أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1289
التاريخ: 5-9-2016
1084
التاريخ: 5-9-2016
1924
التاريخ: 5-9-2016
2606
|
ويبحث فيه أنّ الاختلاف في القراءة هل يوجب سقوط حجّية القرآن في الآية المختلف في قراءتها ، أو لا؟
فنقول : الاختلاف في القراءة على وجهين : تارةً لا يوجب تغييراً في المعنى كالاختلاف في قوله : {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54] بالنسبة إلى كلمة « ضعف » التي قرأت بالفتح في قراءة عاصم برواية الحفص ، وبالضمّ في بعض القراءات الاخرى وقراءة عاصم برواية غير الحفص.
واخرى يكون مغيّراً للمعنى كالاختلاف في قوله تعالى : {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بالنسبة إلى قوله « يطهرن » ففي قراءة الحفص وجماعة ورد بالتخفيف ، وفي قراءة جماعة اخرى بالتشديد ، وهو على الأوّل ظاهر في النقاء عن الدمّ ، ونتيجته جواز الوقاع قبل الغسل وبعد انقطاع الدم ، وعلى الثاني ظاهر في الاغتسال ( وإن كان عندنا محلّ كلام ) ونتيجته عدم جواز الوقاع قبل الغسل وبعد النقاء.
وكيف كان ، فإنّ هنا ثلاث مسائل :
المسألة الاولى : في تواتر القراءات وعدمه ، وفيه ثلاث احتمالات :
الأوّل: تواتر القراءات.
الثاني: عدم التواتر مع حجّية جميعها.
الثالث: عدم التواتر مع حجّية واحد منها فقط وإن كانت القراءة في الباقي جائزة.
فنقول: لا دليل على تواتر القراءات وكونها موجودة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)نزل بها جبرئيل (عليه السلام)، لأنّ تواترها يتوقّف على تحقّق التواتر في ثلاث مراحل: التواتر بيننا وبين القرّاء، والتواتر بين القرّاء أنفسهم، والتواتر بين القرّاء وبين النبي(صلى الله عليه وآله)بينما المعروف أنّ لكلّ واحد من القرّاء السبعة راويين فقط، فلا يتحقّق التواتر في المرحلة الاُولى، مضافاً إلى أنّ هذين الراويين ينقلان عن قارئهما مع واسطة إلاّ راوي عاصم.
وهكذا بالنسبة إلى المرحلة الثانية لأنّه في عصر عاصم مثلا لا يعيش من القرّاء المعروفين أحد إلاّ شخص عاصم، وكذلك بالنسبة إلى المرحلة الثالثة لأنّ هؤلاء القرّاء تولّدوا بعد مدّة طويلة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ولا دليل على وجود التواتر بينه وبينهم.
نعم نعلم إجمالا بكون كثير من هذه القراءات مشهورة بين الناس، ولكن هذا المقدار من الشهرة غير كاف في إثبات المقصود.
وعلى هذا فدعوى تواتر القراءات دعوى عجيبة بلا دليل، بل الدليل موجود على خلافه، وهو ما مرّ سابقاً أنّ عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة، لأنّ الاختلاف في القراءة من شأنه أن يؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين وتمزيق صفوفهم ولذلك لم يعترض أحد من الصحابة عليه مع أنّه لو كانت القراءات متواترة لم يكن وجه لسكوتهم.
هذا مضافاً إلى أنّ نزول القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) على سبعة أحرف في نفسه أمر غير ثابت بل غير معقول كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لا معنى للاحتمال الثالث وهو جواز القراءة مع عدم الحجّية في العمل لأنّه إذا استفدنا من الرّوايات المتظافرة (التي تقول: اقرأوا كما قرأ الناس) جواز القراءة شرعاً نستفيد منها الحجّية بالملازمة العرفيّة، أي الحجّية حينئذ مدلول التزامي لتلك الرّوايات، فلا وجه لإنكار الملازمة من ناحية المحقّق الخراساني (رحمه الله)وصاحب البيان واستدلالهم بأنّ الرّواية تقول: «اقرأوا» ولا تقول: «اعملوا».
المسألة الثانية: في مقتضى كلّ واحد من هذه الاحتمالات:
فنقول: إذا قلنا بتواتر القراءات فلازمه حجّية جميعها والقطع بصدور الجميع، وحينئذ لا تعارض بينها من ناحية السند بل التعارض ثابت في دلالاتها، فلو كان واحد منها أظهر من الباقي يؤخذ به وإلاّ تتعارض ثمّ تتساقط الجميع عن الحجّية.
وإن قلنا بالاحتمال الثاني فتكون المسألة من باب الخبرين المتعارضين اللذين كلاهما حجّة، وحينئذ بما أن أدلّة إعمال المرجّحات خاصّة بالسنّة الظنّية تكون النتيجة تساقط الخبرين عن الحجّية، وإن كان لأحدهما ترجيح على الآخر فتصل النوبة إلى الاُصول العمليّة، وسيأتي ما تقتضيه هذه الاُصول إن شاء الله.
وإن قلنا بالاحتمال الثالث فتكون المسألة من قبيل اشتباه الحجّة بلا حجّة، فتصير حينئذ حجّية كلّ منهما ظنّية، وقد ثبت في محلّه أنّ احتمال العدم في باب الحجّية يساوق عدم الحجّية.
وإن شئت قلت: قد ثبت في محلّه أنّ الأصل في الظنون عدم الحجّية.
