أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-09
846
التاريخ: 2024-10-21
245
التاريخ: 2024-09-29
147
التاريخ: 2024-05-22
667
|
محنة الهكسوس:
لم تعبر تسمية الهكسوس في أصلها عن شعب معين بقدر ما عبرت عن صفة لمجموعة من الحكام أطلق المصريون عليهم اسم "حقاو خاسوت" بمعنى حكام البراري، ثم حور الإغريق والمتأغرقون هذه التسمية إلى "هكسوس" التي ترجمها مانيتون بمعنى "ملوك الرعاة"، ثم ترجمها يوسيفوس اليهودي بمعنى "الأسرى الرعاة" ووصل بينهم وبين العبرانيين كفئة تابعة لهم، وافترض أن النبي يوسف دخل مصر في عصرهم، وأنهم -أي العبرانيين- خرجوا معهم بعد جلائهم عن مصر. وهو وإن أنزلهم إلى مرتبة الأسرى والرعاة، إلا أن تخريجاته التي قصد أن يدلل بها على قدم نشأة اليهود يحوطها شك كبير حيث لم يعرف لهم تاريخ مؤكد إلى بعد هذا بقرون.
ومرة أخرى لم يعبر المصريون باسم "حقاو خاسوت" "ومترادفات أخرى مثل عامو" (1) عن قومية معينة بقدر ما عبروا به عن صفات البربرية والأجنبية والقبلية بوجه عام. والواقع أن الأصل الجنسي للهكسوس لا زال مشكلة تنتظر الحل، والرأي المقبول نسبيًّا فيها هو أن هجرة الهكسوس إلى مصر كانت ذات صلة بتحركات شعوبية كبيرة هاجرت تباعًا من سهوب أواسط آسيا، تحت ضغط ظروف طبيعية أو بشرية لا نعرفها، منذ أوائل الألف الثاني ق. م، ثم تدفقت على فترات متقطعة طويلة إلى شرق أوروبا من ناحية، وإلى الأناضول وأراضي الهلال الخصيب من ناحية أخرى. واختلفت وسائل تحركاتها ونتائج هجراتها من عهد إلى عهد ومن أرض إلى أرض، كما اختلفت الأسماء التي عرفها التاريخ بها باختلاف الظروف التي ظهرت على مسرح الحوادث فيها، واختلاف الأسماء التي عبر بها أهلها عن أنفسهم، أو عبر عنهم بها أهل البلاد التي دخلوها. وهكذا عرفهم بعض المؤرخين باسم عام وهو اسم ، وعرفتهم مصادر بلاد النهرين باسم ، وعرفتهم مصادر آسيا الصغرى باسم ، وعرفتهم شواطئ الفرات العليا والمناطق السورية الشمالية الشرقية باسم ، وسلكتهم المصادر الإغريقية في تسمية ، وعرفتهم المصادر المصرية باسم الذي تحرف إلى، وجمع بين عادات أغلب المهاجرين إلى الشرق من هؤلاء وهؤلاء أنهم جروا على أن يؤلفوا في بداية أمورهم إمارات منفصلة، تلحق بعواصمها معسكرات كبيرة تحيطها سياجات وأسوار لبنية سميكة مرتفعة ويحف بها خندق عميق. وكانوا فيما يقال يضحون بجحش في حفل بناء سورهم ويدفنون تحت السور طفلًا، ويدفنون خيولهم في مدافن خاصة أو يدفنونها مع أصحابها تنويهًا باعتزازهم بها(2).
