أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-10-2018
2439
التاريخ: 2024-10-26
199
التاريخ: 19-4-2019
1756
التاريخ: 2-5-2017
1879
|
يقول عبد الله العروي إن (.. التساؤل حول مفهوم التاريخ أمر جوهري وتافه في آن. هذا ما قاله ابن خلدون وهذا ما نؤكده اليوم.. جوهري لأنه قائم أينما اتجه الفكر، وتافه لأن منفعته غير واضحة لكل فرد متخصص، الخطاب موجه في ظاهره إلى المؤرخ، لكنه في العمق يستهدف كل مفكر...)(1) هكذا يؤكد العروي على أهمية البعد الإبستمولوجي لمفهوم التاريخ بالنسبة للمفكر قبل المؤرخ ما دام التاريخ في حقيقته هو المجال المفضل للفكر والتفكير العامين.
وعموما فإن التاريخ لغة يعني تحديد الزمن، وهي كلمة مشتقة من مادة (.. أرخ يؤرخ التي تعني الشهر في اللغات السامية القديمة كاللغة الأكدية واللغة البابلية واللغة الآشورية...) (2)"وتطلق لفظة (تاريخ تارة على الماضي البشري ذاته، وتارة على الجهد المبذول لمعرفة الماضي ورواية أخباره، أو العلم المعني بهذا الموضوع...)(3) فنحن نرى نفس اللبس حتى في اللغات الأجنبية: Histoire الفرنسية وhistoryالإنجليزية وGeschichte الألمانية تستعمل الكلمة للمعنيين على السواء إذ يراد بكل من تلك الكلمات الإفرنجية حوادث الماضي وأحيانا أخبار هذه الحوادث؛ أو العلم الذي يحققها. وقد حاول بعض الباحثين في الغرب التمييز بينها، فأطلق بعض الفرنسيين مثلا كلمة Histoire (ب H كبرى) على الماضي وhistoire (ب h صغرى) على العلم الذي يدرسه. واحتفظ الألمان (بعضهم) بـ Geschichte للمعنى الأولHistoire للمعنى الثاني، ولكن العادة الجارية ظلت غالبة وبقي اللبس قائما. ولعل ذلك ناشئ عن شعور أصيل في الإنسان بالارتباط الدقيق بين معرفة الماضي والماضي ذاته(4)أي بين المعرفة التاريخية والكتابة التاريخية.
أما بصدد التعاريف التي أعطيت لكلمة/مفهوم التاريخ، فإن المتصفح للكتب والمقالات المهتمة بإبستمولوجية التاريخ كعلم، سوف يجدها تعاريف متعددة ومختلفة ومتناقضة فيما بينها حينا ومتكاملة فيما بينها حينا آخرا. وكأمثلة عن تلك التعاريف نورد ما يلي:
*تعريف ابن خلدون (عبد الرحمان): فهذا العلامة المتوفي عام 1406م عرف التاريخ في مقدمته الشهيرة على أنه "...في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى.. وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق.."(5), هنا نرى أن ابن خلدون أخذ بقواعد الجرح والتعديل المطبقة عند أهل الحديث (صرامة النقد).
*تعريف كولينغوود: Collingwood: (التاريخ هو الماضي الذي يقوم المؤرخ بدراسته، لكن هذا الماضي ليس ميتا، ولكنه بمعنى ما ماضي لا يزال يعيش في الحاضر...)(6), وبهذا الفهم يكون كولينغوود قريب في رؤيته لعلم التاريخ من رؤية Paul Veynne للتاريخ حيث يرى أن التاريخ هو نشاط عقلي يقوم به المؤرخ، فهو ماضي يحييه المؤرخ ويستحضره.
*تعريف كروتشه Croce (الإيطالي): (.. التاريخ بأجمعه هو تاريخ معاصر بمعنى أن التاريخ يتألف بصورة أساسية من رؤية الماضي من خلال عيون الحاضر وعلى ضوء مشاكله...) (7), هنا كروتشه يلح على أن رؤية المؤرخ للماضي لا بد وأن تنطلق من إشكاليات وتحديات عصر هذا المؤرخ أو ذاك.
*تعريف إدوارد كار Edward carr: (.. التاريخ هو عملية مستمرة من التفاعل بين المؤرخ ووقائعه، وحوار سرمدي بين الحاضر والماضي...) (8), ولماذا لا نقول مع المستقبل لأن الزمان التاريخي هو ثلاثي في طبيعته الأصلية: ماض، حاضر ومستقبل، زمن مسترسل.