المسألة الثالثة: في مقتضى القاعدة الأوّليّة بعد التساقط فنقول: مقتضى القواعد العامّة الفقهيّة بعد الشكّ في حكم خاصّ وإجمال الدليل هو الرجوع إلى العمومات والأدلّة الاجتهادية أوّلا فإن ظفرنا بها فهو، وإلاّ تصل النوبة إلى الاُصول العمليّة، ففي المثال المعنون في محلّ البحث مثلا لو فرض إجمال قوله تعالى: { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] لابدّ من الرجوع أوّلا إلى العمومات الواردة في المسألة، وقيل أنّ العام فيها قوله: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)لأنّ عموم «أنّى شئتم» يشمل جميع الأزمنة (لأنّه بمعنى «متى شئتم» أو «أي زمان شئتم») وخرج عنه خصوص زمان وجود الدم فقط، فبمجرّد النقاء يأتي جواز الوقاع لذلك العموم ولا تصل النوبة إلى استصحاب الحرمة.
هذا إذا قلنا أنّ كلمة «أنّى» بمعنى «متى» فحسب، وأنّ معناها واضح لا إجمال فيه، وأمّا إذا قلنا بإجماله كما أنّه كذلك لأنّه ذكر لها في اللغة ثلاث معان ففي المجمع البحرين «أنّى» بمعنى «متى» و «أنّى» بمعنى «كيف» و «أنّى» بمعنى «أين» (كقوله تعالى: أنّى لك هذا) بل بعض اللغويين لم يذكروا المعنى الأوّل، وهو الراغب في المفردات (الذي هو من أئمّة اللغة وكتابه مختصّ بلغات القرآن ومحلّ البحث في المقام من جملتها) فيثبت حينئذ عدم تماميّة الدليل اللفظي الاجتهادي وتصل النوبة إلى الرجوع إلى الاُصول العمليّة، والأصل العملي في المثال هو استصحاب وجوب الاعتزال لأنّ موضوعه هو خصوص النساء وليس سيلان الدم من مقوّماته حتّى يوجب تغيير الموضوع بعد الانقطاع بل هي من حالاته كاستصحاب النجاسة في الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره، ولو فرض كونه مقوّماً كما إذا قلنا بأنّ معنى قوله تعالى «اعتزلوا النساء» قولك «اعتزلوا الحائض» يجري الاستصحاب أيضاً لوحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك عند العرف في المقام لما عرفت من أنّ الحيض عند العرف ليس من مقدّمات الموضوع بل إنّه من حالاته بخلاف ما إذا صار المجتهد ناسياً لعلومه فلا يجوز تقليده بعد عروض النسيان تمسّكاً باستصحاب جواز التقليد لأنّ الاجتهاد عند العرف من مقوّمات الموضوع بالنسبة إلى هذا الحكم فيلزم تبدّل الموضوع بعد عروض النسيان.
نعم، هذا كلّه فيما إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة، وسيأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء الله أنّ المختار خلافاً للمشهور عدمه، وحينئذ تصل النوبة إلى أصالة الإباحة (كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام) ولا إشكال في جريانها في الشبهات الحكمية، أو إلى البراءة العقليّة.
ولكن هذا كلّه فيما إذا كانت الآية من أمثلة النزاع في ما نحن فيه، أي كان اختلاف القراءة فيها موجباً لاختلاف المعنى والحكم، مع أنّه أوّل الكلام، لأنّه لقائل أن يقول: أنّ قوله تعالى: «يطهرن» على كلا الوجهين يكون بمعنى النقاء عن الدم لأنّ كون «يطهرن» على الوجه الثاني (أي كونها من باب التفعّل) مبني على اعتبار كون الفعل اختياريّاً في باب التفعّل والمطاوعة لأنّه بناءً على هذا الاعتبار لا يمكن أن يكون يطهّرن (بالتشديد) بمعنى النقاء لعدم كونه من الأفعال الاختياريّة بخلاف معنى الاغتسال.
لكن لا دليل على هذا الاعتبار، بل كثيراً مّا يدخل في باب التفعّل ما لا يكون اختياريّاً كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة: 74] وقوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166]. مضافاً إلى وجود قرينتين في الآية على كون «يطهرن» بمعنى النقاء: إحديهما: كلمة المحيض وأنّها موجبة لوجوب الاعتزال لأنّ الحيض بمعنى سيلان الدم، والتطهّر من الحيض يساوق عدم السيلان وانقطاع الدم. الثانية وحدة السياق فإنّها تقتضي كون الغاية في الجملة الاُولى (ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن) والشرط في الجملة الثانية {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] بمعنى واحد، وحيث إن «تطهّرن» في الجملة الثانية بمعنى النقاء بلا إشكال فلتكن «يطهرن» في ما نحن فيه أيضاً بهذا المعنى.
ثمّ ليعلم أنّ لهذه المسألة في الفقه روايات خاصّة عديدة، بعضها تدلّ على جواز الوقاع قبل الغسل وبعضها تدلّ على عدم الجواز ومقتضى الجمع بينهما هو الجواز مع الكراهة، والكراهة الشديدة إذا لم تغسل الموضع.
بقي هنا شيء:
وهو أنّه كيف يجمع بين القول باختلاف القراءات مع سرايته إلى المعنى أحياناً وبين وعده تعالى بحفظ القرآن في آية الحفظ؟
والجواب عنه: أنّ الاختلاف ينافي آية الحفظ فيما إذا ثبت عدم القراءة المشهورة المتداولة بين المسلمين.
وإن شئت قلت: يستفاد من الآية بالدلالة الالتزاميّة أنّ القراءة التي تنزل بها جبرئيل هي هذه القراءة ولا دليل على شهرة القراءات الاُخرى ولو بالنسبة إلى فترة من الزمان.
هذه مضافاً إلى أنّ كون الاختلاف في القراءة التي بين أيدينا سبباً لتفاوت الأحكام أوّل الكلام كما عرفت في المثال المعروف في آية الحيض.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|