكثر ما اعتمدت على الاشتراك بنصيب كبير في تصدير منتجات الجنوب إلى أسواق التجارة الخارجية، ولاسيما منتجات اللادن والكندر والمر، التي كانت ترحب بها معابد الهلال الخصيب ودول البحر المتوسط ترحيبًا كبيرًا، وذلك مما جعل نفس الرحالة بلينى يعقب بقوله: والمعينيون منطقتهم يمر فيها ترانزيت الكندر عبر طريق ضيق. وهم الذين بدأوا التجارة وأهم من مارسوها. واتخذ نوع من البخور اسمه من اسمهم وهو البخور المعينى Minaean.
ويبدو أن مكاسب هذه التجارة التي سبقت عهد بليني بقرون طويلة هي التي حركت أطماع دولة سبأ منذ عهود المكربين ضد دولة معين. وقد مر بنا كيف تكررت الحروب بينهما في عهود المكربين الأواخر، وكيف أسرفت جيوش كرب إيل وتر (الثاني) السبأي في تدمير مدن معين وتشريد أهلها حتى ما يمتد إلى نجران. وإذا كنا قد تشككنا في صحة الأعداد الضخمة التي ذكرتها نصوصه عن قتلى المعينيين وأسراهم (راجع الفصل الخامس). فإن نفس هذه الأعداد تعبر ضمنًا عن اتساع عمران معين القديمة.
وعندما استردت معين كيانها بدأت بها عصور الملكية في أوائل القر الرابع ق. م. واعتاد ملوكها على أن يتلقبوا بكنيات شخصية معبرة حاول هومل وغيره تفسيرها، مثل: صدق بمعنى الصادق أو العادل، ويشور بمعنى المستقيم، وريام بمعنى المتعالي ... إلخ.
وعلى الرغم من غلبة نظام الحكم الملكي في معين ظل لمشايخ القبائل وأعيان العاصمة مجلس مسود بنفس الاسم الذي عرف به مثيله في قتبان ويراجع له الفصل السادس. وقد وصف بأنه مسد منعن أي المجلس المنيع أو شيء من هذا القبيل. وكانوا يجتمعون فيه بدعوة من الملك للبحث في أمور الضرائب والمنشآت العامة والمداولة في أمور الحرب إن وجدت، والتصديق على العقود التي تبرمها الدولة مع كبار الأفراد وتعهد إليهم بمقتضاها بتنفيذ بعض مشروعاتها الدينية أو المدنية وتتفق معهم فيها على الموارد التي ينفقون منها على هذه المشروعات.
ويغلب على الظن أنه قامت إلى جانب هذا المجلس الرئيسي في العاصمة مجالس أخرى فرعية في المدن الكبيرة والأقاليم كانت تشكيلاتها واختصاصاتها تشبه المجالس البلدية أو القروية الحالية.
وتولى رياسة حكم الأقاليم والمدن الكبيرة في معين موظفون تلقب كل منهم بلقب كبر أي كبير، أو وال، وتولى كل منهم رعاية شئون إقليمه باسم ملكه في شئون القضاء وفي جباية الضرائب وفي إقامة المشروعات الإقليمية.
غير أن الكبراء أو الولاة لم يكونوا المشرفين وحدهم على جباية الضرائب وإنما أخذت دولتهم في نفس الوقت بنظام الالتزام في تحصيل بعض ضرائبها، وهو نظام سبق أن أشرنا إلى تطبيق مثله في قتبان وغيرها (في الفصل السادس). وكان معدل الضرائب يدور حول العشر أو ما يقرب منه ويؤدى عينيًا عادة.
وبحكم موقعها الشمالي ظلت معين أكثر اتصالًا بطرق التجارة الشمالية الرئيسية التي تخرج من عاصمتها قرناو ومن تابعتها نجران، إلى نجد وما ورائها وإلى الحجاز وما ورائه. ولرعاية قوافل المتاجر التى تسلك الطريق التجاري البري الكبير على طول الحجاز والممتد إلى العقبة وما يتفرع منها إلى سيناء المصرية، وإلى غزة ومعان في جنوب الشام، زودت معين هذا الطريق بحاميات وجاليات معينية كان استقرارها في مدن الحجاز من عوامل التزاوج والاختلاط السلمي بين عرب الشمال وبين عرب الجنوب كما كان من أسباب ما تناقله النسابون عن تناثر بطون جنوبية أو قحطانية بين العرب الشماليين (في مثل مدينة يثرب في عصور تالية).
