أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-11-2016
495
التاريخ: 3-11-2016
1083
التاريخ: 3-11-2016
795
التاريخ: 2-11-2016
1145
|
الملك وجهازه من الموظفين:
بالمقارنة مع قلة المصادر المتعلقة بالأوضاع السياسية وقلة السجلات الملكية الرسمية، جاءت إلينا من عهد سلالة "اور" الثالثة كما ذكرنا مصادر وفيرة عن الأحوال الداخلية من الوثائق والعقود التجارية والاقتصادية والإدارية التي بدأت تتكاثر وتتضخم منذ منتصف حكم الملك "شولكي" ومما لا شك فيه أن هذه الوفرة من الوثائق الاقتصادية والإدارية كانت تستلزم جهازاً واسعاً من المسجلين والمحاسبين والمشرفين والمديرين، وبعبارة أخرى إدارة مكتبية (بيروقراطية) ضخمة. والواقع من الأمر أن ولع الكتبة السومريين بالتسجيل والتنظيم وحفظ الوثائق كان تراثاً متأصلاً ورثه كتبة سلالة "أور" الثالثة من العصور الماضية. ويمكن بوجه عام تصنيف جهاز الدولة الوظائفي ابتداء من درجاته السفلى إلى الأصناف الآتية:
أ- الكتبة والمسجلون أي ما يسمى بالسومرية "دب ــ سار" (Dub-Sar) وكان هؤلاء على مراتب ودرجات، وبضمنهم المحاسبون والموظفون الصغار(1).
ب ـ ويأتي فوق هؤلاء طبقة من الموظفين أعلى درجة مثل مديري المشاغل والمصانع الخاص بالقصر والمعبد، وكبار الموظفين الموكلين بإدارة املاك القصر والمعبد والكهنة والكاهنات وقواد الجيش وحكام المدن والأقاليم. وكان الحكام طبقة عليا من الموظفين، ويسمى الحاكم بالسومرية "أنسي" (Ensi) وبالبابلية "اشاكم" (Ishshakkum) و "شكنا" (Shakkana) الحاكم العسكري أو القائد ثم يأتي في قمة الهرم الملك مستشاره ووزيره الأعظم "سكال ــ ماخ" (Sukkal – Makh).
واستحدثت في زمن "شولكي" دوائر اقتصادية مهمة مثل دائرة المقاييس والمكاييل المسؤولة عن تنظيم الاوزان والمكاييل الرسمية المضبوطة ومراقبتها وقد ظل هذا النظام معمولاً به في الأدوار التأريخية التالية.
ولما ظهرت المملكة الموحدة الكبيرة واتسعت إلى امبراطورية في العصر الآكدي واستمرار ذلك في زمن سلالة "أور" الثالث تعقدت إدارة الدولة الآكدي واستمرار ذلك في زمن سلالة "أور" الثالثة تعقدت إدارة الدولة واتسعت سلطات الملك فظهر الاتجاه الذي لاحظناه في هذين العهدين في تقديس الملك وتأليهه وأنه كان ممثلاً للألوهية في الواقع، أي القيام بوظيفة الإله نفسه. وتأكدي هذه الصفة الإلهية منذ منتصف حكم شولكي. وكان من بين العوامل التي أدت التطور في نظام الملوكية، أن الملوك بدؤوا منذ العهد الآكدي يعينون حكاماً على الأقاليم التابعة لهم. ولكن كان مثل هؤلاء الحكام في عصر فجر السلالات السابق لزمن الدولة الآكدية يمثلون آلهة دولة المدن التي كانوا يحكمونها ولما ظهر النظام الجديد بتعيين الملك لمثل أولئك الحكام وحين تعدت سلطة الملك مقياس دولة المدينة إلى حكام المملكة الكبيرة والامبراطورية، استلزم ظهور نظرية أو مبدأ جديد في الحكم هي ألوهية هذا الملك لتنسجم مع اتساع سلطته ومع إمكانية تعيين حكام الدويلات والأقاليم المختلفة بحيث ينوب هؤلاء الحكم عن الملك ويمثلونه في السلطة مثلما كانوا يمثلون الآلهة عصر فجر السلالات. ولعل أشبه نظام تاريخي نسوقه للمقارنة مكانة الامبراطور الروماني عند ظهور نظام الامبراطورية في تأريخ رومة وظهور نظام عبادته وإقامة المعابد له. وقد رأينا مما مر بنا سابقاً كيف شيدت المعابد لمعظم ملوك سلالة "أور" الثالثة وأقيمت لهم معابد جنائزية لعبادتهم وتقريب القرابين لهم من بعد مماتهم، كما في المقبرة الملكية الخاصة بملوك إلهاً حقيقياً إلى غرار الآلهة المعروفين، لأنه كان ينقصه الكثير من سمات الألوهية وفي مقدمتها الخلود والقدرة المطلقة، فظل الملك إلى جانب تقديسه وعبادته "راعي الناس" الذي عهدت الآلهة رعايتهم إليه.
