المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6767 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

القيمة الغذائية والطبية والاقتصادية لزيت اللوز
2023-12-01
اسوار مدينة بغداد
30-4-2018
السهو غير الركني في الصلاة
12-1-2020
Neutron - Proton Ratios
26-3-2017
معوقات الاستثمار الزراعي العربي
2024-07-17
الخطوط العامة لمعارف سورة البقرة
2023-12-07


اسباب سقوط بابل  
  
4177   11:42 صباحاً   التاريخ: 30-10-2016
المؤلف : اسامه عدنان
الكتاب أو المصدر : بابل في العهد الاخميني
الجزء والصفحة : ص78-114
القسم : التاريخ / الامبراطوريات والدول القديمة في العراق / بابل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-10-2016 1724
التاريخ: 31-10-2016 823
التاريخ: 30-10-2016 1061
التاريخ: 31-10-2016 2915

لم يكن سقوط بابل عام 539 ق.م من الامور التي لا تثير انتباه الباحث فقط ، وانما تثير فيه جملة تساؤلات ، فهذه المدينة الحصينة ذات القوة العسكرية العظيمة والامبراطورية الكبيرة تسقط بصورة مفاجئة ! من غير مقدمات ، فبابل التي بنى استحكاماتها ملوكها الاقوياء من الصعب على اية قوة عسكرية اقتحامها الابعد فترة حصار طويلة(1). واذا كانت أشور قد سقطت قبل اعوام من انهيار بابل فلابد للمرء ان يذكر ان حصار نينوى استمر ثلاثة اشهر متواصلة لعبت العوامل الطبيعية دورها في انهيار المدينة(2). اذاً كيف تكون بابل قد سقطت ؟ وماهي العوامل التي ادت الى سقوطها ؟ وما اهمية  ذلك في التاريخ ؟

اولاً :- أسباب سقوط بابل .

ان دراسة الاحداث التي قادت الى سقوط بابل عام 539 ق.م نجد الى هذا الانهيار لم يكن نتيجة الغزو الخارجي المحض ، ولا نتيجة عبقرية كورش مجد ذاته كما يصفه الاستاذ برن (بالنابغة)(3). انما كان نتيجة لتراكمات عدة اضعفت البنيه الداخلية للبلاد وقادتها الى حافة الانهيار ، وهذا ما اكد عليه الاستاذ توينبي المتخصص في فلسفة التاريخ بان تفسير انهيار الحضارة بغزو خارجي هو ليس تفسيراً منطقياً وان الحضارة تنهار قبل ان تطأها اقدم الغزاة(4) . اذا مما هو سبب انهيار بابل ؟ وماهي هذه المقدمات ؟

1.الأسباب الاقتصادية:

أ . المعبد:

لقد برز المعبد خلال العصر البابلي الحديث (5)، مرة ثانية كمؤسسة اقتصادية كبيرة لها أثرها الفاعل في المجتمع، يمتلك المقاطعات الزراعية الضخمة ويمارس تجارة واسعة (6). إذ لم تقتصر أهمية المعبد في العهد البابلي الحديث على الأمور الدينية بل شملت كذلك الأمور الاقتصادية للمجتمع البابلي (7). وقد ازدهرت المعابد في هذه الفترة وازداد ثرائها، حيث تمكن الكهنة من توحيد أنفسهم اجتماعيا واقتصاديا، ليكونوا شريحة تكاد تكون مستقلة عن الحكومة المركزية (8).

لقد كانت سلطة الملك المركزية في العهد البابلي الحديث اقل بكثير من سلطة المعبد وان تاريخ بلاد بابل خلال السنوات التي أعقبت القرن السابع كان في بعض اوجهه صراعا للاستحواذ على السلطة بين السلالة الحاكمة ومؤسسات المعبد انتهى أخيرا بانتصار مؤسسات المعبد (9) .

تشير الوثائق الاقتصادية الكثيرة التي وجدت في معابد هذا العصر مثل منطقة المعابد في الوركاء (10) الى ازدياد أملاك المعبد واتساع نشاطه التجاري في داخل البلاد وخارجها واصبح معبد أي –انا (11) مركزا اقتصاديا واجتماعيا مستقلا عن الحكومة تقريبا (12) . إذ ترينا ارشيفات المعبد انه كان يستحوذ على قطاعات كبيرة تؤجر بعضها للمزا عيين ويتولى رجاله الاشراف على بقيتها (13) وغدا كأنه يمتلك معظم اراضي بابل إذ امتدت أملاكه من مدينة اور (14) ، في الجنوب الى مشارف مدينة بابل في الشمال (15) .

لقد كان المعبد يستحوذ على اراضي واسعة عن طريق الشراء أو مصادرتها تسوية لالتزامات مالية او كهدايا خاصة او منح ملكية وقد استحوذ المعبد على مزيد من الأملاك عن طريق تنازل بعض مالكي الأراضي عن أراضيهم مقابل حصولهم على الحماية والأمن وإعفائهم من بعض الالتزامات (16) .

كان يقف على رأس الجهاز الإداري للمعبد ثلاثة إداريين هم الشتامو(Satammu ) ،(وهو لقب لعله يعني حارس المنطقة ) والـ ( qipu ) (الناظر) والكاتب . وان جميع النشاطات المتنوعة التي كانت الشتامو ورفاقه مسؤولين عنها يمكن إيجازها بانها شملت تأجير الاراضي ومقاطعات المعبد الواسعة وتحديد الحقوق والواجبات ذات العلاقة بالقنوات والاشراف العام على تخمين وجمع ونقل واستخدام وتوزيع انتاج الاراضي والقنوات وحفظ السجلات والحسابات المتعلقة بذلك . فضلا عن تنظيم علاقات الموظفين والمستخدمين والأشراف على النشاطات التي لها علاقة بالعبادة (17). لقد كانت البضائع التي تنتج في مقاطعات المعبد تجلب اولا الى المستودعات في الوركاء ومهما كانت وجهتها النهائية . وكانت شبكة القنوات قد جعلت من النقل أمرا سهلا لأي صنف من أصناف البضائع وهناك رسالة تعطي تعليمات لإرسال شحنة من الأغنام حيث يأمر الكاتب ولعله شتامو معبد اي –انا .

" إذا كانت الأرض ملائمة دعمهم يأتون على الأقدام وألا فدعهم يأتون بالسفينة " (18).

وربما كانت السفن المستخدمة لذلك ضمن ممتلكات المعبد في معظم الحالات ولو انها كانت تستأجر بالتأكيد من أصحاب السفن أحيانا (19) .

لقد اصبح رجال الدين مزراعين واصحاب مشاغل وصيارفة على نطاق واسع كما اصحبوا كتاب عقود ،يوقعون ويشهدون على صحة العقود المبرمة ،ويكتبون الوصايا ويستمعون الى الدعاوى القانونية ويصدرون الاحكام عليها ويترأسون المرافعات ويحتفظون بالسجلات الرسمية ويسجلون الصفقات التجارية العامة والخاصة (20) وهناك نص من مدينة نفر (21) .

يصور مدى الثراء الكبير الذي بلغته المعابد، ولو انه يعود لبداية العصر البابلي الحديث ( في حدود 630 ق. م ) ،وهو عبارة عن قرض من المعبد مقداره (30) طالن من الفضة وهو مبلغ كبير جدا (22) .

لقد قام المعبد باستئجار العمال والعبيد وحرث الحقول وحصد وكري الأنهار وحفرها في الأراضي الزراعية العائدة له (23)،كما كان للمعبد ضريبة يفرضها تعرف بالكارو (Karu ) تعطى مقابل مرور السفن عبر القنوات التابعة له(24)، كما كان للمعبد كما يبدو امتيازا خاصا لعبور القنوات الملكية وكان بإمكان الشتامو تزويد السفينة بإشارة تدعى خوتارو (aruthu ) التي لا نعرف طبيعتها بالضبط ،تحصل السفينة بموجبها حق العبور الحر دون رسوم كما يتبين من الرسالة التالية.

" رسالة ادنا وشمش –اريبا الى الشتامو ، سيدنا اننا نصلي يوميا الى بيل ونبو وسيدة اوروك ونانا من اجل حياة ونفس وسعادة وطول ايام سيدنا لقد جلبنا (200 ) كور من التمر من القنال المسمى نان – ابلي ،وقد أوقفنا من قبل سيد الميناء من بيت –كيسر لتاتي رسالة خطية من سيدي الى نونا (nuna ) سيد الميناء ليسمح لنا بعبور الميناء …. انه  يتحقق علينا كل يوم نصف شاقل اجرة السفينة وشاقل من الفضة أجرة الرجال المؤجرين ليعرف سيدنا اننا حجزنا في الميناء منذ العشرين على أن يأتي مع رسالة  سيدي خوتارو وتبقى على السفينة " (25) .

كان معبد أي –انا مركزا تجاريا نشطا وكان جزء كبيرا من البضائع التي تجمع هناك وتذهب ثانية الى أجزاء اخرى من بلاد بابل وحتى الى خارج البلاد ،وهناك بعض الرسائل توفر عدد من الإشارات إلى التجارة حيث كانت تستبدل منتجات ومقاطعات المعبد بصورة رئيسة ببضائع تجارية كالفخار والشب والسمسم والمعادن والخشب والقماش (26) .

كانت الموارد المالية للمعبد تشمل غلة الأرض وأرباح التجارة وريع الحقول والبيوت والضرائب الدينية المفروضة على المواطنين إضافة الى قسم من النذور والقرابين التي كان تقديمها مسالة طواعية من الناحية النظرية وان كانت إلزامية عمليا (27) .

لقد أدت الاحتكارات المعبدية للاقتصاد الى تضاؤل واردات الملك وحكومته الى درجة لا تتماشى مع متطلبات الدولة على الإنفاق على المشاريع وعلى رأسها نفقات الجيش الذي اصبح منذ عهد نبوخذ نصر جيشا نظاميا قائما يتطلب الإنفاق لأعالته وتجهيزه فلم تسد الثروة الزراعية تلك الحاجة بالنظر الى مزاحمة المعبد في امتلاك الأراضي الزراعية الواسعة ، ولهذا فقد أدت الاحتكارات المعبدية للشؤون الاقتصادية الى أزمة حادة في البلاد(28).

لقد كان المعبد واحتكاراته من أولى العوامل التي مهدت على المدى البعيد الى أضعاف البنية الداخلية للسلطة الحاكمة وأدت إلى تضارب مصالح الملك من جهة مع مصالح المعبد من جهة ثانية الأمر الذي حتم على الملك محاولة إصلاح الإدارة والتدخل في شؤون المعبد مما اكسب ذلك بعدا جديدا تحول الى نزاع سافر بين الملك والكهنة .

ب. سوء ألا وضاع الاقتصادية والاجتماعية:

لقد كان للمعبد أثره الاقتصادي في داخل بلاد بابل الذي اتسم بالاحتكارات للأمور الاقتصادية رافق ذلك عوامل عديدة أدت إلى حدوث الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عانت منها بلاد بابل قبل سقوطها . فالمنافسة الاقتصادية أدت إلى إغلاق طرق تجارية قديمة بوجه بابل . ادى الى ارتفاع الأسعار نتيجة سوء الوضع الداخلي وبالتالي نقل هذا الوضع تأثيره على المواطن البابلي مما ترتب عليه أسوء النتائج كما سنرى .

كان الموقع الجغرافي للعراق جعله منذ القدم في حالة اتصال تجاري مباشر حيث كان ملتقى الطرق التجاري للاتصال بين البحر المتوسط والمحيط الهندي والشرق الاقصى والهند ،بالطرق البرية ثم عن طريق الخليج العربي الى شبه القارة الهندية (29) وقد لعبت هذه الطرق التجارية أثرها البالغ في ازدهار التجارة العراقة القديمة وازدهار الحضارة ،فضلا عن أراضيه الخصبة الصالحة للزراعة ،ولكن يمكن التساؤل ما الذي حدث في نهاية قرن السابع قبل الميلاد واوائل القرن السادس قبل الميلاد والذي نقل بابل الى حالة تدهور ؟

لقد كان ملوك بابل لاسيما نبوخذ نصر قد انفقوا مبالغ طائلة على إعادة بناء العاصمة بابل وغيرها من المدن ،ولم تكن النشاطات التنقيبية لنبونائيد (30) نفسها اقل تكلفة من سابقتها ،كما إن بلاد بابل كانت تعمل منذ عهد نبوخذ نصر على أيجاد جيش جاهز للمعارك قد يبقى عدة سنوات احيان كما هو الحال في حصار صور الذي استمر دون نجاح ثلاثة عشر سنة (31) الا ان ذلك كان امر اعتياديا بالنسبة لملوك العراق القديم فالأشوريين في عهدهم الامبراطوري شغلوا معظم سنوات حكمهم في منجزاتهم العسكرية والمشاريع العمرانية ،وان هذين الامرين لم يؤديا الى سقوط اشور فجاءة كما حدث في بابل . ولكن ان هذه العوامل ممكن ان تؤدي الى سقوط بابل اذا كانت الاوضاع خارج بلاد بابل سيئة .

