المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Uses of Chloromethanes
11-8-2017
هل صحيح أنّ جابر بن حيّان كان من الإسماعيلية ؟ وأنّ الإسماعيلية تعدّه من أحد أبوابها ؟
10-9-2020
THE FURNACE BLACK PROCESS
6-8-2017
رواية السيدة زينب للأحداث المتفرقة
12-12-2017
معنى كلمة قبح‌
10-12-2015
تضاعف الجزاء على المحرم في الحرم.
18-4-2016


الإِجراء بالمفهوم التصديقي  
  
831   11:13 صباحاً   التاريخ: 25-10-2014
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : محاضرات الاستاذ الشيخ جعفر السبحاني
الجزء والصفحة : ص 328
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الجلالية ( السلبية ) /

حقيقة هذه النظرية أَنَّه يجب الإِمعان في مفهوم الآية و مرماها و مفادها التصديقي (لا التَصَوّري) ثم توصيفه سبحانه بالمعنى الجُمَلي المفهوم منها من دون إِثبات المعنى الحرفي للصفات و لا تأْويلها.

توضيحه : إِنَّ للمفردات حكماً و ظهوراً عند الإِفراد ، وللجمل المركبة من المفردات ظهوراً آخر. و قد يتحد الظهوران و قد يتخالفان. فلا شك أَنك إذا قلت « أسدٌ » ، فإِنَّه يتبادر منه الحيوان المفترس. كما أنَّك إذا قلت « رأيْتُ أسداً في الغابة » يتبادر من الجملة نفس ما تبادر من المفرد.

وأما إذا قلت « رأيت أسداً يرمي » فإِنَّ المتبادر من الأسد في كلامك غير المتبادر منه حرفياً و انفراداً و هو الحيوان المفترس بل يكون حمله عليه ، حملا على خلاف الظاهر. و أما حمله و تفسيره بالبطل الرامي عند القتال فهو تفسير للجملة بظاهرها من دون تصرف و تأويل.

ولو سمع عربي صميم قول الشاعر :

لَدَى أسَد شَاكِ السَّلاحِ مُجَرّب ... لَهُ لُبَدٌ ، أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ

فلا يشك في أَنَّ المراد من الأسد هو البطل المقدام المقتحم لجبهات القتال لا الحيوان المفترس. و كذا لو سمع قول القائل :

أَسَدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعَامَة ... فَتخاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ

لا يتردد في نفسه بأنّ المراد هو الإِنسان المتظاهر بالشجاعة أمام الضعفاء ، الخائف المُدْبِر عند لقاء الأبطال. فلا يصح لنا أن نتّهم من يفسر البيتين بالإِنسان الشجاع أو المتظاهر به ، بأنه من المؤوِّلة. بل هو من المثبتين للمعنى من دون تأويل و لا تحوير.

فالواجب علينا هو الوقوف على المفاد التَّصديقي و إثباته لله سبحانه لا الجمود على المعنى الحرفي التصوري ، و إثباته أو نفيه عن الله سبحانه. و لو أَنَّ القوم بحثوا عن مفاد الآيات ، مجرّدين عن الآراء المسبقة ، لوقفوا على الظّاهر التصديقي و أَثبتوه لله سبحانه من دون أن يكون هناك و صمة تأويل و تصرف أو مغبَّة تجسيم و تشبيه.

ولأجل إراءة نموذج من هذا النَّمط من البحث نركز على موارد مما وقع

في مجال النقاش بين المثبتين و المؤوِّلين ، حتى يتّضح أنَّ الإِثبات بالمعنى الذي يتبناه المثبتون ، و التأويل و التصرف على النحو الذي ارتكبه المؤوِّلون ، غير صحيح و لا تام ، بل هناك إثبات مجرد عن التجسيم و الإِبهام والتأويل.