ومهما كان الامر فغن الملك كان على رأس السلطة ومصدر السلطات والشرائع على الرغم من أن الشرائع مردها إلى اوامر الآلهة وإرادتهم من الناحية النظرية، كما جاء في شريعة مؤسس هذه السلالة "أور ــ نمو" حيث انتدبه إله مدينته بناء على تفويض إلهي من الآلهة الأكبر منه، ليقيم العدل في البلاد ويمنع القوي من اضطهاد الضعيف وهي العبارة التي تتكرر في شرائع العراق القديم ابتداء من تشريعات "أوروكاجينا" وإصلاحاته التي تكلمنا عنها في الفصل السابق. ومن قبيل هذه الواجبات التشريعية ان يصدر الملك اوامره وإرادته لتنظيم إدارة الدولة ومحاكمها وتعيين القضاة المنفذين لها. وبالإضافة إلى الشرائع التي تصدر من سلطة الملك العليا المستندة إلى إرادة الآلهة جعلت القرارات التي تصدرها المحاكم أحكاماً ملزمة، أي سوابق قضائية يسار عليها في معظم الحالات. وقد وصل إلينا من عهد "اور" الثالثة نحو (150) لوحاً معظمها من لجش، وهي عبارة عن سجلات بالقرارات التي أصدرها قضاة المحاكم في شؤون مختلفة مثل الأحوال الشخصية والمداينات والبيوع وبعض الجرائم، وكثيراً ما كانت مثل تلك المرافعات تجري امام الملك أو بتصديق منه .
ملاحظة على الوثائق الاقتصادية:
مع كثرة الألواح الخاصة بالأمور الاقتصادية والتجارية أو لعله بسبب كثرتها لم تستخلص منها النتائج النهائية فهي ما زالت بحاجة إلى الدرس والتحليل على الرغم من أن معظمها قد تم نشره كما ذكرنا. ولعل الملاحظات الموجزة التالية تكفي للتعريف بطبيعة مثل هذه الوثائق:
وأول ما نذكر عن هذه السجلات الاقتصادية والإدارية اتباع طريقة خاصة في حفظها وتنظيمها. فكانت ألواح الطين توضع في صناديق او أوعية من الفخار تسمى بالسومرية "بيسان ــ دبا" (Pisan – Dub – Ba) أي وعاء أو صندوق الألواح أو "الأرشيف" ويدعى الموكل بها رجل الأرشيف أو حافظ السجلات (بتصدر كلمة "لو" أي الرجل قبل العلامات المسمارية المذكورة) وكان يعلق في مثل هذه الصناديق التي يحتوي كل منها على صنف معين من الوثائق والسجلات بطاقة على هيئة لوح طين صغير يدون عليه نوع الوثائق المحفوظة وتأريخها في بعض الأحايين. وإن قسماً كبيراً من الوثائق التي الوثائق التي وجدت من عهد سلالة أور الثالثة يخص اقتصاد المعبد وإدارته وقوائم القرابين التي كانت تقدم إلى معابد الآلهة في أيام ومواسم معلومة، وكذلك سجلات مصروفاته إلى غير ذلك من الشؤون الخاصة بإدارة المعبد. وهناك السجلات الخاصة بالحكام والموظفين أي الطبقة الحاكمة، ولى رأسها الملك وبلاطه ثم سجلات الطبقة الوسطى وطبقة الفلاحين وعامة الناس.