لقد كان لأثر المعبد الذي ذكرناه سابقا سبب في قلة الواردات الحكومية من جانب ،وكانت بابل تعاني من ازمة اقتصادية حادة من جراء تغير الخارطة السياسية المحيطة ببابل وتأثيرها على الطرق التجارية .فان الميديين الذين ظهروا في بلاد ايران وبعد بروز دولتهم في اعقاب سقوط الامبراطورية الاشورية ،حرمت بلاد بابل من موارد تجارية مهمة من الاقاليم الشمالية الشرقية ،ثم الفرس الاخمينين الذين كانت قوتهم تنمو بسرعة قد سيطروا على الطرق التجارية الى شمال والشمال الشرقي بابل (32).

من جانب اخر كانت الاقاليم الغربية رغم خضوعها لبابل مصدر اعباء على المملكة فعلى الرغم من بقاء سورية وفلسطين بأيدي البابليين الا ان التمردات القائمة باستمرار فيها جعلت تلك البقاع البعيدة مصدرا للأعباء الثقيلة اكثر من كونها مصدرا للعون والرفاهية . ومما زاد من تردي الامور فقدان المدن الفينيقية الكثير من مقومات رخائها وثروتها بعد ان اصبح القرن السادس قبل الميلاد العصر الذهبي للتوسع الاستيطان والبحري للإغريق ،مما ادى الى انتقال تمركز الموانئ التجارية الرئيسية لشرق المتوسط من الساحل اللبناني الى الموانئ اليونانية والايونية والليدية والى كيلكيا ومصر (33) .

ان كل هذه الاسباب الاقتصادية سواء الداخلية منها والخارجية ادت الى حدوث حالة من الركود الاقتصادي والتضخم المالي لعدم قدرة الموارد الزراعية على سد نفقات الدولة المتزايدة والتي تتطلب الموازنة بين الوردات والمصروفات وان تضخم الانفاق وشحة الموارد المالية للملكة ادى الى استنزاف الخزينة الملكية وهذا يعلل لنا الازدياد الحاصل في اسعار الاراضي والسلع المختلفة (34) وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير الازدياد في الاسعار ما بين بداية العهد البابلي الحديث ونهايته ارتفاعا فاحشا ،ويمكن تتبع ذلك في الوثائق الاقتصادية الكثيرة التي جاءتنا من هذا العهد مثل سجلات البيع والشراء والاجور والقروض كما ارتفعت اسعار المواد الغذائية والحاجات اليومية الاخرى ويصعب التأكد هل واكبت زيادة الاسعار ارتفاع الاجور على ان انطباع العام انها لم تماشيها في الارتفاع(35).

تكشف لنا صفقات البيع والايجار عن زيادة الاسعار فالامة التي كانت تكلف (40شاقلا) من الفضة حوالي عام 600 ق. م اصبح سعرها (50) شاقلا بعد ذلك التاريخ بخمسين عاما. وكان بالإمكان في عهد نبوخذ نصر شراء (2-4) قا من الاراضي المزروعة بشاقل واحد غير ان قوته الشرائية اقتصرت في عهد نبونائيد على (1-2) قا فقط ، وكان معدل الاجر الشهري للعامل غير الماهر يساوي تقريبا الشاقل الواحد أي ما يكفي بشللين من الحنطة او 3 بشلات من التمور ،هذا ما كان يكفيه بالكاد لإطعام افراد عائلته (36) كذلك فان الاسعار في هذه الفترة قد ارتفعت بنسبة 50% بين عامي 560 و550 ق .م ، بل ارتفعت الاسعار ما بين 560 و 485 ق. م بنسبة 200% ويمكن ملاحظة النتائج في الوثائق التجارية(37) .

ان ارتفاع الاسعار وقلة الاجور ادى الى التجاء الناس للقروض من المعابد وغيرها من البيوت المالية وكانت الارباح العالية ما بين 20-330%(38) وقد كثرت نتيجة ذلك المصارف والبيوت المالية الخاصة مستغلة حاجة الناس الى النقد وزاد ازدهار العمليات المصرفية استعمال الاوزان القياسية من الفضة اساسا للتعامل التجاري (39) .

ان سوء الاوضاع الاقتصادية وارتفاع الاسعار وازدياد نسبة الفوائد اضطر بعض المقترضين الى بيع املاكهم بل انهم باعوا اولادهم سدادا لديونهم (40) وان هناك من الوثائق ما يشير الى سوء الوضع داخل بلاد بابل . فقد ظهرت المجاعة قبيل الغزو الفارسي ولم يكن بوسع نبونائيد الا نسبتها الى عدم تقوى الناس على الرغم من ان ارجاعها الى الوضع الاقتصادي العام هو اكثر منطقية (41) وبشكل عام كانت تواجه بلاد بابل عام 546 ق. م بوادر خطر المجاعة (42) . ومن دراسة الوثائق العائدة لهذا العصر يمكن معرفة تردي الوضع الاجتماعي اذ نقرأ في احدى الوثائق من الوركاء عن ابوين ضحيا بأطفالهم وذلك بتقديمهم نذوراً الى المعبد في سبيل انقاذ حياتهم اثناء المجاعة (43) كما ظهرت في هذه الفترة طبقة من العبيد تعرف بالشيركو الذين هم من الاطفال الذين يودعون في المعابد خوفا عليهم من الجوع والفاقة (44) ، ففي نص يعود الى عهد الملك نبونائيد نعرف ان احدى الامهات قد نذرت طفليها الصغيرين  لخدمة المعبد لكي يبقى هذان الطفلان حيان بعد ان توفي والدهما ولم يبق لهم معيل لأعالتهم (45) .

فضلا عن ذلك ان انسحاب القوة العاملة من الاعمال المنتجة الى الاعمال غير المنتجة في بناء المعابد والحروب ساهم في تدهور البلاد(46) .

كما ان استخدام نبونائيد للمجندين البابليين من اجل اعادة ترميم مدينة حران كان له تاثير كبير على تشجيع العصيان بين سكان بابل ويشير الى ذلك نبونائيد نفسه .

" … ابناء بابل وبورسبا (47)ونفر واورك ولارسا (48) الكهنة وشعب عواصم اكد أهانوا قدسيته العظيمة ولكن اردوا شيئا جعلوه شرا . ولم يعرفوا غضب ملك الالهه والالم الذي اصاب ننا لقد نسوا واجبهم وكل ما نطقوا به فكانت الخيانة بدل الاخلاص ومثل كلب قاموا بافتراس بعضهم البعض والحمى والمجاعة جعلوها بينهم تنتشر فهلكت شعب الارض"(49) .

ومما زاد تفاقم الازمة الاقتصادية ان بابل كانت تمثل المحور الاقتصادي لبلاد وادي الرافدين بكونها مركزا تجاريا رئيسا لتجمع المنتجات التي كانت تاتي اليها من بقية المناطق وتدخل في مخازنها ثم توزع للقوت اليومي على المقاطعات التي لا تستطيع الاعتماد على نفسها لسد حاجتها الغذائية (50) .

ان هذه الادلة تخالف ما تبناه الاستاذ الاحمد من رأي من ان الجندي البابلي اثناء هجوم كورش على العراق لم تكن تعوزه المعنوية العالية (51) بل على العكس ان سوء الوضع الاقتصادي وارتفاع الاسعار وسوء الحالة السكانية وانتشار المجاعة كلها عوامل ذاتية اثرت في الجندي البابلي وحطمت معنوياته كما اخالف الاستاذ اولمستد في رايه اذ يعتقد ان السكان نتيجة للظروف السيئة كانوا مستعدين للترحاب باي منقذ اجنبي (52) اذ ان سكان بابل لم يكونوا قد استقبلوا كورش كفاتح بملء ارادتهم .

2- الأسباب الدينية:

أ . التغيرات الدينية:

كانت بلاد بابل في اواسط القرن السادس قبل الميلاد تحتاج لوحدة سياسية اكثر من كونها تحتاج لتعدد الاراء والاختلاف في وجهات النظر التي قادت بالتالي الى العداء السافر والتفرق والانهيار . لقد حاول الملك نبونائيد بتزايد الخطر الفارسي ولهذا حاول من اجل ايجاد وحدة سياسية تقف وتصمد بوجه الاندفاع الفارسي ولهذا حاول ايجاد من العقيدة تبريرا سياسيا لتحركاته التي خلقت حوله اجراء من عدم الثقة والشك والريبة من قبل كهنة مردوخ ،بالمقابل تكللت خطوات نبونائيد في ايجاد قوة جديدة من اجل اسناده في صراعه المقبل مع الفرس بقليل من النجاح . 

لقد اظهر نبونائيد ولاء متزايدا للاله سين وفضله على الاله مردوخ الاله القومي لمدينة بابل (53)وان بعض الكتابات العائدة لنبونائيد توحي بان الاله سين قد ارتقى في عهده الى منزلة اعلى من منزلة الاله الوطني مردوخ وان معابد اله القمر المنتشرة في طول البلاد وعرضها كانت تحظى باهتمام خاص حيث لم يكتف نبونائيد بترميم زقورة اور وعدة معابد اخرى منها على نحو فخم ، بل وقد عمد الى اعادة بناء معبد سين في حران المسمى ( أي – خول – خول) الذي كان قد خربه الميديون خلال حربهم ضد الاشوريين (54) .

ان هذا التغيير الديني يثير عدة تساؤلات بماذا يمكن ان نفسر تحركات نبونائيد الدينية؟ ولماذا اختار الاله سين بدلا من مردوخ كاله اعلى للمملكة ؟ هل كانت تحركات نبونائيد بتأثير عامل تربيته الدينية ؟ ام كانت هناك ابعاد سياسية واقتصادية في تبنيه التغيرات الجديدة؟

لم يكن الاله سين غريبا عن الديانة العراقية القديمة غير انه لم يرتق الى مستوى اعلى للبابليين لوجود الههم القومي مردوخ اذا ماذا يمكن ان نقوله في تقويم تصرفات نبونائيد ؟

كان (نبونائيد ابن نبو –بلاطسو –اقبي) احد وجهاء مدينة حران وامه (ادد-كوبي) الكاهنة العليا في معبد اله القمر في حران وربما من اسرة اشورية ارستقراطية(55). وهو امر عدة بعض الباحثين له اثره الكبير في شخصه نبونائيد فالأستاذ باقر يعد اختيار نبونائيد للاله سين ناشئ من اسباب عائلية قوميه اذا جدته لأبيه وكذلك اباه وامه كانوا من كهنة هذا الاله في حران (56) . ويعتقد الاستاذ عامر سليمان ان (ادد –كوبي ) تأثيرها الكبير ولاسيما من ناحية الافكار الدينية على نبونائيد (57) . اما الاستاذ (رو ) فيعتقد ان نبونائيد ورث عن امه الاهتمام الشديد والدائب في الشؤون الدينية والعبادة الخاصة شبه الوحدانية للاله الذي خدمته امه طوال حياتها(58) وان ادد- كوبي نفسها تحدثنا عن تاثير الاله سين على اسرتها فهي تقول:

" انا ادد-كوبي ام نبونائيد ملك بابل ونصرة الالهة سين وننكال وسادر ونونا انهم الهتي وانا معهم لقد كنت الوذ بهم دائما منذ طفولتي … لقد كنت اتردد على المعبد القدسي العظيم للاله سين ملك جميع الالهة في السماء وفي العالم السفلي … كان يعطف على كل اعمالي الورعة الصادقة ويصغي الى صلواتي ويتقبل نذوري … ونظر الى نبونائيد ولدي الوحيد للملوكية وائتمنه على حكم بلاد سومر واكد وجميع البلدان من حدود مصر على البحر العلوي الى البحر السفلي وحينئذ رفعت يدي الى الاله سين بخشوع وايمان وقلت لانك سميت نبونائيد ولدي الحبيب الذي انجبته للملوكية ورفعت مركزه فاني اتوسل اليك ان تجعل كل الالهه الاخرى وفقا لاوامرك السامية يقفون الى جانبه ويمكنونه من اعدائه .." (59) .

غير ان ذلك لا يمكن التسليم به كسبب للتغيرات الدينية التي بدأها نبونائيد ،وقد يشير البعض الى ان هذه التغيرات كانت نتاج افكار دينية جديدة ،اذ كان للميدين واليهود افكار دينية خلقية جديدة تنم عن السخرية من الوثنية المشركة القديمة . وهناك اقتراح معقول بان نبونائيد حاول ان يجعل من الاله القديم سين اله اعلى للإمبراطورية لمعرفته بعدم دقة دين الشرك القديم غير انه يجب عدم تضخيم ذلك وجعله حركة الى جانب التوحيد حيث لا يوجد هناك أي اثر لذلك بل انها كانت محاولة لأيجاد قوة دينية موحدة لجميع الرعايا في الامبراطورية (60) .

من جانب اخر هناك اسباب عدة ترفع نبونائيد لتبني هذا الاتجاه فقد كان للعامل الاقتصادي اثره في توجهات نبونائيد الدينية اذ ان اختيار الاله سين كاله اعلى للإمبراطورية هو نتاج بشكل مباشر لوجود مدينة حران واهميتها اكثر من كونها تأثيرات عائلية او افكار جديدة .

