المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اية الميثاق والشهادة لعلي بالولاية
2024-11-06
اية الكرسي
2024-11-06
اية الدلالة على الربوبية
2024-11-06
ما هو تفسير : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ؟
2024-11-06
انما ارسناك بشيرا ونذيرا
2024-11-06
العلاقات الاجتماعية الخاصة / علاقة الوالدين بأولادهم
2024-11-06



الحكام والإدارة عند مصر في العصور القديمة  
  
1629   04:24 مساءاً   التاريخ: 3-10-2016
المؤلف : عبد العزيز صالح
الكتاب أو المصدر : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق
الجزء والصفحة : ص75-82
القسم : التاريخ / العصور الحجرية / العصور القديمة في مصر /

الحكام والإدارة:

توفرت لمصر معرفة الكتابة، في نفس الوقت الذي توفر لها فيه الاعتباران الآخران اللذان أسلفناهما، وهما تجانس الحضارة ووحدة الحكم والسياسة في الدولة، خلال القرن الثاني والثلاثين ق. م أو نحوه، وبدأ فيها منذ ذلك الحين عصر جديد سمي بعدة أسماء اصطلاحية، وهي اسم عصر "بداية العصور التاريخية"، على أساس وجود المصادر التاريخية الخطية بين آثاره نتيجة لبداية شيوع الكتابة فيه، وبداية استقرار الوحدة السياسية والنظم الإدارية في أيامه كأساس لما أتى بعدها. واسم "عصر بداية الأسرات" على اعتبار أنه أول عصر يمكن تأكيد استقرار وراثة عرش مصر منذ أيامه بين أسرات حاكمة ارتبط ملوكها بعضهم ببعض بروابط القرابة وصلة الدم. ثم اسم "العصر العتيق" إشارة إلى قدمه البعيد وسبقه لعصور الدولة القديمة. واسم "العصر الثني" نسبة إلى مدينة ثني التي يبدو أنها كانت مسقط رأس أوائل ملوكه وأكبر عواصم ملكهم المتحد في الصعيد بعد مدينة نخن.

وتضمن العصر عهود الأسرتين الحاكمتين الأوليين من أسرات مصر الفرعونية. وارتبط تأسيس حكم الأسرة الأولى منهما بثلاثة أسماء ملكية، وهي أسماء: نعرمر وعحا ومنى. وقد دارت حولها مناقشات تاريخية حديثة نتجاوز عن تفاصيلها ونكتفي هنا عنها بما انتهينا إليه بشأنها في كتابنا عن حضارة مصر القديمة وآثارها، وهو احتمال دلالة الأسماء الثلاثة على ملك واحد بدأ حكمه باسم نعرمر "وقام بما صورته له مناظره المنوه عنها في ص74 - 76"، ثم تلقب بلقب عحا أي المحارب اعتزازًا بجهوده الحربية في توطيد ملكه، كما تقلب أخيرًا بلقب منى، ربما بمعنى المثبت أو الراعي أو الخالد؛ تنويهًا بنجاحه في تثبيت ملكه ورعايته له وخلود اسمه فيه. ثم تتابع بعده ستة ملوك من أسرته عرفوا بأسماء: جر، وواجى، ودن، وعنجاب، وسمرخت، وقاي عا، مع مترادفات كثيرة لألقابهم لا تزال هي الأخرى موضعًا للجدل اللغوي والجدل التاريخي حتى الآن.

وتتابع بعد هؤلاء ملوك الأسرة الحاكمة الثانية، وكانوا ثمانية ملوك على أقل تقدير إن لم يكن أكثر اشتهروا على الترتيب بأسماء: حوتب سخموي، ونبي رع، وني نثر، وبر إبسن، وونج، وسنج، وخع سخم، وخع سخموي، وكان لكل اسم تعبيره الذي يدل به على شخصية صاحبه وعلى روح عصره (1).