ويستنتج من هذه الوثائق أمور مهمة عن الملكية الفردية وإمكان التصرف بها بحرية من بيع وشراء وتبادل في العقارات والعبيد، كما ندرس منها معاملات المداينات والقروض بالحبوب والتمر الوفضة. ويبلغ الفائض معدل عشرين بالمائة لقروض الحبوب ولا سيما من أهراء القصر والمعابد ، اما قروض الفضة فكان فائضها مرتفعاً يبلغ معدله نحو ثلاثة وثلاثين ونصف بالمائة. وتتضمن تلك الوثائق أحكام الإجارات للبيوت والأراضي الزراعية، وجاء نوع من إجازة الأرض أن يدفع المستأجر ثلث حاصل الغلة لمالك الأرض. وندرس في مثل هذه العقود التجارية المختلفة الصيغ القانونية الدقيقة المتبعة في تدوينها وذكر القسم بأسماء الآلهة واسم الملك ثم أسماء الشهود، والمدون أو الموثق (كاتب العدل) والتأريخ الرسمي. وقد سبق أن نوهنا كيف ان الملك سرجون الآكدي كان على ما يرجح اول من ادخل اسم الملك في قسم العقود.
والغالب أن عامة الناس كانوا يفضلون الاشتغال أجزاء في الأراضي العائدة إلى الملك أو المعبد مقابل إعالتهم ودفع تكاليف معيشتهم تخلصاً من تراكم الديون علهم بفائضها الفاحش الامر الذي كان يؤول في الغالب إلى عبوديتهم إذ الواقع التأريخي ان عهد سلالة أور الثالثة يمثل درجة عالية من نظام الدولة الرأسمالية أي رأسمالية الدولة عن طريق احتكار جهاز الحكم لمعظم وسائل الإنتاج الزراعي والنشاط التجاري والصناعي. اما ما يسمى بالقطاع الخاص في عرف الاقتصاد الحديث فكان أصحابه كما نوهنا معرضين إلى الأخطار والهلال، كالإفلاس والأيلولة إلى العبودية.
وبالإضافة إلى الثروات الناتجة عن المحاصيل الزراعية كان اقتصاد الدولة يعتمد كذلك على طائفة من الصناعات اليدوية ولكن بهيئة جماعية، حيث المشاغل أو المصانع العائدة إلى الدولة والمعابد، مثل مصانع طحن الحبوب وكانت هذه من الحرف المختصة بالنساء تقريباً وقد جاءتنا سجلات طريفة عن عدد من هذه المطاحن وعدد عمالنا وحساباتها وأجور عاملاتها التي كانت تدفع في الغالب على هيئة مواد عينية غذائية. ونذكر أيضاً صناعة الصوف والنسيج، وقد اختض بها كذلك النساء في الغالب، ويدخل ضمن هذه الصناعة المهمة صبغ الانسجة، وكانت صناعة النسيج صناعة ضخمة وذات أساليب ومصطلحات فنية معقدة ويلحق بها صناعة الخياطة. وكانت البضائع المصدرة إلى الخارج من هذه الصناعة تدر أرباحاً طائلة للدولة. ومن الصناعات المهمة التي يمكن الوقوف عليها من هذه السجلات صناعة الجلود والخمور بأنواعها الكثيرة المستخلصة من التمور والكروم، وصناعة بناء السفن والتجارية والبناء وصناعة المعادن، مثل النحاس والبرونز والفضة والذهب ولم يظهر استعمال حديد بعد. ثم صناعة البواري والحصر من القصب والحلفاء على نحو ما يلاحظ الآن في العراق. وكانت تربية المواشي ومصائد الأسماك من مصادرة الثروة المهمة منذ أبعد العهود وازدادت ازدهاراً في زمن سلالة أور الثالثة. وخصص بعض المراكز لأغراض تربية المواشي نذكر من بينها المدينة التي ورد ذكرها باسم "بوزورش ــ دكان" (في الموضع الذي يعرف الآن باسم دربهم جنوب مدينة نفر ببضعة أميال) فقد كانت مركزاً كبيراً لحظائر الماشية العائدة إلى ملوك سلالة اور منذ عهد الملك "شولكي".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حول وظيفة الكتبة انظر:
N. Schneider in Orientalia, 15, (1946), 64ff.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|