1 ـ عرشُه سبحانه و استواؤُه عليه :

إِنَّ من صفاته سبحانه كونه مستوياً على عرشه. و قد جاء هذا الوصف في كثير من الآيات ، فقد ورد لفظ العرش في الذكر الحكيم اثنين و عشرين مرة. كما ورد لفظ « عرشه » مرة واحدة ، و الكل راجع إلى عرشه سبحانه إلاّ آيتان هما : قوله سبحانه : { وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل: 23]. و قوله سبحانه : {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100]، كما ورد الإستواء اثنى عشر مرة ، و هي ما عدا ثلاث آيات ـ راجعة إلى استوائه سبحانه على العرش.

وقد ادعى أَهل الحديث و تبعهم الأشعري أَنَّ الآيات ظاهرة في أنَّ له سبحانه عرشاً و أنه مستو عليه ، غير أَنَّ الكيف مجهول. و قد أخذ المشبّهة بما ادعاه أهل الحديث من الظاهر من دون القول بكون الكيف مجهولا.

وقد أثارت هذه المسألة في الأوساط الإِسلامية ضجيجاً و عجيجاً بالغين بين الصّفاتية و المؤوّلة. و نحن نقول ، لو أنَّ الباحثين أمعنوا النَّظر في هذه الآيات مجرّدين عن كل ما يحملونه من العقائد الموروثة ، لوقفوا على مفادها ، وأنها لا تهدف إلى ما عليه الصفاتية من أنَّ له سبحانه عرشاً و سريراً ذا قوائم ، موضوعاً على السماء والله جالس عليه ، والكيف إمَّا معلوم أو مجهول. و لا على ما عليه المؤوّلة من تأويل الآية بمعنى حاجة الآية إلى حملها على خلاف ظاهرها ، بل القرائن الموجودة في بعض هذه الآيات تُضفي على الآية ظهوراً في المعنى المراد من دون مس بكرامة التنزيه و لا تَعَمّد و تَعَمّل في التأويل ، فالآيات لا تحتاج إلى التأويل أي حملها على معان ليست الآيات ظاهرة فيها.

لا شك أَنَّ العرش بمعناه الحرفي معلوم لكل أحد بلا شبهة.

قال ابن فارس : « عرش : العين و الراء و الشين أصل صحيح واحد ، يدل على ارتفاع في شيء مبني ، ثم يستعار في غير ذلك. من ذلك العرش ، قال الخليل العرش : سرير المَلِك. و هذا صحيح ، قال الله تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ }. ثم استعير ذلك ، فقيل لأمر الرجل و قوامه : عرش. و إذا زال عنه قيل : ثلّ عرشه. قال زهير :

تَدَاركْتُما الأَحلافَ قَدْ ثلّ عَرْشَها ... وذبَيانَ إذْ زلّتْ بأقْدامِها النَّعْلُ » (1)

كما أنَّ الاستواء معلوم لغة فإِنَّه التمكّن و الاستيلاء التام. قال الرَّاغب في مفرداته : « واستوى يقال على وجهين: أحدهما يسند إليه فاعلان فصاعداً. نحو : استوى زيد وعمرو في كذا ، أي تساويا. و قال تعالى : {لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 19]. و الثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو : {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 6] ، {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ} [المؤمنون: 28] ، {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13] ، {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29]. و متى عُدّي ب ـ « على » اقتضى معنى الاستيلاء كقوله : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5].(2)

والذي نركّز عليه هو أنَّ الاستواء في الآية ليس ظاهراً في معنى الجلوس و الإِعتماد على الشيء ، بل المراد هو الاستيلاء و التمكن التام ، كناية عن سعة قدرته و تدبيره. و قد استعمل الإِستيلاء بهذا المعنى في غير واحد من أبيات الشعر. قال الأخطل يمدح بشراً أخا عبدالملك بن مروان حين ولي إمرة العراق :

ثُمَّ اسْتَوى بِشْرٌ على العِراقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْف وَدَم مِهْراقِ (3)

وقال آخر :

فَلمَّا عَلَوْنا وَاستَوَيْنا عَلَيْهِم ... تَرَكْنَاهُم صَرْعَى لِنَسْر و كاسِرِ

إِنَّ المقصود هو استيلاء بِشْر على العراق و قوم القائل في البيت الثاني على العدو. و ليس العلوها هنا علواً حسيّاً بل معنوياً.

