أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2014
1372
التاريخ: 2024-08-24
227
التاريخ: 17-09-2014
2009
التاريخ: 15-1-2016
1714
|
[اولا] مقالة أبي إسحاق النظّام (1) :
لم نعثر على مقالته بالتفصيل ، سِوى ما ينقل عنه هنا وهناك من مقتطفات ، منها ما ذكره عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني ( توفّي سنة 651هـ ) ، قال : الأكثر على أنّ نظم القرآن معجز ، خلافاً للنظّام ، فإنّه قال : إنّ الله سبحانه صرف العرب عن معارضته وسلب علومهم ، إذ نثرهم ونظمهم لا يخفى ما فيه من الفوائد ، ومِن ثَمّ قالوا : {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال : 31] وهذا على حدّ ما جعل الله سلب زكريّا عليه أفضل السلام النطق ثلاثة أيّام من غير علّة آيةً ، أو أنّهم لم يحيطوا به علماً على ما قال تعالى : {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس : 39] (2) .
يبدو من ذلك أنّه أراد المعنى الثاني من التفاسير الثلاثة ، وهو سلب العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة ، أو فقدهم لتلك العلوم ، حسبما نبّه عليه في آخر مقاله متمسّكاً بقوله تعلى : {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} .
لكن جاء في شرح المواقف للسيّد شريف الجرجاني ( توفّي سنة 816 هـ ) ما يبدو منه خلاف ذلك وأنّه أراد المعنى الأَوّل . قال الشريف : معنى الصرفة : أنّ العرب كانت قادرةً على كلام مثل القرآن قبل البعثة لكنّ الله صرفهم عن معارضته . واختلف في كيفية الصرف ، فقال الأستاذ أبو إسحاق النظّام : صرفهم الله عنها مع قدرتهم عليها ، وذلك بأن صرف دواعيهم إليها مع كونهم مجبولين عليها ، خصوصاً عند توفّر الأسباب الداعية في حقّهم كالتقريع بالعجز والاستنزال عن الرئاسات والتكليف بالانقياد ، فهذا الصرف خارق للعادة ، فيكون معجزاً .
وأمّا إرادة سلب العلوم فنسبه إلى المرتضى عَلَم الهدى ، قال : وقال المرتضى : بل صرفهم بأن سلبهم العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة ، يعني أنّ المعارضة والإتيان بالمثل يحتاج إلى علوم يُقتدر بها عليها ، وكانت تلك العلوم حاصلة لكنّه تعالى سلبها عنهم فلم يبقَ لهم قدرة عليها (3) .
وفي مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري ( توفّي سنة 330 هـ ) تصريح بأنّه المعنى الثالث ، وهو المنع بالإلجاء والقهر ، قال : وقال النظّام : الآية والأُعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب ، فأمّا التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أنّ الله منعهم بمنع وعَجز أحدثهما فيهم (4) .
وأمّا عبد الكريم الشهرستاني فقد خلط بين المعنى الأَوّل والأخير ، قال : التاسعة : قوله في إعجاز القرآن ، أنّه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية ، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة ، ومنع العرب عن الاهتمام به جبراً وتعجيزاً . حتّى لو خلاّهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغةً وفصاحةً ونظماً (5) .
غير أنّ الأرجح في النظر هو ما ذكره القاضي عضد الإيجي والسيّد شريف الجرجاني في تفسير مذهبه ، فقد فصلا رأيه عن رأي الشريف المرتضى القائل بسلب العلوم ، والتفصيل قاطع للشركة ـ على ما قيل ـ .
ويتأيّد هذا المعنى أيضاً بما جاء في عرض كلام تلميذه المتأثّر برأيه أبي عثمان الجاحظ (6) ، قال : ورفع الله من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن ... (7) .
[ثانيا] : مذهب الشريف المرتضى :
المعروف من مذهب الشريف المرتضى ( المتوفّى سنة 436 هـ ) في الإعجاز هو القول بالصِّرفة ، نسبه إليه كلّ من كَتب في هذا الشأن ، قولاً واحداً ، وكذا شيخه أبو عبد الله المفيد ( المتوفّى سنة 413 هـ ) في أحد قوليه (8) ، وتلميذه أبو جعفر الطوسي ( المتوفّى سنة 460 هـ ) في كتابه ( تمهيد الأُصول ) الذي وضعه شرحاً على القسم النظري من رسالة ( جمل العلم والعمل ) تصنيف المرتضى ، لكنه رجع عنه في كتابه ( الاقتصاد بتحقيق مباني الاعتقاد ) كتبه متأخّراً ، واعتذر عنه تأييده للسيّد في شرح الجمل باحتشام رأي شيخه عند شرح كلامه .