وسلك أوائل أولئك الفراعنة سياسة حكيمة في الربط بين الصعيد وبين الدلتا بعد اتحادهما، عن طريق المصاهرة وحسن السياسة وازدواج الألقاب والاشتراك في عبادة الأرباب. فتزوج أولهم "نعرمر" بإحدى سليلات البيت الحاكم القديم في الدلتا، وهي نيت حوتب، وتزوج رابعهم دن بأميره أخرى من الدلتا تدعى مربت نيت. وتمتعت كل من الملكتين بمكانة طيبة دلت عليها الآثار الباقية باسميهما من عهديهما، وربما تكرر الأمر نفسه بالنسبة لملوك آخرين وزوجاتهم. وسمح الفراعنة للوجه البحري بشخصية متميزة في إدارته تحت ظل التاجين، فخصصوا له بيت مال وحامل أختام وأهراء غلال ودار وثائق ... ، وانتسبوا إلى ربته الحامية "واجة" وإلى شعاره شاعر النحلة "بيت" جنبًا إلى جنب مع انتسابهم إلى ربة الصعيد "نخابة" وشعاره "سو". وشغف أغلبهم بإقامة الأعياد الدينية الملكية والتقليدية، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من مؤسسي الدول الجديدة؛ رغبة في اتخاذ مناسباتها سبيلًا لاكتساب الشهرة وتجميع الخواص حولهم وتذكير الناس بهم، مع إظهار تقواهم وكرمهم خلال احتفالهم بها. فرددت حولياتهم احتفاءهم بأعياد آلهة كثيرة مثلت أغلب مناطق دولتهم ورمزت إلى أغلب وجوه النشاط في عصرهم. وكان أهم أعيادهم الخاصة أعياد ارتقاء العرش وأعياد التجلي كل عامين (2). وأعياد ذكرى توحيد الوجهين. ثم عيد السد أو "حب سد" على حد تعبير المصريين، ربما بمعنى عيد النهاية، وكان من المفروض أن يحتفل الفرعونية بعد ثلاثين عامًا من بداية حكمه أو من بداية اختياره لولاية العهد (3)، ويقيم فيه مراسيم وطقوسًا يشكر أربابه بها على ما وهبوه من طول العمر وطول الحكم، ويعتقد هو أو يعتقد رعاياه أنه يستطيع عن طريق هذه الطقوس والمراسيم أن يجدد بأسه ويستزيد من القدرة على مواصلة الحكم. وجرت العادة على أن يتحين الفرعون مناسبة هذا العيد ويقيم لأربابه معابد وهياكل جديدة ويقدم لهم تماثيل جديدة عساهم يحققوا أمله ويؤيدوا حكمه. ولم يكن الفراعنة يلتزمون بفترة الثلاثين عامًا دائمًا، وإنما كانوا يتحينون لإقامة هذا العيد فرصة كل نصر عظيم، أو خلاص من شدة خطيرة. وربما أعادوه أكثر من مرة طالما توافر لهم امتداد الحكم وسعة الإمكانيات.

أوضاع الحكم:

يعتبر عصر بداية الأسرات عصر تكوين لنظم الإدارة المصرية. ويعني التكوين هنا معنيين: أحدهما أن العصر كان محدود المطالب والوسائل بالنسبة إلى العصور التي تلته، ولهذا اكتفى بما ناسب دنياه الخاصة من النظم والمناصب والإدارات. وثانيهما أن تنظيمات العصر على الرغم من بساطتها أصبحت أساسًا لأغلب التنظيمات التي قامت بعدها وتطورت عنها في عصور الدولة القديمة.

