أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-11-2016
1020
التاريخ: 2-11-2016
631
التاريخ: 2-11-2016
691
التاريخ: 2-11-2016
502
|
نهضت أور نهضتها ببداية أسرة حكم جديدة أسسها "أورنمو" قبيل القرن الحادي والعشرين ق. م، وعرفت اصطلاحًا باسم أسرة أور الثالثة، وتعاقب على عرش هذه الأسرة خمسة ملوك سعوا إلى استعادة الحكم الموحد، واشتهر منهم إلى جانب مؤسسها أورنمو(1) ولده "شوجلي أو شاخ جي"، وبمجهود هذين الملكين بالذات خضعت كثير من المدن السومرية والأكدية لأور، وذلك مما سمح لملوكها بأن يتلقبوا بمثل لقبي سرجون الأكدي، أي "ملك سومر وأكد"، و"ملك الجهات الأربع" وإن ظل هذا اللقب الأخير بخاصة لقبًا تشريفيًّا أكثر منه لقبًا فعليًّا؛ إذ إنه على الرغم من جهود الملكين وبعض خلفائهما في سبيل توسيع الحدود، واعتراف آشور في الشمال بنفودهم الاسمي، بحيث أقام أهل مدينة إشنونا معبدًا في مدينتهم نسبوه إلى ملك أور "شوسين"(2)، كما أرسل أحد ملوك آشور هدية ثمينة إلى بورسين ملك أور القوي، ملك الأقاليم الأربعة(3)، إلا أن حجم المملكة ظل أقل بكثير مما كان عليه في العصور الأكدي.
وأضافت دولة أور بضعة تجديدات في آفاق السياسة والتشريع ومجالات الصناعة والفن: فأثر لنظم الحكم الداخلية فيها أن مؤسسها أورنمو كان من أقدم مصدري التشريعات المكتوبة المعروفة في تاريخ العراق "بعد تنظيمات أوروكاجينا" حيث عثر على أجزاء من نسختين لتشريعه كتب إحديهما طالب في مدينة أور، وكتب الأخرى، طالب من مدينة نفر بعد وفاة أورنمو بنحو ثلاثة قرون، مما قد يعني أن هذا التشريع جاوز صيغته المحلية وطبق في مدن أخرى ولفترة طويلة. وبدأ كاتب التشريع باختيار المعبودين آن وإنليل للمعبود ننار إليه القمر ملكًا على مدينة أور، ثم اختيار هذا الأخير "أورنمو" تائبًا عنه أو ممثلًا له يقوم مقامه على الأرض. ولعل الربط بين التشريعات وبين اختيار الآلهة وإرادتهم أو إيحاءاتهم ، كان مقصودًا لكفالة احترام بنودها وخلع الشرعية عليها فضلًا عن تأكيد دور الملوك كوسطاء بين الآلهة وبين شعوبهم عن طريقها. وتضمنت المواد الأولى من تشريع أورنمو العبارات المعتادة عن سعي صاحبه إلى ضبط الأوزان والمكاييل وتوحيدها، ورغبته في تخليص المواطنين ممن يستغلون ماشيتهم وأغنامهم ودوابهم، وإلى أن يمنع وقوع اليتيم فريسة للثرى ووقوع الأرملة ضحية للقوى وأن لا يكون مالك الشاقل ضحية صاحب المينه "وتساوي المينه Me-Na, Ma-Na ستين شاقلا". وكان كل من المينه أو المينا، والشيقل أو الشاقل، قطعة معدنية ذات وزن معلوم تقوم مقام العملة وليست منها. وتختلف قيمتها الحقيقة باختلاف نوع معدنها.
وأقر قانون أورنمو دفع غرامات على الجروح "التي لا تفضي إلى الوفاة"، فجعل غرم جرح الساق عشرة شواقل من الفضة، وغرم كسر العظام مينة من الفضة، وغرم قطع الأنف ثلثي مينه من الفضة، وغرامة كسر السن شاقلين من الفضة. وجعل التشريع العوض عن الجالية مثلها أو عشرة شواقل من الفضة أو ما يساويها من المقتنيات. وجعل حلوان إعادة العبد الآبق والجارية إلى مالكهما شاقلين من الفضة.
