أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
2660
التاريخ: 5-11-2014
1777
التاريخ: 5-11-2014
5760
التاريخ: 5-11-2014
9984
|
لا شكّ أن أدب الكلام هو بمَطالعه ومقاطعه ، والناطق المفوّه مَن أجاد الورود في مقصوده والتخلّص عنه ، وهو من أركان شرط البلاغة التي بها تُعرف مقدرة المتكلّم البليغ في حسن التوفية ولطف التعبير .
ذكر ابن الأثير للكتابة شرائط وأركاناً ، أمّا الشرائط فكثيرة ـ أودعها ضمن تأليفه ( المَثَل السائر ) ـ وأمّا الأركان التي لابدّ من إبداعها في كل كتاب بلاغي ذي شأن فخمسة ، أحدها ـ وهو الركن الأول ـ أن يكون مطلع الكتاب عليه جِدَّة ورشاقة ، فإنّ الكاتب من أجاد المطلع والمقطع . أو يكون مبنيّاً على مقصد الكتاب (1) ، قال : ولهذا باب يُسمّى باب ( المبادئ والافتتاحات ) والركن الآخر ـ وهو الثالث ـ أن يكون خروج الكاتب من معنى إلى معنى برابطة لتكون رقاب المعاني آخذة بعضها ببعض ، ولا تكون إلاّ متقضبة ؛ ولذلك باب يُسمّى باب ( التخلّص والاقتضاب ) (2) .
قال أهل البيان : من البلاغة حسن الابتداء ، ويُسمّى ( براعة المطلع ) ، وهو أن يتأنّق المتكلّم في أول كلامه ، ويأتي بأعذب الألفاظ وأجزلها وأرقّها وأسلسها وأحسنها نظماً وسبكاً ، وأصحّها مبنىً ، وأوضحها معنىً ، وأخلاها من الحشو والركّة والتعقيد ، والتقديم والتأخير الملبّس والذي لا يناسب .
قالوا : وقد أتت جميع فواتح السور من القرآن المجيد على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها ، كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك (3) .
قال ابن الأثير : وحقيقة هذا الركن البلاغي أن يجعل مطلع الكلام دالاً على المعنى المقصود منه ، إن كان فتحاً ففتحاً ، وإن كان هناءً فهناء ، أو عزاءً فعزاء ، وكذلك في سائر المعاني .
قال : وهذا يرجع إلى أدب النفس لا إلى أدب الدرس ، ولهذا عيب على كثير من الشعراء والخطباء ، زلّتهم في هذا المقام (4) .
قال : وإنّما خصّت الابتداءات بالاختيار لأنّها أول ما يطرق السمع من الكلام ، فإذا كان الابتداء لائقاً بالمعنى الوارد بعده توفّرت الدواعي على استماعه .
قال : ويكفيك من هذا الباب الابتداءات الواردة في القرآن الكريم ، كالتحميدات المفتتح بها أوائل السور ( منها المسبّحات ) . وكذلك الابتداءات بالنداء في مثل قوله : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1] ، فإنّ عموم الخطاب ينمّ عن رعاية وعناية بالغة بشأن المخاطبين جميعاً ، ولا سيّما جاء تعقيبه بربّ الجميع الذي أفاض عليهم نعمة الوجود ومنَحهم الحياة وأنشأهم من أصل واحد ، لا ميز بينهم في أصل ولا نسب ، فما أبرعه من خطاب جلل فخم ، يسترعي انتباه عامّة الخلائق في هذا الشمول والعموم .
وكذلك قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج : 1] فإنّ هذا الابتداء المقترن بالتنبيه على خطورة أمر الانتهاء ممّا يسترعي الانتباه ويُوقظ السامعين للإصغاء إليه بكل وجودهم .
قال : وكذلك الابتداءات بالحروف المقطّعة في مثل قوله : ( طس ) و( حم ) و( الم ) و( ق ) و( ن ) وغيرهنّ ممّا يبعث على الاستماع إليه ؛ لأنّه يقرع السمع شيءٌ غريب ، ليس بمثله عادة ، فيكون سبباً للتطلّع نحوه والإصغاء إليه .
ثمّ أخذ في بيان ما استقبح من الابتداءات أقوال الشعراء (5) .
_____________________
(1) ويُسمّى ذلك ( براعة الاستهلال ) ، وذكره ابن الأثير في النوع الثاني والعشرين ، في ( المبادئ والافتتاحات : ج3 ص96 ) قال : وحقيقة هذا النوع أن يجعل مطلع الكلام دالاً على ذات المقصود منه والجهة التي يريدها المتكلّم بكلامه .
وذكره ابن معصوم بعنوان : ( حُسن الابتداء وبراعة الاستهلال ) في ( أنوار الربيع : ج1 ص34 ) .
(2) ذكره ابن الأثير في النوع الثالث والعشرين ( ج3 ص121 ) قال : أمّا التخلص فهو أن يأخذ المتكلّم في معنىً من المعاني ، فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره ، وجعل الأوّل سبباً إليه ، فيكون بعضه آخذاً برقاب بعض ، من غير أن يقطع كلامه ويستأنف كلاماً آخر ، بل يكون جميع كلامه كأنّما أفرغ إفراغاً ، وأمّا الاقتضاب فهو أن يقطع كلامه ويستأنف كلاماً آخر ، ولا يكون بينهما علاقة في ظاهر الأمر ، وهو مذهب من مذاهب العرب فيه طرافة وظرافة ، وسنأتي على كلّ من القسمين في مبحث ( حسن الختام ) ص 320 إن شاء الله .
(3) قاله ابن معصوم في أنوار الربيع : ج1 ص34 .
(4) راجع ما ذكره من معايب الشعراء القدامى والمحدثين في هذا الباب ، وكذلك ما أخذه ابن معصوم على مطلع قصيدة امرؤ القيس ، وقد ذكرنا شطراً منه فيما سبق في حقل المقارنات ، راجع ص 174 .
(5) المَثَل السائر : ج3 ص98 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|