قال : كنت نصرتُ في شرح الجمل ( تمهيد الأُصول ) القول بالصِّرفة ، على ما كان يذهب إليه المرتضى ( رحمه الله ) ، حيث شرحت كتابه فلم يحسن خلاف مذهبه (9) .
وأمّا تلميذه الآخر ، أبو الصلاح تقيّ الدين الحلبي ( المتوفى سنة 447 هـ ) فقد سار على منهج الأستاذ وارتضاه وجعله الأوجه من وجوه إعجاز القرآن ، واستدلّ بما يكون تلخيصاً لدلائل السيّد ، ولم يزد عليه (10) . ويبدو من كلام السيد ـ وفيما نُقل عنه الشيخ وغيره ـ (11) أنّه أراد المعنى الوسط من التفاسير المتقدّمة عن صاحب الطراز ، وهو : أنّ العرب سُلبوا العلوم التي يحتاج إليها في معارضة مثل القرآن ، فخامةً وضخامةً ، في وجازة اللفظة وظرافته ، في سمّو معناه ورفعته ... من أين كانت العرب تأتي بمثل معانيه حتّى ولو فرض قدرتها على صياغة مثل لفظه ولو يسيراً ؟!
ومعنى السلب : عدم المنح ، على ما سبق في تفسير الآية الكريمة : {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } [التوبة : 127] وكذا قوله تعالى : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ} [الأعراف : 146] أي أنّهم لفرط جهلهم وصمودهم في رفض الحقّ ، حُرموا من فيضه تعالى فلم يَحظوا ببركات رحمته : {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف : 5] وذلك هو الخذلان والحرمان المقيت .
قال الطبرسي : ( سَلب قدرتهم على التكذيب ، بمعنى توفير الدلائل والبراهين القاطعة بحيث لا تدع مجالاً للشك فضلاً عن الردّ وإمكان التكذيب ) ، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة : 2].
فقد توفّرت المعاني الضخمة وازدحمت المعارف الجليلة بين أحضان القرآن الكريم ، بما بهر العقول وطار بالألباب ، الأمر الذي سلب قدرة المعارضة عن أيّ معارض متى رامها ، ولم يدع مجالاً للتفكير في مقابلته لأيّ صنديد عنيد ، مادام هذا الكتاب العزيز قد شمخ بأنفه على كلّ مستكبر جبّار عارض طريقه إلى الإمام !!
فلعلّ الشريف المرتضى أراد هذا المعنى ، وأنّ اللفظ مهما جلّ نظمه وعزّ سبكه ، فإنّه لا يبلغ مرتبة المعنى في جلاله وكبريائه ، والتحدّي إنّما وقع بهذا الأهمّ الأَشمل ، قال : فإن قال : الصرف عمّاذا وقع ؟ قلنا : عن أن يأتوا بكلام يساوي أو يقارب القرآن في فصاحته وطريقة نظمه ، بأن سلب كلّ من رام المعارضة العلومَ التي تتأتّى بها من ذلك ، فإنّ العلوم التي بها يُتمكّن من ذلك ضرورةً مِن فعله تعالى بمجرى العادة (12) .
تأمّل هذه العبارة وأَمعن النظر فيها : ، تجدها صريحة تقريباً في إرادة القدرة العلمية ، التي هي حكمة إلهية يهبها لمَن يشاء من عباده {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة : 269] ، فهؤلاء حُرموها ؛ مغبّة لجاجهم وعنادهم مع الحقّ .
وهكذا فهم الأُستاذ الرافعي تفسير مذهب السيّد في الصرفة ، قال : وقال المرتضى من الشيعة : بل معنى الصرفة أنّ الله سلبهم العلوم ... التي يُحتاج إليها في المعارضة ليجيئوا بمثل القرآن ... فكأنّه يقول : إنّهم بلغاء يقدرون على مثل النظم والأسلوب ، ولا يستطيعون ما وراء ذلك ممّا لبسته ألفاظ القرآن من المعاني ؛ إذ لم يكونوا أهل علم ولا كان العلم في زمنهم (13) .
ومن قبلُ قال التفتازاني : أو بسلب العلوم التي لابدّ منها في الإتيان بمثل القرآن ، بمعنى أنّها لم تكن حاصلةً لهم ، أو بمعنى أنّها كانت حاصلةً فأزالها الله ، قال : وهذا ( سلب العلوم ) هو المختار عند المرتضى (14) .
قلت : ظاهر قول المرتضى هو الشقّ الأوّل من المعنيينِ : ( أنّها لم تكن حاصلة لهم ) .