ان كلمة حران هي اصلا من الكلمة الاكدية (harranum ) والتي تعني الطريق (61) وان معنى الكلمة ذات دلالة بأهمية هذه المدينة التجارية . وان هذه التسمية قد اطلقت على المكان لانه كان محل التقاء الطرق التجارية القادمة من وادي الرافدين ومن مصر والجزيرة العربية وفلسطين من جهة اخرى . وهذا الموقع يعطي للمدينة اهمية استثنائية بالنسبة لبلاد بابل لاسيما ان البلاد كانت تمر بضائقة اقتصادية مما تطلب ايجاد مراكز جديدة لها للسيطرة على الطرق التجارية(62).

ولكن لماذا لم يختار نبونائيد الاله مردوخ اله بابل ليكون الاله الاعلى الذي يتوحد تحت ثناياه سكان الامبراطورية ؟

لم يكن الاله مردوخ الاله البابلي الاعلى وهو اله الشمس السومري القديم بمظاهرة الارضية وذو العلاقة بمدينة بابل اي مكان في مجمع الهة العرب والارميين(63) . في حين كان الاله سين يتميز بعدة ميزات فهو الذي يؤثر على الحياة باعتباره اله الكلمة والخضرة (64) ، ويرتبط بالمزارعين فهو سيد الشهر الذي ينظم ايام الشهر والسنة (65) . وهو يرتبط ايضا بقبائل القاطنة في حران(الاراميين) الذي هو معبودهم الرئيس (66) .

ومن هذا المنطلق نعرف لماذا كان على نبونائيد ان يجعل الاله سين هو الاله الاعلى للإمبراطورية وان مردوخ بحد ذاته لايحل المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها بابل ، لانه بعيد عن افكار الاراميين في حران في حين كان الاله سين غير غريب عن العقيدة البابلية وانه يؤدي عرضين ففي الوقت الذي هو اله منطقة زراعية في وادي الرافدين ويرتبط بالتقويم والخضرة والنماء اله منطقة تجارية .

لقد طرح احد الباحثين فرضية لا يمكن التغاضي عنها في هذا المضمار ، اذ يشير الاستاذ فوزي رشيد ، ان نبونائيد قد اضطر الى اتخاذ الدين كأساس لسياسته ، اذ ان نبونائيد عندما شعر بتعاظم خطر كورش تجاه الدولة الكلدية عمل على توحيد القبائل الارامية في منطقة الفرات الاوسط ،التي كانت حران مركزا لتجمعها ،وكذلك توحيد القبائل العربية التي كانت متواجدة حوالي تيماء . وقد قضى الملك نبونائيد من اجل هذه المهمة بعيدا عن عاصمته بابل مدة عشر سنوات متنقلا ما بين حران وتيماء . وهذه القبائل الارامية والعربية كانت تقدس الاله سين وعلى ما يبدو وانها كانت قد فرضت على الملك نبونائيد كشرط لتحالفها معه ،ان يحترم معبودها ولذلك اضطر الى ادخال طقوس الاله سين الى مدينة بابل ، ولذلك قام ببناء معبدين للاله المذكور الاول في مدينة حران والثاني في مدينة بابل (67)من جانب اخر لم يهتم نبونائيد فقط بالإله سين في حران وانما بالإله الذي كان يعبد زمن السومريين في مدينة اور وسبب اهتمام الملك بمعبد الاله سين في اور يعود الى عاملين اساسين الاول هو ان الاله سين المعروف بالسومرية ننار الذي عبد خلال الالف الثالث قبل الميلاد في اور يمثل الاصل الذي اعتمد عليه عبادة القبائل الارامية والعربية التي حالفها الملك نبونائيد والثاني اراد ان يكسب ود السومريين وان يذكرهم ايضا بما قام به العيلاميون القدماء عندما هدموا مدينة اور في حدود 2000 .ق م وعانوا باهلها منسادا (68) .

ان الواضح ان نبونائيد عند ما حاول ايجاد الوحدة السياسية تحت الإطار الديني (69) ، اصطدم بتيار معارض قوي داخل بابل يتمثل في الكهنة " كهنة معبد مردوخ " الذي اثر مستقبلا في حسم الصراع العسكري مع كورش لصالح الاخير ،كما ان محاولات نبونائيد اصلاح معبد (أي –خول –خول ) في حران رغم الازمة الاقتصادية قد اثارت معارضة السكان كما رأينا ومع ذلك فان نبونائيد كان بمحاولته هذه حاول ايجاد جبهة موحدة تستطيع الصمود بوجه كورش ولم يكن التغير الديني الا هدفا سياسيا –اقتصاديا .

ب- الصراع بين الملك والكهنة:-

كان الصراع الذي دار بين الملك والكهنة في حقيقته سببا ناتجا من قوة المعبد واثره في الاوضاع الاقتصادية وما ترتب عليه من محاولة نبونائيد ادخال الاصلاحات داخل البنية المعبدية ،ومحاولته تحجيم دور المعبد من جهة والتغيرات الدينية الجديدة التي جعلت من كهنة مردوخ يقفون موقفا عدائيا واضح من نبونائيد الامر الذي ادخل الصراع بين الملك والكهنة طورا جديدا ادت به الى ان يكون سببا معقدا ساهم بشكل واضح في سقوط بابل .

لقد كان المعبد كما ذكرنا عصب الحياة الاقتصادية في منتصف القرن السادس قبل الميلاد وذكرنا ان ادارة المعبد كانت بيد "الشتامو" (Satammu ) و( ريش –شاري –بيل –بيقيتي " (res –sarri-bel-piqitti ) او ما يسمى "قيبو " (qipu ) (70) . وكان هو الموظف ذا علاقة مباشرة بالملك ولهذا يمكن القول انه موظفا ملكيا اختير لتمثيل الملك بالنيابة عن في المعبد (71). ويبدو من الوثائق ان ال (qipu ) قد تناقصت اهميته وانه كان قد ابعد عن اية مساهمة حقيقة في السيطرة على شؤون المعبد ولذا كان الملك بحاجة الى اتخاذ الاجراءات لتقوية تاثير ممثله المتضائل في ادارة المعبد(72) . وقد ادى تضاؤل النفوذ الحكومي في المعبد الى قلة الواردات الحكومية من ارباح المعبد الطائلة التي لم تكن تزيد عن 20% (73) .

ان نتيجة للنفوذ الواسع للمعبد فقد حاول نبونائيد اتخاذ عدة إجراءات من اجل الموازنة المطلوبة في إدارة المعبد . فقد اراد نبونائيد التدخل في شؤون المعبد واخضاع نشاطاته الاقتصادية للإشراف الملكي (74) لذلك اقدم نبونائيد في عام 553م على تعيين موظفين ملكيين هما :" سيد التعيينات الملكي " و " الموظف الملكي على خزانة الملك " بحجة حماية مصالح الملك داخل المعبد وفي الواقع لموازنة قوة الشتامو(75) .

ومن المعروف حقا ان نبونائيد عين تابعة الخاص شتامو في مدينة بابل وهو امر لم يكن مرغوب فيه ،وقد ساعد على سقوطه فيما بعد كما يفهم من النص الفارسي عن نبونائيد الذي يروي احداث هده من وجهة نظر منافسيه :

" زيريا ،الشتامو ، انحنى اماه ،ريموت الزازكو انحنى امامه ،ثبتوا تعليمات الملك وجعلوا حكمه الملك قائمة … اقسموا ، نحن نعرف ما يقوله الملك فقط "(76) .

لقد زود نبونائيد مندوبيه الذين عينهما في معبد أي - انا للإشراف على صفقات هذا المعبد تامين جباية منتظمة لضريبة العشر الملكية وبالتأكيد فقد كان هذا الاجراء هو الذي اوغرة صدور الكهنة عليه (77) .

لقد كان الشتامو والسيد الملكي للتعيينات يهتمان بصورة اساسية بنفس النوع من الامور فقد كان الاول يعمل في مركز المعبد في حين كان الثاني يعمل الى درجة كبيرة في المدن والمستوطنات على مقاطعات المعبد خارج الوركاء وهذا لا يخالف الفكرة القائلة ان الموظف الملكي للتعيينات بانه اشبه بالمفتش الذي كان يراقب مصالح الملك وان غيابه عن الوركاء لم يكن يضر بمصالح الملك  داخل المعبد نفسه طالما كانت محافظته من قبل الموظف الملكي على الخزانة ،والذي يبدو انه كان كما يستدل من لقبه مقيما  دائميا هناك . وقد كشفت المراسلات بين الشتامو والموظف الملكي قد عملا بصورة عامة سوية مع اختلافات بسيطة ولو ان احدهما كان يعلق على عمل الاخر(78) . وبذلك كانت محاولة تدخل الملك نبونائيد في شؤون المعبد قد اثارت حفيظة الكهنة وجعلتهم ينظمون الى خندق اعداء الملك . عن جانب اخر كانت هناك اسباب اخرى للصراع الذي دار بين الملك والكهنة ،اذ ان محاولة نبونائيد اجراء تغيرات في اكليل اله الشمس في سيبار ادى الى صدام باتجاه معاكس شديد ليس من جانب رجال الدين فقط يل من قبل التابعين الى جمعية اهالي سبار (79) كما ادعى الكهنة بتبديل اعطية رؤوس الكهنة (80) . كما ان الملك في بلاد بابل ظل الى النهاية خاضعا لرغبة الاله ولذلك لم يكن بمقدوره ان يستحوذ على اراضي المعبد ويجعلها املاكا ملكية دائمة . وكان على الملك في بلاد بابل ان بضع الشارات الملكية بخضوع تام امام الاله سنويا وان يخضع لإهانة شخصية على يد الكاهن الاعلى ويعلن عن حسن نواياه وحينئذ فقط يستعيد سلطاته الملكية (81) .

ان هناك نصا مطولا يكشف بشكل مثير الصراع بين الملك والكهنة ويبرر موقف رجال المعبد من اجراءات الملك والاتهامات التي وجهوها اليه ،وبالرغم من وجود النواقص في النص الا انه يعطي انطباعا خاصا :

"……. القانون والامر الذي ما صدر من قبله ……….لكنه اباد الناس من خلاله وقتل النبلاء في الحرب …… السفن التجارية ،حاصر الطريق ……للزراع جعل مخازن الغلة تندر….. ليس هناك … في البلاد ….. الحاصدون لا يفنون اعتنيه الالو Alulu ….. انه لم يسور المنطقة الزراعية ……………………..….لقد صادر عقاراتهم وبدد ممتلكاتهم …….لقد خرب كل شيء تماما …….وضع الفصائل العسكرية في المكان المظلم المجهول ……. اصبح ضيقا صغيرا ….. وجهوهم تغيرت فصارت عدائية …… لم يعودوا يقومون بالاستعراض في الشارع البري ……. لا ترى السعادة بعد ذلك ……. هم يأتوا في كدر نبونائيد اصبح الهه الحامي عدوا له وهو الذي كان محبوب الالهه واثيرها الاول صار الان سوء الطالع والبلايا ملازمان له قام بعمل غير مقدس … الضد من ارادة الالهه….. اتى بفكرة شيء فريا اقام تمثال لاله لم يشهده احد في هذه البلاد من قبل ادخله المعبد ووضعه فوق منصة الشرف …. اطلق عليه اسم نانا (Nanna ) لقد زين …. من حجر اللازولي وكلل بالتاج ….. ظهر بمظهر يشبه خسوف القمر ……إيماءة يده مثل إيماءة الاله لوكال شودو (Lugal su-Du ) …. شعر راسه يصل الى منصة الشرف امامه وضع العاصفة ابوبو (ِabubu ) والتنين والثور البري وعندما اكرمه ظهر وكانه اصبح مثل …شيطان كلل بالتاج ….. العائد له … اصبح … وجهة انقلب عدائيا ….. شكله اصبح …….. اسمه كال      ( Gal ) … عند اقدامه ………………………………….شكلة حتى ان يامواممو ما كان قد صوره بعد ولا حتى الحكيم ادابا (Adapa  قد عرف اسمه قال نبونائيد سأبني معبدا له واشيد قاعدته المقدسة سأضع له بلاطته الاولى واشيد اسسه الراسخة سأجعله على صورة معبد أي –كور (E.Kur) سأطلق عليه اسم أي –خول –خول (E.hul-hul ) لقادم الايام عند انجز تماما ما كنت قد خططت له سأفوده من يده ونصبه على قاعدته وحينما اكون قد فعلت هذا اكون بذلك قد نلت مرامي سأبطل المسرات كافة ،وسأصدر اوامري بإلغاء بهجة اعياد رأس السنة الجديدة لكنه حينما صنع بلاطته الاولى وضعها خارج المخطط وامتد بعيدا بالأسس وعلى القمة صنع حاشيتها اللامعة بواسطة زخرفة على الجدار المصنوعة من الحبس والاسفلت اقام الثور البري ،في مقدمته على غرار معبد ايساكيلا لكنه بعد ان بلغ هدفه ،بعمل تام المكر ،اقام فعلا غير مقدس وذلك حينما بدأت السنة الثالثة على وشك الحلول (82) .

ان هذه النص يوضح بشكل كبير طبيعة الصراع الذي بدأه الكهنة وان أي ادعاءات بان نبونائيد قد جاء ببدعة فأنها كاذبة ،فلم يكن الاله سين مجهول بالنسبة للكهنة المعارضين وحتى معبده أي –خول –خول .

