أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-09-2014
2510
التاريخ: 23-04-2015
4545
التاريخ: 23-09-2014
2392
التاريخ: 15-6-2016
3989
|
يرى عبد القاهر ان الكلام الذي يؤدي عن المتكلم ، ويكون مقبولا عند المخاطبين ، لا بد له من ثلاثة عناصر ، اللفظ ولامعنى والنظم ، أما اللفظ فهو هذه الحروف والكلمات التي تنطق بها ألسنتنا ، وتسطرها أفلامنا . وأما المعنى فهي تلك الأمور التي نجده في نفوسنا ، ونود أن عبر عنها ليدركها المخاطبون . وعلى هذا فالألفاظ قوالب للمعاني ، فالمعنى هو المعبر عنه ، واللفظ هو المعبر به ، فإذا رأيت زهرة فأعجبك منظرها ، أو تأملت واقع أمتنا فساءك حاله ، أو قرأت تاريخ الدول الاستعمارية قديما وحديثا ، فاعترت نفسك الدهشة . هذه كلها معان استقرت في نفسك ، فهي تفعل في نفسك فعلها ، فتجد لها آثارها المتعددة المختلفة ، وتظل كامنة في نفسك معاني مجردة ، فإذا أردت أن تبثها غيرك من الناس ، وأن تخرجها من داخل جوانحك ، وعميق خفاياك ، وأرجاء نفسك ، إذا أردت أن تخرجها لتسمع بها نفسك وغيرك ، فإنك تنطق قبها ألفاظا مكونة من حروف وكلمات .
هذه هي الصلة بين اللفظ والمعنى كما يجدها كل واحد منا من نفسه . وهذا الذي كان يعرفه الناس في عصر عبد القاهر ومن قبله كذلك . ومن هنا اختلف الناس بين من يشيد باللفظ ، أو يشيد بالمعنى .
ولكن عبد القاهر لم يقف عند هذين العنصرين ، بل رأى أن هناك عنصرا ثالثا لا بد من مراعاته ، ليؤدي الكلام غرضه صحيحا مقبولا ، وهذا الذي أبرزه عبد القاهر ، وجدنا من العلماء قبله من يشير إليه وينبه عليه ، كما عرفت من قبل عند الخطابي والقاضي عبد الجبار ، إلا أن عبد القاهر بلغ الغاية بما بين وفصل.
هذا العنصر الثالث الذي لابد من هو الذي يسمى النظم ، فما هو هذا النظم يا ترى ؟
يقول عبد القاهر : إن النظم هو توخي معاين النحو ، وبيان ذلك ، اننا حينما ننطق بالكلمات والجمل ، فلا بد من أن تكون مرتبة ترتيبا مقبولا معقولا .
الكلمة كما نعلم : اسم وفعل وحرف ، ولا بد من ترتيب صحيح بين هذه الأجزاء ، فلا يمكن أن يكون الترتيب بين حرف وحرف ، لا يمكن أن نقول مثلا (إن من) ، فإن (إن) كما نعلم حرف شطر و (من) حرف جر ، ولا نستطيع أن نقول كذلك (هل بل) فإن ذلك ليس له معنى ، كذلك لا يجوز الترتيب بين الفعلين ، فلا نستطيع أن نكون جملة من قولنا (أخذ مشى) ، لأن مثل هذه لا تكون جملة مفيدة ، وهي مرفوضة كما بينته قواعد النحو .
الترتيب لا بد إذن أن يكون بين اسمين كقولنا (الوحدة قوة) ، أو بين امس وفعل مثل (ربح المجاهدون) أو أن يكون هناك حرف يربط بين الأسماء والأفعال ، كما نقول (نصلي في الأقصى) ، (نبيع لله أرواحنا).
هذه اللبنة الأولى في النظم ، وهو أن يكون موافقا لقواعد النحو ، أما اللبنة الثانية وهي الأهم من سابقتها ، فهي أن يكون هذا النظم دقيقا ، بحيث ترتب المعاني التي تريدها في نفسك أولا ، ثم نختار لها بعد ذلك الألفاظ التي تتفق مع هذه المعاني ، وهذا ملحظ دقيق يحتاج منك الى حضور نفس ، وحضور فكر ، وجدية ويقظة ، والله المستعان ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ، وأنت تجعل الحزن سهلا إذا شئت .
كثيرة تلك المعاني التي نجدها في نفوسنا ، ونجد أنفسنا مضطرين ، أن نعبر عنها بألفاظ يفهمها المخاطبون ، قد يسألك استاذك عن حفظ سورة البقرة وسورة آل عمران ، وهما الزهراوان كما جاء في حديث سيدنا رسول الله (صلى الله عليه واله) فبماذا تجيبه يا ترى إذا كنت لم تحفظ إلا سورة البقرة ؟ يمكنك أن تقول (حفظت سورة البقرة) ويمكنك أن تقول (سورة البقرة حفظت)
وقد يسألك سائل آخر (هل حفظت سورة البقرة؟) يمكنك ان تجيبه كذلك بالجملتين السابقتين : (حفظت سورة البقرة) ، (سورة البقرة حفظت) ، ولكن أمعنى ذلك أن الجملتين سواء ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد أن ننظر الى المعنيين في أنفسنا ، أهما سواء أم بينهما اختلاف ؟ وسنجد أن المعنيين في أنفسنا أهما سواء ام بينهما اختلاف ؟ وسنجد أن المعنيين مختلفان ؛ لأن السؤال الاول كان عن حفظ السورتين معا ، والذي قررته في نفسي أني لم أحفظ إلا سورة البقرة ، وهذا الذي أريد أن أتلفظ به ، أما السؤال الثاني : فهو حفظت سورة البقرة ؟ والجواب اني حفظتها ، وهذا الذي أريد أن أخبر به السائل .
