أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
235
التاريخ: 16-10-2016
252
التاريخ: 16-10-2016
224
التاريخ: 16-10-2016
519
|
ظهرت تباشير الكتابة فيما يحتمل منذ المراحل الأخيرة لحضارة الوركاء، أو حضارة حمدة نصر، في فجر التاريخ العراقي القديم، كما أسلفنا، وبدأت بالطريقة التصويرية أو التصورية التي تعبر كل صورة منها عما تمثله على وجه التقريب، وهي طريقة تصلح للتعبير عن الماديات ولكنها لا تكفي للتعبير عن المعنويات، وقليلًا ما تعبر عن الفكرة بشيء مادي يرمز إليها كالذراع الذي يعبر عن القوة، أو القدم التي تعبر عن حركة المشي شأنها في ذلك شأن الكتابة المصرية في بداية ظهورها. وعثر على بعض نماذج هذا الطور الكتابي على لوح حجري صغير رقيق من مدينه كيش صورت علاماته التصويرية ما يمثل الوجه والقدم وواجهة المسكن وما إليها داخل مستطيلات متسعة تتحدد بخطوط تفصل بين كل واحد منها والآخر. ونموذج صغير آخر نقشت علاماته التصويرية في مستطيلات ضيقة تتعاقب في أنهر رأسية(1). ثم تطورت الكتابة على أيدي السومريين بخاصة إلى المرحلة الصوتية التي تؤدي علاماتها وصورها وظائف المقاطع الصوتية ويقصد بها لفظها أكثر من شكلها ويمكن التعبير عن المعنويات، ومن ذلك استخدام الصورة المختصرة للجذع الأعلى للإنسان للدلالة على المقطع "لو" الذي يعبر عن معنى رجل أو إنسان، وفقا لسياق الكلام. واستخدام الصورة المختصرة لجريان الماء للتعبير عن الماء "آ" وعلى حرف "في". واستخدام صورة السمكة للدلالة على السمكة "خا" وللتعبير عما يوازي لفظ "لعل". واستخدام صورة النجم للتعبير عن اللفظ "آن"، وعن السماء، وعن لفظ إله "دنجر"، وعن معنى السمو، فضلًا عن دلالتها على النجم نفسه وعثر على عشرات اللوحات في الوركاء، قد ترجع كتابتها إلى هذا الطور التصويري المقطعي(2).
وزاد السومريون علاماتهم المقطعية الصوتية مع توالي الزمن واستمرار الخبرة حتى أوفت بمطالب حضارتهم، وبلغت أشكالها مبلغًا عدديًّا كبيرًا، ثم عادوا فيسروها عن طريق تركيز أعدادها وأشكالها، واتجهوا بها وجهة خطية، فقللوا انحناءاتها ودوائرها كيما تتناسب خطوطها الحادة الجديدة مع طبيعة اللوحات الطينية اللينة التي استحبوا الكتابة عليها ووجدوها أقرب في التناول وأيسر في الكلفة من قطع الحجر، وهي لوحات كانوا يتخيرون طميها نقيًّا ناعمًا ويصبونه في قوالب ذات أشكال متعارف عليها، فتخرج اللوحة على هيئة القرص مسطحة الوجهين، أو على هيئة ربع الدائرة مستوية السطح محدبة الظهر، أو على هيئة المستطيل، وقليلًا ما تكون على هيئة المخروط. وقد يتركونها على حالها بعد الكتابة أو يجففونها في حرارة عادية بحيث تكتسب صلابة مناسبة، ويلفون أهمها بنسيج يمهرونه بختم صاحبها فوق قطعة من الطين اللزج، لا سيما إذا كانت لوحة لها اعتبارها أو كانت ستنقل من مكان إلى آخر على هيئة الرسالة. وشاعت هيئة الاستطالة في الألواح منذ خواتيم العصر السومري القديم، وأصبحت اللوحات الهامة منها تحرق في أفران وتحفظ في أغلفة طينية بعد أن ينثر عليها قليل من مسحوق الطمي الجاف ليمنع التصاقها بغلافها، ذلك الغلاف الذي كان يجب كسره مرة ثانية بطبيعة الحال قبل قراءة لوحته الداخلية.