إذا عرفت ذلك فنقول ، لو أخذنا بالمعنى الحرفي للعرش ، كما هو المتبادر من قوله سبحانه : {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] ، فيجب أنْ نقول إِنَّ لله سبحانه عرشاً ، كعروش الملوك و السلاطين. و عند ذلك يتمحض المراد من استوائه عليه ، بالجلوس عليه متمكّناً.

وأما لو نبذنا هذا المعنى ، و قلنا بأنَّ المراد من الظاهر هو الظهور التصديقي. و هو المتبادر من مجموع الآية بعد الإمعان في القرائن الحافة بتلك الجملة ، يكون المراد من الآية هو الكناية عن استيلائه على مُلكه في الدنيا و الآخرة و تدبيره من دون استعانة بأحد.

والجُمَل الواردة في كثير من الآيات الحاكية عن استوائه على العرش تدل

على أنَّ المراد هو الثاني دون الأول ، و تثبت بأنَّ المقصود بيان قيامه بتدبير الأمر قياماً ينبسط على كل مادَقَّ وَجَلّ ، و أنه سبحانه كما هو الخالق فهو المُدَبّر أيضاً.

وقد إستعان ـ لتبيين سعة تدبيره الذي لا يقف على حقيقته أحد ـ بتشبيه المعقول بالمحسوس و هو تدبير الملوك و السلاطين ملكهم متكئين على عروشهم و الوزراء محيطون بهم. غير أَنَّ تدبيرهم تدبير تشريعيّ و تقنينيّ و تدبيره سبحانه تدبير تكوينيّ.

ويدل على أَنَّ المراد هو ذلك أمران :

الأمر الأول : إنَّه سبحانه قد أتى بذكر التدبير في كثير من الآيات بعد ذكر إستوائه على العرش. فذكر لفظ التدبير تارة ، و مصداقه و حقيقته أخرى. أما ما جاء فيه التدبير بلفظه ، فقوله سبحانه :

أ ـ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3].

ب ـ {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2].

ج ـ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 4، 5].

ففي الآية الأولى يُرَتِّب سبحانه التدبير على قوله :{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْش } ليكون المعنى « استوى على عرش التّدبير ». كما أنَّه في الآية الثانية بعد ما يذكر قسماً من التدبير وهو تسخير الشمس و القمر يُعطي ضابطة كلية لأمر التدبير و يقول : { ويُدَبّرُ الأَمْرَ }. و على غرار الآية الأولى ، الآية الثالثة.

وأما ما جاءت فيه الإِشارة إلى حقيقة التدبير من دون تسميته فمثل قوله سبحانه : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].

فقوله : { يُغْشِي اللَّيل النَّهار } [ في ] الآية إشارة إلى حقيقة التدبير و بيان نماذج منه ، ثم أتْبَعَه ببيان ضابطة كلية وقال : {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]. أي إليه يرجع الخلق و الإِيجاد و أمر التدبير.

وقس على هاتين الطائفتين سائر الآيات. ففي الكل إلماع إلى أَمر التدبير إمّا بلفظه أَو ببيان مصاديقه ، حتى قوله سبحانه : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } [الحاقة: 13 - 18]. فالعرش في هذه الآية هو عرش التدبير و إدارة شؤون الملك يوم لا مُلْكٌ إلاّ ملكه. قال تعالى : {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16].

وقال سبحانه : {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ } [الأنعام: 73].

فهذه الآيات تعبّر عن معنى واحد و هو تصوير سيطرة حكمه تعالى في ذلك اليوم الرهيب. قال سبحانه : {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62].

وقال سبحانه : {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44].

فالمتدبّر في هذه الآيات يقف على أنها تهدف إلى حقيقة واحدة و هي أنَّ خلق السموات والأرض، لم يعجزْه عن إدارة الأمور و تدبيرها ، و أما جلوسه على العرش بمعناه الحرفي فليس بمراد قطعاً.

