أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2018
3943
التاريخ: 24-10-2016
1678
التاريخ: 24-10-2016
1551
التاريخ: 2023-07-25
1160
|
كان الأشوريون من الساميين الذين سكنوا في شمال بلاد النهرين منذ الألف الثالث ق. م. وكانت المدينة "أشور" التي أعطت اسمها لهم(1) تقع في بقعة استراتيجية مهمة وتتحكم في الطريق بين سومر وأكد من جهة, وبين كردستان وأرض الجزيرة العليا من جهة أخرى؛ فكانت دائمًا مطمعًا للملوك الأقوياء الذين ظهروا في الجنوب أمثال: سرجون ونارام سن وملوك أور. ومع أن الأمراء الأشوريين جاهدوا طويلًا في الاستقلال بمدنهم عن حكم الدول التي كانت تخضعهم سواء من الجنوب أو من الغرب؛ إلا أنهم لم ينجحوا في تأسيس دولة إلا في عصر متأخر نسبيًّا، بل وليس لدينا أي دليل على أن هذه الدولة تمكنت من الاستقلال قبل الألف الثاني ق. م. ثم قدر لهذه الدولة أن تصل إلى مركز الصدارة, وأن تلعب دورًا خطيرًا في السياسة الدولية في ذلك الحين.
ويقسم بعض المؤرخين تاريخ الأشوريين إلى فترتين:
1- الفترة الأولى: من 2100 إلى 900 ق. م. تقريبًا، وفيها كانوا يناضلون في سبيل النهوض سياسيا وعسكريا.
2- الفترة الثانية: وتمتد بعد الفترة الأولى إلى 633 ق. م. تقريبًا, وهي التي تمكنوا فيها من تكوين إمبراطورية.
غير أن غالبية المؤرخين الآن تميل إلى تقسيم التاريخ الأشوري إلى ثلاث مراحل هي:
1- مرحلة التكوين: أو "العهد الأشوري القديم" ويبدأ من فجر التاريخ الأشوري إلى نهاية حكم أسرة بابل الأولى.
2- عصر المملكة الأشورية: أو "العهد الأشوري الوسيط" ويبدأ من نهاية مملكة بابل الأولى وينتهي في بداية القرن التاسع ق. م.
3- عصر الإمبراطورية: أو "العهد الأشوري الحديث" ويمكن أن نقسمه بدوره إلى قسمين: "أ" الإمبراطورية الأشورية الأولى من 911 إلى 745 ق. م تقريبًا، "ب" الإمبراطورية الأشورية الثانية من 745 إلى 612 ق. م. تقريبًا.
1- العهد الأشوري القديم:
عثر في خورسباد على قائمة بأسماء ملوك أشور يمكن أن نعدها مناظرة لقائمة الملوك السومرية (2)، وهي تعطينا أسماء 17 ملكًا تذكر أنهم كانوا يعيشون في الخيام؛ مما يدعو إلى الاعتقاد بأن هؤلاء كانوا يمثلون ملوك فجر التاريخ الأشوري، ومع أنها تورد السلالات التي تضمنت أسماء هؤلاء الملوك متتابعة؛ إلا أن من المرجح أن بعضًا منها على الأقل كانت تعاصر بعضًا آخر. ومن الملاحظ أن عددًا من الأسماء القديمة في هذه القائمة مثل: "توديا"، "أوشبيا"، "سولولي"، "كيكيا" لا تدل على أصل سامي أو سومري؛ بل هي أسماء هندو أوروبية ربما كانت حورية(3) أو سوبارية(4).
وقد خضع الأشوريون لحكم ملوك أسرة أور الثالثة(5)، وبعد سقوط الإمبراطورية السومرية أصبحت أشور مثل كثير من المدن الأخرى مستقلة وبدأ "بوزور - أشور الأول" الذي حكم حوالي سنة 2000 ق. م. سلسلة جديدة من الملوك الذين يحملون أسماء أكدية بحتة. وقد ترك لنا اثنان من هؤلاء "إيلوشوما، إيروشوم الأول" نصوصًا تدل على بناء معابد للآلهة أشور وأداد وعشتار في المدينة، كما أن من المعروف أن "إيلوشوما" توغل في جنوب بلاد النهرين أثناء حكم "شمشي - داجان" ملك أيسين "1953-1935ق. م.".
