قاعدة « ما يضمن وما لا يضمن - كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده » |
519
08:44 صباحاً
التاريخ: 20-9-2016
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016
333
قاعدة « ما يضمن وما لا يضمن - كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده »
التاريخ: 20-9-2016
520
التاريخ: 20-9-2016
388
التاريخ: 2024-08-13
329
|
[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :
- جمع ممن تعرض للقاعدة .
- مفاد القاعدة ومغزاها .
- مدركها من الإجماع وسيرة العقلاء، وقاعدة اليد، ولا ضرر، وقاعدة الإقدام .
- العمدة فيها قاعدة احترام الأموال .
- موارد شمولها .
- ما المراد بالضمان هنا ؟
- هل العموم باعتبار أنواع العقود أو أصنافها وأشخاصها .
- شمول القاعدة للمنافع والأعمال .
قاعدة ما يضمن والكلام فيه يقع في مقامات :
المقام الأول : في من تعرض لها :
من القواعد المعروفة في لسان المتأخرين قاعدة «ما يضمن» إثباتا ونفيا، وهي انه كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.
و هذه القاعدة بهذه العبارة وان لم توجد في كلمات قدماء الأصحاب، ولا وقعت في مقعد إجماع منهم ولا في شيء من النصوص، الا ان القول بمفادها محكي عن الشيخ قدس سره في المبسوط، وشاع الاستدلال بها بين المتأخرين والمعاصرين، في مختلف أبواب الفقه .
فهذا هو المحقق البارع صاحب الجواهر استدل بها في كتاب «التجارة» و«الإجارة» و«العارية» و«الوكالة» و«الشركة» و«الرهن» وغيرها.
قال في كتاب «التجارة» عند قول المحقق: «لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه وكان مضمونا عليه» ما نصه: «و من ذلك كله ظهر لك الوجه فيما ذكروه هنا في الاستدلال على الحكم المزبور من قاعدة كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، التي قد يظهر من بعضهم الإجماع عليها.
نعم قد يتوقف فيما صرحوا به من مفهومها على وجه القاعدة أيضا، وهو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، كالمال في الهبة والعارية، ونحوهما إذ لا وجه له سواء انهما قد أقدما على المجانية فلا ضمان لكنه كما ترى» «1».
و قال في كتاب «العارية»: وكذا لو تلف العين في يد المستعير ولم تكن مضمونة عليه (أي لا يرجع اليه). اللهم الا أن يقال ان قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده تقتضي ذلك، ولعلها المدرك للمصنف وغيره في الحكم بعدم الضمان «2».
و قال في كتاب «الإجارة» في شرح قول المصنف: «لو شرط سقوط الأجرة ان لم يوصله فيه لم يجز وكان له اجرة المثل» ما نصه: «لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» «3».
و قال في ذاك الكتاب بعينه في شرح قول المصنف: «كل موضع يبطل فيه عقد الإجارة يجب فيه اجرة المثل مع استيفاء المنفعة.» ما نصه: «بلا خلاف أجده فيه في شيء من ذلك، بل يظهر من ارسالهم ذلك إرسال المسلمات انه من القطعيات، مضافا الى مثل ذلك بالنسبة إلى قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده الشاملة للمقام» «4».
و قال في كتاب «الشركة»: «بقي الكلام فيما ذكره المصنف وغيره، من قسمة الربح على المالين، بناء على البطلان- الى أن قال- وأما الأجرة لكل منهما عوض عمله في المال، بنقل ونحوه، فالوجه فيه احترام عمل المسلم، واقدام المتبرع منهما بزعم صحة العقد، فمع فرض بطلانها لم يكن منه تبرع، لكن قد يقال بمنع الأجرة مع ذلك لأصالة البراءة، نعم هو كذلك بالنسبة الى من شرطت الزيادة له باعتبار صيرورته كالقراض الفاسد، فان العامل يستحق الأجرة فيه لان ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، فكذا هنا» «5».