الأمر الثاني : إنه قد جاء لفظ الإِستواء على العرش في سبع آيات مقترناً بذكر فعل من أفعاله و هو رفع السموات بغير عمد ، أو خلق السَّموات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام أو ما يشبه ذلك. فإِنَّ ذاك قرينة على أنَّ المراد منه ليس هو الإِستواء المكاني ، بل الإِستيلاء و السيطرة على العالم كله. فكما لا شريك له في الخلق و الإيجاد ، لا شريك له أيضاً في المُلك و السلطة. ولأجل ذلك يحصر التدبير بنفسه ، كما يحصر الخلق بها و يقول : {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].

فالجمود على ظهور المفردات و ترك التفكّر و التعمّق ، ابتداع مفض إلى صريح الكفر. حتى أَنَّ من فسِّر قوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] بأنَّ لله مِثْلا ، و ليس كَمِثْلِهِ مِثْل ، وقع في مغبة الشّرك و حبائله.

والإستناد إلى الأحاديث التي يرويها ابن خزيمة و من تبعه ، استناد إلى أمور جذورها من اليهود و النَّصارى. و قد عرّف الرازي ابن خزيمة و كتابه المعروف ب ـ « التوحيد » بقوله : « واعلم أن محمد بن اسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء } في الكتاب الذي سماه ب ـ « التوحيد ». و هو في الحقيقة كتاب الشرك ، و اعترض عليها. و أنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلا مضطرب الكلام، قليل الفهم ، ناقِصَ العقل » (4).

ولأجل ما في التشبيه و التجسيم ، و القول بالقدر و الجبر ، من مفاسد لا تحصى ، قال الدكتور أحمد أمين :

« وفي رأيي لوسادت تعاليم المعتزلة إلى اليوم لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي ، و قد اعجزهم التسليم و شَلّهم الجبر و قعد بهم التواكل » (5).

أقول : و في رأيي ، لو سادت الحرية الفكرية على المسلمين ، و تجرد المسلمون عن كل رأي سابق ورثوه من أهل الحديث ، و نظروا إلى الكتاب العزيز و تمسكوا بالسنَّة الصحيحة المروية عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )عن طريق أهل بيته ( عليهم السَّلام ) الذين عرّفهم الرسول في الحديث المتواتر (حديث الثقلين) لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي.

هذا ، وعلى ضوء ماقررنا من الضابطة و الميزان ، تَقْدِر على تفسير ماورد في التنزيل من الوجه والعين واليدين و الجنب و الإِتيان والفوقية وما يشابهها ، دون أن تمسّ كرامة التنزيه ، و من دون أنْ تخرج عن ظواهر الآيات بالتأويلات الباردة غير الصحيحة. والإِجراء ، على النمط التصديقيّ ، لا المعنى الحرفي التَّصوريّ.

2 ـ وجهه سبحانه : ...أنَّ الإِمام الأشعري قال في كتابه (الإِبانة) : « بأنَّ لله وجهاً بلا كيف » كما قال : {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]. و هو يريد بذلك إثبات الوجه لله سبحانه بمعناه الحرفي ولكن فراراً عن التشبيه يذيله بالبلكفة و يقول « بلا كيف ».

والمُؤَوِّلة يعتقدون بلزوم التأْويل في الآية و يقولون تأْويلها الذات ، ولكن ما قالت به المؤوّلة و إن كان صحيحاً نتيجة ، إلاّ أنَّ الآية لا تحتاج إلى التأويل ، و إِنما تحتاج إليه لو فرضنا أنَّ الوجه ظاهر في العضو الخاص. و أما لو كان ظاهراً ـ بسبب القرينة التي سنذكرها ـ في ذات الشيء و شخصه ، فلا تحتاج إليه ، و يكون الظاهر المتبادر هو المتبع.