إذن هناك اختلاف بين المعنيين في نفسي ، وإذا كان هناك اختلاف بين المعنيين ، فلا بد ان ينتج عنه اختلاف بين اللفظين ، وعلى هذا فالإجابة الصحيحة عن السؤال الأول (سورة البقرة حفظت) وعن السؤال الثاني (حفظت سورة البقرة).
نحن نرى أن اللفظ واحد في كلتا الجملتين ، لكن الذي اختلف النظم ، أعني ترتيب الكلمات ، قلنا في الجواب الاول (سورة البقرة حفظت) فقدمنا المفعول على الفعل ، فإن هذا التقديم يفيد القصر والاختصاص ، ومعنى هذا أني لم أحفظ إلا هذه السورة ، فلم أحفظ سورة آل عمران ، أما الجملة الثانية (حفظت سورة البقرة) ؛ فإن هذا هو الذي يتسق مع السؤال ، ولا يدل على أنني لم أحفظ غير هذه السورة .
وهكذا ندرك أنه إذا اختلف المعنى الذي نريد أن نعبر عنه ، فلا بد أن يختلف اللفظ الذي نريد أن نعبر به ، وإليكم مثالا آخر :
قد تذهبين لزيارة صديقتك سعاد في أيام الامتحانات ، فينكر عليك والداك هذه الزيارة فيقولان : (أتزورين سعاد ؟) يمكن أن يقال أيضا (أسعاد تزورين ؟).
الجملتان سواء من حيث اللفظ ، ليس في احدهما زيادة على الأخرى ، لكنهما اختلفا من حيث النظم ، التقديم والتأخير ، وعلى هذا لا بد أن يكون لكل منهما معناها الخاص بها ، فإذا كان إنكار والديك عليك زيارة سعاد ، لأن القوت غير مناسب ؛ ولأن الظرف هو ظرف الامتحانات ، لا يجوز أن تضيعي وقتك بالزيارات فيجب أ، تكون الجملة هكذا (أتزورين سعاد ؟)
اما إذا كان إنكارهم لزيارتك لأنهم لا يريدان أن تكون علاقة بينك وبين سعاد لسبب ما ، فيجب أن يكون نظم الجملة هكذا (أسعاد تزورين؟) . فالإنكار في الجملة الاولى توجه الى الزيارة نفسه ؛ لأنه في وقت غير مناسب ، أما في الجملة الثانية فقد توجه الإنكار لا للزيارة ، بل للمفعول ، كأنها ليست حرية بهذه الزيارة ، وذلك يقطع النظر عن الوقت وملاءمته .
وهكذا ترتب المعنى نريد أن تتحدث عنه ، ثم نرتب الألفاظ التي نريد أن نعبر بها . وهكذا ندرك مما تتقدم أن النظم لا بد له من عمليتين اثنتين :
أولا : ترتيب المعاني في النفس .
ثانيا : ترتيب الألفاظ في النطق .
وندرك كذلك أن النظم شيء غير اللفظ والمعنى .
مما سبق ندرك أن هناك فرقا كبيرا بين قولي (أعني فلانا) و ان أقول (إياك أعني)؛ فإن معنى الجملة الأولى أنني أعنيه ، قد أعني غيره ، أما الجملة الثاني فمعناها أنن أوجه العناية له وحده .
وبين قولي (لا ضجة في الحجرة المجاورة) و (ليس في الحجة المجاورة ضجة) ، فإن معنى الجملة الاولى نفي الضجة من الحجرة ، أما الجملة الثانية فتفيد أمرين أثنين :
أولا : ما أفادت الجملة الأولى من نفي الضجة في الحجرة .
ثانيا : أثبات الضجة في حجرتنا أو في حجرة أخرى .
هذا هو النظم الذي عناه عبد القاهر (ترتيب الألفاظ في النطق حسب ترتيب المعاني في النفس).
وقد حرص في كتاب الدلائل ، على توضيح أمرين اثنين :
أولا : الرد على الذي يزعمون أن الفضيلة للألفاظ وحدها .
ثانيا : الفصول التطبيقية الكثيرة التي ذكرها شرحا لنظريته .
