أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2016
1108
التاريخ: 29/10/2022
1857
التاريخ: 21-9-2016
981
التاريخ: 22-9-2016
1276
|
أن المؤمن لا بد و أن يكون معظما للّه و خائفا منه و راجيا و مستحييا من تقصيره فلا ينفك من هذه الأحوال بعد إيمانه و إن كانت قوتها بقدر قوة يقينه ، فانفكاكه عنها في الصّلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر و تقسّم الخاطر و غيبة القلب عن المناجاة و الغفلة عن الصّلاة و لا يلهي عن الصّلاة إلا الخواطر الرّدية الشاغلة.
فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ، و لا يدفع الشيء إلا بدفع سببه و سبب توارد الخاطر إما أن يكون أمرا خارجا أو أمرا في ذاته باطنا أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر فان ذلك قد يختطف(1) , الهم حتّى يتبعه و يتصرّف فيه ؛ ثم ينجر منه الفكر إلى غيره و يتسلسل و يكون الابصار سببا للافتكار ثم يصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض و من قويت رتبته و علت همّته لم يلهه ما يجري على حواسّه و لكن الضعيف لا بد و أن يتفرغ به فكره.
فعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره و يحترز من الصّلاة على الشوارع و في المواضع المنقوشة المصبوغة ، و لذلك كان المتعبّدون يتعبّدون في بيت صغير مظلم سعته بقدر السجود ليكون أجمع للهمّ و الأقوياء كانوا يحضرون المساجد و يغضّون البصر و لا يجاوزونه موضع السّجود كما ورد الأمر به و يرون كمال الصّلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم و شمالهم.
وأمّا الأسباب الباطنة فهي أشدّ فان من تشعبت الهموم به في أودية الدنيا لم ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب و غض البصر لا يغنيه فان ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل.
فهذا طريقه أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه و يشغلها به عن غيره و يعينه على ذلك أن يستعدّ له قبل التحريم بان يجدد على نفسه ذكر الاخرة و موقف المناجاة و خطر المقام بين يدي اللّه و هول المطلع و يفرغ قلبه قبل التحريم بالصّلاة عما يهمّه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره ، فهذا طريق تسكين الافكار.
فان كان لا تسكن أفكاره بهذا الدواء فلا ينجيه إلّا المسهل الذي يقمع(2) , مادّة الداء من أعماق العروق و هو أن ينظر في الامور الشّاغلة الصارفة له عن احضار القلب و لا شك في أنها تعود إلى مهماته و أنها إنما صارت مهمّة بشهواته فليعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات و قطع تلك العلايق فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضدّ دينه و جند ابليس عدوّه ، فامساكه أضرّ عليه من إخراجه فيتخلص عنه باخراجه و لا يغني غير ذلك ، فانّ ما ذكرناه من التلطف بالتسكين و الرّد إلى فهم الذكر إنما ينفع في الشهوات الضعيفة و الهم التي لا تشتغل إلّا حواشي القلب.
فاما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع معها التسكين بل لا يزال تجاذبها و تجاذبك ثم تغلبك و ينقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة.
و مثاله مثال رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره و كانت أصوات العصافير تشوّش عليه فلم يزل يطردها بخشبة هي في يده و يعود إلى فكره فيعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة فقيل له إن هذا سير السّواني و لا ينقطع فان أردت الخلاص فاقطع الشجرة.
فكذلك شجرة الشهوة إذا استعلت و تفرعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار و انجذاب الذباب إلى الاقذار ، و الشغل يطول في دفعها فانّ الذّباب كلما ذبّ آب(3)، و لأجله سمّي ذبابا ، فكذلك الخواطر و هذه الشهوات كثيرة قلما يخلو العبد عنها و يجمعها أصل واحد و هو حبّ الدنيا ، و ذلك رأس كلّ خطيئة و أساس كل نقصان و منبع كل فساد.
و من انطوى باطنه على حبّ الدّنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزوّد منها و يستعين بها
على الاخرة فلا يطمعن في أن يصفو له لذّة المناجاة في الصّلاة ، فان من فرح بالدنيا فلا يفرح باللّه و بمناجاته و همة الرّجل مع قرة عينه فان كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه و لكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة وردّ القلب إلى الصّلاة و تقليل الأسباب الشاغلة.
فهذا هو الدّواء و لمرارته استصعبه الطبايع و بقيت العلة مزمنة و صار الداء عضالا(4), حتى أن الأكابر اجتهدوا أن يصلّوا ركعتين لا يحدّثون أنفسهم فيهما بامور الدنيا، فعجزوا عنه فاذن لا مطمع فيه لأمثالنا و ليته سلم لنا من الصّلاة شطرها أو ثلثها عن الوسواس لنكون ممن خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا ، و على الجملة فهمّة الدّنيا و همّة الاخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح فيه خلّ فبقدر ما يدخل فيه من الماء يخرج منه الخل لا محالة و لا يجتمعان.
______________________
1- خطف الشيء استلبه بسرعة. المنجد.
2- قمعه كمنعه : قهره و ذلله ق.
3- الذب: الطرد ، و الاوب : الرجوع.
4- عضل به الامر اشتد , المنجد , و الداء العضال : المرض الصعب الشديد الذي يعجز عنه الطبيب م.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جامعة كربلاء: مشاريع العتبة العباسية الزراعية أصبحت مشاريع يحتذى بها
|
|
|