والدليل عليه هو أنَّ الوجه ، كما يأتي بمعنى العضو الخاص ، يأتي بمعنى الذات. قال ابن فارس : « ربما عبر عن الذات بالوجه ، قال :

اَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصِيهِ ... رَبَّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ » (6)

ولعل وجه التعبير عن الذات بالوجه ، أنَّ وجه الإِنسان أو وجه كل شيء تمام حقيقته عند الناظر ، و لأجل ذلك إذا رأى شخص وجه إنسان آخر يقول رأيته ، كأنه رأى الذات كلها. و على ذلك فيحتاج حمل اللفظ على واحد من المعنيين الرائجين إلى قرينة ، لأَن المعنى الثاني بلغ بكثرة الإِستعمال إلى حد الحقيقة.

والقرينة تعين المعنى الثاني ، حيث وصف الوجه بقوله : {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] و من المعلوم أنَّها من صفات الرب ، أي ذاته سبحانه ، لا من صفات الوجه ، أعني الجزء من الكل. ولو كان الوجه هنا بمعنى العضو المخصوص ، لوجب أن يجعل « الجلال و الاكرام » ، و صفاً للربّ (المضاف إليه) ، و يقول « ذي الجلال و الاكرام ».

ولأجل ذلك نرى أنه سبحانه جعله و صفاً للمضاف إليه ، (الرب) لا المضاف ، في آية أخرى و قال سبحانه : {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [الرحمن: 78] ، ومن المعلوم أنَّ الإِسم ليس صاحب هذا الوصف ، و إِنما صاحبه هو نفس الرب ، ...

وهناك كلمة مروية عن الرسول الأعظم و هي : « إِنَّ الله خلق آدم على صورته » فاستدل به المشبهة على أَنَّ لله سبحانه صورة و خلق آدم على طبقها. ولكن القوم لو رجعوا إلى أئمة أَهل البيت لوقفوا على أنَّ الحديث نقل مبتوراً ، فقد رَوَى الصدوق بسنده عن علي ( عليه السَّلام ) قال : « سمع النبيُّ رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك و وجه من يشبهك. فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مَهْ ، لا تقل هذا ، فإِن الله خلق آدم على صورته » (7).

أي على صورة هذا الرجل الذي تسبه و تسب من يشبهه و هو آدم.

ورَوَى أيضاً عن الحسين بن خالد أنَّه قال للرضا ( عليه السَّلام ) : « يا ابن رسول الله : إِنَّ الناس يروون أنَّ رسول الله قال إِنَّ الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله لقد حذفوا أول الحديث : إِنَّ رسول الله مرّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ، ووجه من يشبهك ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا عبدالله ، لا تقل هذا لأخيك ، فإِنَّ الله عز وجل خلق آدم على صورته » (8).

3 ـ يده سبحانه :

قال الإِمام الأشعري : « إِنَّ الله سبحانه يدين بلا كيف ، كما قال ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) . و هو يريد حمل اليد على معناها الحرفي والظهور الإِفرادي ، ولكن فراراً عن التشبيه يردفه بقوله « بلا كيف ».

لا شك أَنَّ اليد أو اليدين إذا أطلقتا مفردتين ، يتبادر منهما العضو الخاص. ولكن هذا ظهوره الإِفرادي ، ولا يُتَّبع إلاّ إذا كان موافقاً لظهوره التصديقيّ. و أمَّا إذا كانا متخالفين فالمتبع هو الثاني ، فربما يكون ظاهراً في غير هذا ، وإليك البيان :

1 ـ ربما يكون ظاهراً في القوة : قال سبحانه : {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]. ولا شك أنَّه ليس المراد منه العضو الخاص ، بل المراد هو القوة ، كما يقال : « لفلان يَدٌ على كذا » ، أو يقال « مالي بكذا يد » قال الشاعر :

فَاعْمَد لِما تَعْلُو فَمَالَكَ بالذي ... لا تَسْتَطيعُ مِنَ الأُمورِ يَدانِ

وبهذا الإِعتبار شبه الدهر و الريح فجعل لهما اليد ، و يقال : « يَدُ الدَّهر »

وقال الشاعر « بيد الشمال زمامها » ، لما لهما من القوة.