وكتب السومريون عباراتهم في بداية عصورهم دون ترتيب ثابت "في مثل نص أوتوج حاكم كيش على نذر للمعبود إنليل، ونص على رأس مقمعة ميسيلم حاكم كيش أيضًا". ثم أصبحوا يرتبون عباراتهم في أنهر رأسية يفصل بين كل نهر منها وآخر خط رأسي "في مثل لوحة أورنانشه ولوحة إياناتم". وكانوا يبدؤونها من اليمين أو من اليسار. ثم انتهوا أخيرًا إلى تفضيل السطور الأفقية. وكان منهم يكتبون وجهي اللوحة بعد قلبها رأسًا لعقب بحيث يقابل النهر الأول من ظهرها النهر الأخير من سطحها، كما كان منهم من استعاضوا عن اللوحات أحيانًا بكتل طينية مجسمة على هيئة الأسطوانة، أو هيئة المنشور، رغبة في أن تتسع سطوحها للنصوص الطويلة.
واستمرت موجة الاختزال تعمل عملها البطيء في العلامات السومرية. وواصلت وجهتها التخطيطية حتى غدت هيئة كل علامة منها تشبه هيئة المسمار، وذلك مما دعا إلى تسمية كتابتها اصطلاحًا باسم الكتابة المسمارية "أو الكتابة الإسفينية". وقد ناسبت هذه الكتابة في هيئتها الجديدة استخدام أهلها أقلام الغاب والخشب "والمعدن" ذات السن المدبب، ثم الأقلام المنشورية المقطع التي انتهوا إلى الكتابة بها فأصبحت بدورها من أسباب تسمية الكتابة بالكتابة المسمارية. وظل السومريون منذ ذلك الحين يصورون خطوطهم الجديدة رأسية وأفقية ومائلة، متجاورة، ومتصلة أو متقاطعة، وإن احتفظوا لعدد منها بهيئاته التصويرية القديمة، مثل صورة القدم والسهم والمشط وبعض الأغصان والأزهار، وهي صور استخدمت لذاتها أحيانًا، ولتكون مخصصات لكلمات تتصل بها أحيانًا أخرى. كما تخففوا شيئًا فشيئًا من الفواصل الرأسية التي كانت تفصل بين كل جملة وأخرى.
لم تميز الرموز الصوتية السومرية كثيرًا بين الحروف المتقاربة في النطق، مثلما بين حرفي د، ت، وما بين حروف ج، ك، ق، وما بين حرفي س، ز "وذلك مما أحس الساميون بالنقص فيه عندما أصبحوا يكتبون لغتهم بالكتابة المسمارية حاولوا تعويضه منذ العصر الأكدي في أعقاب عصر بداية الأسرات السومري". غير أن المقاطع السومرية تميزت في مقابل هذا النقص بتضمنها ما يؤدي غرض حروف الحركة التي تنقص أغلب الكتابات السامية القديمة، وذلك حين توضيحها للتعبيرات المركبة التي تتألف من "حرف حركة + حرف ساكن" أو تتألف من "حرف ساكن + حرف حركة"، أو تتألف من "حرف ساكن + حرف حركة + حرف ساكن".
وعمل السومريون على الجمع بين القديم وبين المستحدث في كتابتهم، شأنهم في ذلك شأن أغلب الشعوب الزراعية المحافظة القديمة، "مثل الشعب المصري" وترتب على ذلك أن كتبتهم كانوا يكتبون الكلمة الواحدة بصورتين أحيانًا، وبالطريقتين التخطيطية والصوتية معًا. فكلمة "ماتو" بمعنى أرض، قد يكتبها الكاتب السومري بثلاث علامات مسمارية بسيطة تدل عليها ثم يتبعها بثلاث رموز صوتية تساوي "ما - آ - تو"، وذلك فضلًا عن التجائه إلى إضافة المخصصات التصويرية إلى كلماته أحيانًا، كما ألمحنا من قبل، مثل إلحاق علامة الشجرة بأسماء الأشجار وأنواع الخشب والمصنوعات الخشبية، وإلحاق علامة المكان بأسماء الأقطار والبلدان ... ، إلخ.