ونص على أن من اقتحم حقلًا مزروعًا فأفسده فعليه أن يعوض صاحبه بقيمة ما أفسده، ومن أغرق حقلًا عامدًا عوض صاحبه بثلاثة كور من الشعير من كل إكور من الأرض، ومن استأجر أرضًا لزراعتها فأهملها وأصبحت بورًا عوض صاحبها بثلاث كور من الشعير من كل إكور من مساحتها.
وجعل التشريع غرامة شهادة الزور15 شاقلا من الفضة. وأجاز إظهار البينة عن طريق الامتحان بإلقاء المتهم في النهر. ويبدو أن الحكمة من ذلك هي إيكال أمره إلى إله النهر إذا عجز القاضي عن إثبات التهمة عليه، فإن شاء الرب أنقذه وبرأه، وإن شاء أغرقه بذنبه. ولعل عدالة الجزاء كانت تقتضي أن يوثق المتهم ويثقل بالأحجار قبل إلقائه في النهر بحيث يكون غارقًا لا محالة، فإذا طفا ونجا اعتبر ذلك معجزة ودليلًا على رغبة الإله في تبرئته. "وذلك اعتقاد يمكن فهمه بمقارنته بما يأخذ به بعض البدو حتى الآن من امتحان المهتم عن طريق البشعة فإن احترق بها لسانه عند لمسها دل ذلك على احتمال إجرامه وإن سلم لسانه كان من أدلة براءته".
وفي الأحوال الشخصية نص التشريع على أن من تزوج بكرًا ثم طلقها دفع لها مينه من الفضة، وإذا تزوجها ثيبًا وطلقها دفع لها نصف مينه من الفضة، وإذا عاشر أرملة دون عقد زواج وتركها فلا تعويض لها عنده. وألزم والد الخطيبة برد ضعف هدايا الخطيب إذا أخلف وعده له وزوجها لآخر. ونص التشريع على أن رمي زوجة آخر بالفحشاء ثم برأها امتحان النهر غرم ثلث مينه من الفضة وأن من اغتصب جارية رجل آخر وكانت بكرًا غرم خمسة شواقل من الفضة، وإذا أوقعت زوجة رجلًا في حبائلها بطرق السحر فواقعها حق عليها الذبح دونه. ونص على أنه إذا ساوت جارية الرجل نفسها بسيدتها وأهانتها "أو أهانته" حشي فمها بالملح ونقع به. وأصبحت أغلب هذه البنود، وهي قلة من كثرة لم يعثر عليها، أساسًا لبعض ما تلاها من تشريعات(4).
أعيد في عهد أورنمو تسوير عاصمته ذات الهيئة البيضية التي أطلت على نهر الفرات بميناء ذات أرصفة واسعة، وحماها الماء من ثلاث جهات، وبلغت مساحتها نيفًا ونصف ميل طولًا، وربع ميل عرضًا. وامتدت حولها ضواحيها وشغلت معها مساحة قدرها نحو أربعة أميال طولًا وميل ونصف عرضًا وأطل سور المدينة من داخله على ساحة متسعة "بلغت مساحتها 400 ياردة ×200 ياردة" قامت فيها معابد المدينة الكبرى المخصصة للمعبود ننار وزوجته ننجال وحاشيتها. وبقيت أجزاء لبعض هذه المعابد حتى الآن بحالة لا بأس بها.
وفي الحياة السياسية تجنبت أور إلى حد ما العوامل الوخيمة التي نخرت في كيان الدولة الأكدية من قبلها نتيجة للتفرقة بين السومريين وبين الساميين وشطر أهل البلد الواحد شطرين، فاستعانت بالعنصرين في جيشها وفي مناصب الإدارة. وجمعت بين اللغتين السومرية والأكدية في بعض الوثائق الرسمية والأدبية. وتسمى بعض ملوكها بأسماء سامية الصبغة مثل شوسين، إبي سين. ولو أن هذه السياسة لم تمنع ملوكها من انتسابهم إلى سومر أكثر من غيرها، ولا من مركزة الحكم في عاصمتهم كما فعل الأكديون من قبل، فظلت هذه العاصمة تشرف على كل كبيرة وصغيرة من شئون المدن والأقاليم، ويبدو أنها استعانت على ذلك باستحداث نظام يشبه نظام الوزارة، والعناية بنظام العدائين لتبليغ أوامرها إلى ولاة أقاليمها، واعتبرت أولئك الولاة مجرد موظفين كبار يخضعون للنقل من إقليم إلى إقليم.