الفرعون:

كان الفرعون هو رأس الدولة قولًا وعملًا، يرأس الإدارة والجيش وأمور الدين، وتنسب السلطات العليا إلى قصره المسمى "برعو" أو "برنيسو". وصورت النصوص سلطانه مطلقًا بما يزيد عما عبر به بعد آلاف السنين لويس الرابع عشر ملك فرنسا في عهد "الملكية المقدسة" بمثل قوله "أنا الدولة والدولة أنا". على أنه ليس من الضروري أن تؤدي هذه السلطة المطلقة للفرعون المصري إلى الإسراف في الربط بينها وبين ربوبية لازمة أو سلطة غاشمة كما يتردد أحيانًا. فلفظ "فرعون" لم يكن في بدايته أكثر من تعريف اصطلاحي إداري، كتب في صيغته المصرية "برعو" بمعنى البيت العالي أو القصر العظيم، قصر الحكم الأعلى الذي يتجه شعبه إليه بمشاعر الأمل والرهبة والولاء. ثم امتد مدلول لفظ "برعو" على القصر وساكنه. ويمكن فهم هذا بمقارنته بما شاع في العصر العثماني، بعد عشرات القرون، من التعبير بلفظ "الباب العالي" عن قصر السلطنة، وبالتالي عن السلطان نفسه "مع تقدير معنى "باب" في اللغتين الفارسية والتركية"، بل ومقارنته لما تذكره لغة الصحافة الحديثة عن سياسة "البيت الأبيض" في الولايات المتحدة وتعني بها سياسة رئيس الدولة فيها وجهازه الأعلى. وأخيرًا شاع لفظ "فرعون" مع الاسم الشخصي لكل ملك مصري "كما شاع فيما بعد لقب "قيصر" على كل حاكم أعلى للرومان والبيزنطيين، وشاع لقلب "نجاشي" لكل ملك حبشي". وحرفت النصوص العبرية لفظ برعو إلى "فرعو" "نظرًا لاختلاط نطق الباء مع الفاء في بعض اللغات القديمة"، ثم أضافت اللغة العربية إليه نونًا أخيرة. وهكذا لم يكن لفظ فرعون "وجمعه فراعنة" يدل على جنس أو على طغيان الحكم، كما يشيع خطأ أحيانًا. وإذا وصف القرآن الكريم والتوراة الفرعون الذي عاصر موسى عليه السلام بالتجبر والطغيان وادعاء الربوبية، فعلينا أن نصدق ونؤمن بكل ما وصف به، ولكن ليس علينا أن نعمم صفاته هذه على كل الفراعنة، لا سيما وأن القرآن الكريم لم يأب أن يصف عزيز مصر وملكها اللذين آويا يوسف عليه السلام بأوصاف طيبة. وما من شك في أن الحكام في كل مجتمع وكل زمان، وأيًّا ما كانت ألقابهم، يتعاقب منهم العادل والظالم، الصالح والطالح. وأخيرًا وعلى الرغم من أن تسمية "الفراعنة" بهذا المفهوم العلمي لا ضير فيها، وأن الفراعنة قد مثلوا جزءًا من صميم الشعب المصري فعلًا إلا أنه لم يكن من المنطق تعميم هذه التسمية على المصريين القدامى جميعهم. فمن المسلم به أن تسمية "القياصرة" لم تطلق على الرومان والروم كلهم، كما لم تطلق تسمية "الأكاسرة" على الفرس كلهم، وإنما على ملوكهم.

وتلقب كل فرعون بعدة ألقاب وتسميات عقد الصلة بها بين شخصه وبين مقدسات وطنه؛ لتأكيد شرعية سلطانه الديني والدنيوي. واستقر من هذه الألقاب والتسميات خلال عصر بداية الأسرات ثلاثة قد يختارها الفرعون على صورة واحدة أو يجعل كل واحد منها مختلفًا عن الآخر(4)، وهي: الاسم الحوري: وكان يؤكد صلة الفرعون بالمعبود حور ويجعله وريثًا له، يحكم باسمه ويتجسد شخصيته. والاسم النبتي: وكان يؤكد صلة الفرعون بالربتين الحاميتين القديمتين، نخابة حامية الصعيد التي رمزوا إليها بأنثى العقاب، وواجه حامية الوجه البحري التي رمزوا إليها بحية ناهضة. ثم الاسم النسوبيتي: وكان يؤكد صلة الفرعون بالشعارين المقدسين القديمين، "سو" شعار مملكة الصعيد القديمة، و"بيت" شعار مملكة الدلتا القديمة، ويؤكد بالتالي اعتباره الوارث الشرعي لكل من المملكتين القديمتين صاحبتي الشعارين. وأدى تعدد أسماء الملوك وألقابهم إلى صعوبة تعيين تتابعهم وصعوبة التثبت من شخصياتهم عن يقين، فقد تحتفظ قائمة من قوائم الملوك بأسمائهم الحورية وحدها، وتذكرهم قائمة أخرى بأسمائهم النبتية وحدها، بينما تهتم الآثار القائمة بذكر أسمائهم النسوبيتية أكثر من غيرها (5). وتشتد هذه الصعوبة في عصر بداية الأسرات بالذات، نظرًا لقدمه البعيد وقلة الآثار المتبقية من أيامه، فضلًا عن إيجاز نصوصه.