واخيرا يكشف لنا النص كيف ان كهنة مردوخ قد اخذوا يرون الفرق بين ملكهم وبين كورش متهمين نبونائيد باتهامات عدة :

" بينما صارت انتصارات كورش ملك العالم حقيقة واقعة قدم له ملوك الاقطار كافة فرض الطاعة والولاء كان نبونائيد قد كتب فوق لوحة الحجري انا صنعت … قوسا لقدمي …. وقهرت كل اقطاره ،صادرت ممتلكاته وجلبتها لمكان اقامتي انه هو من وقف مع المجموعة ليمجد نفسه ويقول :انا ارغب ، اعلم ،ارى ما هو مخفي حتى ان كنت لا اعرف كيف اكتب بالقلم المعدني فانا ارى سر الاشياء  انا ملم بالحكمة الفائقة ذات السياق:( (sar.DA.num. dEn .lil .la   التي انتهجا ادابا فوق ذلك استمر ايضا في خرق الشعائر والطقوس واربك تنبؤات فحص الكبد (83)".

وبهذا يتضح جليا مدى العداء السافر الذي شنه الكهنة على نبونائيد الامر الذي كان له اثره السيء على مستقبل البلاد .

ومع ذلك ان هذه الادعاءات تجعل المؤرخ يعتقد ان نبونائيد قد شن حربا لا هوادة فيها ضد العبادات القديمة مفضلا الاله سين وان هذه التغيرات الدينية قد ادت الى انحطاط منزله الاله القومي مردوخ؟ الا ان هناك نص يعود للملك نبونائيد يبين عدم اهماله شؤون الاله الاعلى مردوخ فهو يقول :

" انا الملك الذي انصب اهتمامي يوميا ومن دون انقطاع على المحافظة على معبدي ايساكيلا وايزيدا ،قد غلفت بالفضة البراقة مقابض الابواب الخشبية لكل غرف معبد اله العالم العلوي والسلفي حتى غرفة الطقوس السرية لمردوخ وصار بنيت محبوبة مردوخ التي تثبت اسس عرشي في الحكم وتقويه (84) "

كما يخبرنا نبونائيد انه كان يزور معابد الاله سين وشمش وعشتار (85) ، بالرغم من ادعاء خصوم نبونائيد بانه انتهك حرمه معبد ايساكيلا (86) .

وهذا يعني ان الصراع الذي دار بين الملك والكهنة تركز بشكل اساس حول التدخل الاقتصادي من جانب الملك بشؤون المعبد ،وجاء العامل الديني ليجعل منه الكهنة المبرر لشن الهجوم على الملك وسياسته .

3- العوامل السياسية:

أ. غياب الملك البابلي:

ان من الامور التي أثيرت حول الملك نبونائيد وغدا من قبل بعض الباحثين شخصية غريبة الاطوار هو غيابه عن العاصمة بابل لمدة عشرة سنوات في تيماء ،هذا الغياب الذي كان له البعد الاستراتيجي لدى نبونائيد زاد من تفاقم الوضع في بابل وسمح لخصوم الملك بشن دعاية

ان سوء الوضع الاقتصادي في بابل ومحاولة نبونائيد ايجاد وسائل عديدة لحل الازمة كانت وراء اقدام نبونائيد للذهاب الى تيماء . ولقد كانت استجابة نبونائيد للوضع في بلاد بابل محاولة رائعة لنقل مركز ثقل الامبراطورية الى الغرب وضمان الطرق التجارية في جنوب الجزيرة العربية (87). اذ ان ايجاد طريق تجاري جديد نحو شبه الجزيرة العربية هي محاول جدية لحل الازمة فبعد ان انقطعت الطرق التجارية القديمة المارة ببلاد عيلام وايران وسوريا اتجهت انظاره نحو تيماء (88) .

كانت تيماء (Tema ) تقع في وسط سهل خصب ذات مناخ صحي وبها تلتقي الطرق التجارية القادمة من مارب ومعين ونجران ويثرب وديران والحجر ( مدائن صالح ) ومنها يذهب فرع للعراق من تيماء نفسها ،والثاني الى بطرا عاصمة الانباط (89) ، ثم الطريق القادم من الجرعاء (جرها ) على الخليج العربي ماراً بالأحساء فالهفوف ثم بريدة الحالية ،فالأهمية الاقتصادية لهذه المدينة لابد وان كانت سببا هاما في ذهاب نبونائيد الى تيماء (90) ،اذ كان الهدف الاساس لنبونائيد هو يعمل جاهدا على تامين طريق تجارة التوابل الممتد من اليمن الى مصر وفلسطين مارا بشبه الجزيرة العربية(91) . فضلا عن ذلك فان خلاف نبونائيد مع الكهنة واتهامهم له بانه فضل عبادة الاله سين على عبادة مردوخ الاله القومي للبلاد عاملا لذهابه الى تيماء (92) . وان هناك اشارة لدى احد الباحثين تجعل احتمال كون نبونائيد ترك بابل نتيجة انتشار الملاريا فيها (93) ورجح الاستاذ (رو ) ان سبب عدم عودة نبونائيد الى بابل من تيماء ربما لعشر سنوات ، يمكن ان يعود الى افتراض انه منع من العودة الها من قبل اعدائه انفسهم (94) .

كما ان تيماء من جانب اخر مركزا من مراكز عبادة الاله القمر وربما ادرك نبونائيد ان الاله القمر (التائيري ) الذي يعبده العرب في تيماء وقتذاك هو وجه اخر من اوجه الاله سين البابلي ،وربما يكون هذا الوجه للاله القمر هو الذي اشار اليه الناسخ في اخبار نبونائيد الشعرية . واعتقد البعض ان نبونائيد ربما فكر في الحصول على مساعدات العرب في المناطق العربية التي مربها مثل تيماء وفدك (الحائط ) وخيبر لمواجهة خطر كورش الفارسي المتزايد (95) . في حين اعتقد البعض ان نبونائيد اراد يجعل من الاله سين قاسما مشتركا ليوحد بين القبائل الارامية الساكنة في حران وبين القبائل العربية الساكنة في شبه الجزيرة العربية (96) .

ونقرأ في احدى الوثائق بان الملك نبونائيد توجه سنة 549 ق. م الى سوريا وجمع جيشه في ارض حاتي " سوريا ، ودخل الصحراء العربية ليحاصر ادوموا (Adummu ) " الجوف " على بعد 280 ميلا شرق العقبة وقد وصل الى واحة تيماء حيث وقتل ملكها واتخذها عاصمة لمدة عشر سنوات(97) . ونقرأ في نص يخص رحلة نبونائيد الى تيماء :

" اصطحب معه فصائل قوات اكد تحول الى منطقة تيماء في عمق الغرب سالكا بحملته طريقا مؤديا الى اقليم بعيد . وعندما وصل الى هناك قتل امير تيماء في المعركة وقتل الناس الساكنين في الحي ،وفي انحاء البلدة وهو نفسه اقام في تيماء حيث ربضت قوات جيش اكد جعل المدينة جميلة وبنى قصره هناك بنى الجدران ،كذلك ،على غرار مقره (Su-anna ) (98) .

والحقيقة ان تيماء كانت تمثل العاصمة الحقيقة للإمبراطورية البابلية لانها كانت مقرا لنبونائيد طوال العشر سنوات التي سبقت سقوط بابل (99) . وتشير وثيقة بابلية ان نبونائيد كان خلال سنوات (7-9-10-11 ) في تيماء وكان ابنه بيل –شار –اوصر (Bel-Sar-usur ) في بابل (100) وان الرسائل المتعددة والوثائق الاقتصادية العائدة لهذه الفترة في بابل والمنسوبة الى ولي العهد توكد انه رئيس السلطات العليا (101) .

لقد كانت لتحركات الملك البابلي اثرها المهم داخل بل اذا تعلق وثيقة الاخبار البابلية الخاصة نبونائيد على الاحداث ،ففي السنة السابعة نذكر الوثيقة :

" الملك بقي في تيماء " Tema " ،بقي ولي العهد ومواطنوه وجيشه في اكد ،لم يأت الملك الى بابل من اجل احتفالات شهر نيسان ،لم يذهب بحضر الاله نبو الى بابل ، ولم يخرج الاله بيل من معبد ايساكيلا ،لقد الغي مهرجان السنة الجديدة (102)"

وتشير وثيقة السنة التاسعة :

          " بقي الملك نبونائيد في تيماء ،حين كان ولي العهد وموظفوه والجيش في اكد ، لم يحضر الملك من اجل احتفال شهر نيسان ولم يأت الاله بنو الى مدينة بابل وكذلك لم يخرج الاله بيل في موكب معبد ايساكيلا لقد جرى الغاء الاحتفال بالسنة الجديدة " (103) .

وتذكر وثيقة السنة العاشرة:

"لقد بقي الملك في تيماء وبقي ولي العهد والموظفون والجيش في اكد لم يأت الملك الى بابل لأداء شعائر شهر نيسان لم يأت الاله نبو الى مدينة بابل ،كذلك لم يخرج بيل من ايساكيلا في موكب لقد الغي مهرجان السنة الجديدة … " (104)

ونقرأ في وثيقة السنة الحادية عشرة نفس الاشارة الا ان النص فيه عدة نواقص (105). وقد ادى غياب الملك البابلي عن بابل الى تزايد النفوذ السياسي داخل البلاد للكهنة(106) .

ان هذا الامر قد اثار حفيظة السكان والكهنة على نبونائيد وزاد من تفاقم الوضع داخل البلاد وان غياب نبونائيد عن بابل ادى الى ترك خصومه ينشرون الدعايات المضادة مما ادى الى اضعاف موقفه داخل البلاد واخذ الكثير يروج دعايات لكورش باعتباره المنقذ .

ب. اليهود :

ان دراسة اسباب سقوط بابل بيد الاخمينين ،فيها الكثير من الملابسات والجوانب الغامضة فان كل ما قيل من اسباب حول سقوط هذه المدينة بكل الاحوال لا يؤدي الى انهيارها المفاجئ ، فان هذه الاسباب حتى وان خلخلت الوضع الداخلي فانه من الناحية العسكرية كان كورش يحتاج الى وقت كبير للإجهاز على المدينة ،ولعل تجربة كورش امام اسوار سارديس وحصاره لها لمدة اسبوعين يثبت مصداق قولنا . وان المتفحص لأحداث سقوط بابل يجد ان المدينة سقطت بيد الغزاة بكل سهولة وان المدينة كما نعرف حصينة فكيف تمكنت الفرس من دخولها ؟  الاجابة على مثل هذا السؤال لا يبعدنا كثيرا عن الاشارة بأصابع الاتهام على الفئة المستفيدة من سقوط بابل وهم " اليهود " ،وان كانت تحركات اليهود سرية ،وان اثبات تهمة التورط في الخيانة يحتاج الى براهين عدة .

لقد كان اليهود يشكلون جالية مهمة في بابل في اعقاب السبي البابلي (107) وان هناك من الادلة التي قد ثبت التعاون اليهودي الفارسي ودوره في سقوط بابل . فقد كان وضع اليهود في بابل جيدا ،وكان زعماء اليهود طليقين نوعا ما ربما كان السبب في حرية تصرفهم ثم تمكنهم فيما بعد من مراسله الفرس ومساعدتهم ولعل احدى اشارات التوراة تعطينا انطباعا عن اوضاع اليهود :

" في السنة السابعة والثلاثين السبي يهوياكين ملك يهوذا في الشهر الثاني عشر في السابع والعشرين من الشهر (رفع اويل –مردوخ ملك بابل في سنة تملكه رأس يهوياكين ملك يهوذا من السجن وكلمة بخير وجعل كورسيه فوق كراسي الملوك الذين معه في بابل ،وغير ثياب سجنه وكان يأكل دائما الخبز امامه كل ايام حياته ووظيفته وظيفة دائمة تعطى له من عند الملك امر كل يوم بيومه كل ايام حياته"(108)

غير ان ذلك لا يمكن عدة بمفرده سببا لاتهام اليهود بالتعاون مع الفرس  فان هناك من الاشارات التي وردت في العهد القديم تسجل مدى النقمة التي يبديها اليهود من بابل واشور وتقدم دليلا على مثل هذا التعاون وان المتذكر للعنات أشعياء سيجد مدى السخط الذي يكنه اليهود للأشوريين والبابليين فهو يقول :

" ويل لأشور قضيب غضبي ،والعصا في يدهم سخطي على امة منافقة ارسله وعلى شعب سخطي اوصيه ليغنم غنيمة وينهب نهبا ويجعلهم مدوسين كطين الازقة "(109) .

ويستأنف أشعياء ويقول من اشور :

" قد حلف رب الجنود قائلا انه كما قصدت يصير وكما   نويت يثبت ان احطم اشور في ارضي وادوسه على جبلي فيزول عنهم نيره ويزول عن كتفهم حمله" (110) .

ونلمس هذه الروح العدائية يقول أشعياء عن سقوط بابل :

" قد جثا بيل وانحنى نبو ، صارت تماثيلهما على الحيوانات والبهائم محمولاتكم حملا للمعي قد انحنت جثت معالم تقدر ان تنجي الحمل وهي نفسها قد مضت في السبي " (111).