ومن المحتمل أنه وسع في مملكته حتى شملت نينوى على بعد 60 ميلًا شمال أشور؛ ولكن المؤسسين الحقيقيين لقوة أشور كانوا من الساميين الغربيين الذين تدفقوا على شمال وجنوب بلاد النهرين في القرون الأولى من الألف الثاني ق. م. حيث بدأ أحد زعماء الأموريين في الاستقرار في المنطقة ما بين نهري الخابور والدجلة وحكمها خلفاؤه كأتباع للأشوريين, ثم تمكن أحدهم(6) من الاستيلاء على "أشور" واعتلاء العرش، وفي نفس الوقت تقريبًا تمكن أموري آخر من أن يصبح ملكًا في ماري، ومنذ ذلك الحين ارتبط مصير المملكتين الشماليتين العظيمتين, كل منهما بالأخرى؛ فقد بدأت بينهما علاقات حسن الجوار أولًا ولكنها سرعان ما انفصمت وتمكن الأشوريون من وضع يدهم على ماري بعد أن اغتيل ملكها "ياهدون - ليم".
وكان الملك "شمشي أدد" الذي استولى على ماري في بدء حياته خارجًا على القانون؛ فبعد أن أصبح أخوه خليفة لوالده على عرش أشور فَرَّ إلى الجنوب وجمع قوة من المرتزقة, استولى بها على مدينة إيكالاتوم في وسط دجلة "لم يمكن التعرف عليها بعد" التي كانت خاضعة لمملكة أشنونا, ثم تقدم إلى أشور ونجح في اغتصاب العرش من أخيه، وبعدئذٍ توسع غربًا حتى وصل إلى ساحل البحر المتوسط وعين أحد ولديه "يسمح - أدد" حاكمًا في ماري وعين الابن الآخر "إشمي - داجان" حاكمًا في إيكالاتوم, وهكذا خضع حوضا دجلة والفرات لسلطان الأشوريين، ولكن لم يدم ذلك طويلًا فقد دأبت القبائل الرعوية التي يحكمها زعماؤها على إحداث القلاقل وتهديد الممتلكات الأشورية, وخاصة بالنسبة لمملكة ماري, كما كانت مملكة أشنونا تحيك الدسائس لمملكة إيكالاتوم, واستطاعت أن تهدد مملكة ماري(7)، وأخيرًا تمكنت مملكة بابل في السنة الثلاثين من حكم ملكها حمورابي من أن تستولي على ماري وأن تدمرها.
2- العهد الأشوري الوسيط:
ظلت أشور خاضعة لسلطان بابل إلى أن سقطت هذه الأخيرة على يد الحيثيين وبعد أن تراجعوا عنها احتلها الكاشيون، أما أشور فقد ظهر فيها أمراء أقوياء كافحوا طويلًا في جبهات مختلفة: فقد كان الآراميون في الغرب والحوريون "الذين كونوا المملكة الميتانية" في وسط بلاد النهرين(8) والحيثيون في الفرات الأعلى والخابور والكاشيون في الجنوب، وقد خرج هؤلاء الأمراء من الأزمات والصعاب التي تعرضوا لها ما يقرب من خمسة قرون, وتمكنوا من تأسيس دولة قوية ساعدها الحظ في عهد ملكها "أشور أوبلط" بحدوث انقسام في البيت المالك الميتاني إلى فريقين؛ حيث استعان أحد الفريقين المتنازعين بأشور رغم أنها كانت لا تزال خاضعة لسلطان الميتانيين، وكنتيجة للمؤامرات والدسائس بين الفريقين قتل الملك توشراتا المعارض للفريق الموالي للأشوريين وفر ولده إلى بابل؛ ولكن ملكها "بورتا بورياش" تمسكًا بمبدأ الحياد رفض منحه حق اللجوء السياسي؛ فاضطر إلى الذهاب إلى البلاط الحيثي؛ بينما اقتسمت أشور ودولة صغيرة في حوض دجلة الأعلى تدعى "آلشي" بلاد ميتاني، وهكذا لم يتمكن "أشور أوبلط" من أن يحرر بلاده من سيطرة الميتانيين فحسب؛ بل وتمكن من أن يتسبب في القضاء على الدولة التي كان آباؤه يدفعون لها الجزية "دون أن يطلق سهمًا واحدًا"، وقد اتبع سياسة حكيمة مع جيرانه فتصاهر مع ملك الكاشيين "الذي تزوج بابنته" أملًا في أن يصبح حفيده يومًا ملكًا على بابل.
