حوالي سنة 2000 ق.م اثبت شعب سامي جديد وجوده في فلسطين وسوريا وفي ارض الرافدين في الوقت نفسه , ونعني بهذا الشعب "الاموريون" الذين اسسوا سلسلة من الدول وفي اخر الامر ظفرت احدى هذه الدول الامورية بالصدارة وهي التي تسمى الدولة البابلية الاولى(حوالي 1830-1530ق.م ) .

وبابل هي مدينة قديمة تقع على الفرات على بعد 90كم جنوبي بغداد ويقوم على اطلالها , تل بابل والقصر وعمران بن علي (عليه السلام) والمركس وقرى اخرى مثل عنانة وكويرش وجمجمة واندسار ورغم التنقيبات في بابل لم تتقدم بسبب ارتفاع مستوى المياه الجوفية الى اكثر من طبقة العصر البابلي القديم , الا انه يجوز الافتراض ان المدينة كانت قبل وصول الاموريين –او الساميين الغربيين – اليها, مجرد بلدة عادية عرفها السومريين باسم "كدنجيرا" فأحالها الاموريون الى حاضرة كبيرة واحسنوا استغلال موضعها التجاري والزراعي في اضيق منطقة خصبة يتارب فيها دجلة والفرات واطلقوا عليها اسم :بابل" وهو اسم ليس هنالك ما يمكن تأكيده عن معناه , وان كان الشائع هو ترجمته بمعنى "باب ايلو" اي " باب الاله" .

وتعتبر بابل من حيث تاريخها وجنس اهلها نتيجة امتزاج الاكديين و السومريين, فقد نشأ الجنس البابلي من نتيجة تزاوج هاتين السلالتين, وكانت الغلبة في السلالة الجديدة للأصل السامي الاكدي , واللغة البابلية كلغة لا مفر من القول انها كانت خليط في تركيبها اذ كانت تحوي كلمات سومرية وأكادية كتبت غالبيتها بالحروف السومرية, التي لم تكن تصور حروف بل مقاطع , ولكن بالتدريج اخذ العنصر السومري تحل محله مفردات تسودها السامية, وصارت اللغة السومرية ذاتها لغة كلاسيكية لم يكن يدرسها الا العلماء والكهنة.

وكان ابرز ملوك الدولة البابلية "حمورابي" الذي عاش في القرن الثامن عشر قبل الميلاد . وقد لاحظنا ان النظام السياسي السائد في بلاد الرافدين قبل عهد حمورابي يقوم على وجود عدد من الدويلات على راس كل منها امير ومنذ تولي حمورابي السلطة اخضعها جميعا لنفوذه ووحدها تحت سلطانه , واحل حكام للأقاليم محل الامراء القدامى وكان من نتائج تركيز السلطة بين يديه ان توحد القانون في البلاد التي يحكمها كما توحدت الديانات , اذ ظهرت ديانة للدولة هي ديانة الالهة "مزدك" اله بابل وبذلك اختفت الهه الدويلات القديمة . وقد دلت الاثار التي خلفتها المدينة البابلي على ان تلك البلاد وصلت –في عهد حمورابي- الى درة كبيرة من التقدم والحضارة .

ومن دليل الاختام وأختلف النقوش التي فككت طلاسمها يمكننا ان نصل الى ان حمورابي كان اساسا رجل عمل ولكن على الرغم من انه كان يفاخر جهارا بمآثره العسكرية لم يكن اقل اهتماما بانه يجب على الاجيال القادمة ان تعلم عن انجازاته المدنية في البناء والري. وسواء اكان ينقصه الميل الى القوة التي كان يلحأ اليها الغزاة بمنتهى السهولة او لانه كان يعتبر نفسه قويا بما يكفي لان يكون في غنى عن مثل هذه الاسلوب من اثارة الرعب في اعدائه , فهو لم يخلف ورائه بيانا بمذابحه وتخريباته مثل تلك البيانات التي بقيت من عوود  غيره من الفاتحين الاقدمين....... .

وزادت الثروة فأنتجت في بابل ما تنتجه في سائر بلاد العالم وذلك ان من السنن التاريخية التي تكاد تنطبق على جميع العصور ان الثراء الذي يخلق المدينة هو نفسه ينذر بانحلالها وسقوطها, فالثراء يبعث الفن كما يبعث الخمول وهو يرقق اجسام الناس وطباعهم ويمهد لهم طريق الدعة والنعيم والترف, ويغري اصاحب السواعد القوية والبطون الجائعة بغزو البلاد ذات الثراء. وكان على الحدود الشرقية  لهذه الدولة الجديدة قبيلة قويه من اهالي الجبال هي قبيلة الكاشيين تحسد بابل على ما اتو من ثروة ونعيم وبعد وفاة حمورابي بعدة سنوات استطاع هؤلاء الجدد ان يقوضوا اركان الدولة البابلية لينشؤوا بدورهم دولة جديدة.