الجانب الاول : رده على أنصار اللفظ :
1. أنه لو كانت الفصاحة للفظ وحده ، أي من حيث هو لفظ ، لكان ينبغي أن لا تفارقه الفصاحة في أي موضع ، والأمر ليس كذلك ، فكم من كلمة تغنى الادباء بفصاحتها ، في موضع ، ولكنهم استرذلوها في مواضع أخرى ، كما كلمة حسنت في بيت من الشعر ، ولكنها قبحت في آخر (1).
2. الناس ليسوا سواء في تذوق فصاحة الكلمات ، فلو كانت الفصاحة صفة للكلمة ، لما جاز أن تفارقها أبدا ، فهي صفة لا تدرك بالسمع ، وإنما تدرك بالقلب ، ونحن نعلم أن المعاني هي التي تدرك بالقلوب وليست بالألفاظ ، أما قولهم كلا فصيح ، فإنما يقصدون به أنه متلائم مع المعنى الذي جيء به من أجله (2)
3. لو كانت الفصاحة للألفاظ وحدها لما كان هناك فرق بين الجمل المتفقة في الكلمات ، المختلفة في النظم ، مع أننا رأينا كثيرا من الفروق في الامثلة التي ذكرناها من قبل ، فما أعظم الفرق بين قولنا (سورة البقرة حفظت) و (حفظت سورة البقرة) ، (أتزورين سعاد ؟ و أسعاد تزورين ؟) ، (لا ضجة في الحجرة المجاورة) و (وليس في الحجرة المجاورة ضجة).
تساؤل لا بد منه :
وقد تتساءلون هنا كيف ينكر عبد القاهر فصاحة الألفاظ ، مع أننا ندرك بداهة أن هناك ألفاظا نجد لها خفة على ألسنتنا متكلمين ، وخفة على آذاننا مستمعين ، ولا نجد هذه الخفة لما يشابهها ، من ألفاظ إننا ندرك بداهة الفرق بين كلمتي (الغصن والعسلوج) ، و (السيف والخشليل) و (والنفس والجرشي) ، و (والمزن والبعاق) ومعناهما واحد ، فكيف ينكر عبد القاهر أن يكون للفظة ذاتها خفة في نفسها على اللسان أو في الأذن ؟
والجواب أن هذا لا يخفى على أفراد الناس فكيف يمكن أن يخفى على عبد القاهر ، إن عبد القاهر لا ينكر أن يكون للألفاظ المفردة فصاحة بمعنى أنها خفيفة في النطق أو على السمع ، ولكن حديثه عن الكلمات المجموعة بعضها الى بعض ، حديثه ليس في الكلمات المفردة – إذن – فهو لا ينكر أن للكلمات المفردة خفة أو ثقلا ، وأن بعضها من هذه الحيثية خير من بعضها الآخر ، وهذه قضية غلط فيها كثير من الكاتبين الذي ظنوا أن تركيز عبد القاهر على النظر أو على المعنى ، وعدم إشادته بالألفاظ ، ظنوا ذلك إغفالا منه لأفضلية بعض الكلمات على بعض من حيث جرسها ووقعها في اللسان وعلى الاذن ، وليس الامر كما ذهبوا إليه فالشيخ في كثير من موضع من كتابه ينبه على هذه القضية ويشير إليها .
ولنستمع الى ما كتبه ردا على هذه الشبهة ، وهي أننا لا نستطيع أن ننكر التفاضل بين الألفاظ ، فلقد نجد المعنى يعبر عنه بلفظتين ، احدهما أيسر نطقا وأخف على السمع من صاحبتها ، يقول : (والجواب وبالله التوفيق أن يقال للمحتج بذلك : قولك إنه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين ، يحتمل أمرين :
أحدهما : أن تريد باللفظتين كلمتين معناهما واحد في اللغة مثل (الليث والأسد) ومثل (شحط) و (بعد) ، وأشباه ذلك مما وضع اللفظان فيه لمعنى .
والثاني ان تريد كلامين ، فإن أردت الاول خرجت من المسألة ؛ لأن كلامنا نحن في فصاحة تحدث من بعد التأليف ، دون الفصاحة التي توصف بها اللفظ مفردة ، ومن غير أن يعتبر حالها من غيرها) (3).
وهذه إجابة من الشيخ حرية بالفهم تبدد كل وهم فهو لا ينكر أن بعض الكلمات المفردة أفصح من بعض من حيث خفتها وجرسها ، وهذا لا شأن له بالنظم ؛ لأن النظم لا يكون في الكلمة الواحدة ، وإنما النظم ضم بعض الكلمات الى بعض ، وفصاحة هذا النظم هي التي يتحدث عنها الشيخ ويرى أنها ترجع الى المعنى . ونراه يؤكد هذه القضية في أكثر من موضع من كتابه الدلائل (4)
والحق أننا بعد تتبع كتاب الدلائل وجدنا أن الشروط التي اشترطها علماء البلاغة لفصاحة الكلمة وهي خفتها ، وكونها جارية على القياس الصرفي ، موافقة لما قره اللغويون ، لم يهمله عبد القاهر ، بل أشار إليه ونبه عليه .
______________
1. الدلائل ص 401 .
2. الدلائل ص 407 .
3. الدلائل ص 422 .
4. انظر الدلائل ص458.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|