وتلا أشور أوبلط ثلاثة ملوك بجهود مشكورة في تأمين حدود بلادهم، بل وتمكن آخرهم "أدد نيراري" الأول من أن يضم مساحات أخرى من أرض الجزيرة إلى مملكته، على أن أعظم ملوك هذه الأسرة كان دون شك "شلمنصر الأول" رابع خلفاء أشور أوبلط؛ إذ استولى على منطقة أرمينيا الجبلية "أورارتو" وبلاد الجوتيين وهزم ملك "هاني جلبات"(9) وجنودها المرتزقة من الحيثيين وغيرهم.
وعندما اعتلى "توكلتي ننورتا" خليفة "شلمنصر الأول" على عرش أشور تمكن من الاستيلاء على بابل بعد أن هزم ملكها الكاشي "كاشتلياش"؛ ولكن مع هذا حدثت فتنة في أشور قتل فيها الملك وسادت بعد عهده الاضطرابات وتدهورت أحوال الدولة، وتوالى على حكم بابل ثلاثة أمراء ضعاف من الموالين لأشور, وبعد ذلك تمكن العيلاميون الذين عادوا إلى القوة بعد ضعف استمر نحو أربعة قرون من الاستيلاء على بابل، ولم يدم حكم العيلاميين لبابل طويلًا؛ لأن قواهم قد أنهكت في فتح المساحات الواسعة من إيران الغربية من جهة وتوالي تهديد الميديين والفرس لهم من جهة أخرى، وسرعان ما أصبح أمراء الأسرة البابلية الرابعة في أيسين على درجة من القوة؛ بحيث أمكنهم التدخل في شئون أشور، وانتهز "نبوخذ نصر الأول" ملك بابل فرصة الانهيار الذي حدث في مملكة العيلاميين بعد عهد ملكها "شيلاق - أنشوشناق" وهاجمها؛ ولكنه هُزم في أول حملة ثم انضم إليه أحد أمراء عيلام(10) فانتصر عليها انتصارًا حاسمًا.
وقد تعرضت أشور لسلسلة من الأزمات بسبب التنازع على العرش وضياع بعض الممتلكات الشرقية من بلادهم, ثم تجمعت حولها المتاعب من جميع الاتجاهات وكادت تقضي عليها لولا نشاط وكفاءة بعض الملوك من خلفاء "أشور - دان الأول"، وما إن اعتلى "تجلات بلاسر الأول" عرش أشور حتى قام بغزوات ناجحة في الشمال الشرقي والشمال ووصل إلى البحر الأسود, ثم اتجه غربًا نحو سواحل آسيا الصغرى وفينيقية, وبعد ذلك أخضع بابل فأصبح يحكم معظم أنحاء الشرق الأدنى من البحر الجنوبي إلى البحر الشمالي وسواحل البحر المتوسط.
وتوالى بعده على الحكم ملوك ضعاف تدهورت في أيامهم أحوال المملكة, وأصبح الآراميون يهددون حدودها في الغرب, إلى أن قدر لها بعد ذلك أن تنهض من جديد.
3- العهد الأشوري الحديث:
يقسم هذا العهد إلى دوري نهوض تخللتهما فترة من الضعف, وهذان الدوران هما:
أ- الإمبراطورية الأشورية الأولى:
حينما تسلم الحكم "أدد نيراري الثاني" عمل على تقوية جيشه وبدأ في إخضاع بعض الأقاليم المجاورة, ثم تحالف مع مملكة بابل ونظم شئون الدولة، ولما تبعه "توكلتي ننورتا الثاني" زاد من تأمين طرق مواصلاته التجارية والعسكرية مع أطراف مملكته وشيد بعض القلاع والحصون.