واعتمد الإشراف الإداري خلال هذا العصر على بعض طوائف من كبار الموظفين تداخلت اختصاصاتهم بعضها مع بعض، واعتاد أفرادها على أن يجمعوا بين أكثر من لقب واحد من ألقابها، وكان منهم تبعًا لأهم ألقابهم التي سجلوها على بطاقاتهم الصغيرة وعلى أختامهم ومختومات مقابرهم: حملة الأختام ورجال بيت المال، وحكام الأقاليم، وكبار رجال البلاط، ورؤساء الكتاب (6).

وعرف العصر بيتين للمال سمي أحدهما برحج بمعنى بيت الفضة أو البيت الأبيض أو بيت المال الأبيض "مع تقدير أن المال بمعنى النقود لم يكن معروفًا"، واختص بضرائب الصعيد ودخله وخرجه. وسمي الآخر بردشر أي البيت الأحمر، واختص بضرائب الوجه البحري ودخله وخرجه. ووجود بيتين للمال في ذلك العصر يمكن أن يفسر بأحد فروض ثلاثة وهي: الرغبة في تيسير الإشراف على موارد البلاد الواسعة بتوزيع مسئولية هذا الإشراف على إدارتين كبيرتين تختص إحداهما بموارد الصعيد وتختص الأخرى بموارد الوجه البحري، أو ما يحتمل من أن ملوك العصر الأوائل حرصوا على أن يحتفظوا للوجه البحري بشخصية اسمية ترضي أهله وتنسيهم أنهم ذابوا في وحدة البلاد الكبيرة، ولهذا أفردوا لهم بيت مال خاص نسبوه إلى اللون الأحمر "رمزًا فيما يحتمل إلى لون تاجهم القديم". أو أن البيتين كان لهما وجودهما المستقل فعلًا قبل توحيد البلاد في بداية عصر الأسرة الأولى، فأبقى الملوك عليهما مراعاة للتقاليد التي حتمت عليهم الاحتفاظ بالتاجين والانتساب إلى الربتين والشعارين. واعتمدت موارد بيتي المال على تحصيل الضرائب العينية من محاصيل الأرض وإنتاج المصانع وتاج الماشية وجلودها ومحصول المصايد، فضلًا عما كانت الحكومة تستثمره بواسطة رجالها من المحاجر ومناجم النحاس والذهب، وما تتولى أمره من المتاجر الخارجية أو تعود به جيوشها من الأسلاب والمغانم. ثم يتولى البيتان الإنفاق من هذه الموارد على مشروعات الدولة ومشروعات الفرعون ومرتبات الموظفين العينية بناء على توجيهات القصر الملكي لكبار موظفيه بطبيعة الحال.

وقام حكام الأقاليم بدورهم في تنفيذ سياسة حكومتهم المركزية ومشروعاتها، وحمل كل منهم لقب "عج مر" بما يعني معنى القائم على حفر الترع ليؤكد أن إشراف الحاكم على شئون الري والزراعة من أهم ما يتكفلون به ويسألون عنه من أعمال. ولم يكن الإشراف على شئون الري والزراعة من واجبات حكام الأقاليم وحدهم، وإنما حرص الملوك أنفسهم على أن يجعلوه من أولى مهام حكومتهم المركزية .

