أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
969
التاريخ: 6-9-2016
943
التاريخ: 5-9-2016
972
التاريخ: 16-10-2016
941
|
وفيها..جهتان من البحث: الجهة الاُولى : في الدليل على حجّية القطع، والثانية : في أنّ الحجّية ذاتيّة للقطع.
أمّا الجهة الاُولى: فأدلّ الدليل على حجّيته الوجدان بحيث لا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان، والحجّة ـ كما لا يخفى ـ معناها ما يمكن به أن يحتجّ العبد على مولاه وبالعكس، وبعبارة اُخرى: ما يكون قاطعاً للعذر، كما قد يكون مسبّب العذر، فيكون قاطعاً للعذر عند إصابة الواقع، وعذراً للعبد إذا خالف الواقع، وهذا ما يسمّى بالمنجزيّة والمعذّريّة.
أمّا الجهة الثانية: فإنّ المعروف أنّ الحجّية من ذاتيات القطع بالوجدان، والذاتي ليس قابلا للجعل، وبتعبير آخر: أنّها من قبيل لوازم الماهيّة التي لا يمكن جعلها بالجعل البسيط، بل يتّبع جعلها جعل نفس الماهيّة كالإحراق الذي يجعل بتبع جعل النار بسيطاً، أي إذا وجدت النار وتحقّقت تحقّق الإحراق بتبعها، كما لا جعل تركيبيّاً بين الشيء ولوازمه الذاتيّة، وحاصل ما ذكر: أنّه لا يمكن جعل الحجّية للقطع لأنّها من ذاتياته. هذا أوّلا.
وثانياً: أنّ جعلها يستلزم التسلسل لأنّ نفس هذا الجعل أيضاً يثبت بالقطع فننقل الكلام إليه فإن كان حجّيته ذاتيّة فبها، وإن احتاجت هي أيضاً إلى جعل آخر فهو أيضاً يثبت من طريق القطع، ثمّ ننقل الكلام إلى هذا القطع وهكذا فإن انتهى في النهاية إلى ما تكون الحجّية ذاتيّة له فبها وإلاّ يتسلسل، وهذا هو المقصود من القول المعروف: «إنّ كلّ ما بالعرض لابدّ أن ينتهي إلى ما بالذات» ويتمسّك به في مثل وجود الممكن وعلمه وقدرته ويقال: أنّه يرجع إلى وجود ذاتي وعلم وقدرة ذاتيين.
وثالثاً: أنّ إمكان الجعل يلازم إمكان المنع عن تأثيره مع أنّه يلزم منه اجتماع الضدّين اعتقاداً في صورتي الخطأ والإصابة، وحقيقة في صورة الإصابة فقط.
بيان ذلك: أنّه إذا قطع المكلّف بوجوب شيء ونهى الشارع عن العمل بقطعه فإن كان قطعه مصيباً لزم اجتماع الضدّين حقيقة فإنّه على حسب قطعه المصيب واجب، وعلى حسب نهي الشارع عن العمل بقطعه حرام، وهو اجتماع الضدّين حقيقة، وإن كان قطعه مخطئاً لزم اجتماع الضدّين في نظر المكلّف فإنّه على حسب قطعه واجب ولو في اعتقاده، وعلى حسب نهي الشارع عنه حرام غير جائز، ومن المعلوم أنّ اجتماع الضدّين ولو اعتقاداً محال كاجتماع الضدّين حقيقة فإنّ المحال كما يستحيل وقوعه خارجاً يستحيل أيضاً الاعتقاد بوقوعه خارجاً.
هذه وجوه ثلاثة لإثبات الحجّية الذاتيّة للقطع.
وأورد على هذه الوجوه:
أوّلا: بأنّه إن كان المراد من الحجّية الطريقيّة والكاشفيّة فهي ليست لا من لوازم الماهيّة ولا من لوازم الوجود لأنّها إذا كانت من إحديهما لا تنفكّ عن ملزومها ولا تفترق عنه، والقطع قد يصيب وقد لا يصيب، ومعه كيف يمكن عدّ الكاشفيّة من ذاتياته أو من لوازم وجوده، وإن كان المراد منها صحّة الاحتجاج بالقطع فإنّ صحّة الاحتجاج من الأحكام العقلائيّة لا من الواقعيات الثابتة للشيء، فليست الحجّية حينئذ أيضاً من لوازم ماهيّة القطع أو من لوازم وجوده(1).