ويعد خلفه "أشور ناصربال الثاني" رغم شهرته بالقسوة من أعظم ملوك الأشوريين؛ فقد وصلت فتوحاته إلى الجبال الشرقية والشمالية, وأدخل تحسينات كثيرة في الجيش والإدارة؛ حيث استخدم الخيالة على نطاق واسع, وقسم بلاده إلى ولايات يحكم كل منها أحد الولاة, وجدد بناء مدينة كالح "نمرود" وبنى فيها قصرًا فخمًا زينه بألواح كبيرة من الرخام نقشت عليها مناظر تمثله في حروبه وصيده وقدوم الأمراء الخاضعين له ومعهم الهدايا والجزية، ومن آثاره كذلك مسلة ضخمة عثر عليها في نمرود, وهي تحمل نقوشًا تبين أعماله خلال السنوات الخمس الأولى من حكمه.
ولم يكتفِ ولده وخليفته "شلمنصر الثالث" بالإمبراطورية الواسعة التي خلفها له والده؛ بل أضاف إليها مستعمرات جديدة وصلت إلى منابع دجلة والفرات، وقد قام بسلسلة من الحملات الحربية في سورية وفلسطين على أحلاف الآراميين واليهود(11), كما قام بحملات في الأناضول وهضبة إيران الشمالية وهاجم بعض القبائل العربية.
وفي أواخر حكمه ثار عليه أحد أبنائه وأحدث بعض الاضطرابات التي أدت إلى فقدان هيبة الدولة في الداخل والخارج، ومع أن ولي عهده "شمشي أدد الخامس" تغلب على أخيه الثائر؛ إلا أن تلك الاضطرابات كانت سببًا في فقدان أشور لبعض مستعمراتها البعيدة. وفي تلك الأثناء ظلت بابل على ولائها لأشور وتحسنت العلاقات بينهما بزواج ملك أشور من أميرة بابلية تدعى "شمورامات" حظت بشهرة كبيرة حتى عرفها اليونان باسم "سميراميس"، وقد صارت وصية على ولدها "أدد نراري الثالث" الذي اعتلى العرش وهو صغير السن بعد وفاة والده.
وقد توالى على حكم أشور ملوك ضعاف, بعد ذلك حدث في عهد أحدهم "أشور دان الثالث" كسوف للشمس(12) وتفشى في زمنه وباء الطاعون، واستمر تدهور الدولة حتى حدثت في العاصمة "نمرود" ثورة داخلية, تولى الملك على أثرها "تجلات بلاسر الثالث" الذي أعاد إلى المملكة مجدها, وبدأ عهد الإمبراطورية الثانية.
ب- الإمبراطورية الأشورية الثانية:
بعد أن توفي "أدد نراري الثالث" تتابع على العرش أولاده الأربعة الذين كان أصغرهم "تجلات بلاسر الثالث"، وقد جاء هذا على العرش بعد مقتل أخيه "ثالث أبناء أدد نراري" في الثورة الداخلية التي نشبت في نمرود، وقد أثبت هذا أنه كان جديرًا بالحكم؛ إذ عرف مواطن الضعف في الدولة وعمل على علاجها ثم أخذ يعد العدة لإعادة مجد أشور, واستطاع أن يبلغ بإمبراطورتيه إلى حدود لم تصلها من قبل؛ حيث أخضع الدولة البابلية وضمها إلى إمبراطوريته وأعلن نفسه ملكًا عليها، كذلك تمكن هذا الملك من اجتياح معظم المدن السورية وحاصر دمشق إلى أن أسقطها وقتل ملكها(13)، كما تمكن أيضًا من أن يؤمن حدوده الشمالية ضد غزوات بعض القبائل الأرمينية، وهكذا قضى "تجلات بلاسر الثالث" معظم حكمه في الحروب ولكنه ترك إمبراطورية واسعة.
وفي عهد ولده "شلمنصر الخامس" قام ملك إسرائيل "هوشع" بتحريض من المصريين بمحاولة التخلص من السيطرة الأشورية؛ فأسرع شلمنصر وحاصر السامرة لمدة ثلاثة أعوام؛ ولكنها لم تسقط إلا في يد خلفه "سرجون الثاني"؛ لأنه اضطر إلى العودة إلى أشور لحدوث بعض المؤامرات فيها، وقد انتهت هذه بقتله بعد حكم دام أقل من خمس سنوات. وفي بداية عهد خليفته "سرجون الثاني" قامت الثورات في أنحاء كثيرة من الإمبراطورية رغبة في الانفصال عن سيطرتها؛ فاضطر أن يقوم بحملات متتالية تمكن على أثرها من أن يعيد الوحدة إليها وأسرعت بعض المناطق المجاورة لاكتساب عطفه بالهدايا مثل قبرص، ولما شعر بأن مصر تبذل جهدها في إقامة بعض الأحلاف مع أمراء سورية وفلسطين؛ لكي تحمي نفسها من غزوات أشور المتوقعة, قضى على تلك المحاولات؛ حيث أخضع معظم الإمارات السورية والفينيقية وفتح السامرة وسبى أحسن رجالها ونقلهم إلى ميديا(14).