وأشرف رجال البلاط الملكي على إحصاء عام كانوا يجرونه كل عامين، ويخرجون في السفن حين إجرائه ويتنقلون في النيل من إقليم إلى إقليم في موكب عبرت الحوليات عنه باسم موكب حور أو موكب مراكب حور(7). كان إحصاء لا زلنا على غير بينة من أمره، فقد يكون إحصاء لمساحات الأراضي المنزرعة وموارد المناجم كما يفهم من نصر في حوليات حجر بالرمو، أو إحصاء للسكان "وممتلكاتهم" كما يظن الأستاذ برستد، أو إحصاء للماشية لتقدير نصيب الدولة منها ومن جلودها، كما نصت على ذلك نصوص الدولة القديمة فيما بعد(8).

وعنيت الحكومة المركزية برصد ارتفاع فيضان النيل عامًا فعامًا، حتى تتخذ الإجراءات المناسبة لمواجهة ارتفاعاته، وتنظيم الانتفاع بمياهه، وحتى تقدر الضرائب الزراعية العينينة على أساس مدى انتفاع الأراضي الزراعية به. ويحتمل أن عملية الرصد الرئيسية كانت تتم على أساس مقياس للنيل يجاور العاصمة منف "وربما في حي الروضة أو في حي مصر العتيقة حاليًا، أي حيث تعاقبت فيما بعد مقاييس النيل في العصور الإسلامية".

وعرف الكاتب المصري القديم بلقب "سش" وكان لقبًا يحمل في طياته معنى المثقف ومعنى من يحسن الكتابة فضلًا عن معنى الموظف، وكان للكتبة دورهم الرئيسي في بيوت المال بما تستدعيه أعمالها من جباية وتسجيل وحساب وتوزيع، وفي القصور الملكية لكتابة الأوامر والرسائل وتسجيل الدخل والخرج فيها، وفي المعابد الكبرى.

ولم يرد النشاط الداخلي إلى جهود الموظفين الإداريين وحدهم، وإنما كان للفنيين والمعماريين أثرهم في أعمال الإنشاء والتعمير. وقد اتخذ المعماريون ربة راعية سميت "سشات"، وكانت في الوقت نفسه راعية للكتاب والحاسبين، وقيل عنها إنها كانت "أول من خط وحسب". وتدل رعايتها للمعماريين والكتبة والحاسبين على حاجة المنشآت إلى مجهودات هذه الطوائف جميعها.

وتضمنت نصوص العصر ألقابًا مدنية كثيرة أخرى حملها نظار القصور الملكية والسكرتاريون أو المطلعون على الأسرار على حد التعبير المصري القديم، والمشرفون على المزارع والحدائق الحكومية. وذلك إلى جانب ألقاب ومراتب دينية كثيرة جعلت للكهنوت أهمية كبيرة تحت إشراف الدولة ورعاية الفرعون.

واستمتع كبار الموظفين في عصر بداية الأسرات بمكانة لا بأس بها إلى جانب فراعنتهم. وكان أكبر لقب ظهر لهم في نهاية هذا العصر هو لقب "نبي خرنيسو" أي الأول لدى الملك أو الأول بعد الملك. ونم عن ثرائهم ما تركوه من مقابر ضخمة لا زالت أطلاها باقية في سقارة وغيرها. فاحتوت مقبرة "حماكا" أمين أختام الوجه البحري في عهد "دن" رابع ملوك الأسرة الأولى، بسقارة، على اثنتين وأربعين حجرة فوق سطح الأرض وتحتها، وتضمنت من المحتويات ما دلت به على ثراء صاحبها ورفاهية أيامه(9) .