ولم يضح ملوك أور بالهالة المقدسة التي اكتسبتها الملكية منذ أيام الدولة الأكدية، وكان أكثرهم استمساكًا بها "شولجي" "ذلك الذي كان اسمه يقرأ دونجي ثم ظهر رأي جديد يقرأه شاخ - جي"(5)، وقد اختير كاهنًا أكبر للمعبودة إنانا في أوروك في حياة أبيه، وذكرت نصوصه أن الإله اختاره بنفسه(6)، وأطلق اسمه بعد توليه العرش على أحد شهور دولته، ورفعه أهل بلاطه إلى مرتبة الربوبية أو ما هو قريب منها ورضي هو بها بطبيعة الحال، فسمى بعضهم أولاده باسم "شونجي إيلي" بمعنى شولجي إلهي، و"شولجي باني" بمعنى شوجلي الخالق، فضلًا عن "شولجي أبي". وأقطع شولجي ابنته منطقة واسعة، فأصبحت أميرة لها. وربط بين الميول الدينية في بعض المدن الكبيرة وبين عقائد بلده عن طريق تكليف كل مدينة بنفقات قرابين معبد إله العاصمة شهرًا على الأقل من كل عام، ووقع أغلب الغرم في ذلك على مدينة لجش فتكفلت بأداء القرابين أربعة أشهر كاملة.
وعبر كاتب سومري عن رأي شولجي في نفسه فكتب على لسانه:
"أنا الملك، كنت بطلًا في بطن أمي، أنا شولجي، صاحب البأس منذ مولدي، أنا أسد ثاقب البصر، ابن مارد، أنا ملك أركان الدينا الأربعة، أنا حامي السومريين وراعيهم، أنا بطل، رب البلاد كلها.
أحب الخير وأقسي الشر وأمقت ألفاظ العداوة، أنا شولجي الملك المقتدر، أخضعت البلاد الثائرة وكفلت الأمان لشعبي ... شولجي الذي توفر له بأس السماء والأرض، ولم يكن له مثيل، شولجي الذي رعاه رب السماء"(7).
ولم يكن اعتداد شولجي بنفسه بغير أثر سيئ على أذهان كتبة التاريخ بعد عهده، فذكروا أنه وإن اهتم الاهتمام الشديد بمدينة إريدو التي تقع قرب شاطئ البحر، إلا أنه استولى على ذخائر معبد إساجيلا معبد بابل، فغضب بعل ولم يرض عن جثته(8).
وجرى خلفاء شوجلي ومنهم ولده أمرسين على سياسته في الاستمساك بهالة الملك المقدسة، وأثنت كاهنة من كاهنات لوكور على مولاها شوسين "الابن الثاني لشولجي في أوائل الألف الثاني ق. م" على ما أولاها إياه من هدايا ونعم، وصاغت مديحها في نشيد بدأته بوصف الملك بالطهر، وامتدحت أمه أبسيمتي لولادتها إياه، ثم عددت عطاياه لها بعد أن أطرته بنشيدها، وذكرت منها قلادة ذهبية وختما من اللازورد وخاتمًا ذهبيًّا وآخر من الفضة. وأكدت أن تطلع الملك إليها كان أثمن لديها من هداياه، وأضافت ان عاصمته تجثو لدى قدميه كالشبل الصغير، وترفع أكفها تضرعًا إليه، ثم نعتته بربها وحبيبها ورب بلده وحبيب إنليل, وعندما سجل أحد الناسخين المتأخرين هذه القصيدة بقلمه حرص على أن يسبق اسم شوسين بمخصص الأرباب(9).