ولما مات سرجون تبعه ولده سنحاريب الذي واجه في بداية حكمه خطرين, أحدهما من بابل التي كانت تحاول الاستقلال ثانية, والثاني من ولايات سورية وفلسطين، وكان ملك بابل وملك مصر يمنيان ولايات سورية وفلسطين بالمساعدة، وكانت بابل بوجه خاص تحرص على تشجيع هذه الولايات حتى تشغله عنها، وقد فطن سنحاريب لذلك فتوجه إليها ودَكَّ حصونها وخربها وعين ابنه "أسرحدون" واليًا على جنوب العراق, ثم قضى على دويلات أهل البحر في أقصى الجنوب؛ لكثرة ثوراتهم مستعينًا في ذلك بسفن صنعها له صناع مهرة من الفينيقيين واليونانيين، وحينما علم بحدوث تحالف بين أمراء سورية وفلسطين بمساعدة مصر توجه إلى منطقة الخطر بجيش كبير وغزا المدن الساحلية في فلسطين ثم حاصر بيت المقدس وأخضعها, ولكن وباءً خطيرًا انتشر بين قواته؛ فاضطر إلى العودة إلى بلاده بفلول جيشه(15), وخاصة بعد وصول الأنباء بحدوث اضطرابات فيها, ومات بأيدي أبنائه الذين طمعوا في العرش.
وبعد مقتل سنحاريب تنافس أبناؤه على العرش, ثم فاز به ولده "أسرحدون" الذي استطاع أن يقضي على الفتنة سريعًا, ثم وجه همه للانتقام من مصر لتدخلها في شئون مستعمراته في سورية وفلسطين، وقد استعد ملكها النوبي طهرقة لملاقاته كما أرسل بعض الإمدادات إلى حلفائه في سورية وفلسطين؛ فلما زحف الملك الأشوري نحو مصر استطاع أن يصل إلى شرق الدلتا؛ ولكن المصريين استماتوا في الدفاع حتى تمكنوا من هزيمة الأشوريين وردوهم عن بلادهم؛ ففقدت الجيوش الأشورية هيبتها واضطر الملك إلى الاستعداد لإعادة الكرة حرصًا على سمعة الإمبراطورية. أما طهرقة فقد اطمأن إلى أن الأشوريين لن يعودوا إلى مصر ولم يستعد لملاقاتهم؛ إلا أن الملك الأشوري عاد سريعًا وظهر فجأة في سورية, وعاقب ملك صور على انضمامه لمصر, ثم أسرع مخترقًا الصحراء، ولم يكن طهرقة متأهبًا للقائه فوصل الجيش الأشوري إلى الوجه البحري واضطر طهرقة إلى التحصن بمنف؛ ولكن الأشوريين أسرعوا وراءه وهزموا الجيش المصري وفتحوا منف؛ ففر طهرقة إلى طيبة في الجنوب واستعمر الأشوريون الدلتا، ثم عاد أسرحدون إلى بلاده حيث أصيب بمرض مات على أثره.