رأينا كيف تمتع ملوك عصر بداية الأسرات بقداسة نظرية واسعة وسلطان سياسي عريض، نمت عنهما ألقابهم وتمجيد كبار موظفيهم لهم. بيد أنه على الرغم من ذلك كله لم تخل عهودهم من خصومات خفية ومنازعات صريحة بين المستحقين للعرش والطامعين فيه، وربما لم تخل من اضطرابات حدودية أيضًا.

فقد شهدت أواخر أيام الأسرة الأولى خصومة أو أكثر من خصومة أسرية في عهود فراعنتها الثلاثة الأواخر: عنجاب وسمرخت وقاي عا. وكانت خصومة نم عنها أن رجال سمرخت أزالوا بإذنه أسماء سلفه عنجاب مما وصلت أيديهم إليه من آثاره وآثار أمه مريت نيت. ثم تعمد رجال قاي عا بدورهم أن يمحوا أسماء سلفه سمرخت من أغلب آثاره (10). وليس من المستبعد أن الملوك الثالثة كانوا إخوة من أمهات مختلفات، أو كانوا ينتمون إلى فروع مختلفة من الأسرة الحاكمة ادعى كل فرع منها أحقيته في العرش دون غيره من الفروع.

ولم تهدأ المطامع على الحكم إلا ببداية عصر الأسرة الثانية التي تسمى أول فراعنتها باسم يؤكد عودة الاستقرار والهدوء في عهده، وهو "حوتب سخموي" الذي يعني "رضي القويان" أو "استقر القويان"، ويرمز إلى رضا الربين القويين حور وست بما انتهت إليه أحوال البلاد في عهد صاحبه.

وافترض الباحثون فيي وإدوارد ماير ونيوبري (11) أن خصومة من نوع آخر حدثت في النصف الأخير من عصر الأسرة الثانية، وكانت فيما رأوا خصومة سياسية دينية تعصبية في آن واحد، شذ فيها الملك بر إبسن عن سنة أسلافه الذين اعتادوا على أن يصوروا الصقر رمز المعبود حور فوق أشكال واجهات القصور التي تضمنت أسماءهم، وتخلى عن الانتساب إليه، وتعصب للإله ست رب الصعيد القديم، وسمح لرجاله بأن يصوروا ست هذا بتاج الصعيد وصولجانه وبيئة شبه بشرية على أختامه. ويصوروا رمزه فوق صورة قصره عوضًا عن رمز حور، وذلك مما يعني في اعتقاد أولئك الباحثين أنه أراد أن يؤكد للناس أنه وريث ست دون غيره وأنه لا يعترف بالفضل لمن سواه، وأنه تخلى عن الانتساب إلى حور نتيجة لخصومة عنيفة بينه وبين مناطق الدلتا التي تعصب أهلها لربهم القديم حور.

ولا تخلو هذه التخريجات من وجاهة، ولكن نضيف إلى جانبها أننا استشهدنا في كتابنا عن حضارة مصر القديمة وآثارها، بآثار أخرى متفرقة يمكن إرجاعها إلى عهد بر إبسن نفسه قد توحي بأنه لم يكتف بأن ينتسب في صوره إلى المعبود ست وحده، وإنما انتسب كذلك في أحد أسمائه إلى المعبود حور، ولو لفترة ما من حكمه، ومجد إلى جانبهما إله الشمس أيضًا (12) باعتباره أحد من تولوا رعاية عرش البلاد المقدس القديم، ولو أننا لا نستطيع أن نقف بقضية بر إبسن عند هذا الحد، فقد ظلت شبهاتها باقية بعد وفاته، وأرخ رجال خليفته "خع سخم" لأحد أعوام حكمه باسم عام الحرب وإخضاع الدلتا، وصوروا الربة نخابة حامية الصعيد تستقر بساقها اليسرى فوق دائرة تشبه الختم، وتقبض بمخلبها الأيمن على نباتي الصعيد والدلتا متعانقين، وتتقدم بهما إلى اسم الملك الذي حل في المنظر محل صورته ونقش داخل سرخ وقف فوقه صقر يرمز إلى المعبود حور متوجًا بتاج الصعيد؛ دلالة على سيطرته على الوجهين واجتماعهما تحت طاعته وطاعة ربته الحامية (13). وصور أحد فناني هذا الملك على قاعدتي تمثالين صغيرين له أعدادًا من أسراه وقتلاه، وصور معهم نبات البردي الذي يرمز عادة إلى أراضي الدلتا.