وللأستاذ توفيق الفكيكي البغدادي محاولة مشكورة بشأن الدفاع عن موقف السيّد في مذهب الصرفة ، إذ استبعد أن يأخذ مثل الشريف المرتضى ـ وهو عَلَم الهدى ـ موضعاً يبتعد عن موضع الشيعة الإمامية وإجماع محقّقيهم وهو رأسهم وسيّدهم ، وكذا شيخه أبو عبد الله المفيد الذي هو أستاذ الكلّ ومفخر المتكلّمين .
قال : إنّ أقوال أئمّة الإمامية المعتمدة المعتبرة لا تختلف عن كلام أهل التحقيق من أساطين العلم وزعماء البيان في حقيقة الإعجاز ، حتّى لقد اشتهر قولهم : ( القول بالصدفة كالقول بالصرفة ) في الامتناع ، كما نبّه عليه العلاّمة الحجة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (15) .
قال : فنسبة القول بالصرفة ـ بمعناها الباطل ـ إلى العلاّمة الجليل ( المفيد ) والى تلميذه ( الشريف المرتضى ) لا يحتملها النظر الصحيح بعد كون هذا الاحتمال مخالفاً لعقيدة الشيعة الإمامية ولأصول مبانيها .
قال : والذي نحتمله بل ونعتقده أنّ الشيخ المفيد معروف بقوّة الجدل والتمرّس بفنون المناظرة ، وكان كسقراط يُلقي على تلاميذه مسائل دقيقة ويناقشهم فيها لاختبار عقولهم ، ولا سيّما شبهات المعتزلة كآراء النظّام وأصحابه القائلين بالصرفة ، وهي إحدى المسائل التي ناظر بها أقطاب المعتزلة ، فلعلّه وقع في نفوس البعض أنّه يقول بها ، وهو اشتباه لا يستند إلى تحقيق (16) .
وهكذا احتمل العلاّمة السيد هبة الدين الشهرستاني بشأن الشريف المرتضى أنّه كان معروفاً بقوّة الجدل والتحوّل في حوار المناظرين إلى هنا وهناك ، فلم يُعلم كونها عقيدةً له ونظريّةً ثابتاً عليها (17) .
وبعد ، فالإيفاء بأمانة البحث يستدعي نقل كلام المرتضى بكامله ، حسبما وصل إلينا من كتبه وعن طريق تلميذه الأكبر الطوسي وغيره من الأقطاب .
قال السيّد ـ في كتابه ( الجمل ) في باب ما يجب اعتقاده في النبوّة ـ : وقد دلّ الله تعالى على صِدق رسوله محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) بالقرآن ؛ لأنّ ظهوره معلوم ضرورة ، وتحدّيه العرب والعجم معلوم أيضاً ضرورة ، وارتفاع معارضته أيضاً بقريب من الضرورة ، فإنّ ذلك التعذر معلوم بأدنى نظر ؛ لأنّه لولا التعذّر لعورض ، فأمّا أن يكون القرآن من فعله تعالى على سبيل التصديق له فيكون هو العلم المعجز ، أو يكون تعالى صرف القوم عن معارضته ، فيكون الصرف هو العلم الدالّ على النبوّة ، وقد بيّنا في كتاب ( الصرف ) الصحيح من ذلك وبسطناه (18) .
وقد أوضح السيّد جانباً من مذهبه ، في أجوبة المسائل الرسيّة ، عندما تعرّض لسؤال القائل : إنّكم تقولون إنّ وجه الإعجاز هو الصرفة ، والعلم به مفتقر إلى معرفة مراتب الفصاحة لكي يَعرف الناظر عدم الفرق البائن بين المُعجز والممكن ، الأمر الذي يقتضي توقّف إثبات النبوّة على معرفة العربية المتعذّرة على عامّة المكلّفين ، فيلزم على ذلك إبطال النبوّة لا سمح الله .
فأجاب بأنّ هذه الشبهة إنّما خطرت ببال من تصفّح كُتبي وقرأ كلامي في نصرة القول بالصرفة ، واعتمادي في نصرتها على أنّ أحداً لا يفرّق بين مواضع من القرآن وبين أفصح كلام للعرب في الفصاحة ... فإن كان يفرّق ما بين أفصح كلامهم وأدونه فمحال أن يفرّق بين المتقاربينِ .
والناظر إذا علم أنّ القرآن قد تُحدّي به ولم تقع المعارضة لتعذّرها على العرب فليس ذلك إلاّ أن يكون القرآن قد خرق العادة ، إمّا بفصاحته أو بصرف القوم عن معارضته ، وأيّ الأمرين كان فقد صحّت المعجزة وثبتت النبوّة ، وبعد ذلك لا حاجة إلى معرفة الوجه على سبيل التفصيل .