و قال في كتاب «السبق» في شرح قول المصنف «إذا فسد عقد السبق لم يجب بالعمل اجرة المثل» ما نصه: «لكن في القواعد وجامع المقاصد ومحكي التذكرة ان له اجرة المثل. لقاعدة ما يضمن بصحيحه» «6».
الى غير ذلك مما هو كثير في أبواب الفقه ولا يختص بباب دون باب.
والمقصود من ذلك كله انهم اعتمدوا على القاعدة، وأرسلوه إرسال المسلمات بل يظهر مما عرفت من كلام بعضهم انه مجمع عليه عندهم، وان كان الإجماع في أمثال هذه المسائل مما لا يمكن الاعتماد عليه، بعد وجود مدارك أخرى في المسألة.
المقام الثاني: في مفاد القاعدة :
و قد تصدى بعض أساطين الفن كالعلامة الأنصاري (رضوان اللّه عليه) لتحقيق معنى القاعدة ومفادها وان المراد من العقد في قولنا كل عقد يضمن بصحيحه ما ذا وهل يشمل العقود الجائزة واللازمة كليهما أو ما فيه شائبة الإيقاع أيضا، مثل الجعالة والخلع .
و ان المراد بالعقد هل هو أنواعه أو أصنافه أو أشخاصه ؟
وان المراد بالضمان هل هو ضمان المثل أو المسمى أو القدر الجامع بينهما ؟
وان المراد بالباء في قولنا يضمن بصحيحه ويضمن بفاسده هل هو معنى السببية أو الظرفية ؟ الى غير ذلك.
و لكن من المعلوم كما ذكره جمع من أعاظم المعاصرين أو ممن قارب عصرنا انه لم يرد هذه القاعدة بهذه العبارة في شيء من النصوص، ولا في معاقد الإجماعات، حتى يتكلم في جزئيات مفاد ألفاظها، بل اللازم في مثل ذلك الرجوع الى مداركها الأصلية، ثمَّ البحث عن مقدار دلالتها وما يستفاد منها.
وبالجملة لا نحتاج الى البحث عما تحتوي عليه هذه العبارة، كما أتعب العلامة الأنصاري نفسه الزكية في ذلك، فلو دل الدليل على ما يخالف هذه العبارة نأخذ به، ولو دلت العبارة على شيء لا ترشد إليه الأدلة فلا يسعنا القول به، فلا وجه للمعاملة مع هذه العبارة كآية، أو حديث، أو معقد إجماع ، بعد عدم ذكر لها في شيء من النصوص فاللازم الرجوع الى ما ذكروه من الأدلة هنا.
ولكن الذي يراد من هذه القاعدة إجمالا في عباراتهم حتى نتكلم في خصوصياتها بعد ذكر الأدلة، ان العقود التي يبذل فيها المال بإزاء مال ولا يكون مجانيا عند صحتها لا يكون مجانيا في صورة الفساد، ولا يسع المشتري أو المستأجر أو غيرهما ان يرى نفسه بريئا من الضمان استنادا الى فساد العقد، فان العقد الفاسد في هذه الموارد أيضا موجب للضمان كصحيحه.
و هكذا في عكس القاعدة أي إذا كان عقد بنائه على المجانية، فلا يمكن القول بالضمان في فرض فساده، استنادا إلى قاعدة اليد.
هذه خلاصة مضمون القاعدتين وتفاصيلها تأتي بعد ذكر أدلتها.
المقام الثالث : فيما يدل على صحة القاعدة :
لا بد لنا هنا أولا التفكيك بين القاعدة أصلا وعكسا والتكلم في كل واحد منهما مستقلا فنقول ومن اللّه التوفيق والهداية :
استدلوا لأصل القاعدة بأمور كثيرة متفرقة في كلماتهم وحاصلها ما يلي :
1- «الإجماع» المدعى في كلمات غير واحد منهم .
2- «سيرة العقلاء» وبناء طريقتهم على الضمان في العقود الفاسدة، إذا كان صحيحها موجبا للضمان، كالبيع والإجارة الفاسدتين ، وكذا عقد النكاح والمضاربة، بل الجعالة أيضا، فمن أنكر الضمان في هذه المقامات ينكرون عليه، وحيث ان الظاهر ان هذه السيرة تستمر الى زمن الشارع، بل وما قبله، ولم يردع عنه فهي حجة معتبرة .