وبلغت شعبة من هذه الهجرات أعالي الشام خلال القرن 19 أو أوائل القرن 18ق. م، على وجه التقريب. ثم تسربت منها إلى جنوبها، وتزلزلت تحت ضغطها إمارات سورية كثيرة، وبدأ الأموريون في الشام يموج بعضهم في بعض، وأخذت بعض جماعاتهم تندفع ناحية الجنوب والشرق تحت ضغط المهاجرين. وتأثرت مصر فعلًا بهذه التحركات في عصر أسرتها الثالثة عشرة وأخذ كهنتها يستنزلون اللعنات على أصحابها. وعندما اقتربت جماعات المهاجرين من الحدود المصرية الشمالية الشرقية، كانوا خليطًا من الغالبين والمغلوبين وبمعنى آخر كانوا خليطًا من جماعات آرية غازية دفعتها الظروف إلى جنوب الشام، ومن جماعات أمورية هاربة عجزت عن الاحتفاظ بأرضها في سهول الشام وبواديها. ولم يدخل هؤلاء وهؤلاء أرض مصر دفعة واحدة، وإنما بدؤوا فانتشروا قرب حدودها وحول سبل تجارتها البرية المتجهة إلى بلاد الشام، وتسلل بعضهم إلى مراعي شرق الدلتا في جماعات متناثرة خلال فترات الاضطراب الداخلي التي انتهت بها أيام الدولة الوسطى، وكان أغلب هؤلاء الأخارى من الأموريين بخاصة، وقد يسر لهم طريقهم سابق معرفتهم بطرق الصحراء الشمالية الشرقية وسابق اتصالهم بأهل مصر. وقد احتفظت الآثار من أسمائهم ذات الصبغة السامية باسم عبد وما تحتمل قراءته يعقوب هر وعنات هر، وهو ما أوحى إلى البعض باحتمال وجود أسماء عبرية بينهم، ولكن هذه أسماء أمورية تسبق الأسماء العبرية بكثير، واستمرت بقية جماعات المهاجرين الكثيفة برؤسائها ذوي الأصل الآري وراء الحدود المصرية إلى حين. وليس من بينة صريحة على الظروف التي ساعدتها على اختراق الحدود المصرية عنوة للمرة الأخيرة، ولكن يحتمل أنها أقدمت على ذلك في أوائل القرن السابع عشر ق. م (3)، كرد فعل أخير لضغط آري جديد شرد أمامه الجماعات التي سبقته في الهجرة ابتداء من شمال سوريا إلى جنوبها، وهو فيما يغلب على الظن ضغط الحوريين. ووجد الهكسوس سبيلهم ميسرًا نتيجة لاشتداد نزاع الشخصيات الكبيرة في مصر على السلطة في أواخر عصر الأسرة الثالثة عشرة، وما ترتب عليه تلقائيًّا من تمزيق وحدة أمتهم وإضعاف إمكانياتها ومعنوياتها، الأمر الذي لم يتح لها مقاومة الغزاة مقاومة مجدية، وليس من المستبعد أن جماعات المتسللين الأموريين الذين تسربوا قبل ذلك إلى شرق الدلتا قد يسروا سبيل الغزو للجحافل الكبيرة وخوفوا الناس عن غير قصد من عنفها ومما تحمله معها من أسلحة جديدة للحرب لم يكن المصريون ولا جيرانهم يستخدمونها. ولا يزال المؤرخون على خلاف في تعيين هذه الأسلحة الجديدة، فعلى خلاف رأي قديم اعتقد أصحابه أن الهكسوس كانوا أول من أدخل الأسلحة البرونزية إلى مصر وأنهم دخلوها لأول مرة بالخيول وبالعربات الحربية التي كان لها ما للمصفحات الحالية من الأثر في تمزيق صفوف المشاة، دلت اكتشافات حديثة على أن المصريين عرفوا صناعة البرونز منذ الدولة الوسطى، وإن لم يستخدموه كثيرًا للأسف في أسلحتهم. وعرفوا قبله فكرة العجلات أو الطارات المستديرة منذ النصف الثاني للدولة القديمة واستخدموها في دفع سلالم الحصار الكبيرة (4)، وإن لم يعمموا استخدامها للأسف على نطاق واسع، وفي شيء من التردد ظهرت آراء جديدة ترى أنهم عرفوا الجياد منذ الدولة الوسطى أيضًا (5)، وأن أوائل الهكسوس لم يدخلوا مصر بالخيل والعربات منذ بداية أمرهم، وإنما وفدت بها جماعات قوية منهم أتت بعد تسرب أوائلهم إلى مصر بفترة غير قصيرة. وهكذا يتجه الترجيح حتى الآن إلى أن أهم عدد الحرب الجديدة التي أعانت الغزاة هي الدروع التي أكسبتهم مناعة وثقة، والأقواس المركبة الكبيرة المصنوعة من "طبقات" الخشب ومن القرون ومن أوتار شديدة (6)، وكانت ترمي بشدة وإلى مدى أبعد من مرمى الأقواس المصرية القديمة، وأخيرًا عربات الحرب بخيولها. وفي اعتمادهم على عربات الحرب ما يضعف رأي قديم رد أصل الهكسوس إلى شبه الجزيرة العربية، حيث لم تكن صحراؤها تسمح باستخدام مثل هذه العربات. أما عوامل التفكك الداخلي التي بسرت لهم سبيل الغلبة فقد شرحناها من قبل، وأما وقع غزوتهم على المواطنين المصريين فيكفي فيه ما استشهدنا به من وصف مانيتون المؤثر له.