وحدث اختلاف على العرش من جديد, وانتهى هذا الاختلاف بتعيين أشور بانيبال ملكًا؛ بينما عين أخاه الأكبر ملكًا على بابل، ولم يكد أشور بانيبال يجلس على العرش حتى وصلت أنباء ثورة المصريين ضد أشور؛ وذلك لأن بعض الأمراء اتفقوا مع طهرقة على أن يعود هذا الأخير إلى الدلتا ويقتسم السلطة معهم(16)، فجرد أشور بانيبال حملة كبيرة سارت إلى مصر، ولم تكتفِ هذه الحملة باحتلال الدلتا؛ بل سارت إلى طيبة وخربتها وعاد طهرقة إلى عاصمته في النوبة العليا "نباتا" وبقي بها إلى أن مات، ومع ذلك لم يبقَ الأشوريون بمصر طويلًا بل عادوا إلى بلادهم واكتفوا بأخذ الجزية؛ فلما تولى عرش نباتا "تانويت أماني" عاد إلى احتلال مصر من جديد, ولم يجد أشور بانيبال بدًّا من أن يرسل جيشًا إلى مصر؛ فاضطر تانويت أماني إلى الفرار إلى عاصمته نباتا, وخرب الجيش الأشوري طيبة للمرة الثانية. وقد استمر التعاون بين أشور بانيبال وأخيه ملك بابل نحو عشرين عامًا؛ ولكن هذا الأخ ثار بعد ذلك فجرد أشور بانيبال حملة تأديبية ضده تمكنت من القضاء عليه وفتحت بابل عنوة, وبعدئذٍ تقدم الأشوريون جنوبًا وأخضعوا القبائل العربية والآرامية التي ساعدت بابل في ثورتها, وهاجموا العيلاميين وفتحوا عاصمتهم سوسة كذلك.
وبعد وفاة أشور بانيبال حدثت منازعات حول العرش, وتمكن بعدها ولده "أشور - إتل - إيلاني" من الفوز به؛ ولكنه كان ضعيفًا فانفصلت عن المملكة بعض ممتلكاتها مثل مصر وكثير من المدن الساحلية في فلسطين وسورية, كما انفصلت عنها مدن أرمينية، وشن أحد ملوك الميديين هجومًا على أشور فصده الجيش الأشوري وهزم جيشه وقتله، وفي بابل تكونت أسرة جديدة تعرف باسم "الأسرة البابلية الأخيرة" أو "المملكة الكلدانية"، كما انتهز القائد الأشوري فرصة إقامة الملك في نمرود؛ فأعلن تمرده عليه في نينوى وعزله؛ ولكن أخا الملك حارب هذا القائد وقضى عليه ثم استأثر بالسلطة.
وقد أثرت الحرب الداخلية على سمعة المملكة وهيبتها؛ فانفصلت أماكن أخرى كثيرة عنها, واستطاع "كي أخسار Cyaxares" ملك الميديين أن يستولي على شمال إيران وشمال بلاد النهرين, ثم توغل إلى سهول أشور حيث قامت بينه وبين الجيش الأشوري حروب طاحنة، وبعد أن اتفق مع ملك بابل هاجما العاصمة فسقطت في أيديهما بعد حروب عنيفة, واقتسما مملكة أشور؛ حيث تولى استولى الميديون على قسمها الشمالي الشرقي، واستولى البابليون على جنوبها وأرسل ملك بابل ولده "نبوخذ نصر" ليتتبع فلول الجيش الأشوري التي كانت قد هربت إلى "حران", وانتصر "نبوخذ نصر" وقضى على بقية الجيش الأشوري, ثم واصل سيره غربًا واحتل المقاطعات التي كانت تخضع للأشوريين من قبل، وقد تقابل مع الملك المصري نخاو الذي كان قد تقدم إلى سورية ودارت بين الاثنين معركة حاسمة بالقرب من قرقميش, انتصر فيها نبوخذ نصر وتراجع الجيش المصري إلى بلاده(17).
__________
(1) كان اسم "أشور" يطلق في النصوص القديمة على كل من المدينة وإلهها والدولة نفسها, انظر:
G. Roux, op. cit., 171 n.
(2) انظر ص347.
(3) انظر ص292.
(4) السوباريون: قوم سكنوا في شمال شرق بلاد النهرين في أقدم العصور, ثم اختلط بهم الساميون الذين أصبحوا أغلبية وكونوا الشعب الأشوري.
(5) انظر ص260-262.
(6) الملك "إيلا - كابكابو".
(7) انظر ص365-366.
(8) انظر أعلاه ص282 وما بعدها، 292- 293.
(9) كان يدعى "رتي مردوخ".
(10) انظر ص371.
(11) انظر ص281.
(12) بالحساب الفلكي أمكن اتخاذ هذه الظاهرة أساسًا لضبط التاريخ الأشوري، انظر ص28.
(13) انظر ص381.
(14) انظر ص221، 289.
(15) انظر ص221.
(16) انظر ص223.
(17) انظر ص228، 385.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|