3- «قاعدة على اليد» فان المقبوض بالعقد الفاسد إذا تلف في يد القابض فهو ضامن له بمقتضى هذه القاعدة، المستفادة من النصوص الكثيرة العامة والخاصة الواردة في أبواب مختلفة، والقول بعدم شمولها للمنافع فلا يشمل الإجارة الفاسدة فهو ممنوع، لان المنافع- مثل منافع الدار وغيرها- تجرى عليها اليد بتبع جريانها على العين، فمن استولى على الدار استولى على منافعه، فلو تلف المنافع وهي في يده تكون قاعدة على اليد حجة عليه، ولذا يكون قبض المنافع في باب الإجارة بقبض العين، نعم قاعدة على اليد لا تشمل اعمال المسلم، فإنها ليست عينا ولا منفعة على المشهور، فلو كان الدليل على القاعدة، قاعدة اليد لم يمكن الاستناد إليها في أبواب المضاربة الفاسدة والمزارعة والمساقاة وشبهها.
4- «قاعدة لا ضرر» :
فان عدم ضمان المشتري بالعقد الفاسد لتلف العين يعد ضررا عظيما فيندرج تحت قاعدة لا ضرر، الا انه يأتي فيه الاشكال المعروف بأن قاعدة لا ضرر لا يثبت حكما بل ينفي الأحكام الضررية، وحيث ان المراد هنا الاستدلال بها لإثبات حكم الضمان يشكل الأخذ بها، ولكن قد ذكرنا في محله نفي الجد عن كون قاعدة لا ضرر مثبتا للاحكام التي لولاها يلزم منها الضرر، وتفصيل القول فيه موكول الى محله.
5- «قاعدة الإقدام» الذي استند إليها جمع كثير منهم الشيخ في المبسوط فيما حكي عنه وتبعه غيره في هذا الاستدلال.
6- «قاعدة احترام مال المسلم» والمنافع المتعلقة به واعماله، بل وغير المسلم ممن يكون أمواله محترمة.
إذا عرفت هذا فاعلم ان العمدة من هذه الأدلة على المختار هو الأخير.
توضيحه : ان الأصل في الأموال والمنافع والأعمال المتعلقة بإنسان بنحو مشروع ان لا تخرج من يده بغير اذنه، وان لا يتصرف فيها بغير رضاه، وهذا مما استقر عليه بناء جميع العقلاء من أرباب الملل وغيرها، وممن تدين بدين أو لم يتدين، وما ورد في الشرع من ان حرمة مال المسلم كحرمة دمه، أو انه لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه، أو غير ذلك من الروايات، مما يحتوي على مضمونها، فهي كلها إمضاء لبناء العقلاء واستقرار ديدنهم على احترام الأموال والمنافع والاعمال، وليست أحكاما تأسيسية كما هو كذلك جل أبواب المعاملات.
والظاهر ان هذا المعنى اعني احترام الأموال مستفاد من حقيقة الملك وتسلط الإنسان على أمواله، بل وعلى منافعه، فان السلطة التي تسمى ملكا للعين أو المنافع أو تسلطه على اعماله تقتضي ذلك، فإنها تفيد عدم جواز مزاحمة غيره له بغير اذنه، وانه إذا زاحمه وأتلفها لا بد له من تدارك الخسارات.
فتلخص من جميع ما ذكرنا ان القاعدة نشأت من عمق معنى الملكية وحقيقة السلطة الموجودة فيها، فاذا كانت السلطة المسماة بالملكية مشروعة ممضاة عند العقلاء والشرع فلا يحل لأحد إزالتها إلا برضا مالكها، ولو أزالها لزم عليه جبرانها وتداركها.
واما سائر الأدلة التي أقاموها على القاعدة فهي اما منظور فيها، أو ترجع بالمآل الى ما ذكرنا.
اما الإجماع فعدم جواز الاعتماد عليه في أمثال المقام ظاهر.