ويذكر أشعياء بنفس الاسلوب خطابا موجها لليهود بان الرب لم يكتب السلام الاشرار "البابليين " :

" اخرجوا من بابل من ارض الكلدانيين بصوت الترنم   اخبروا نادوا بهذا شيعوه الى اقصى الارض . قولوا قد فدى الرب عبده يعقوب . ولم يعطشوا في القفار التي سيرهم فيها. اجرى لهم من الصخر ماء وشق الصخر ففاضت المياه لا سلام :قال الرب للأشرار " (112) .

ولعل احد نصوص ناحوم يعيد على اذهاننا الكثير من التصورات حول موقف اليهود المعادي للعراقيين القدماء :

" وبل لمدينة الدماء . كلها ملائه كذبة وخطفا . لا يزول الافتراس. صوت السوط ، ،وصوت رعشة البكر وخيل تخب ومركبات تقفز وفرسان تنهض ولهيب السيف وبريق الرمح وكثرة الجرحى ووفرة القتلى لانهاية للجثث يعثرون بجثثهم من اجل زنى الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة امما بزناها وقبائل بسحرها هانذا عليك يقول رب الجنود فاكشف اذيالك الى فوق وجهك واري الامم عورتك والممالك خزيك . واطرح عليك اوساخا واهينك واجعلك عبرة ويكون كل من يراك يهرب منك ويقول ضربت نينوى من يرثى لها …(113) .

ان هناك ادلة توراتية اخرى يمكن ادراجها من اجل التدليل على دور اليهود في سقوط بابل ، فكورش بعد دخوله بابل وعلى حد مزاعم التوراة قد صرح بان اله اليهود هو الذي ساعده من اجل السيطرة على ممالك الأرض :

" هكذا قال كورش ملك فارس ان الرب اله السماء قد اعطاني جميع    ممالك الأرض وهو اوصاني ان ابني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا " (114) .

وهكذا لم يكن امام اعتراف كورش باله اليهود الا ان يقابله اعتراف آخر من قبل اليهود :

" هكذا قال الرب لمسيحه كورش الذي امسكت بيمينه لأدوس امامه امماً واحقاً ملوك لافتج المصراعين والأبواب لا تغلق ، انا اسير مقامك والهضاب امهد اكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد اقصف ، واعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابئ لكي تعرف اني انا الرب الذي يدعوك باسمك اله إسرائيل " (115).

 وان هذا النص وحده يمكن ان يكشف لنا ما فعله اليهود في بابل فهو يقول انه يمهد الهضاب ويكسر مصاريع الأبواب ، ولعل هذا ما حدث في بابل عندما مهد اليهود للفرس بدخول المدينة . ويقول الأستاذ اولمستد ان الأنبياء اليهود تنبؤوا بسقوط بابل ورحبوا بكورش وعدوه السيد المسيح مقابل انه سيعيدهم الى صهيون الأرض الموعودة (116)  ولعل قول جوزيفس فلافيوس المؤرخ اليهودي دليل آخر على ذلك التعاون ، فهو يقول ان كورش ارجع كل انتصاراته الى الرب الذي يؤمن به اليهود ولذلك صمم على اعادة بناء بيت له في القدس (117) ، وبذكر الأستاذ توينبي ان الجماعة اليهودية في بابل كانوا حلفاء طبيعيين للفرس ذلك بأن هؤلاء اليهود المنفيين لم يسامحوا البابليين لأنهم اجلوهم عن بلادهم ، ومن ثم كانوا أقلية محلية محبة للفرس ، وبهذا كانت لهم قيمة بالنسبة للفرس في بابل حيث لم تكن الغالبية الوطنية من السكان تتقبل الفرس ، وقد سمح كورش لأي عدد من هؤلاء اليهود الراغبين في العودة الى فلسطين ان يفعلوا ذلك وان يعيدوا بناء الهيكل (118) . بينما ينفي الأستاذ غنيمة ان سبب عطف كورش على اليهود هو نتيجة مساعدته في فتح بابل اذ يقول :

" ان هذه الأراء تحتاج الى تمحيص ويرتاب في صحتها ولا سيما ان كورش اظهر مثل هذه المروءة لجميع شعوب بابل ، لا بل جامل جميع الأقوام الذين عطف عليهم حتى انهم دعوه اباهم " (119)

ويبدو ان الأستاذ كرشمان قد تبنى رأياً مشابهاً ، فهو يقول واصفاً كورش بأنه من الملوك القلائل اكتسبوا اثناء حياتهم سمعه نبيله فهو رئيس عظيم وقائداً جيداً وعطوفاً لا يفكر في القوة مع الأقاليم المفتوحة ذا طابع منفرد ، اعترف بديانات الدول المختلفة ، وتمكن من انقاذ الأمم من العبودية مانحاً لها الحرية ، لقد سماه الفرس " الأب " وعده اليهود المسيح المنقذ (120 )الا ان هذه الأراء ليست هي الحقيقة التاريخية فهناك ادلة تثبت ان كورش كان قد ميز اليهود بالمعاملة دون غيرهم من شعوب الأقاليم المحتلة ، وسلك هذا السلوك الملوك من بعده ، اذ نعرف من تزايد تأثير اليهود في البلاط الأخميني وادخالهم في الإدارة فنحميا كان ساقياً للملك ارتحششتا الأول (121) كما ان احشويرش كان متزوجاً من استير اليهودية كما نعرف وكان دانيال احد وزراء داريوس (122) ، كما ان نعاون اليهود فيما بعد مع قمبيز في احتلال مصر يرجح المسألة في كون اليهود لعبوا نفس الدور في بابل قبل اعوام من احتلال مصر (123) ، وان سخط المصريين على اليهود وتدميرهم لمعبدهم في مصر عام ( 410 ق . م ) يدل على دورهم الفاعل في احتلال مصر (124) فضلاً عن ذلك فقد عمل اليهود بشتى الوسائل من اجل اضعاف بابل ، اذ كان لهم دوراً كبيراً في مضاعفة الأسعار ورفع نسبة الفوائد على القروض مستغلين سوء الوضع الاقتصادي حتى اصبح اليهود يقرضون بفائدة تصل الى ( 100% ) (125)، ويذكر الأستاذ فوزي رشيد ان كورش ادرك بأنه سيحقق هدفه في احتلال بابل اذا ما استغل اليهود الموجودين في بابل وكهنتها ضد طقوس الأله سين التي ادخلها الملك نبونائيد (126) .

ج . الدعاية السياسية:

لم يكن امام كورش بعد ان تمكن من محالفة اليهود الا ان يبدأ لأعداد العدة لأسقاط بابل ، ولكن كان عليه قبل ان يحسم الأمر عسكرياً ان يمهد ذلك بحرب دعائية واسعة ضد الملك البابلي .

لقد كانت الأوضاع قبيل عام ( 539 ق. م ) ممهدة لكورش فالسخط الشعبي والكهنوت ضد نبونائيد نتيجة التغيرات الدينية التي نفذها وغيابه عن العاصمة الذي ساهم في تعطيل الاحتفالات الدينية المهمة كان على اشده (127) ، مما زاد من الفجوة التي بينه وبين الكهنة ، فضلاً عن التردي الكبير في الوضع الاقتصادي اذ ان بروز قوة الدولة الفارسية حرم بابل من موارد وتجارات المنطقة الشرقية وان دخول اسيا الصغرى تحت سلطة كورش  قطع التجارية الشمالية ولهذا لم يكن امام كورش اتماما لخطته في تضيق الخناق على بابل الا توسع الفجوة بين الملك والقوى الساخطة عليه عن طريق شن حرب دعائية ادى فيها اليهود دورا واضحا.

لقد اتهم كورش الملك نبونائيد بالكفر والسخافة وتعقيد طقوس الارباب بل وبفساد الذوق حتى اختيار تمثال معبوده الذي بدا وجهه فيه قائما كهيئة القمر في المحاق واتهمه بانه تسبب  في قتل نبلائه وتعطيل طرق التجارة لمشروعاته التوسعية الفاشلة حتى غضب عليه كل الارباب والناس (128) ويدعى كورش ان :

                 "الاله مردوخ عاقب نبونائيد لانه لا يخاف الالهه" (129)

وان الاله مردوخ وقف ضد نبونائيد (130) . ونفسه كورش بعد هذه الحرب الدعائية نجده عن نفسه بعد دخوله بابل:

" السيد الذي اعاد بقدرته الموتى الى الحياة وانعم عليهم بالعناية والحماية " (131) .

ويقصد بالموتى هنا البابليين الذين خلصهم من حكم نبونائيد حيث كانوا خلاله موتى.

كما ان تحركات كورش العسكرية اعطت انطباعات جديدة لدى سكان بابل اذا ان تصرفه تجاه كروسوس الذي احسن اليه واحترمه وسلوكه اتجاه حكام اسيا الصغرى الاغريق قد اضفت اليه صفه الاعتدال والتسامح الديني (132) اذ ان سياسة كورش كانت تقوم على خطب ود رعاياه الجدد وليس تخويفهم او ارعابهم من اجل فرض طاعته عليهم وكان يحلو له اظهار نفسه بمظهر المحرر لتلك البلدان كما كان يعامل اسراره برحمة ويحترم بل يشجع العبادات والتقاليد المحلية وهكذا اكتسب شهرة عريضة في جميع انحاء الشرق الادنى . ووجد هناك نفر من اهل بابل ممن كان يتوهم بانه لن يخسر سوى القليل بتحوله الى احد رعايا هذا الملك الطيب (133).

لقد لعب اليهود في هذا المجال دورهم اذ نعتوا بناء على الدعايات الفارسية بنونائيد بانه ملك بابل المجنون (134) وان قصة اصابع اليد التي شاهدها بيل –شار –اوصر ملك بابل في التوراة (135) هي واحدة من سلسلة الدعايات التي شنها اليهود داخل بابل وان ما قاله دانيال بان الله قد احصى ملكوتك " أي بيلشصر " وانهاءه هو محاولة لبث روح اليأس داخل المدينة (136) وان تأويل لما شاهدة بيلشصر هو جزء من  دور اليهود في الدعاية لكورش :

" فرس قسمت مملكتك واعطيت لمادي وفارس "(137) .

وان تعبير التوراة عن حالة بيلشصر النفسية عندما شاهد اصابع اليد لدليل على محاولة اليهود زعزعة الوضع الداخلي في بابل .

" حينئذ تغيرت هيئة الملك وافزعته افكاره وانحلت خرز حقويه واصطكت ركبتاه "(138) .

حتى وان كان ما ذكره العهد القديم حول ما اصاب الملك البابلي من فزع ،وكذلك تأويلات دانيال هو من نسج خيال كتبه التوراة ،فان ذلك يمكن ان يقدم دليلا على محاولات اليهود لبث روح التراخي والشك في قدرات البابليين على الصمود . كما ان قصة حلم بيلشصر هو حلقة اخرى من حلقات الدور اليهودي في بث الدعاية الفارسية (139) فدانيال فسر الحلم لبيلشصر بان اربعة ملوك سيملكون وان الملك الرابع سيأكل الارض كلها ويدوسها ويسحقها  (140) وربما ان المقصود بالمملكة الرابعة التي ستسحق جميع الامم ما هي الا مملكة كورش فان تحليل ماورد من عبارات على لسان دانيال قد تشير الى وجود اربعة ممالك ،ربما قصد نفس الممالك الاربعة القوية " بابل ،وليديا ،ومصر ،وفارس " وان الاخيرة هي التي ستأكل الارض أي تحتل هذه الممالك وان قراءة مواصفات الملك الرابع يوحي بدور اليهود الرائع الذي ابدوه لكورش انه كان :

" مخالف لكلها وهائلا جدا واسنانه من حديد واظفار من نحاس وقد اكل وسحق وداس الباقي برجليه "(141) .

ولو سلمنا جدلا بان كل هذه التأويلات لم يكن لها نصيب من الصحة غيران اليهود لابد وان كانوا يبثون دعايات مشابهة لها بين السكان لكي يتمكنوا من زعزعة الثقة بقوتهم وانهم غير قادرين على صد العدو المرتقب وان ذلك لا يمكن ان يتم بمعزل عن معرفة كورش بل العكس كان ذلك جزء من خطة مسبقة تم بها اثارة الشك وعدم الثقة تمهيدا لتحقيق الانتصار .

ثانيا : التحرك الاخميني وسقوط بابل

1- استعدادات نبونائيد العسكرية :

كان نبونائيد قد عاد الى بابل نتيجة لتزايد الخطر الفارسي ،وكذلك بسبب ان السلطة المركزية الكبيرة في عهد نبوخذ نصر اخذت تتحطم بشكل كبير تحت حكم بيل –شار –اوصر (142) وهو في بابل بدء يعد العدة من اجل التصدي للخطر الفارسي ،غير اننا لا نمتلك الكثير من المعلومات عن اجراءات نبونائيد العسكرية التي تركزت في توحيد القبائل الارامية والعربية ما بين حران وتيماء وان محاولته هذه كان سيكتب لها النجاح لولا المعارضة التي اعلنها الكهنة نتيجة لمحاولة نبونائيد تفضيل سين على الاله مردوخ كما رأينا .