*تعريف هيغل Hegel: حسب هذا الفيلسوف الموسوعي فإن التاريخ عملية عقلية منظمة وخلاقة لظهور قيم جديدة.. (لكن التاريخ هو ليس الماضي والحاضر فقط، بل إنه المستقبل أيضا، مستقبل الإنسانية الحرة...)(9), وبهذا الطرح ربط هيغل مفهوم العقل الحر بمفهوم التاريخ ربطا وثيقا، إذ أن تاريخ الإنسان عنده هو تاريخ التقدم البشري. كما أنه يمثل مراحل نمو العقل الحر للإنسان عبر الزمان.
*تعريف Henri Berr: (.. إن التاريخ في المفهوم العلمي هو البحث عن الأسباب التي أنتجت الحضارة منذ أقدم العصور ودفعتها قدما عبر الكثير من الأزمات..) (10)
*تعريف ريمون أرون Raymond Aron: ).. إن التاريخ هو سرد أو هو قصة الأموات يحكيها الأحياء..(.
L’Histoire est le récit ou l’histoire des morts racontée par les vivants.. .(11)
*تعريف فرناند بروديل Fernand Braudel: ).. إن التاريخ هو الإنسان والباقي، وأن كل شيء تاريخ: الأرض والمناخ.. التاريخ علم للإنسان، لكن شريطة أن تكون علوم الإنسان بجواره.. والتاريخ أداة لمعرفة الإنسان في الزمان عبر المكان...) (12)يؤكد هنا بروديل على جيو.. تاريخ Géo-histoire.
*تعريف د. عبد الله العروي: (.. التاريخ من صنع المؤرخ، معناه التاريخ المحفوظ، هو ما يرويه الحافظ.. التاريخ ينتهي عند المؤرخ، معناه المؤرخ لا يعرف إلا ما حفظ، يجهل بالتعريف غير المحفوظ أكان ذلك المجهول ماضيا أو مستقبلا...) (13) فالتاريخ حسب منظور العروي هنا هو استحضار للماضي من طرف المؤرخ. وما دام أن هذا الأخير لا يمكن استحضار كل شيء فالتاريخ انتقائي في معرفته.
*تعريف تركيبي: ماذا يمكننا أن نستخلص من كل التعاريف السابقة أعلاه؟ إنها تعاريف متنوعة ومختلفة بتنوع واختلاف مشارب ومدارس وفلسفة المعرفين أي المؤرخين وفلاسفة التاريخ. ولكن إجمالا يمكن القول إن التاريخ في العمق هو دراسة الماضي البشري انطلاقا من حس نوعي بالزمان وبإشكالات عصر الدارس، أقول الماضي البشري لأنه لا محل للحديث عن التاريخ بالنسبة لغير الإنسان، "فالإنسان بدوره تاريخي لأنه إنما يعمل في الزمان ولا تاريخ إلا بالزمان. ومن هنا ارتبطت كل نظرية في التاريخ بنظرية في الزمان.." (14).
_____________________
1-عبد الله العروي: مفهوم التاريخ، جزئيين في مجلد واحد. البيضاء/بيروت 1992.
2- كامل حيدر: منهج البحث الأثري والتاريخي، بيروت، 1995.
3- قاسم يرنك: التاريخ ومنهج البحث التاريخي، بيروت، 1990.
4- ابن خلدون (عبد الرحمان): مقدمة ابن خلدون، دار القلم-بيروت، 1978.
5- كريستين نصار: الإنسان والتاريخ، طرابلس/لبنان، 1991.
6- إدوارد كار: ما هو التاريخ، ترجمة ماهر الكيالي وبيار عقل، بيروت، 1976.
7- فيصل عباس: الفلسفة والإنسان: جدلية العلاقة بين الإنسان والحضارة، بيروت، 1996.
8- محمد عزيز نظمي سالم: جدلية التاريخ والحضارة، الإسكندرية، 1996.
9- رولان بريتون: جغرافيا الحضارات، ترجمة خليل أحمد خليل، بيروت، 1993.
10- إيلين كلاستر: (المتوحشون والمتحضرون في القرن الثامن عشر)، ضمن كتاب إيديولوجيا الغزو، ترجمة جوزف عبد الله، بيروت، 1984.
11- محمد رياض: الإنسان: دراسة في النوع والحضارة، بيروت، 1974.
12 – عبد الله الرشدان ود .نعيم جعنيني: المدخل إلى التربية والتعليم، عمان/الأردن، 1994.
13- عبد المنعم الحفني: المعجم الفلسفي، القاهرة، 1992.
14- هاري إلمر بازنر: تاريخ الكتابة التاريخية، ترجمة م.عبد الرحمن برج، القاهرة، 1987.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|