واما «قاعدة لا ضرر» فهي تعود الى ما عرفت فان الضرر ينشأ من أخذ مال المالك وقطع سلطته بغير اذن منه.
و كذا «على اليد» فان الضمان الحاصل عن تلف مال إنسان في يد آخر انما هو من ناحية احترام ماله ومقتضى ملكيته .
واما «الاقدام» فلا دليل على انه بمجرده يوجب الضمان ما لم يكن مزاحما لسلطنة الإنسان على ماله، فإن الإقدام يرجع الى الدخول في أمر بقصد شيء، ومن المعلوم ان مجرد قصد شيء لا يوجب الالتزام به، ما لم يندرج تحت عقد أو إيقاع معتبر، فلو أقدم إنسان على أخذ بعض المباحات الأصلية بقصد ان يكون مكلفا بأداء مثله أو قيمته الى شخص آخر، فمن الواضح انه لا يوجب عليه شيئا، كما انه لو كانت المسألة على عكس ذلك بان وضع يده على مال غيره لا بقصد الضمان، بل بأن يكون له مجانا، فان هذا القصد لا يؤثر شيئا بعد ان كان المال مال شخص آخر وكان وضع يده عليه بغير اذنه.
وبالجملة الإقدام بنفسها لا يوجب الضمان لا وجودا ولا عدما بل لا بد ان ينضم إليه إزالة سلطة إنسان عن ماله بغير رضاه، وإذا انضم اليه هذا المعنى لم يحتج إلى الإقدام على الضمان.
[فيما يدل على صحة عكس القاعدة وهو أن كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده] :
هذا كله بالنسبة إلى أصل القاعدة واما «عكسها» وهو ان «كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» فغاية ما يمكن ان يستدل عليه أمور:
أولها «الإجماع» وقد عرفت الكلام فيه.
هذا لو تمَّ دعوى الإجماع هنا، وفيها تأمل.
ثانيها «الأولوية» التي استدل بها الشيخ في المبسوط كما حكي عنه بالنسبة إلى الرهن، وحاصلها ان العقد الصحيح مثل الإجارة والعارية والهبة إذا لم يقتض الضمان مع ان الشارع أمضاها، فالفاسد الذي بمنزلة العدم لا يؤثر في الضمان، لان الضمان اما من ناحية الاقدام عليه، والمفروض عدمه، واما من ناحية حكم الشارع بالضمان، بواسطة المعاملة الفاسدة، والمفروض انها لا تؤثر شيئا، ولو كان العقد صحيحا أمكن ان يقال ان الضمان من مقتضيات الصحيح، ولكن في الفاسد الذي بمنزلة اللغو فلا معنى للقول به.
و لكن يرد عليه ان الأمر بالعكس فإنه يمكن ان يقال ان الصحيح لا يوجب الضمان لان الشارع أمضاه، وامضى ما يتضمن عليه من التسليط الأماني، وبه يخرج عن قاعدة احترام مال المسلم وضمان اليد، واما إذا لم يمضها الشارع فيبقى قاعدة الاحترام وضمان اليد بحالها، ولا مخرج عن الضمان، فلا يمكن الاعتماد على الأولوية في إثبات عكس المسألة.
وثالثها «قاعدة الامانة» وحاصله ان من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن وهذه قاعدة مستفادة من بناء العقلاء والنصوص الكثيرة الواردة في أبواب الضمانات والإجارات، وغيرها.
وهذه القاعدة كما تقتضي عدم الضمان في صورة صحة العقد كذلك يقتضي عدمه في صورة الفساد.
اللهم الا ان يقال استيمان المالك كان على فرض صحة العقد، واما على فرض فساده فلا استيمان، وبعبارة اخرى انما سلط المالك غيره على ماله، وجعله امانة في يده مثل اجارة الدار، وأشباهه، بناء على صحة العقد وكون ذلك من حقوق المستأجر، اما لأجل الجهل بفساد العقد، أو مع العلم به وعدم الاعتناء بحكم الشرع والبناء على حكم العقلاء فقط، ومن المعلوم ان هذا الاستيمان المبني على هذا البناء لا يقتضي كون المال امانة في يد القابض.