ثانياً: أنّ الردع عن العمل بالقطع كسلب الحجّية غير ممكن، لكنّه لا للزوم اجتماع الضدّين لما قرّر في محلّه من عدم التضادّ بين الأحكام لأنّها اُمور اعتباريّة لا حقائق خارجيّة، بل للزوم اجتماع الإرادتين المختلفتين على مراد واحد، لأنّ الإرادة الحتميّة الإيجابيّة بالنسبة إلى صلاة
الجمعة مثلا لا تجتمع مع الإرادة التحريمية بالنسبة إليها(2).
أقول: قد انحرف البحث هنا أيضاً عن مجراه الواقعي الأصلي لأنّ إثبات الحجّية للقطع من الطرق المذكورة غير صحيح، والنكتة الأصلية في المقام أنّ القطع حقيقته الوصول إلى الواقع (ولا أقلّ أنّه كذلك في نظر القاطع) والأحكام المترتّبة عليه ليست في الواقع من أحكام نفس القطع بل إنّها من أحكام الواقع والخارج المتعلّق للقطع.
وبعبارة اُخرى: أنّ القاطع لا يرى قطعه، وأنّ القطع ليس طريقاً ومرآة للوصول إلى الواقع بل القطع بنفسه مشاهدة للواقع ووصول إليه فهو حينئذ نظير النظر إلى الشمس، حيث لا يقال حين النظر إليها: إنّي قطعت بالشمس، بل القطع فيه هو نفس إنعكاس الشمس في الذهن، فكذلك في ما نحن فيه، فليست الآثار المترتّبة على القطع آثاراً لنفس تلك الحالة النفسانية بل هي آثار للواقع وتترتّب على الواقع، ولذلك لا يقع القطع وسطاً لإثبات الحكم ولا يقال: «هذا مقطوع الخمريّة وكلّ مقطوع الخمريّة حرام فهذا حرام» بل يقال: «هذا خمر كلّ خمر حرام» نظير قولك: «هذه نار وكلّ نار حارّة» وأيضاً لا يقال في مقام الاحتجاج على العبد فيما إذا سمح بدخول الدار لعدوّ مولاه مثلا مع قطعه بكونه عدوّاً له: «إنّك قطعت بأنّه عدوّ ولم تعمل بقطعك» بل يقال: «لِمَ سمحت بدخول العدوّ ولم تمنعه».
فظهر إلى هنا إنّه لا حاجة إلى إثبات حجّية القطع إلى التمسّك بالوجدان أو التسلسل أو غيرهما بل القاطع يعمل بقطعه ويرتّب آثاره من باب وصوله إلى الواقع لا من باب حجّية القطع.
نعم هذا كلّه بالنسبة إلى شخص القاطع حين قطعه، وأمّا بالنسبة لما بعد زوال القطع وكذلك بالنسبة إلى غير القاطع (أي الذهن فوق الذهن) فلما ذكر من النقض والإبرام في مقام الاستدلال لحجّية القطع شأن.
وحينئذ نقول: المقبول عندنا من بين الأدلّة التي اُقيمت لحجّية القطع وجهان:
حدهما: التسلسل، والبيان الأصحّ والأدقّ فيه أن يقال: إنّ جميع الأدلّة الشرعيّة ترجع دليليتها وحجّيتها إلى القطع، فلو كان مآل حجّية القطع أيضاً شيئاً غير ذاته يلزم الدور أو التسلسل كما لا يخفى.
ثانيهما: ما مرّ من اجتماع الضدّين، وإن شئت فعبّر عنه بالتناقض.
إن قلت: اجتماع الضدّين ليس مستحيلا في الاُمور الاعتباريّة.
قلت: إنّه كذلك، ولكنّه قبيح عن الحكيم، وبعبارة اُخرى: علم العبد بعدم صدور القبيح من المولى يوجب إيجاد التناقض في ذهنه، وحينئذ لا حاجة لتتميم الإشكال إلى ارجاعه بالنسبة إلى ذهن المولى وإرادته كما فعل في تهذيب الاُصول بل بهذا البيان يتصوّر هو أيضاً بالنسبة إلى ذهن العبد.