وبالجمع بين أطراف هذه المشكلة في عهدي كل من بر إبسن وخع سخم ظهر رأي جديد(14) يمكن أن نرتب من ناحيتنا الجوانب المقبولة منه بأنه حدث في عهد الملك في نثر السابق لعهد بر إبسن والذي حكم ما بين عشرين وثلاثين عامًا وكان مصلحًا، أن هاجمت بعض قبائل سكان الصحراء الغربية أرض الدلتا واحتلوها عنوة، وانفصلوا بها عن الصعيد. فلما أعقبه بر إبسن لم يحكم غير الصعيد، ولكنه اعتزم الكفاح وتسمى باسم "سخم إب" أي الجسور، وتلقب بلقب يعني معنى "الذي خرج للحق" أو معنى "انبعث النظام"، واستمسك في أغلب أحواله برب الصعيد ست باعتباره من أرباب الحرب "وربما استنصر معه من أرباب مصر الكبار الإلهين رع وحور"، واحتفظ لنفسه بلقب نيسو بيتي ولقب نبتي، أي ظل يحتفظ بانتسابه إلى شعار الدلتا وربتها إلى جانب شعار الصعيد وربته(15). ولكنه لم ينته في كفاحه إلى شيء، فخلفه خع سخم واتخذ ثوب ممثل حور واستنصره، ولم يجد بأسًا في أن يعترف بالأمر الواقع في بداية حكمه، فظهر في تماثيله بتاج الصعيد وحده، وصور رجاله المعبود حور متوجًا بتاج الصعيد تارة وبلقب حور السماء مرة أخرى(16). ثم هاجم أراضي الدلتا وقاتل قبائل البدو المسيطرين عليها قتالًا عنيفًا حتى انتصر عليهم في نهاية عهده، وعندما أراد رجاله أن يعبروا عن انتصاره عليهم أشاروا إلى الدلتا باعتبارها الأرض التي كان بدو الحدود الغربية يحتلونها وليس باعتبارها وطنهم الأصيل أو أرض الخصوم الفعليين.

وأخيرًا أكد الفرعون خع سخموي آخر فراعنة الأسرة الثانية إتمام وحدة البلاد في عهده، بأكثر من وسيلة، فصور له رجاله المعبودين حور وست فوق أشكال واجهة القصر التي تضمنت اسمه؛ دلالة على تآلفهما وتأكيدًا لانتسابه إليهما. وتصرف الفنانون في تصويرها عنده بأوضاع مختلفة، فصوروهما متقابلين متقاربين يكاد كل منهما يقبل الآخر دلالة على المحبة بينهما، وصوروهما على هيئة صقرين إشارة إلى أن صورة كل منهما يمكن أن تدل على صورة الآخر، أو إشارة إلى اجتماع شمل حور الصعيد وحور الدلتا مرة أخرى. وقد سجل خع سخموي وحدة الربين والوجهين عن طريق اسمين من أسمائه، وهما: "خع سخموي" الذي يمكن ترجمته بمعنى شع القويان أو تجلي القويان، وقد يكون القويان هما الصعيد والدلتا أو معبوديهما، والاسم الآخر اسم مركب يمكن ترجمته بمعنى "اطمأن السيدان به". والسيدان هنا هما حور وست ربا الصعيد والدلتا(17). غير أنه على الرغم من منطقية القرائن السابقة عن أحداث النصف الثاني من عصر الأسرة الثانية، لا ننكر أن حقيقة الأوضاع فيه لا زالت مشوبة بشيء من الغموض، ولا زالت تتطلب قرائن أثرية جديدة تجلو غموضها.