وبعبارة أخرى لم نجد دليلا عاما على ما ذكره الشيخ وهو ان «من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن» بل الذي يستفاد من أبواب الإجارات والأمانات انه إذا كان أمانة صحيحة من قبل المالك في يد القابض فهو ليس بضامن، واما إذا حكم بفساد هذه الأمانة أو كانت من توابع عقد فاسد كالإجارة فكيف يمكن القول بعدم الضمان، بمجرد تسليط المالك المبني على صحة العقد ، وكيف يخرج عن قاعدة احترام مال المسلم وضمان اليد بمجرد هذا.
فالإنصاف ان هذا أيضا لا يتم دليلا على عكس القاعدة .
نعم يمكن ان يقال ان ملاك الضمان في التلف هو اليد العادية، وليس المقام من مصاديقها، فان المالك هو الذي سلط غيره على ماله، سواء علم بفساد العقد في الشرع أم لم يعلم، إذا كان غير مكترث بحكم الشرع وكان عمله على وفق حكم العقلاء، أو كان غير معتن بحكم العقلاء أيضا، وكان عمله على وفق ما يعتقده صحيحا في نفسه وان كان فاسدا عند الكل.
ففي كل ذلك لم يتسلط غير المالك على الملك عدوانا بل تلقاه من مالكه، ومن المعلوم ان هذا اليد لا تعديدا عادية، فلا توجب الضمان.
نعم إذا كان المالك يعتقد الصحة شرعا، بحيث لو علم بفساده لما سلط الغير على ماله، وعلم الغير ذلك أيضا مع علمه بفساد المعاملة، فحينئذ لا يجوز له أخذ المال وتحسب يده عادية، وتدخل تحت أدلة الضمان.
فتحصل من جميع ذلك ان ضمان اليد منتف في جميع الصور ما عدا الصورة الأخيرة، ولعل كلام الأصحاب أيضا غير ناظر إليها، ولكن هذا كله انما يتم بالنسبة إلى التلف وهل يمكن اجراء هذا الحكم بالنسبة إلى الإتلاف أو يختص بالتلف ؟
لا يبعد العموم فإنه إذا فرض رضى المالك بالإتلاف في مثل الهبة الفاسدة، لعدم اعتنائه بحكم الشرع واكتفائه بحكم العقلاء، أو ما يراه صحيحا بنفسه، فهل يكون هذا المقدار من الرضا كافيا في عدم الضمان بالإتلاف، ولو كان مبنيا على صحة العقد؟ لا يبعد ذلك.
نعم الاستثناء الذي مر في حكم الإتلاف جار هنا، وهو ما إذا رضى المالك لعلمه بصحة المعاملة بحيث لو علم بالفساد لما رضى به، وكان الموهوب له مثلا عالما بهذا المعنى فان عدم ضمانه في هذه الصورة مشكل جدا.
هنا تنبيهات :
الأول- في مقدار شمول قاعدة ما يضمن :
هل القاعدة أصلا وعكسا تشمل جميع العقود، أو ما يشبه الإيقاع، بل الإيقاعات أيضا، أو يختص ببعضها ؟
قد يقال ان مفاد القاعدة لو كان «كل عقد» يضمن بصحيحه إلخ لا يشمل ما لا يصدق عليه عنوان العقد، وان كان ما يضمن بصحيحه- إلخ- يشمل غير العقود أيضا.
و لكنك قد عرفت ان هذه العبارة لم ترد في نص، ولا في معقد إجماع، وانه لا تدور الاحكام مدارها، فشمول هذه العبارة أو قصورها لا يدل على عموم الحكم وعدمه، بل المدار على الدليل الذي استندنا إليه في إثبات القاعدة أصلا وعكسا.