بقي هنا أمران:
الأمر الأوّل: أنّ هذا كلّه في القطع الحقيقي، أمّا القطع العادي العرفي وهو المسمّى بالاطمئنان والوارد في الآراء العلميّة والنظرات الفلسفية (غير البديهيات أو شبهها) فلا يجري فيه هذا الكلام، فإن كلّ إنسان يحتمل خطأه في بعض آرائه العلميّة النظريّة مع كثرتها، ولا يوجد إنسان لا يحتمل الخطأ في شيء من آرائه النظريّة أبداً، وحينئذ نقول: كيف يجتمع العلم في كلّ واحد من هذه الآراء مع احتمال الخطأ في بعضها، وهل تجتمع الموجبة الكلّية مع السالبة الجزئيّة، وهذا دليل على أنّ ما نسمّيه قطعاً في المسائل العلميّة في الحقيقة من قبيل الاطمئنان لا القطع الحقيقي الذي لا تجتمع مع احتمال الخطأ أبداً، فلو تأمّلت في ما ذكرنا تعرف أنّ العلم الحاصل لنا في هذه المسائل من قبيل العلم العرفي لا العلم الحقيقي، فتدبّر جيّداً.
وفي مثل هذا النوع من القطع يمكن أن تكون حجّيته قابلة للجعل لاستقرار بناء العقلاء على حجّيته، والشارع أيضاً أمضى ذلك إلاّ بالنسبة إلى بعض الموارد ولعلّ من هذا البعض باب الطهارة والنجاسة حيث إن الظاهر أنّه اعتبر فيه حصول القطع الحقيقي الحسّي أو كالحسّي ولم يمض الشارع بناءهم هنا، وإلاّ يشكل الأمر على كثير من الناس في هذا الباب كما لا يخفى على الخبير.
الأمر الثاني: أنّ ما تقدّم من كون القطع منجزاً للتكليف أو معذّراً له إنّما هو فيما إذا كان التكليف المتعلّق به القطع فعليّاً لا إنشائيّاً محضاً، ولذلك ينبغي الإشارة هنا إلى مراتب الحكم فنقول: قد ذكروا للحكم مراتب أربع:
الاُولى: مرتبة الاقتضاء وهي مرتبة الملاك والمصلحة.
الثانية: مرتبة الإنشاء وهي مرتبة جعل القانون وضرب القاعدة من دون أن يكون فيه انفاذ للحكم ولا إعلام به، وهذا نظير القوانين العرفيّة قبل ابلاغها إلى المأمورين للإجراء.
الثالثة: مرتبة الفعلية وهي مرتبة الانفاذ والابلاغ للمكلّفين والبعث والزجر.
الرابعة: مرتبة التنجّز وهي مرتبة انقطاع عذر المكلّف ببلوغ الحكم إليه وقدرته عليه فإذا علم به وهو متمكّن من امتثاله فقد تنجّز عليه التكليف عقلا والعقل حاكم باستحقاق العقاب عليه إذا خالفه بلا عذر، فالحكم قبل أن يبلغ إلى مرتبة التنجّز وقبل حصول شرطيّه وهما العلم والقدرة لا يوجب ترك امتثاله عقاباً للعبد، والحاكم به العقل، وإذن ليست هذه المرتبة حقيقة من مراتب الحكم، كما أنّ عدّ المرتبة الاُولى (وهي مرتبة المصلحة والمفسدة) من مراتب الحكم أيضاً لا يخلو من مسامحة.
هذا في دائرة القوانين أعمّ من الشرعيّة والعرفيّة، وأمّا في الأوامر العرفيّة العادية الجارية بين الموالي والعبيد فلا إشكال في أنّ له مرتبة واحدة من هاتين المرتبتين، وهي مرتبة البعث أو الزجر كما إذا قال: «اسقني ماءً» لعدم تصوّر الإنشاء فيها منفصلا عن مرحلة البعث والزجر عادةً كما لا يخفى.
___________
1. راجع تهذيب الاُصول: ج 2، ص 84، طبع مهر.
2. راجع تهذيب الأصول: ج 2، ص 85، طبع مهر.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|