وأقامت أكبر الجاليات أو الحاميات المعينية في واحة العلا شمالي يثرب وكانت في بعض عصورها مقرًا لدولة ددان ودولة لحيان مما سنتناوله فيما بعد بتفصيل. وعندما زاد النفوذ الاقتصادي لهذه الجالية زاد بالتالي نفوذه السياسي حتى غدت منطقتها حليفة لدولة معين يتولاها كبير أو كبيران على صلة بالملك المعيني الجنوبي. وربما حدث هذا التطور في أواخر القرن الثالث ق. م. وأصبحت المنطقة تذكر معه في النصوص إلى جانب أسمائها القديمة باسم... الجنوبية أي معن أو معين، مع تخصيصها بكلمة مصرن. وتعامل تجار معين ووسطاؤها من معن مع العواصم المصرية واستقر بعضهم فيها. ومنهم رجل يدعى زيد إيل بن زيد دفن في مصر ووجد له تابوت في منطقة منف كتب عليه بحروف المسند ما يفهم منه أنه المصرية. ويعبر زيد إيل بن زيد عن استغراقه في الحياة المصرية تلقب بلقب وعب وهو لقب ديني مصري قديم يعني الكاهن المطهر. وأرخ هذا النص بالعام 22 للملك توليما يوث برتولمايوس وقد يقابل عام 263 ق. م. خلال عهد بطلميوس الثاني، أو بعده. عمل في خدمة معبد مصري لعله سيرابيوم منف، وتولى توريد بعض المنتجات العربية إليه مثل المر والذريرة (قصب الطيب) وغيرهما على سفينة بحرية في مقابل ما كان يصدره إلى بلده من المنسوجات
ووصل تجار معينيون بتجارتهم إلى جزيرة ديلوس في بحر إيجة في النصف الأخير من القرن الثاني ق. م. حيث وجدت فيها آثار صغيرة نقشت بنصوص عربية تدعو لأصحابها آلهة معين (وآلهة سبأ).
واستمرت معين في سبيلها السياسي وسبيلها الاقتصادي حتى دب الوهن في نظامها الحاكم واشتد بأس جيرانها، وتجرأت عليها دولة قتبان ودولة سبأ. وبدأت قتبان فاقتطعت جانبًا من أراضها، وأجبرتها على عقد حلف معها احتفظت لنفسها فيه بالمكانة العليا لا سيما في أيام ملكي معين وقه إيل يثع وولده إيل يثع يشور الثاني. وحاولت قتبان أن تستغل معين في التضييق على دولة سبأ من الشمال، ولكن هذا زاد من حقد سبأ عليها فما لبثت هذه الأخيرة حتى استغلت انشغال قتبان بمشكلاتها الداخلية مع قبائل حمير وانفردت بمعين فدمرت عاصمتها قرناو واستولت على أجزاء متسعة من أراضيها قبيل الربع الثالث من القرن الأول ق. م. بحيث لم يذكرها استرابون في عام 24 ق. م. حينما صحب حملة القائد الروماني آيليوس جاللوس ضد الدولة العربية الجنوبية، مما يعني أنها كانت قد فقدت استقلالها على أيامه.
ولكن الانكماش السياسي لم يؤد إلى وقف نشاط المعينيين في مجالات التجارة فظلوا يقومون بدورهم فيها ويجنون مكاسبها تحت طاعة دولة سبأ القوية، وبهذه الصورة كتب عنهم بليني في القرن الميلادي الأول ما نقلناه عنه من قبل، كما كتب عنهم الرحالة الجغرافي بطلميوس في القرن الميلادي الثاني.
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
انطلاق الجلسة البحثية الرابعة لمؤتمر العميد العلمي العالمي السابع
|
|
|