و لما كانت العمدة في إثبات «أصل القاعدة» هو «قاعدة احترام مال المسلم، والمنافع المتعلقة بأمواله، بل واعماله» فالحكم يدور مدار هذا العنوان، فكل من استولى على أموال الغير ومنافعه بأي عنوان كان، كان ضامنا له إذا تلف في يده، أو أتلفه، الا ان يكون المالك هو الذي سلطه على ماله بغير عوض، سواء علم بفساد العقد، أو لم يعلم ولكن كان غير مبال بأحكام الشرع من جهة الصحة والفساد، نعم إذا سلطه جاهلا بفساده حتى انه لو علم به لما سلطه وكان الأخذ عالما بذلك فتسليطه عليه لا يكون رافعا للضمان.
وبناء على ما ذكر لا تختص القاعدة بباب دون باب، وتجري في جميع الموارد حتى في الإيقاعات، كمن أعتق عبده بعتق فاسد في الشرع وخلى سبيل العبد، وكان غير مبال بالصحة والفساد في الشرع، فاذا عمل العبد اعمالا واستوفى منافعا من منافع نفسه فالظاهر انه غير ضامن، لأنه إنما أتلف المنافع برضا مولاه، وان كان بانيا على صحة العتق، لان المفروض انه غير مبال لحكم الشرع ورضاه لا يدور مداره.
الثاني : المراد بالضمان هنا :
ما المراد بالضمان هنا ؟ فهل المراد معناه المعروف، اي كون تدارك شيء إذا تلف على عهدة إنسان ؟
فإن كان هذا هو المراد بالضمان فليس في الصحيح ضمان بهذا المعنى، لان البيع الصحيح مثلا يتضمن مبادلة مال بمال، ولا ينتقل إلى الذمة إلا إذا كان البيع كليا أو من قبيل النسية، واما في البيع الشخصي الحاضر فينتقل الثمن الى ملك البائع كما ينتقل المثمن الى ملك المشتري، ولا مجال فيه للانتقال إلى الذمة .
نعم بالنسبة إلى الفاسد لا شك ان الضمان فيه بمعناه المعروف أي إذا تلف يكون تداركه في ذمته اما بمثله أو بقيمته.
فليس للضمان في الصحيح وجه لو كان المراد منه معناه المعروف، نعم لو كان المراد منه تحقق الخسارة في مال الشخص سواء انتقل الى ذمته أو لم ينتقل كان هذا معقولا في الصحيح والفاسد كليهما، ولعل مراد شيخنا العلامة الأنصاري من قوله :
«و المراد بالضمان في الجملتين هو كون درك المضمون عليه بمعنى كون خسارته ودركه في ماله الأصلي» هو ما ذكرنا .
ولكن التعبير بالدرك والتدارك لا يوافق ما أشرنا إليه، فإن البيع إذا كان صحيحا انتقل المثمن الى ملك المشتري ولو تلف تلف من ماله، ولا معنى للتدارك هنا، بل قد ينافي ما ذكرنا بعض كلماته بعد التفسير السابق، لأنه قال :
« ثمَّ تداركه من ماله تارة يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضى هو والمالك على كونه عوضا، وأمضاه الشارع، كما في المضمون بسبب العقد الصحيح، واخرى بأداء عوضه الواقعي، وهو المثل أو القيمة وان لم يتراضيا عليه ».
فان من الواضح ان أداء المسمى في البيع الصحيح لا يتوقف على تلف المثمن بل هو مقتضى المبادلة سواء تلف واحد منهما بعدد ذلك أو لم يتلف.
و اما ما هو المعروف من ان الضمان في الفاسد يكون بالمثل أو القيمة دائما أيضا قابل للنقض والإبرام، فإذا كان المسمى أقل من قيمة المثل فكيف يمكن القول بكون المشتري مثلا ضامنا للمثل، مع ان البائع سلّطه على ماله ورخص له إتلافه في مقابل شيء أقل منه، لا سيما إذا كان عالما بالفساد شرعا، فكما ان الأخذ غير ضامن في مثل الهبة بدليل تسليط المالك له عليه مجانا، فكذلك هنا سلطه على ماله بعوض أقل من عوضه الواقعي، فكأنه رخص له في الإتلاف بهذا المقدار مجانا، ولعله اليه يرجع ما حكى عن بعض من وجوب أداء أقل الأمرين، من العوض الواقعي والجعلي في بعض المقامات، مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.