لقد حاول نبونائيد بوسائل عدة اتخاذ اجراءات كفيلة من شانها الدفاع عن البلاد ،اذ ما تحرك كورش باتجاه بابل ،وان تحركات الاخير لم تكن خافية عن انظار نبونائيد فوثيقة الاخبار تؤكد ان نبونائيد كان يعرف الكثير عن تحركات كورش فهي تذكر اخبار سقوط ميديا بيد كورش عام 550 ق. م مثلا (143) ولهذا نجده يتحسب للخطر اذ يذكر ان الالهين مردوخ وسين اخبراه في الحلم عن مجيء كورش (144) . ولو استخدمنا هذا النص بمصطلحات حديثة نقول ان استخبارات نبونائيد قد اعطته تقريرا عن تحركات كورش . ولكن السؤال المطروح هو ان الملك البابلي كان على حلف مع كورش كما نعرف ضد الملك الميدي ،بيد انه ترك حليفه السابق وكون مع مصر واسبارطة حلف مضاد له (145) اذن ما هو الذي دفع الملك البابلي الى سحب تأييده لكورش ؟ لقد قام كورش اثناء حملته على مملكة ليديا ،بقيادة جيشه بامتداد الطريق المحاذي لسلسلة جبال طوروس خلال سهل الجزيرة ،وبعد ان عبر نهر دجلة جنوب نينوى وزحف غربا بطريق حران ، قام باحتلال كيلكيه التي كانت تابعة وقتذاك لبابل كاسرا بذلك وثاق الحلف المعقود مع نبونائيد مما دفع البابليين الى الانحياز الى جانب مملكة ليديا مع المصريين حلفائها التقليدين(146). كما ان كورش اثناء تحركه قد سيطر على المدينة الستراتيجية حران (147).

لقد حاول نبونائيد ان يعطي لتحركاته طابعا دينيا ، فقام اثناء الهجوم الفارسي بجمع كل تماثيل الالهه في عاصمته تماثيل اعظم الالهة قدسية ولاريب انه اثار سخط الكهنة (148) وان من وجهة النظر الدينية ان الالهة لم تساعد نبونائيد لانها قد هجرت الملك المدنس ! ولم يعد امره مطاعا (149) وهذا بالتأكيد ما كان يقوله اعدائه ،وان دراسة هذه الخطوة نجد ان نبونائيد حاول التخفيف من وطاة السخط الذي لاقاه نتيجة تصرفاته الدينية وربما اراد ان يعطي لحربه طابعا مقدسا . وتشير كتابات نبونائيد الى انه اعاد اعمار السور الداخلي لمدينة بابل وربما قد عمر السور بأكمله او معظمه (150) ونقرأ في احدى النصوص ان الحاميات البابلية كانت منتشرة في كافة انحاء البلاد :

" لقد اودع المعسكر لابنه الاكبر ،وضع الفرق في كل مكان من البلاد تحت امرته "(151) .

ويتحدث هيرودتس عن اعمال تحصينات قامت الملكة نيت وكريس وهو الاسم اليوناني لادد –كوبي الذي يذكر انها ام ليبنيتوس " نبونائيد ". وربما كانت هذه الاخبار التي نسبها هيرودتس لنيتوكريس هي صدى الاعمال نبونائيد الدفاعية فهو يقول ان هذه الملكة بذلت جهودا كبيرة لتعزيز الدفاع عن امبراطوريتها ،فأول عمل قامت به هو انها امرت بتحويل مجرى الفرات فبعد ان كان النهر يجري بشكل مستقيم نحو بابل ،فأنها بواسطة الحفر التي اجرتها اصبح النهر

متعرجا بحيث يرى ثلاث مرات امام احدى القرى في بلاد اشور والتي تدعى(Arderica) كذلك اقامت هذه الملكة سدا على امتداد كل جانب من جوانب النهر في غاية السعة والامتداد كما انها حفرت بحيرة قرب بابل عند مجرى النهر بلغت سعتها حدا كبيرا وطول محيطها 420 فرلونج (152)وهو رقم مبالغ فيه كثيرا ، وقد استخدمت التراب المستخرج من حفر البحيرة وبنت به سدا على مجرى النهر ويذكر هيرودتس انها بعد ان انجزت ذلك جلبت نيت وكريس الحجارة ورصفت بها اطراف الحوض . ونتيجة لذلك غدا النهر متعرجا وتم حفر البحيرة ،واصبح جريان النهر بطيء وبذلك اصح النهر دائريا وبحيث يغدو من الضروري في نهاية الرحلة الاقتراب من البحيرة والقيام وبدورة طويلة فيها وكان هدف نيت وكريس حسب ادعاءات هيرودتس هو قطع كل اتصال محتمل بين البابليين والمييدين الذي ربما قصد بهم هنا الفرس(153) .

لا نعرف مدى مصداقية هيرودتس وهل هذه الإنجازات يمكن ان ننسبها الى نبونائيد ،غير ان المصادر المسمارية لم تذكر لنا شيئا عن هذه الاعمال .

2- التحرك الاخميني وسقوط بابل :

لقد بدات بوادر الخطر الفارسي على العراق في وقت مبكر حتى ان تسقط مملكة ليديا عام 546 ق. م اذ ق قام كورش قبل عام من سقوط ليديا بعبور نهر دجلة من الجهة الجنوبية لمدينة اربيل يذكر الأستاذ هديب ان كورش قتل حاكم المدينة المحلي المنصب من قبل نبونائيد وبذلك فرض سيطرته على الانهار العليا لدجلة (154) غير ان وثيقة الأخبار لا تؤيد ذلك اذ تذكر أحداث السنة التاسعة :

" استدعى كورش في شهر نيسان جيشه وعبر نهر دجلة اسفل مدينة اربيلا "(155) .

ربما كان تحرك الجيش الفارسي نحو اربيل قد تم عند نقطة قرب مخمور الحالية ولم تكن هدفه وانما كانت نقطة مروره الى اسيا الصغرى (156) وربما ايضا كان يهدف الى جس نبض القوات البابلية ومدى استعداداتها . ويعتقد الاستاد الاحمد ان رد فعل البابليين كان سريعا اذ نعرف عن تجمع للجيوش البابلية بأمر  من بيل – شار –اوصر سنة 547 ق. م قرب مدينة كوراشو (قرب اليوسفية تحسبا من تطور الاحداث (157) . الا ان وثيقة الاخبار لا تؤيد ذلك اذ نقرا ان ام الملك نبونائيد قد توفيت في 5- نيسان في دور كوراشو وتقول الوثيقة :

" اقام ولي العهد وجيشه مناحة رسمية في الصباح الباكر لأيام ثلاثة " (158) .

ونقرا في اخبار سنة 546 ق. م انه في 21- سيمانو (Simanu ) (حزيران) ، ان العيلاميين كانوا في اكد وان حاكما اخذ يحكم الوركاء (159) ان وجود نقص في وثيقة الاخبار البابلية الخاصة بأحداث عام 545 ق . م تجعل تحركات كورش في هذه السنة غامضة اذ تذكر :

" … دجلة … في شهر اذار عشتار الوركاء … ال …. بلاد البحر … حيث قام جيش بالهجوم …. "(160) .

ويمكن تفسير احداث عامي 546 –545 ق. م كان حاكما فارسيا من قواد كورش قد دخل البلاد وصار حاكما في الوركاء(161) . فاذ صحت هذه الحقيقة فان بابل قد اصبحت في فكي كماشة . غير اننا لانعرف معنى هذه الحقيقة بالضبط فهل ان القائد ترك ملكه ولجأ عند الملك البابلي ولكن لا يمكن لنبونائيد ان يعينه حاكما على اية مدينة او ان قوة فارسية انتهزت فرصة غياب نبونائيد في تيماء فاخترقت الحدود لفترة من الزمن الى الوركاء (162) .

غير ان الاستاذ ساكز يشير الى ان الوركاء بقيت بيد نبونائيد رغم الغارة العيلامية (163) ويبدو من احداث عام 545 ق. م هجوما قد تم على بلاد بابل لانعرف تفاصيله ويبدو ان كورش اثناء تحركاته قد تمكن من السيطرة على بلاد اشور ،ويرجح معظم الباحثين من ان كورش توجه الى بلاد اشور عن طريق همدان – كرمنشاه ،اربيل وهو الطريق التاريخي المؤدي الى حران ،واغلب الظن ان كورش قد وصل اربيل وانحدر بعدها الى مدينة بابل متبعا الطريق ما بين مرتفعات حمرين ونهر دحلة وعبرت جيوشه ذلك النهر عند مدينة اوبس(164) . وقد تمكن كورش في هذه الاثناء من الحصول على ولاء حاكم كوتو المدعو كوبارو (165) ويقول كريمان ان كوبارو كان حاكم عيلام (166) . وقد اوضح اولمستد ان كوتو في هذه الفترة تعني في المصادر البابلية عيلام (167).

هاجم كورش العراق معتديا في تشرين الاول 539 ق. م حيث اصطدم بالجيش البابلي عند مدينة اوبس(168) ويعتقد الأستاذ كرشمان ان كورش قد اختار وقت مناسبا للهجوم على بابل ، في وقت بدأ ينفذ مشروعا يتسم بالجراءة ،بسبب ضعف الملك البابلي ،اذ كان الاخير مشغولا بأمور اخرى هامة فقد كرس وقته لعباده الاله سين ، والبحث عن الانصاب التذكارية والمدن القديمة والتنقيب الآثاري وكان يواجه سخط الكهنة (169) وتخبرنا وثيقة الاخبار البابلية عن اضطراب الاوضاع في بلاد بابل اثناء الهجوم على اوبس .

" في شهر تشرين الاول عندما هاجم كورش جيش اكد في اوبس على نهر دجلة ثار السكان في اكد ولكن نبونائيد نزل تقتيلا بالسكان كيفما اتفق"  (170) .

لانعرف حقيقة هذه الاشارة هل ان سكان اكد ثاروا على نبونائيد مستغلين هجوم كورش ؟ ام ان لكورش عملاء داخل بابل اشعلوا نار الثورة باتفاق مع كورش على ان تكون ثورتهم متزامنة مع هجوم الاخير على البلاد ؟ غير ان الوثيقة تؤكد ان نبونائيد قمع الثورة(171) .

كان الجيش البابلي يقوده بيل –شار –اوصر الذي خرج الى اوبس وفي معركة بين الطرفين حقوق كورش اول انتصار على القوات البابلية(172) ويخبرنا بيروسوس ان الجيش البابلي قد تقابل في شهر اب من عام 539 ق. م مع الجيش الاخميني عند مدينة اوبس الواقعة على نهر دجلة وقتل خلال المعركة بيل –شار –اوصر (173) . ويعتقد ادي –شير ان بيل - شار –اوصر قد قتل اثناء الدفاع عن مدينة بابل (174) .

عهد كورش الى كوبارو قيادة الجيش الفارسي المتجه الى سبار (175)،والتي كان بها نبونائيد كما يتضح من وثيقة الاخبار :

"في اليوم الرابع عشر احتلت سبار من دون قتال وفر نبونائيد"(176)

ويذكر الاستاذ ديلابورت ان سبار سقطت في 14 –تموز –539ق. م (177) ويحدد الاستاذ اولمستد تاريخ سقوط سبار يوم 11-تشرين الاول (178). اما الاستاذ (Haerinck)فيحدد دخول الفرس لمدينة سبار يوم10-تشرين الاول–539 ق.م.(179) .

لقد سقطت سبار في 14 –تشرين الاول –539 ق. م وربما كان نبونائيد قد فكر بالانسحاب والتحصن في بابل عندما رأى عدم قدرته على مقاومة العدو في سبار وان سقوط سبار كان مهما لما لها من اهمية كبيرة لكونها خط الدفاع عن بابل.

تقدمت الجيوش الفارسية نحو بابل وتذكر وثيقة الاخبار البابلية انه :

" في اليوم السادس عشر دخل كوبارو حاكم كوتيوم Gutium  وجيش كورش الى بابل من دون قتال "(180) .

وباي حال سقطت بابل بعد يومين من سقوط مدينة سبار (181) الا ان ذلك يثير التساؤلات فالمسافة بين المدينتين  حوالي 90 كم وقطع هذه المسافة في تلك العصور يتطلب اكثر من يومين فكيف يكون الفرق بين الاحتلال سبار وبابل يومان فقط ؟ فمن المعقول الافتراض بان الجيش المعادي المتقدم لابد وان حصل على معونة ودعم من عناصر محلية ومنهم يهود الاسر البابلي فمدينة بابل حصينة وليس من السهل على أي عدو دخولها(182) . ونقرأ عند ارميا اشارة عن تخاذل سكان بابل في الحرب فهو يقول :

" كف جبابرة بابل عن الحرب وجلسوا في الحصون نضبت شجاعتهم. صاروا نساء"(183)

ونقرأ أشعياء نفس الاشارة :

" ولولوا لان يوم الرب قريب كخراب من القادر على كل شيء. لذلك ترتخي كل الايادي ويذوب كل قلب انسان فيرتاعون تأخذهم اوجاع ومخاض يتلوون كوالدة يبهتون بعضم الى بعض وجوههم وحوه لهيب "(184) .