ولم يكن من المتوقع أن يخلص أمر الدولة التي طمع الهكسوس في إقامتها بمصر لملك واحد على الفور، فقد حال دون ذلك أمران، وهما: أن الهكسوس كانوا قبليين في مجموعهم، آريين وأموريين، اعتادوا على أسلوب الإمارات المنفصلة وأنه لم يكن من المنتظر أن تدين مصر العظيمة لهم بالطاعة في سهولة. وترتب على هذين الأمرين أن تعددت أسماء الحكام في أيامهم الأولى تعددًا كبيرًا، وكان من هؤلاء حكام مصريون استمسكوا بأقاليمهم في غرب الدلتا وفي أقصى الصعيد واختلفت صلاتهم بالهكسوس تبعًا لموقفهم منهم ومدى قدرتهم على مقاومتهم، واعتبر كبارهم أنفسهم الورثة الشرعيين لملوك الدولة الوسطى الوطنيين وخلعوا على أنفسهم ألقاب الفراعنة كاملة، ولهذا جرى الاصطلاح على تسمية عصرهم باسم عصر الأسرة الرابعة عشرة على الرغم من أن القرابة بينهم كانت محدودة وكانوا معاصرين للهكسوس فعلًا، ودل ذلك على أن روح المقاومة الوطنية لم تمت. وفي الوقت ذاته لم يكن زعماء الغزاة أقل طموحًا، فانتحلوا لأنفسهم صفات الملوك وألقابهم أيضًا، ثم أخضعهم لسلطانه أشدهم بأسًا وجنودًا وجمعهم تحت رايته، وكان فيما روى مانيتون يسيطر على منطقة منف الغنية مركز الحكم القديم، ويدعى "سالتيس". واتخذ سالتيس "وهو اسم محرف" هذا عاصمة جديدة في شرق الدلتا على ضفة الفرع التانيسي القديم، كانت تسمى في اللغة المصرية "حة وعرة" وهو اسم بقي حتى الآن في اسم هوارة، وحوره الإغريق إلى "أفاريس" (7). واعتمد اختيار هذه العاصمة على أساس وقوعها وسط أتباع الهكسوس من المهاجرين الأموريين، وقيامها فوق كثبان رملية تطل على الفرع التانيسي، وحماية المناقع لها على بعد منها، ثم على أساس قربها من آخر المواطن التي وفد الهكسوس منها على مصر، وهي جنوب الشام، وقربها من الطريق التجاري البري الذي يصل بين مصر وبين الشام. وحصن الهكسوس عاصمتهم الجديدة تحصينًا شديدًا، وزودوها بحامية كبيرة العدد؛ إتقاء ثورات المصريين، وإتقاء للهجرات المحتملة الجديدة التي تخوفوا أن يقوم بها أبناء عمومتهم الآريون أو الأموريون. ووجد الهكسوس في معبود هذه المدينة "ست" شبهًا بمعبودهم القومي، إن في الشكل أو في الصفات، فمزجوا بينهما وعبدوا كلًّا منهما في شخص الآخر.
lوندع مناقشة تتابع ملوك الهكسوس وعلاقات بعضهم ببعض خلال ما يسمى باسم عهود الأسرات الخامسة عشرة والسادسة عشرة وجزء من السابعة عشرة لكتابنا الثاني عن حضارة مصر القديمة وآثارها. ونكتفي هنا بالملامح الرئيسة لهذه العهود، التي يحتمل من بردية تورين أنها شغلت مائة عام وثمانية أو ما هو أقل من ذلك بكثير(8). ومن هذه الملامح أنهم جمعوا بين أسمائهم الأجنبية مثل خيان وإببي، وبين أسماء مصرية خالصة مثل سوسرنرع، وعاوسر رع، وأنهم تشبهوا بالفراعنة المصريين الوطنيين في ألقابهم ملابسهم وهيئات تماثيلهم، وادعوا التقرب من الأرباب المصريين وسجلوا أسماءهم على معابدهم. ويمكن أن يفهم من ذلك كله أنهم مع استحواذهم على السلطة العليا حاولوا أن يتمصروا ويتخذوا مصر موطنًا ودار إقامة دائمة، ولم يعتبروها دولة تابعة، وحاولوا أن يموهوا على أهلها ويوحوا إليهم بنسيان غرابة أصلهم وقسوة غزوهم لأرضهم. وعثر لبعض هؤلاء الملوك على آثار قليلة في جنوب فلسطين، وفي كرما في النوبة بل وفي كريت وفي بغداد أيضًا(9). وتم ذلك فيما يغلب على الظن عن طريق التجارة والتبادل، دون الغزو وبسط النفوذ كما ذهبت آراء قديمة تخيلت للهكسوس إمبراطورية متسعة ذات نشاط في البر وفي البحر معًا.