ثمّ قال : ولكن مَن ليس من أهل العلم بالفصاحة ومراتبها من أعجميّ أو عاميّ ، متمكّن من العلم بفصل فصيح الكلام عن غيره ، ومرتبته في الفصاحة ، بمراجعة أهل الصناعة والسؤال منهم ، فيُعلم من ذلك ما تدعو الحاجة إلى علمه ، وإن لم يكن هو من أهل الصناعة ... وبذلك جاز أن يعلم عدم الفرق البائن بين أفصح كلام للعرب وبين بعض قصار المفصّل في الفصاحة ، وحينئذٍ يُعلم أنّ جهة إعجازه هي الصرفة لا فرط فصاحته ، فليس إلاّ الصرف (19) .
_______________________
1- هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري ابن أُخت أبي الهذيل العلاّف شيخ المعتزلة ( توفّي سنة 231هـ9 ، كانت له معرفة بالكلام وكان رأساً في الاعتزال ، وكان له آراء تخصّه ، منها رأيه في الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) نَصّ عليه بالإمامة وكتمته الصحابة ، ورفض حجّية الإجماع ، وقال : الحجّة هو نصّ المعصوم ، وقد اشتهر قوله في أمر المؤمنين : علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) محنة على المتكلّم ، إن وفى حقّه غلا ! وإن بخسه حقّه أساء ، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن ، حائرة الشأن ، صعب المراقي إلاّ على الحاذق الديّن ... نقله صاحب المناقب . وذكر الشهرستاني ميله إلى التشيّع ورفضه بِدع الطواغيت ، قائلاً : لا إمامة إلاّ بالنصّ والتعيين ظاهراً مكشوفاً ، وقد نصّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) على عليّ ( عليه السلام ) في مواضع ، وأظهره إظهاراً لم يشتبه على الجماعة ، إلاّ أنّ عمر كَتم ذلك لصالح أبي بكر يوم السقيفة ، ونَسب إلى عمر شكّة في الرسالة وقال : إنّه هو الذي ضرب فاطمة ( عليها السلام ) يوم هجم على دارها لأخذ البيعة من عليّ ، وكان مُتحصّناً في الدار ، فجاءت فاطمة لتحول دون هجومه عليها فأصاب بطنها فأسقطت جنينها ( محسناً ) ، وكان عمر يومذاك يصيح : احرقوا دارها بمَن فيها ، وكان في الدار الحسنان سبطا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ... إلى آخر ما سرده من مطاعن ابن الخطّاب . ( الملل والنحل : ج1 ، ص57 ) .
قلت : ويتأيّد قوله في قضيّة الدار بما ذَكره ابن عبد ربّه ـ في ( العقد الفريد ) : ج3 ، ص62 الطبعة الثانية القاهرة المطبعة الأزهرية ( 1346هـ ـ 1928م ) في الباب الرابع عشر ( في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ) في الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ( وهم عليّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة ) ... قال : فأمّا علي والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجهم من البيت ، وقال : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل عمر بقبس من نار ، على أن يُضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا ابن الخطّاب أَجئت لتُحرق دارنا ؟ قال عمر : نعم ، أَو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة ... فخرج عليّ حتّى دخل على أبي بكر فبايعه .
وما ذكره ابن قتيبة ـ في كتابه ( الإمامة والسياسة ) : ج1 ، ص19 تحقيق طه محمّد الزيني ، في باب ( كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب ) ـ قال : وإنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا . فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأُحرقنّها على مَن فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة ! فقال : وإن ، فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً ؛ لأنّه حلف أن لا يضع ثيابه على عاتقه حتّى يجمع القرآن ، فوقفت فاطمة ( عليها السلام ) على بابها فقالت : ( لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) جنازةً بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّاً ! ) فأتى عمر أبا بكر ، فقال له : أَلا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟! ـ يريد علياً ( عليه السلام ) ـ فأرسل أبو بكر قنفذاً مولاه ليُبلغه دعوته ، فأبى عليّ ( عليه السلام ) أن يخرج ، فكرّر عليه حتّى رفع عليّ صوته ، فقال : ( سبحان الله ، لقد ادّعى ما ليس له ) ، فرجع قنفذ ، ثمّ قام عمر ومشى معه جماعة حتّى أتوا باب فاطمة فدقّوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : ( يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ! ) فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمرو معه قوم ( من الرجّالة ) فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : ( إن أنا لم أفعل فمه ؟ ) قالوا : إذاً والله نضرب عنقك ، فقال : ( إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله ؟ ) قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، ثمّ انطلقا إلى فاطمة وقالا : إنّا قد أغضبناها فاستأذنّا عليها ، فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلّماه فأدخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها ، فلم تردّ عليهما السلام ... إلى آخر ما جرى بينها ( عليها السلام ) وبينهما .