الثالث: هل العموم باعتبار أنواع العقود أو أصنافه أو اشخاصه ؟
اختلفوا في ان عموم قاعدة ما يضمن أصلا وعكسا هل هو باعتبار أنواع العقود أو أصنافه، أو أشخاصه، فلو كان عقد كالبيع بحسب نوعه موجبا للضمان (لوجود العوض فيها) لصحيحة لضمن لفاسده، ولو كان شخص البيع لا يوجب ضمانا كالبيع بلا ثمن.
وكذلك العارية فإنها بنوعها لا يوجب الضمان، ولكن صنف منها وهي العارية المضمونة أي المشروطة بالضمان، أو عارية الذهب والفضة فإنها موجبة للضمان على المشهور، فهل يكفي وجود الضمان أو عدمه في نوع البيع ونوع العارية، أو الأمر يدور مدار الصنف أو أشخاص المعاملات ؟
قال شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره): «ان العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع ليكون افراده مثل البيع والصلح والإجارة لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان، وانما المقتضي له بعض أصنافه فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف، مثلا الصلح بنفسه لا يوجب الضمان لأنه قد لا يفيد إلا فائدة الهبة غير المعوضة، أو الإبراء، فالموجب للضمان هو المشتمل على المعاوضة، فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا (انتهى محل الحاجة).
و لكنه قده لم يذكر دليلا على هذا المدعى، ولذا خالفه بعض من تأخر عنه، وقال بان المعيار اشخاص العقود وهذا هو الأقوى.
بيانه: انا أبناء الدليل نحذو حذوه ونقتفي أثره، وقد عرفت ان العمدة في أصل القاعدة هو احترام الأموال والمنافع وعدم جواز السلطة عليها بغير اذن صاحبها.
و حينئذ لا محيص لنا الا من ملاحظة شخص العقد فلو باع رجل داره بلا ثمن وعلم ان البيع بلا ثمن فاسد شرعا، ولكنه اعطى الدار للمشتري بانيا على صحة هذه المعاملة بحكم العرف وغير مبال بحكم الشرع فالمشتري غير ضامن لا لأصل الدار، ولا لمنافعه، لان صاحبه هو الذي سلّطه على ماله بلا ثمن، نعم لو كان الإقباض بتوهم صحة البيع شرعا، ولم يرتض بتسليط الغير على ماله لو لا الصحة، وكان جاهلا بالحال كان الأخذ ضامنا.
وكذلك إذا أقبض غيره العارية، وشرط فيها العوض بتوهم الصحة، فإن الأخذ يضمنها وان كانت العارية بذاتها لا توجب الضمان، ولم تكن العارية معوضة.
وبالجملة المدار في أصل القاعدة على «احترام مال المسلم»، وفي عكسها على «التسليط المجاني» وهما يدوران مدار اشخاص العقود وافراده، لا أنواعه وأصنافه.
الرابع: هل هنا فرق بين علم الدافع والقابض وجهلهما أم لا ؟
قد يقال بعدم الفرق لإطلاق النص والفتوى.
والمراد بالنص هو «عموم من أتلف» وبالفتوى إطلاق كلمات القوم في أبواب المختلفة من العقود أو عند ذكر القاعدة مطلقة.
هذا ولكنك بعد ما عرفت من الدليل الذي بنينا عليه في هذا الباب تعلم الفرق الواضح بين صورتي العلم والجهل، فإنه إذا كان الدافع عالما بأن الهبة الفلانية مثلا غير صحيح شرعا، ومع ذلك لم يعتن بحكم الشرع، واقبض الموهوب له بانيا على صحتها عند نفسه، فمن الواضح انه لا ضمان للقابض هنا، لان المالك هو الذي دفع المال اليه عالما عامدا، وسلطه عليه مجانا، وكذلك الأمر إذا باعه بغير ثمن عالما بفساده، وسلط المشتري عليه.