الا ان ذلك لا نملك عليه دليلا رغم اننا ندرك تمام ان بابل سقطت من غير مقاومة تذكر باستثناء الاشارات التي اوردها هيرودتس التي نستشف منها عن وجود مقاومة ،فهو يذكر ان كورش قد وصل الى نهر جنديس (185) ، النابع من جبال (Matieni ) (186) ،ويجري عبر ارض الدردانيين ( Dardeans  ) الذي يصب في نهر دجلة  وقد صعب على كورش عبوره ،لهذا فانه اجل هجومه على بابل وقسم جيشه الى قسمين ووضع علامات لـ (180) قناة على كل جانبي نهر جنديس ثم تتفرع منه في كل الاتجاهات ثم امر جنوده بان يقوموا بالحفر بعض منهم على هذا الجانب والاخر في الجانب الثاني من النهر وهكذا فرق مياه النهر الى 360 قناة بعدها عبر النهر وسار الى بابل (187) . اما البابليون فقد عسكروا خارج الاسوار في انتظار قدوم كورش وقد جرت معركة على مسافة قريبة من المدينة دحر فيها  البابليون فارتدوا الى ما وراء خطوطهم الدفاعية (188)  .

كان البابليون قد اغلقوا اسوار المدينة وكانوا قد خزنوا المواد الغذائية التي تكفيهم لسنين عديدة . وقد قام كورش بعدها بعدة اجراءات من اجل اقتحام المدينة . ووضع جزء من قواته في النقطة التي يدخل منها النهر الى مدينة ، ووضع الجزء الاخر المكان الذي يخرج منه النهر، وقد اصدر أوامره لقواته بان يسيروا نحو المدينة عند ما يصبح النهر ضحلا وانسحب هو وقسم من قواته الى المكان الذي حفرت فيه لنيتوكريس حوض النهر وكرر ما قامت به الملكة من عمل فقد حول مجرى النهر ( الفرات ) الى الحوض وكان الحوض وكان الحوض اشبه ما يكون بالمستنقع ينساب اليه ماء النهر الذي انخفضت مياهه الان والذي لم يتعد عمقه ركبة رجل وبهذه الوسيلة استطاعوا دخول المدينة . اما البابليون فقد اغلقوا جميع الشوارع المطلة على النهر  وارتقوا اسوارهم وبذلك وضعوا العدو في مصيدة ،لكن الفرس باغتوا البابليين واستولوا على مدينتهم ولما كانت المدينة كبيرة فان  سكان المدينة في داخلها لا يعرفون ان الاجزاء الخارجية قد سقطت وكان السكان يحتفلون بأحدى اعيادهم وهكذا تم استيلاء الفرس بابل (189) ومع ذلك فاننا لا يمكن ان نأخذ بكل تفاصيل ما ذكره  هيرودتس لانه لا يتطابق مع المعلومات التي تقدمها وثيقة الاخبار البابلية .

لم يكن نبونائيد يعرف ان بابل قد سقطت فانه انسحابه من سبار عاد الى بابل وتذكر وثيقة الاخبار :

" وعندما عاد نبونائيد الى بابل ،بعد الحرب تم اعتقاله فيها ".

على أي حال لم يكن كورش هو الذي دخل بابل انما كوبارو كما ذكرنا اما نبونائيد فيذكر بيروسوس ان نبونائيد قد نفي الى كرمان (190) . غير ان كرشمان يقول ان الملك البابلي قد اخذ اسيرا بيد ان كورش عامله برحمة كبيرة(191)  .

وينفرد دانيال بمعلومات اخرى عن سقوط بابل فهو يذكر ان بابل سقطت بيد داريوس المادي وكان عمره (62) سنة(192) . وتشير موسوعة الكتاب المقدس انه من المحتمل ان كورش قد اقام داريوس واليا على المدينة او ربما ملك كورش باسم داريوس(193) . الا ان ذلك لا يمكن الركون اليه فالوثائق البابلية لا تذكر اسم والي يدعى داريوس .ويعود دانيال يقول ان داريوس هذا هو ابن احشويرش من نسل الماديين الذي ملك مملكة الكلدانيين(194).

لانعرف من اين استقى دانيال معلوماته ويبدو ان الاحداث قد اختلطت عليه بشكل كبير . اما كورش فلم يدخل بابل مباشرة وانما دخلها في يوم 13-تشرين الثاني –539 ق. م  كما يرد في وثيقة الاخبار(195)

ويذكر الاستاذ (olmstead) وكذلك الاستاذ (Haerinck ) ان كورش دخل بابل في 29 –تشرين الاول –539 ق. م (196). اما الاستاذ (King  ) فيعتقد ان دخول كورش لبابل كان يوم 13-تشرين الثاني (197) .

_____________________

(1) حول استحكامات مدنية بابل انظر الفصل الرابع.

(2) انظر الفصل الاول ص، مصادر سقوط الدولة الاشورية .

(3) برن، المصدر السابق، ص143.

(4) احمد محمد صبحي ، في فلسفة التاريخ ، (الاسكندرية : مؤسسة الثقافية الجامعية ، بلا .ت) ، ص271 .

(5) لقد لعب المعبد دورا كبيرا في الحياة الاقتصادية في بلاد وادي الرافدين بالرغم من تقلص نفوذه في ظل الحكومات القوية لاسيما في العهد البابلي القديم والعهد الآشوري الحديث ،ولكن في العهد البابلي الحديث عاد المعبد ليمارس دوره ثانية بشكل عدة بعض الباحثين شبيها بعصر فجر السلالات . انظر : حياة إبراهيم ، المصدر السابق ، ص90 .

(6) سامي سعيد الاحمد ، المعتقدات الدينية في العراق القديم ،( بغداد :دار الشؤون الثقافية العامة ،1988 ) ،ص 18 .

(7) باقر، المصدر السابق، ج1، ص558.

(8) كريستوفر لو كاس ، حضارة الرقم الطينية وسياسة التربية والتعليم في العراق القديم ، ترجمة :يوسف عبد المسيح ثروة ،( بغداد :دار الحرية للطباعة ، 1980 ) ، ص84 .

(9) ساكز ،عظمة بابل ، ص300 .

(10) الوركاء : مدينة سومرية  قديمة على مجرى نهر الفرات القديم ليست بعيدا عن شمالي شرقي اور وقد ازدهرت في العصر السومري القديم وبقيت محافظة على أهميتها انظر : نيكولاس بوستغيت ، حضارة العراق واثاره، ترجمة : سمير عبد الرحيم الجلبي ،(بغداد : دار الحرية ، 1991 ) ، ص142 .

(11)  معبد أي انا : ويعني معبد السماء ،وهو معبد الالهه اينانا " عشتار " في مدينة الوركاء . ويطلق الاسم نفسه على منطقة المعابد حول الزقورة في الوركاء . انظر : فوزي رشيد الشرائع العراقية القديمة ،( بغداد : دار الحرية للطباعة ، 1979 ) ، ص232 .

(12) باقر ، المصدر السابق ، ج1، ص559 .

(13) رو ، المصدر السابق ، ص535 .

(14) اور : مدينة سومرية كبيرة على نهر الفرات الجنوبي ،كانت مدينة اله القمر نانا (سين ) وزجته ننكال اسمها الحديث تل المقير. انظر : بوستغيت ، المصدر السابق ، ص142 .

(15) H.W.F . Saggs, two Administrative officials of Erech in the sixth Century B C “sumer, XV, 1959, p29

(16) حياة ابراهيم ، المصدر السابق ،ص91 .

(17) saggs , op.Cit, p29.

ساكز عظمة بابل ، ص301-302 ؛رو ، المصدر السابق ، ص535 ؛ هديب حياوي عبد الكريم غزالة ،الدولة البابلية الحديثة والدور التاريخي لملك نبونائيد في قيادتها ،( رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة بغداد كلية الآداب ، 1989 ) ، ص111

(18) ساكز ، المصدر ، نفسه ، ص302 .

(19) المصدر نفسه، ص302-303.

(20) لوكاس ، المصدر السابق ، ص84-85 .

(21) نفر : من المدن السومرية الشهيرة بالقرب من عفك وتبعد عنها بمسافة 7 كم كانت مركزا لعبادة الاله اينليل . انظر : رشيد ، الشرائع ، ص228 .

(22) الاحمد ، المعتقدات الدينية ، ص18 .

(23) رو، المصدر السابق، ص535؛ باقر، المصدر السابق، ج1، ص559.

(24) حياة إبراهيم ، المصدر السابق ، ص91 .

(25) ساكز ،عظمة بابل ، ص303 .

(26) المصدر نفسه ،ص303 ؛انظر كذلك ، ص334 .

(27) رو ، المصدر السابق ، 536 .

(28) باقر المصدر السابق ،ج1،ص560 ؛باقر واخرون ،تاريخ العراق القديم ، ج1، ص253

(29) باقر ، المصدر نفسه ، ج1، ص22 .

(30) المعروف ان الملك نبونائيد كان مولعا بالأثار القديمة واخبار الماضي واستخراج النصوص القديمة المطمورة مما جعل الباحثين ينعتونه بأول اثاري . انظر : المصدر نفسه ، ج1، ص553 .

(31) ساكز ، عظمة بابل ، ص306 ؛رو ، المصدر السابق ، ص537 .

(32) ساكز ،المصدر نفسه ، ص306 ؛ باقر المصدر السابق ، ج1، ص560  .

(33) رو ، المصدر السابق ، ص537-538 .

(34) رو ، المصدر نفسه ، ص538 ؛غزالة ، المصدر السابق ، ص133 .

(35) باقر ، مصدر السابق ،ج1، ص560-561 .

(36) رو ، المصدر السابق ، ص538 .

(37jean oates , Babylon (London  , 1979 ) , p133;

ساكز ، عظمة بابل ، ص177-178 .

(38)الحقيقة ان نسبة العائدة لم تختلف كثيرا عما سبق فمنذ العهد البابلي القديم كانت نسبة الفائدة على الفضة 20% وعلى الشعير ½ 33 % ، انظر : رشيد ، الشرائع ، ص101 ، ص133 . الا ان هذه الازمة لم تبرز لان الاقتصادي كان مستتب وكانت الاجور لها القدر على مواكبة الاسعار .

(39)باقر، المصدر السابق، ج1، ص561. 

(40).غزالة، المصدر السابق، ص134. 

(41)ساكز ، عظمة بابل ، ص177 . .

(42) HpE, p45.

 (43) ليواوبنهام ، بلاد ما بين النهرين ، ترجمة : سعدي فيضي عبد الرزاق ،( بغداد ، دار الحرية للطباعة ، 1981 م) ، ص132 .

(44) للمزيد من التفاصيل عن الشيركو انظر : R.Dougherty , “ the Sirkutu of  Babylon Deities “ In, YOSR, Vol , V, No 2 , (Newhaven , 1923 ) .

(45) غزالة ، المصدر السابق ، ص114 .

(46) ساكز ،  عظمة بابل ، ص178 .

(47) بورسبا : تعرف حاليا باسم برس نمرود وتقع حوالي 10 كم الى الجنوب من مدينة بابل . انظر :رشيد ، الشرائع ، ص226 .

(48) لارسا : تعرف حاليا باسم السنكرة وتقع حوالي 20 كم الى الجنوب الشرقي من الوركاء . انظر : المصدر نفسه ، ص227 .

(49) ساكز ،عظمة بابل ، ص177 ؛غزالة ، المصدر السابق ، صح172 –173 .

(50)  Saggs , op.cit. p34.

(51) الاحمد ، الصراع ، ص80 .

(52)  HPE, p49 .

(53) غزالة، المصدر السابق، ص173.

(54) رو، المصدر السابق، ص511.

(55)  Rogers , op.cit , vol2, p359 ; HPE, p37, oates . op.cit, p132.

(56) باقر، المصدر نفسه، ج1، ص553.

(57) عامر سليمان ، العراق في التاريخ القديم ،" موجز التاريخ الحضاري " ، (الموصل : دار الكتب للطباعة والنشر ، 1993)، ج2، ص44 .

(58) رو ، المصدر السابق ، ص510 .

(59) حول ترجمة هذا النص انظر :

 A. Leo oppenheim , the family of Nabonidus “ , In , ANET , pp. 311-312 .

نائل حنون، عقائد ما بعد الموت في حضارة وادي الرافدين ،( بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1986 ) ، ص268-271 .

(60) ساكز ،عظمة بابل ، ص175-176 .

(61) عامر سليمان ، اللغة الاكدية "البابلية – الاشورية " تاريخها ،تدوينها ،وقواعدها (الموصل : دار الكتب والنشر ، 1991 ) ، ص204 .

(62) ساكز ، عظمة بابل ، ص176؛باقر ، المصدر السابق ، ج1، ص554 ؛غزالة ، المصدر السابق ، ص174 .

(63) ساكز ، المصدر نفسه ، ص176 .

(64) الاحمد ، المعتقدات ، ص25 .

(65) عبد الرضا الطعان، الفكر السياسي في العراق القديم، (بيروت: دار الخلود، 1981 )، القسم الثاني، ص381.

(66) فوزي رشيد، السياسة والدين في العراق القديم، (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1983 ) ، ص69 .

(67) رشيد، السياسة والدين، ص56.

(68) المصدر نفسه، ص57-58.

(69) يعتقد البعض ان البلاد كانت بحاجة الى مثل هذا التوحيد بعد ان لاح الخطر الفارسي في الأفق ، انظر : غزالة ، المصدر السابق ، ص186 .

 (70) Saggs, op.Cit, p29.

