أقرأ أيضاً
التاريخ:
1944
التاريخ: 19-10-2016
1861
التاريخ: 18-10-2016
2743
التاريخ: 23-10-2016
2251
|
يعد عهد فجر السلالات من حيث الرخاء والازدهار الاقتصادي من العهود المتميزة في حضارة وادي الرافدين، يدل على ذلك ما سبق ان أوجزناه من بقايا الآثار المادية التي كشفت عنها التنقيبات في المواضع الأثرية التي جرى فيها التحري، علماً بأن هذه المواضع لا تمثل في رأينا سوى نسبة صغيرة مما لا يزال ينتظر التحري والتنقيب. ولا يخفى على المتتبع أن يقف على الأسس التي قام عليها ذلك الرخاء الاقتصادي، وفي مقدمتها الزراعة وخصب الأرض وجهاز ري منظم، بالإفادة من ميزة جغرافية تفردت بها بيئة وادي الرافدين، هي الثروات المائية الضخمة بالنسبة إلى صغر مساحة هذه البيئة. وقد رأينا مما مر بنا كيف بدأ اهتمام القوم بشؤون الري منذ المراحل الأولى للاستيطان في السهل الرسوبي، وازدادت العناية والمهارة في ضبط الري والفيضانات بحفر الفتوان وإقامة السدود. وقد طفحت أخبار الحكام والملوك منذ عصر فجر السلالات بشؤون الري وطغت على أوجه النشاط الأخرى، ويكفي في هذا الموجز أن ننوه بما ذكرناه من آثار شؤون الري والأنهار في النصوص المدونة وحتى في القصص والأساطير. كما أن النزاع ما بين دويلات المدن في هذا العصر، مثل النزاع بين دولتي "لجش" و "اوما"، كان مرده بالدرجة الأولى إلى السيطرة على أنهار الري والتحكم في مصادر الري والاستحواذ على الأراضي الزراعية.
وكان الشعير والقمح، بكميات أقل، في مقدمة الغلات الزراعية في عصر فجر السلالات وفي العصور التي أعقبته، ثم الذرة والسمسم. وتشير الوثائق المكتشفة في لجش إلى ازدهار البساتين من الأشجار المثمرة وفي مقدمتها النخيل وكذلك زراعة الخضراوات، وإلى النشاط الزراعي اهتم القوم بتربية الماشية كالبقر والغنم والماعز والخنزير، وما كان يجنى منها من نتاج وصناعات مشتقة كالصوف والنسيج والألبان، وقد سبق أن ذكرنا المشهد الطريف الذي يصور جانباً من صناعة الألبان في القطعة المطعمة التي كشف عنها في معبد الإلهة "ننخرساك" في تل العبيد، من عصر فجر السلالات الثالث . ويجدر ان ننوه في هذا الصدد بالسجلات الإدارية التي وصلت إلينا من لجش وفيها أسماء العمال والعاملات الملحقين بمعابد هذه الدويلة والمشتغلين في غزل الأصواف وغير ذلك من الصناعات اليدوية التي كانت المعابد تمارسها. وذكرت هذه الوثائق أيضاً مهنة مهمة تتعلق بواردات المعبد والسلطة الحاكمة، هي صيد الأسماك النهرية والبحرية، وهي الصناعة التي استمرت في الازدهار في العصور التأريخية التالية.
ومن أن الزراعة كانت في جميع عهود حضارة وادي الرافدين المورد الاساسي للازدهار الاقتصادي، بيد أنه ينبغي أن نضيف إليها مورداً آخر لا يقل عنها أهمية وشأناً، ونعني بذلك التجارة الخارجية التي كانت مع الزراعة ومشتقاتها عماد الحياة الاقتصادية في حضارة وادي الرافدين. فقد سبق أن قلنا إن البيئة الطبيعية التي نشأت فيها هذه الحضارة، أي السهل الرسوبي، فقيرة فقراً بارزاً في جميع المواد الأولية الضرورية لإنشاء الحضارة، كالمعادن والاحجار والاخشاب الصالحة للبناء، فكانت التجارة الوسيلة التي كان سكان وادي الرافدين يحصلون بها على مثل تلك المواد، مما ذكرناه في فصل المقدمة الجغرافية. وجاءت في النصوص المدونة التي خلقها حكام دولة لجش أمور ومعلومات مهمة عن النشاط التجاري الذي مارسه بقايا الآثار المادية، منها الآثار المعدنية والحجرية بمختلف أنواعها. وبالإمكان معرفة المصادر التي كانت تستورد منها، وقد سبق ان نوهنا بأشهر الطرق التجارية وذكرنا إنشاء الموانئ النهرية في معظم المدن المهمة وأن الدراسات التي تمت على الأحجار الكريمة وشبه الكريمة وكذلك المعادن مما وجد في أثناء التنقيبات مكنتنا من تعيين مصادر الكثير منها. فالنحاس مثلاً كان من النوع المخلوط بصورة طبيعية بمعدن "النيكل"، وهذا هو البرونز الطبيعي الذي يرجح أن مصدره كان "عمان" (في اليمن). اما الذهب الذي صنعت منه الآثار النفيسة التي كشف عنها من عصر فجر السلالات فكان من النوع المعروف بالغريني (Aluvial) الذي يمكن خلطه أو مزجه بالفضة لينتج المعدن المزيج المسمى "الكتروم" (Electrum) وهو المعدن الذي صنعت منه قطع نفيسة من الآنية والأدوات الاخرى مما وجد في المقبرة الملكية في أور. وقد اقترح لمصدر الذهب في حضارة وادي الرافدين قطران معروفان، أما من بلاد أرمينية أو من القطر المسمى "ملوخا" الذي يرجح تعيينه بالحبشة أو بلاد النوبة. واستوردت طائفة من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة من بعض الجهات في أفغنانستان و "بدخشان"، ولا سيما حجر اللازورد الجميل (Lapis lazuli) الذي استعمل بكثرة في آثار عصر فجر السلالات والعصور السابقة واللاحقة. ونذكر أيضاً العقيق بأنواعه المختلفة والصدف واللؤلؤ من مناطق الخليج ومن الجهات الشمالية الغريبة من الهند، أي بلاد السند.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|