2 ـ وربما يكون ظاهراً في النعمة : يقال « لفلان عندي أيادي كثيرة » أي فواضل و إِحسان ، « وله عندي يد بيضاء » أي نعمة. قال الشاعر : « فإِنَّ له عندي يَدَيّا و أنْعُماً ». فهل يصح أنْ نحمل اليد في هذين الموضعين على العضو الخاص ، و نتهم من فسّرها بالقوة في الموضع الأول ، و النعمة في الموضع الثاني ، بالتأويل و تحريف الآيات؟ كلا ، لا.

و بذلك يظهر صحة ما قلناه من أنَّ المتبع ليس هو الظهور الأفرادي بل الظهور التصديقي. ألا ترى أنَّه سبحانه ينسب الخدعة والمكر والنسيان إلى نفسه سبحانه في آيات كثيرة منها قوله : {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].

والظهور الإِفرادي و المعنى الحرفي لهذه اللفظة ( المكر ) هو الخدعة ، و من المعلوم أنَّ الخدعة ، و سيلة العاجز ، تعالى عنه سبحانه. بينما الظهور التصديقي يمنع من حمله على المعنى الإِفرادي ، لأَنَّ الآية و ما يضاهيها وردت من باب المشاكلة ، و هو متوفر في كلام العرب و غيرهم. فليس لنا الحمل على المعنى الحرفي بحجة أنَّه يجب حمل كلام الله على ظاهره ، وليس لنا تأُويله وتحريفه. ونحن نقول أَيضاً ، يجب علينا حَمْل كلام الله على ظاهره. لكن ما يدعونه من الظاهر ليس ظاهراً للآية و إنما هو ظاهر كلمة من الآية ، والمتبع هو ظهورها التصديقي والجمَلي ، و هو القوة في الموضع الأَول والنعمة في الموضع الثاني.

إذا وقفت على ما ذكرنا ، فيجب إِمعان النظر في قوله سبحانه : {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] فإِنَّ للمفسرين فيه آراء.

أ ـ اليد بمعنى القدرة.

ب ـ اليد بمعنى النعمة.

وأُورد عليهما أَنَّ قدرة الله واحدة فما وجه التثنية في قوله « بِيَدَيَّ »؟ كما أَنَّ نِعَمَهُ سبحانه لا تُحصى ، فلماذا ثنَّاها؟.

ج ـ اليدان بمعنى القدرة و النعمة ، و به يرتفع الإِشكال المتقدم.

أقول : لو دلت القرائن على أنَّ الآية ظاهرة فيما ذكر لوجب الأخذ به ، لما عرفت من أنَّ المتبع هو الظهور التصديقي لا الإِفرادي ، ولكن لم تتحقق القرائن عندنا.

د ـ الحمل على المعنى اللُّغوي لكنه كناية عن كونه سبحانه متولياً لخلقه لا غيره ، فإِنَّ أكثر الأعمال التي يقوم بها ذو اليدين ، فإِنما يباشرها بيديه ، فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما. حتى قيل في عمل القلب « هو مما عملت يداك ». ولو سبَّ إِنسان إنساناً آخر و جُزي بعمله ، يقال له : « هذا ما قدَّمت يداك »... ولأَجل ذلك ليس فرق بين قولك : « هذا مما عَمِلْتَه » و « هذا ما عملته يداك ». و منه قوله سبحانه : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71].

والكل ظاهر في كونه سبحانه هو المتولي للخلقة ، والمبدع لا غيره.

إذا عرفت ذلك ، يتبين مرمى الآية و هو أنَّه سبحانه بصدد التنديد بالشيطان قائلا : بأَنك لماذا تركت السجود لآدم مع انّي توليت خلقه و إِيجاده ، و أنا أعلم بحاله ، والمصالح التي دعت إلى أمرك و أمر الملائكة بالسجود له. فهل استكبرت علي ، أم كنت من العالين.

والدليل على أَنَّ الخلق باليدين كناية عن توليه سبحانه لخلقه بذاته و شخصه لا عن توليه و تصديه لخلقه بالعضوين ، هو أَنَّ ملاك التنديد إعراض إبليس عن السجود لمصنوعه سبحانه من غير مَدْخَلِيَّة لخلقه بالعضو الخاص (اليد) بحيث لو خلقه بغيرها ـ و مع ذلك أعرض ابليس عن سجوده لما توجه إليه لوم.