واستمرت الكتابة المسمارية في تطورها، وانتقلت بخصائصها من لوحات الطين الشائعة إلى لوحات الحجر والمعدن حيثما توفرت "مع بقاء الغلبة للوحات الطين"، وكانت جهود السومريين الأوائل في تطويرها بمثابة حجر الزاوية لها. وظلت تختلف عن الكتابة المصرية القديمة التي نافستها شهرتها في العالم القديم، في أربعة أمور وهي: سهولة التعبير عن الحركات في مقاطعها، وتخليها عن الصور الطبيعية الأصلية في أغلب أحوالها، وذلك في مقابل تطورها إلى مرحلة الحروف الهجائية وعدم استفادة أصحابها من مواد الكتابة التي عرفها المصريون لا سيما صفحات البردي وأنواع المداد. ولو أن هذه الاختلافات كلها لم تحل دون استمرارها قرونًا طويلة عند السومريين وعند من تلاهم من الساميين، بل ولم تقف دون شيوعها من العراق إلى ما يتصل به في شمال بلاد الشام وغرب إيران وشرق الأناضول. وعندما قل استخدامها في أواخر التاريخ العراقي، وغلبت الكتابة الأرامية عليها شيئًا فشيئًا، انطوت في ظل النسيان وأصبحت مجرد رموز وطلاسم، حتى بدأت الدراسات الحديثة تكشف النقاب عنها مرة ثانية منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي(3) .
وسجل السومريون أعدادهم على هيئة دوائر وأنصاف دوائر أحيانًا، وعلى هيئة خطوط مسمارية قائمة ومائلة تشبه في جملتها هيئة المربعات والمعينات أحيانًا أخرى، واعتبروا العدد 6 بداية الكثرة في الآحاد بعد العدد 5 الذي يمثل نهاية العد على أصابع اليد الواحدة، كما اعتبروا العدد 60 بداية الكثرة في العشرات، وكانوا يرمزون إليه بعلامة مسمارية قائمة شأنه في ذلك شأن الواحد بداية العد. ولعل التقسيم الستيني الحالي للساعات والدقائق كان متأثرًا نوعًا في أصله البعيد بعلم الفلك البابلي المتأثر بدوره بعلم الرياضيات السومري.
وتوافرت للكاتب السومري مكانته في مجتمعه، وكان الكتبة لا يزالون قلة، ويبدو أنهم ظلوا ألصق بالمعابد منهم بغيرها. وظل الناس يحسون بأهميتهم حين يعاملونهم بأسماء الحكام ورؤساء المعابد، وحين يلجئون إليهم لكتابة عقودهم وتحرير رسائلهم أو قراءتها. وكان كتبة الأرشيف يحفظون لوحاتهم الهامة في جرار وسلال يعنونونها ببطاقات صغيرة مسطحة أو بيضية أو مستديرة ويسجلون عليها طبيعة محتوياتها. ومن هذا القبيل ما ذكرته بطاقة صغيرة سجل عليها كاتبها: "لوحات ما جاء به سماكو البحر وسماكو النهر - بارتامتارا زوجة لوجالاندا إنسي لجش - السنة الثانية"، وكان لهذه الزوجة الملكية كاتب خاص سجل على ختمه عبارة "أنيجال كاتب دائرة الزوجة"(4).
__________
(1) C. Leonard Woolley, Ur Excavations, Figs. 1, 2.
(2) طه باقر - مجلة سومر 1961.
(3) Cf. S.N. Kramer, Sumerian Mythology, 1944, 1 F.
(4) ل. ديلابورت: بلاد ما بين النهرين - تعريب محرم كمال - ص238، 243.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|