 (71) Ibid , p31 .

(72) ساكز ،عظمة بابل ، ص301 .

(73) باقر، المصدر السابق ، ج1، ص559 .

(74) رو ، المصدر السابق ، ص537 .

(75) ساكز ، عظمة بابل ، ص302 ؛رو ، المصدر نفسه ، ص537 ؛ حياة ابراهيم ، المصدر السابق ، ص92.

  (76) Leo oppenheim ‘ Nabondus and the Clergy of  Babylon “ IN ANET , p314 .

؛ ساكز ، المصدر نفسه ، ص302 ؛الطعان ، المصدر السابق ، القسم الثاني ، ص470 .

(77) رو ، المصدر السابق ، ص537 .

(78) ساكز ، عظمة بابل ، ص303-304 .

(79) اوبنهايم ، المصدر السابق ، ص231 .

(80)  HPE, P49 .

(81) ساكز ، عظمة بابل ، ص301 .

(82)   BHT, pp.83ff , oppenheim, Nabanidus and the Clergy of Babylon , pp. 312-313.

(83)  oppenheim , Ibid , p314 .

(84) Leo oppenheim , “Nabnidus Rise to power “ , In , ANET , p310 .

(85) Ibid , p. 311.

(86) oppenheim Nabonidus and the Clergy of Bobylon , p314

(87) ساكز ، عظمة بابل ، ص178 .

(88) سليمان ،العراق في التاريخ القديم ، ج2، ص242 .

(89) الانباط : من القبائل البدوية التي تتجول في بادية شمال الحجاز والشام والعراق قبل نجاحهم في تأسيس دولة لهم في بلاد الادوميين ،وهي المنطقة التي تعرف بشرق الاردن . وذكر الانباط لأول مرة في الحوليات الاشورية اثناء حديث اشور نيبال لحربه للعرب ،حول ذكرهم في المصادر الاشورية .انظر:

Leo Oppenheim, Ashurbani pal (668-633), Campaing agaiast the Arabs “In, ANET, p298.

وحول اصل الانباط ودولتهم انظر : هاشم يحيى الملاح ، الوسيط في تاريخ العرب قبل الاسلام ،(الموصل : دار الكتب للطباعة والنشر ، 1994 ) ، ص119وما بعدها .

(90) سامي سعيد الاحمد ،سلالة بابل الحديثة (626-539 ق. م ) ،بحث ضمن كتاب العراق في التاريخ ، ( بغداد :دار الحرية للطباعة ، 1983 ) ، ص174 .

(91) رو ، المصدر السابق ، ص516 .

(92) غزالة ، المصدر السابق ، ص186 .

(93) حتي ، المصدر السابق ، ص69 .

(94) رو ، المصدر السابق ، ص516 .

(95) الاحمد ، سلالة بابل الحديثة ، ص174 –175 .

(96) غزالة ، المصدر السابق ، ص186 .

(97)  HPE ,p38 . oppenheim , Text from the Accssion year of Nabonidus , p. 305 , A.k .Grayson , Assyrian and Babylonian chronicles , ( Newyork , 1975 ) , p106 ; autes , op.cit , p133

ساكز ،عظمة بابل ، ص178 ؛رو ، المصدر السابق ، ص515 ؛غزالة ، المصدر السابق ، ص181  

(98)  oppenheim , Nabonidus and the Clergy , p313 .

(99)  Dougherty m the sealand , p119

 (100) oppennheim , text from the Accession year of Nabonidus , p306

الاحمد ،سلالة بابل الحديثة ، ص174 ؛حتي ، المصدر السابق ، ص69 .

(101)  HPE , P.38

سامي سعيد الاحمد " الادارة ونظام الحكم " بحث ضمن كتاب حضارة العراق ، (بغداد :دار الحرية للطباعة ، 1985 ) ، ج2، ص19 .

 (102)ppenheim , Text from the Accession year of Nabonidus , p306 Grayson , op.Cit, 106.

(103) oppenheim , Ibid , 306 .

فاضل عبد الواحد علي ، من الواح سومر الى التوراة ، (بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1989 ) ،ص141 .

(104) oppenaheim , Ibid , p306 ;

وحول ترجمة كاملة لحداث السنوات الاخيرة من حكم نبونائيد . انظر :

BHT, p p. 110-ff.

 (105) Ibid , p306 .

 (106) HPE, p38 .

(107) حول السبي البابلي انظر : حياة ابراهيم ، المصدر السابق ، ص79-87 .

(108) الملوك الثاني، 25: 27-30.

(109) أشعياء ، 10: 5-6 .

(110) أشعياء ، 14 : 24 –25 .

(111) أشعياء ، 46: 1-2 .

(112) أشعياء ، 48 : 20-22 .

(113)  ناحوم ، 3، 1-7 ؛افضل مناقشة لنصوص الكتاب المقدس ومدى نقمة اليهود على الحضارة العراقية عادل كامل " حوار مع الدكتور بهنام ابو الصوف حول تحامل اليهود على الحضارة العراقية القديمة " افاق عربية ، العدد (11 ) ، لسنة 1985 ، ص48-53 ؛انظر كذلك :

Elgin Groseclose, Introduction to Iran, (Newyork, 1947), p14.

(114) اخبار الأيام الثاني ، 36 : 23 ؛ عزرا ، 1 : 2

(115) أشعياء ، 45 : 1-3 .

(116)  HPE,p.49.

(117) الأحمد وآخرون ، المصدر السابق ، ص61 .

(118) توينبي ، المصدر السابق ، ج1 ، ص188 ..

(119) يوسف رزق الله غنيمة ، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ( بغداد : مطبعة الفرات ، 1924 ) ، ص62..

(120) Ghirshman, op. Cit,p.133.

(121) نحميا ، 1 : 11 .

(122) دانيال ، 6 : 2.

(123) صالح ، المصدر السابق ، ج1 ، ص284 .

(124) زايد ، المصدر السابق ، ص951 .

(125) عامر سليمان ، النظم المالية والاقتصادية " الأصالة والتأثير" بحث ضمن كتاب العراق في موكب الحضارة ، الأصالة والتأثير،( بغداد ، دار الحرية للطباعة ، 1988 ) ، ج1 ، ص396 .

(126) رشيد ، السياسة والدين ، ص60 .

(127)   HpE , p .38 .

(128) صالح ، المصدر السابق ، ج1، ص561 .

(129) جورج بوييه ،المسؤولية الجزائية في الاداب الاشورية والبابلية ،ترجمة : سليم الصويص ،(بغداد: شركة المطابع النموذجية ، 1981  ) ، ص111 .

(130) Dougerty ,Nabonidus and Belshazzar , p175f ; Dougherty ,the Sealand , p50 .

(131) حنون ، المصدر السابق ، ص131 .

(132) ساكز ، عظمة بابل ، ص180 .

(133) رو، المصدر السابق، ص516 –517.

(134) غزالة ، المصدر السابق ، ص199 . .

(135)تذكر الرواية التوارتية ان اصابع يد انسان ظهرت فجاءة عندما كان بليشصر غارقا في مجونه وكتبت على حائط الملك .

(136) انظر دانيال ، 5: 5 ...

(137) دانيال ، 5: 27 .

(138) دانيال ، 5: 6 .

(139) انظر القصة في دانيال ، 7:-1-14 .

(140) دانيال ، 7: 15-23 .

(141) دانيال ، 7: 19 .

(142)  HPE , p45 .

(143)  oppenheim , Text from the Accession year of Nadonidus , p305 ,

(144) مارغريت روتن ، علوم البابلين ، ترجمة : يوسف جبي ، (بغداد : دار الرشيد للنشر ، 1980) ، ص59 .

(145) HPE, p.45 .

(146) رو ، المصدر السابق ، ص515 .

(147) Ghirshman, op.Cit , p130 .

(148)  HPE. P49.

كونتينو ، المصدر السابق ، ص24 ؛ الطعان، المصدر السابق ، القسم الثاني ، ص393.

(149) Ibid , p38 .

(150) غزالة ، المصدر السابق ، ص196 .

(151) oppenheim , Nabanidus and the Clergy , p313 .

(152) الفرلونج Furlong : يساوي 17،201 وبذلك يساوي محيط البحيرة (914،844) انظر: فواد جميل ، هيرودتس في العراق ، (بغداد : مطبعة الحكمة ، 1962 ) ، ص2 .

(153)  Heroduts , the Histories of Herodutus  , Translated Harry carter  (LONDON , 1962 ) , Book , 1 , cha , 185 .

(154) غزالة ، المصدر السابق ، ص190 .

(155) oppenheim , Text from The Accession yaer of Nabonidus , p306 ; Grayson , op. Cit, p104 .

(156) الاحمد ، الصراع ، ص79 .

(157) المصدر نفسه ، ص79 .

(158) oppenheim , Text from The Accessian yaer of Naboonidus , p306; Gryason , op.cit , p104 .

(159) Ibid , p306 .

(160)  Ibid , p.306 .

(161) الاحمد الصراع ، ص79 .

(162) المصدر نفسه ، ص80 .

(163) ساكز عظمة بابل ، ص 180 . 

(164)  جابر خليل ابراهيم " منطقة الموصل في فترة الاحتلال الاجنبي : الاخميني والسلوقي والفرثي ،بحث ضمن موسوعة الموصل الحضارية ، (الموصل :دار الكتب للطباعة والنشر ، 1991 ) ج1، ص129 .

(165) Rogers , op.cit , vol 2 , p378 ; HPE , p45; Sykes,op.cit . Vol 1, p.151; Huart, op .cit, p41 .

(166) Ackerman , Cyrus the Great ,  In ,EI , Vol , 5,p34 .

(167) HPE, p45 .

(168) اوبس : اسمها البابلي (upe ) وان كلمة اوبس (OPIS ) يونانية وان كلمتين مشتقتين من كلمة اقدم هي اكساك (Aksak ) وان هذا الاسم اصبح (upe  ) ايام الكاشين . انظر : فؤاد جميل ، " ابن تقع مدينة اوبس " ، سومر ، م23 ، لسنة 1967 ، ص157 وما بعد

(169)  Ghishman , op.Cit, p131 .

(170)oppenheim , Text from the Accession year of Nabonidus , p306 .

(171)   يرجح الاستاذ الاحمد الراي الثاني . انظر : سامي سعيد الاحمد " التحديات في العصرين البابلي الحديث والمتاخر " ، بحث ضمن كتاب العراق في مواجهة التحديات ،(بغداد ، دار الحرية للطباعة ، 1988 ) ، ج1، ص92 .

(172) king , op.cit , p283 .

(173) باقر واخرون ، تاريخ ايران القديم ، ص49 .

(174) ادي شير ، المصدر السابق ، ج1، ص151 .

(175) سبار : تسمى خرابئها الحالية باسم ابو حبة وتقع بالقرب من مدينة المحودية ولاتبعد كثيرا عن مدينة بغداد ، انظر : رشيد ، الشرائع ، ص226  .

(176) oppenheim , Text from the Accession year of Nabonidus, p306  , .Grayson, op.cit, p. 109.

 (177) L. Delaport , Mesopotamia , Translated : V. Gordon childe , (LONDON , 1925 ) , p 59 .

(178) HPE, p50 .

(179) E.Hareinck, Babylonian under Achemenide Rule , In , esopotamia and lran In the persian preiod : Conquest and Imperialism , (LONDON , 1997 ) , p26 .

(180) الاحمد ، الصراع ، ص80

oppenheim, Text from the Accession year of Nabonidus, p.306 ; Grayson ,op.cit ,p 109 .

(181) L. Delaport, op.cit, p59; Haerinck, op.cit, p26.

(182) الاحمد ، الصراع ،ص81 .

(183) اراميا ، 51 :31 .

(184) اشعيا ، 13: 6-8 . 

(185) نهر جنديس : يرى الاستاذ فؤاد جميل انه نهر ديالى لانه لا يوجد نهر مهم اخر يمر بين الجبال ودجلة ويقطع الطريق بين اكبتانا وبابل غير هذا النهر ، انظر : جميل : هيرودتس في العراق ، ص10 .

(186) جبال _Matieni  ) : يعتقد الاستاذ فؤاد جميل انه جبل مارتيني في اسيا الصغرى

، انظر : المصدر نفسه ، ص10؛ في حين يعتقد الاستاذ سليم طه انها الجبال المتيانية بين نهر دجلة والخابور ، انظر : التكريتي ، المصدر السابق ، ص18 . 

(187)    Herodotus , op.cit Book , cha , p189-190 .

انظر ايضا : وليم ويلكوكس ،بين عدن والاردن ،ترجمة : احمد سوسة ومحمد الهاشمي (بغداد : مطبعة الحكومة ، 1943 ) ، ص76 .

(188) Ibid , Book, I, cha , 190 .

(189)  Ibid , Book, I, cha , 190 –191.

(190)  Oppenheim , Text from the Accession year of naboni dus , p306 .

(191)Huart , op.Cit, p42.

(192)Ghiirshman , op.Cit, p131 –132.

(193) دانيال ، 5: 31 .

(194) م ، ك، م ، ص147 .

(195) دانيال ، 9: 1. 

(196)Oppenheim , Text from the Accession year of naboni dus , p306 .

(197)HPE, p50; Haerinck , op.Cit, p. 26.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).