فالملاك هو الإِعراض عن السجود لما قام به سبحانه من الخلق من دون دخالة لأداة الخلقة.

فإنْ قيل : إذا كان هو المُبدع و المُتَولي لخلق سائر الأَناسي ، فلماذا خص خلقه آدم بنفسه؟

قلنا : إِنَّ الإِضافة و التخصيص لبيان كرامته و فضيلته و شنيع فعل إبليس. و مثله قوله سبحانه : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].

فتخصيص الإِضافة لبيان تشريفه سبحانه ، كما يقول : {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].

ومثل ما تقدم ، الكلام في قوله سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: 10] ، فهل عندما نزلت الآية فهم منها السلف الصالح ما ينسبه إليهم ابن تيمية من أنَّ المراد هو المعنى اللغوي لكن ليست يده كيد المخلوقات و هي فوق أيدي الصحابة ، أو أنهم فهموا أنَّ المراد سلطان الله و قدرته ، بدليل ما فيها من تهديد لمن ينكث ، بأنَّ مغبَّة النكث تعود عليه.

فلو تكاثفت الجهود على تشخيص الظواهر ، سواء أكانت معان حقيقية أم مجازية ، لارتفعت جميع التوالي فلا يلزم تمثيل و لا تشبيه ، ولا تعطيل و لا تجهيل ، و لا تأويل و خروج عن الظواهر ، بل كان أخذاً بالظواهر بالمعنى المتبادر عند أهل اللغة أَجمعين.

ونحو ذلك لو تدبروا في قوله سبحانه : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] ، لأذعنوا بأنَّ المراد من إثبات بسط اليد لله سبحانه ليس هو البسط الحسي ، بل المراد بيان سعة جوده و بذله. كما يذعنون به عند الوقوف على قوله سبحانه : {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].

فعندئذ نتساءل : أي فرق بين الآيتين بحيث أن المثبتين للصفات يحملون الآية الأولى على المعنى المتبادر من اليد عند الإِفراد ، ثم لأجل الفرار من التجسيم يعقبونه بقولهم « بلا كيف ». و في الوقت نفسه لا يشك هؤلاء أنفسهم في أنَّ المراد من الآية الثانية هو البذل و الجود أو التقتير و البخل؟!!

إلى هنا ظهر أَنَّ ما تمسكت به الحنابلة و الأشاعرة في إثبات الصفات الخبرية لله سبحانه ، يبتني على التمسك بالظهورات الحرفية و المعاني الإِفرادية ، غافلين عن أنّ المتبع في المحاورات هو الظهور التصديقي برعاية القرائن المتصلة بالكلام و المفهومة عند العرب سواء أوافقت المعاني الإِفرادية أم لا. ولو مشوا على تلك الضابطة لوقفوا على تنزيهه سبحانه عن إثبات هذه الأَعضاء و المعاني له. و قد اكتفينا في هذا المقام بتبيين الأَلفاظ الثلاثة : العرشُ واستواؤه عليه ، الوجه ، اليد. و على ضوء ما بيناه من الضابطة تقدر على تبيين سائر الأَلفاظ الواردة في الذكر الحكيم والسنَّة الصحيحة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ معجم مقاييس اللغة ، ج 4 ، ص 264.

2 ـ مفردات الراغب ، مادة « سوا ».

3ـ البداية و النهاية ، ج 9 ، ص 7.

4 ـ تفسير الامام الرازي ، ج 27 ، ص 150.

5 ـ ضحى الإِسلام ، ج 3 ، ص 70.

6 ـ المقاييس ، ج 6 ، ص 88 ، مادة « وجه ».

7 ـ التوحيد للصدوق ، الباب 12 ، الحديث 10 ، ص 152.

8 ـ التوحيد للصدوق ، الباب 12 ، الحديث 11 ، ص 153.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.