وارتبط بأذواق عصر الهكسوس شيوع أنواع متواضعة من المشابك والحلي، وزخارف الجعلان والأختام. وزخارف الفخار الملون والمشكل على هيئة الطير، وظهور وحدة جديدة للموازين، فضلًا عما ارتبط بوجودهم من انتشار الخيول وعربات الحرب والدروع والسيوف المقوسة والأقواس المركبة. ولكن لوحظ أن النماذج الباقية من آثارهم صغيرة قليلة، وأن عصرهم في مجمله لم يترك أثرًا ذا بال في تطوير فنون النحت والنقش وهندسة العمارة، وذلك إلى الحد الذي تطابقت معه الروح الفنية لآثار العهود الأخيرة من الدولة الوسطى، التي سبقت دخول الهكسوس، مع الروح الفنية لآثار أوائل عهود الدولة الحديثة التي أعقبت خروجهم من مصر. وعلى نحو ما عجز الهكسوس عن إضافة شيء جديد إلى الحياة الفنية، عجزوا كذلك عن تبديل تقاليد مصر الروحية واللغوية والدينية، فظلت كما هي، وحدث على العكس أن تأثروا هم بها وتطبعوا بها، وإن لم يمنع هذا من الاعتراف بأنهم جعلوا جنسهم يمثل الطبقة العليا أو يمثل جزءًا منها على أقل تقدير.
__________
(1) تراجع مناقشتها في كتابنا الثاني عن حضارة مصر القديمة وآثارها.
(2) W.F. Petrie-Ancient Caza, I, 4, Pls. Viii-Ix; Vol. Ii, 4, 15; Vol. IV, 16.
(3) لا يزال تحديد زمن هذا الغزو موضع جدل طويل، وتتراوح تقديرات المؤرخين له بين 1730 و1710، و1690ق. م. أو ما بعد ذلك.
See, Alliot, Jnes, 1950, 204 F.; And Compare, Sethe, Zaes, Lxv, 85 F.; P.C. Labib,, Die Herrschaft Der Hyksos In Aegypten…, 1936; Stock, Studien Zur Geschichte Und Archaeologie Der 13 Bis 17 Dynastie Aegyptens, 1941; J. Van Seters, The Hyksos, 1966; D.B. Redord, Orientalia, 1970, 1 F.
(4) Quibell, Teti Pyramid, North Side, Frontispice.
(5) W.B. Emery, Kush, VIII, 1960, 8, Pl. III B.
خرج الأستاذ ولتر إيمري بهذا الرأي بعد قيامه بحفائر أثرية في منطقة بوهن بالنوبة العليا، وعثوره فيها على هياكل خيول دفنت في مستويات قديمة لأطلال أحد الحصون المصرية هناك. وقد حدد تاريخ هذا المستوى بأيام الدولة الوسطى. ولكن ظهرت آراء أخرى تعارضه وتود إرجاع هذا المستوى على أوائل الدولة الحديثة.
(6) جون ولسون: الحضارة المصرية - ص272.
(7) See H. Junker, Zaes, Lxxvii; P. Montet, Tanis. 1942; H. Kees, Tanis. 1944; Gardinier, Ancient Egyptian Onomastica, II, 279 F.
(8) See. H. Stock, Op. Cit.; Saeve Soderbergh, Jea, XXXVII, 62 F.; Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, 158 F.
(9) Catalogue Of The British Museum, No. 987; Budge…, No. 340; Evans, the Palace Of Minas, 419, Fig 304 B.
جون ولسون: المرجع السابق -269
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
السيد السيستاني يستقبل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق
|
|
|