كما ان الأمر في عكسه كذلك، فلو أعطاه المشتري عارية معوضة بتوهم صحة العارية المعوضة وكان المشتري عالما بالفساد فإنه لا يصح له أخذها، ولو أخذها كان ضامنا، لقاعدة احترام مال المسلم، وعدم جواز أخذه وإتلافه بغير اذن صاحبه، والاذن هنا مبني على مبنى فاسد وهو توهم الصحة بخلاف ما لو كان عالما بالفساد غير مكترث بحكم الشرع، بل بانيا على الصحة من قبل نفسه، وبالجملة المسألة واضحة بعد ما عرفت من مبانيها.
الخامس: هل يعتبر القبض في الضمان؟
هل اللازم في الضمان القبض أو يكتفى بمجرد الصيغة؟ فلو ان عقدا أوجب الضمان بصحيحه بلا حاجة الى القبض والإقباض كما هو كذلك في أكثر العقود الصحيحة فإنه ينتقل الثمن الى ملك البائع كما ينتقل المثمن الى ملك المشتري بمجرد العقد، وان كان درك المبيع على البائع قبل الإقباض وكذلك الثمن بالنسبة إلى المشتري فهل الضمان في فاسده كذلك؟
لا ينبغي الشك في ان الضمان في الفاسد يتوقف على القبض لأن الأدلة السابقة كلها تدور مدار القبض والإقباض، ولا سيما ما اخترناه من قاعدة احترام مال المسلم وكذا الكلام في عكس القاعدة، فإن التسليط المجاني لا يحصل الا بالقبض.
السادس: في شمول القاعدة للمنافع والاعمال :
قد يقال ان هذه القاعدة مبنية على قاعدة اليد، وهي وان كانت صحيحة بحسب الدلالة ومنجبرة سندا بعمل الأصحاب، لكنها لا تشمل المنافع، ولا الاعمال، فالمأخوذ بالإجارة الفاسدة خارجة عن عنوان القاعدة، سواء في إجارة الأعيان، أو إجارة الأنفس.
و لكن بعد ما عرفت من ان عمدة الدليل عليها هو قاعدة احترام مال المسلم تعلم بأنه لا فرق فيها بين الأعيان والمنافع والأعمال.
اما بالنسبة إلى المنافع فلان المنافع المتعلقة بالأعيان مملوكة لماكها ومحترمة كاحترامها، لا يجوز أخذها ولا إتلافها إلا برضا مالكها، ومقتضى هذا الاحترام ثبوت الضمان على من أتلفها بغير اذنه، وبدون رضاه، مضافا الى صدق الأخذ في المنافع يتبع العين، فمن أخذ العين فقد أخذ منافعها.
واما في الأعمال- أعمال الحر- التي لا تكون مملوكة ولا يصدق عليها المال قبل وجودها، فالقاعدة أيضا تشملها، فإن اعمال الحر أيضا محترمة، ولذا لو أمر شخص رجلا بعمل ولم يكن هناك قرينة على التبرع فلا شك انه ضامن لاجرته ، كما هو المتعارف بالنسبة إلى كثير من أرباب الحرف، يؤمرون بأمور ولا يتكلم عن مقدار الأجرة فإذا تمت الاعمال أخذوا أجرة مثل أعمالهم، ولا يتصور ان يكون فقيه قائلا بعدم لزوم اجرة المثل على الأمر في أمثال المقام.
نعم لو كان هناك قرائن على التبرع كمن يطلب معاونا على أخذ شيء سقط من يده أو شبه ذلك مما هو مبني على المجانية فلا شك انه حينئذ ليس ضامنا لاجرة المثل.
ولو لم يكن هناك قرينة لا على التبرع، ولا على الإجارة، كان أيضا ضامنا لأن الأصل في الأعمال هو احترام حال صاحبها فالتبرع يحتاج الى دليل (و قد وقع الفراغ منه في 4 صفر المظفر 1405).
_______________
(1) الجواهر ج 22 ص 258- 259.
(2) الجواهر ج 27 ص 166.
(3) الجواهر ج 27 ص 233.
(4) الجواهر ج 27 ص 246.
(5) الجواهر ج 26 ص 303.
(6) الجواهر ج 28 ص 238.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|