واحتفظت أرض أور بعدد كبير من لوحات المكتوبة، ومنها ما تناول العلاقات الاقتصادية، ومنها ما عدد القرابين والضرائب المرصودة لإله القمر ننار، ومنها ما تناول قضايا العقارات ونقض الالتزامات(10). ويفهم من طريقة تأريخ أمثال هذه اللوحات أنها كانت تؤرخ بالأعوام والشهور، وأن الأعوام ظلت تسمى بأهم حدث فيها، وقد يكون هذا الحدث وهو ولاية ملك جديد أو قيامه بمشروع جديد مثلما سمي العام الثامن عشر من حكم أرونمو باسم "العام الذي بسط أورنمو الملك السبيل فيه من أسفل إلى أعلى" وقد يفهم من هذه التعبير امتداد نفوذه فيه من الجنوب إلى الشمال. وقد يؤرخ العام بإنقاذ منطقة فيه من ضرر ما. وكان أصحاب الوثيقة يقسمون فيها عادة باسم الملك الحاكم ويشهدون عليها الشهود، ويختمون عليها بأختامهم. ومن نماذج هذه الوثائق صلك صغير يقول كاتبه: "180 كورًا من الشعير هدية "أو نذرا" لونانا حاكم زيمودار، تسلمها أورجالاليم باسم "معبد" شولجي نانا "الكائن" على ترعة دورول. شهر شيجوركود، عام ولاية شوسين الملك المقدس"(11).
ثم وثيقة قرض يقول كاتبها: "120 شاقلا من الفضة، أرباحها 5 شواقل لكل 60 منها شاقل، اقترضها أداكالا من أوردو آزاجا، على أن يسددها في شهر سيج وأقسم على ذلك باسم الملك". وبعد أن وقع ثلاثة شهود، أرخ الكاتب لوحته بقوله: "شهر شيجوركود في عام أنقد الملك المقدس إبي سين، سيمورو". ثم ختم المستدين على الوثيقة بختمه ثلاث مرات(12).
وإذا حرر المتعاقدون لوحتهم خارج عاصمتهم، أضافوا إلى اسم الشهر والعام، اسم حاكم منطقتهم، وربما اسم الموظف الذي يؤدي عمل القاضي فيها أيضًا(13).
__________
(1) Bulletin Of The University, Xvii, No. 2 "1952"; Oirentalia "New Series", Xxiii, 40 F.; Scientific American Bull., January 1953, Castellino, AZ, Xviii, 1957 1-57.
(2) S. Moscati, the Face of the Ancient Orient, 1960, 26.
(3) See, Frankfort, The Gimilsin Temple And The Palac Of The Rulers Of Tell-Asmar, Chicago, 1940.
(4) E. Szlechter, Le Code D'ur-Nammu, Rev. D'assyriologie, 49, 1955, 169 F.; Kranner and Gurney, As, Xvi "1965", 13-19; J.J. Finkelstein, Supplement to Anet, 1969, 523-26.
(5) Th. Jacobsen, Bulletin of the American Schools of Oriental Research, 1947, 16 F.
(6) ديلابورت: المرجع السابق- ص180.
(7) S Moscati, Op. Cit., 38.
(8) E. Ebeling, Op. Cit., 336; Anet, 267.
(9) S.N. Kramer, Anet, 496.
كرامر: من ألواح سومر - الفصل 23 - ص366 - 369.
(10) Babylonica, Iii, 100 F.; C.J. Gadd, Sumerian Reading Book, 172-175; J.B. Nies, Ur Dynasty Tablets, 1920
(11) حكم شوسين فيما بين 1981 - 1972ق. م تقريبًا.
Th. J. Meek, Anet, 217; L. Legrain, R.A., Xxx "1933", 117-125, No. 7.
(12) يحتمل توقيت عهد إبي سين بما بين 1972ق. م.
Th. Meek, Op. Cit.,; J.B. Nies, Op. Cit; No. 30.
(13) Meek, Op. Cit.,; Gadd, Op. Cit., 173.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|