وقال المسعودي : وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب ، وجمعه الحطب ليحرقهم ، ويقول : إنّما أراد بذلك إن لا تنتشر الكلمة ، ولا يختلف المسلمون ، وأن يدخلوا في الطاعة ، فتكون الكلمة واحدة ، كما فعل عمر بن الخطّاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر ، فإنّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار . ( شرح النهج لابن أبي الحديد : ج20 ، ص147 ، عن مروج الذهب : ج3 ، ص86 ) .
ونقل أبو جعفر عن بعض الزيدية احتجاجاً جاء فيه : وصار كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع حطب ببابها وتهدّدها بالتحريق من أَوكد عُرى الدين ! ( شرح النهج : ج20 ص 17 ) .
2- البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن : 53 .
3- شرح المواقف : ج 3 ص 112 ، والمتن للقاضي عضد الإيجي توفّي سنة 756 .
4- مقالات الإسلاميّين : ج 1 ص 296 .
5- الملل والنحل : ج 1 ص 56 ـ 57 .
6- هو الكاتب أبو عثمان عمرو بن بحر ، كان من غلمان النظّام ، وتعلّم عليه ، توفّي سنة 255 هـ
7- كتاب الحيوان : ج 4 ص 31 .
8- قال بذلك ـ في كتابه ( أوائل المقالات : ص 31 ) جاء فيه ـ : إنّ جهة ذلك هو الصرف من الله تعالى لأهل الفصاحة واللسان عن معارضة النبيّ بمثله في النظام عند تحدّيه لهم ، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله ، وإن كان في مقدورهم ، دليلاً على نبوّته ( صلّى الله عليه وآله ) ، واللطف من الله تعالى مستمرّ في الصرف عنه إلى آخر الزمان . وهذا من أوضح برهان في الإعجاز وأعجب بيان ، وهو مذهب النظّام ، وخالف فيه جمهور أهل الاعتزال .
غير أنّ المعروف عنه في كتب الإمامية هو مواكبته مع جمهور العلماء . قال المجلسي ـ ( في البحار : ج 17 ص 224 ) في إعجاز أُمّ المعجزات القرآن الكريم ـ : وأمّا وجه إعجازه فالجمهور من العامّة والخاصّة ومنهم الشيخ المفيد قدّس الله روحه على أنّ إعجاز القرآن بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة ، هذا مع اشتماله على الإخبار عن المغيّبات الماضية والآتية ، وعلى دقائق العلوم الإلهية ، وأحوال المبدأ والمعاد ، ومكارم الأخلاق ، والإرشاد إلى فنون الحكمة العلمية والعملية ، والمصالح الدينيّة والدنيويّة ، على ما يظهر للمتدبّرين .
وهكذا ذكر عنه القطب الراوندي ـ ( في الخرائج والجرائح ) : ص 269 ) قال بعد أن جعل الوجه الأوّل وهو القول بالصرفة قولاً للسيّد المرتضى ـ : والثاني : ما ذهب إليه الشيخ المفيد ، وهو أنّه كان معجزاً من حيث اختصّ برتبة في الفصاحة خارقة للعادة ...
9- الاقتصاد : ص 173 .
10- في كتابه ( تقريب المعارف ) الذي وضعه في أُصول المعتقدات : ص 105 ـ 108 .
11- وتقدّم أيضاً في ص 78 عن ابن ميثم في رسالته قواعد المرام في علم الكلام : ص 132 .
12 بنقل الشيخ في التمهيد .
13- إعجاز القرآن : ص 144 .
14- شرح المقاصد : ج 2 ص 184 .
15- في موسوعته القيّمة ( الدين والإسلام ) : ج 2 ص 137 .
16- رسالة الإسلام : القاهرية السنة الثالثة ، العدد 3 ص 300 ـ 301 .
17- المعجزة الخالدة : ص 97 ـ 98 .
18- جمل العلم والعمل للسيّد المرتضى (طبعة النجف 1387 هـ) : ص 41 ، وطُبعت مع المجموعة الثالثة من رسائله راجع ص 19 .
19- المجموعة الثانية من رسائل الشريف المرتضى : ص 323 ـ 326 المسألة الثالثة من المسائل الرسيّة الأُولى .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|