وعلى أية حال فإنما ننتهي من هذه المشكلات كلها إلى أن الفراعنة الأوائل الذين نسبتهم نصوصهم إلى الأرباب وصوبت لهم قداسة واسعة، لم تخل أيامهم مما يحدث عادة في مختلف الشعوب ومختلف العصور من تنازع أسري وشقاق داخلي ومتاعب قومية. لولا أن أيام ذلك التنازع وهذا الشقاق وتلك المتاعب كانت لحسن الحظ قصيرة وقليلة إذا قورنت بأمثالها في حياة الشعوب القديمة الأخرى. وظلت أيام الاستقرار والسلام والوحدة هي الغالبة، وبلغت البلاد في ظلها بحكامها ومحكوميها ما بلغته من الرقي النسبي في الفكر والمادة، والاتساع النسبي في النشاط الداخلي والخارجي معًا.

________________

(1) راجع مناقشتنا لها في: حضارة مصر القديمة وآثارها - جـ1 - ص251 - 258.

(2) Palermo Rt. II, 9, III, 3, IV, 5, 9; Urk. I, 239; Breasted, Ancient Records, I, 99, 105, 114, 116, 119, 121, Etc.

(3) K. Satbe, Untersuchungen, I, 10; Zaes, XXXVI, 64.

(4) See, A.Moret, Du Carcutért Religieux De La Royalité Pharaonique, Paris, 1912 ; A.H. Gardiner, Egyption Grammar, 71-76, H. Muller -Die Formale Entwicklung De, Titulatu, Der Aegyptischen Koenige, 1938.

(5) See, K, Sethe, Zaes,. XXXV, 1 F.

(6) See, Pctrie, Royal Tombs, I, Ii: R. Weill, Les Lle Et Liie Dynasties Egyptiennes, Paris, 1908; W. B. Emery, Great Tombs Of The First Dynasty, Cairo, 1949 F; With Zaki Saad, The Tomb Of Hemaks, Cairo, 1938; Hor -Aha, Cairo, 1939; And Paitly, J. Pitenbe, Historire Das Institutions Et Du Droit Privé De L'anc. Egypte, I, Bruxeller, 1932.

(7)  Palermo, Rt. IV, 3, 5, 7, 9, 11, 13, 15, and See R. T. I, XVII, 26, 29; Unters. III, 64, F., 68.

(8) Palermo, V, 4, 5; J. H. Breasted, Ancient Records, I, 6, 106; Gardiner -Peet, Sinal. Pl. VII, 13; Urk. I, 16, 55; Rec. Tr., XXV, 73; Sethe, Unters, III. 79f.

(9)  W. Emery-Zaki Saad, the Temb of Hemaka, Cairo, 1938.

(10) W. F. Petrie. The Royal Tombs, I, P. IV, 5; VI, 9-10.

(11) R. Weill, Rec. Tr., XXIX, 29 F.; Ed. Mayer, Geschichte, 213; Newberry, Anc. Egypt, 1922, 40 F.

(12)  Abydos, Iii, Pl. Ix, 3; Petrie, History of Egypt, 10 Ed., 32-33; Asae, Xxviii, Pl. Ii. 2, 3; Maspero, Revue Archeologique, 1898, 307, L. R. I, 24; G. Mueller, Die Formale Entiwicklung Der Titulatur Der Asgyptischen Koenige, 1938; M. B. Grdsloff, Asae, Xliv, 295; Spiegel, Das Werdender Alt-Aegyptischen Hoch-Kulur, 216.

(13) Hierakompolis, I, Pls. Xxxviii, Xxxix-Xli.

(14) See, J. Spiegel, Op. Cit., 216.

(15) Royal Tombs, I, Pls. IV, 7; Xxii, 190: Xxxix, 97.

(16)  Hierakonopolis, I, 48, Pl. LVIII.

(17) But Cf. R. Weil, Recherches …, I, 318-319; "Lever Des Deux Scepitre", ET "Don't L'essence EST Consitiuée Par Les Deux Horus Réunis".

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).