أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
2420
التاريخ: 5-08-2015
3701
التاريخ: 5-08-2015
834
التاريخ: 5-08-2015
768
|
قال الفاضل اللاهيجي : « اعلم أنّ لفظ الكلام حقيقة في هذا الملفوظ المسموع المركّب من الأصوات والحروف. وقد يطلق ويراد به التكلّم أعني القدرة على إلقاء الكلام بالمعنى الأوّل ، وهذا المعنى الثاني هو صفة المتكلّم وقائم به ، والكلام بالمعنى الأوّل هو ما به التكلّم ، وليس صفة للمتكلّم ولا قائما به ، بل هو قائم بالهواء ؛ لكونه من جنس الأصوات ...
وهذا ـ أعني التكلّم وإلقاء الكلام ـ يتوقّف فينا على آلة وجارحة لا محالة ، وقد أخبر الأنبياء : بأنّ الله تعالى متكلّم ، وجاءوا بكلام أخبروا أنّه كلام الله تعالى ، وهو منقسم إلى إخبار وأمر ونهي إلى غير ذلك من أقسام الكلام ، ودلّت المعجزة على صدقهم ، وهو أمر ممكن ؛ فإنّه وإن كان متوقّفا فينا على الآلة ويمتنع صدوره عنّا بدونها ، لكن لا يدلّ ذلك على كونه ممتنعا في حقّه تعالى أيضا بدون الجارحة والآلة ؛ لعموم قدرته التامّة وضعف قدرتنا الناقصة ، وكلّ ما أخبر الأنبياء : عن الله تعالى من الممكنات يجب تصديقهم فيه من غير تأويل وصرف عن ظاهره.
وهذا معنى قوله : ( وعموميّة قدرته تدلّ على ثبوت الكلام ) أي بعد ضمّ إخبار الأنبياء كما عرفت ، فالكلام الذي هو من صفته تعالى هو بمعنى التكلّم ؛ فإنّ المتكلّم من قام به التكلّم ، لا من قام به الكلام ، وهذا ظاهر جدّا.
والأشاعرة توهّموا أنّ الصفة هو الكلام بمعنى ما به التكلّم ، والمتكلّم من قام به الكلام بهذا المعنى ، وأطلقوا القول بأنّ القرآن قديم ، وأنّ من قال بخلق القرآن وحدوثه مبتدع ، بل كافر.
ثمّ لمّا رأوا أنّ الكلام بهذا المعنى ـ الذي حقيقته ليست إلاّ الأصوات والحروف الحادثة ـ لا يجوز أن يكون قديما قائما بذاته تعالى ، اخترعوا أمرا محالا سمّوه بالكلام النفسيّ ، وقالوا : إنّه مدلول الكلام اللفظيّ ، وأرادوا به غير العلم بمدلولات الألفاظ ، وغير إرادة إلقاء الكلام ، وغير القدرة على ذلك ، وغير حديث النفس. وقالوا : إنّه أمر واحد في نفسه ليس بخبر ولا أمر ولا نهي إلى غير ذلك ، ولا يدخل فيه ماض ولا حال ولا استقبال. وقالوا : إنّ الكلام حقيقة ليس إلاّ ذلك ، واللفظيّ سمّي كلاما ؛ لدلالته على ذلك (1).
وعمدة ما تمسّكوا به في ذلك أمران :
[ الأمر ] الأوّل ـ وهو ما عوّل عليه إمامهم في « المحصّل » ـ : هو قول الشاعر :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا(2)
وإنّما التعجّب أنّهم من أين عرفوا أنّ مراد الشاعر ممّا في الفؤاد غير الأمور المذكورة التي سمّوه كلاما نفسيا؟ مع أنّي لا أظنّ أنّ عاقلا يجد في نفسه هذا الأمر المحال.
ونعم ما قال المصنّف في نقد المحصّل : فقد صارت مسألة قدم الكلام ـ إلى أن قام العلماء فيها وقعدوا وضرب الخلفاء لأجلها الأكابر بالسوط ، بل بالسيف ـ مبنيّة على هذا البيت الذي قاله الأخطل (3). انتهى. والأعجب تكفيرهم من يأبى القول بهذا الأمر.
قال شارح المقاصد : وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسيّ وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستّة أشهر ، ثمّ استقرّ رأيهما على أنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر (4). انتهى.
[ الأمر ] الثاني : هو ما قالوا من أنّ المتكلّم من قام به الكلام لا من أوجد الكلام ولو في محلّ آخر ؛ للقطع بأنّ موجد الحركة في جسم آخر لا يسمّى متحرّكا.
والجواب ما مرّ من أنّ المتكلّم من قام به الكلام بمعنى التكلّم ، وهو القدرة على إيجاد الكلام بمعنى ما به التكلّم ، وهو ما يلقيه المتكلّم إلى غيره لإظهار ما في ضميره أعني الألفاظ الدالّة على المعاني بحسب الوضع ، وليس المتكلّم من قام به الكلام بمعنى ما به التكلّم ، وإلاّ لزم كون الهواء متكلّما ؛ لكون الألفاظ قائمة به ، وحينئذ يكون الأمر في صيغة الفاعل هاهنا وفي المتحرّك وأمثال ذلك على سبيل واحد ، كما لا يخفى.
وأمّا تمسّكهم في ثبوت الكلام النفسي بأنّ من يورد صيغة أمر ، أو نهي ، أو إخبار ، أو استخبار ، أو غير ذلك ، يجد في نفسه معاني ، ثمّ يعبّر عنها بالألفاظ التي نسمّيها الكلام الحسّيّ، فهذا المعنى الذي يجده في نفسه ويدور في خلده (5) هو الذي نسمّيه الكلام النفسيّ.
فقد مرّ الجواب عنه في مبحث الأصوات من الأعراض عند شرح قول المصنّف : « ولا يعقل كلام غيره (6). وحاصله منع كون تلك المعاني التي يجدها غير الإرادة والطلب والعلم ، فمن أراد تفصيل الجواب وتحقيقه ، فليراجع إلى هناك ؛ فإنّا لا نطوّل الكلام بإعادة ذلك. وإلى بطلان الكلام النفسيّ والإشارة إلى ما أشار إليه هناك أشار هاهنا بقوله : ( والنفسانيّ غير معقول ) (7).
وقال الشارح القوشجي : « لصاحب المواقف كلام (8) في تحقيق الكلام النفسي محصّله : أنّ لفظ « المعنى » يطلق تارة على مدلول اللفظ ، وأخرى على الأمر القائم بالخير ، فالشيخ الأشعري لمّا قال : الكلام هو المعنى النفسيّ ، فهم الأصحاب منه أنّ مراده مدلول اللفظ وحده وهو القديم عنده ، وأمّا العبارات فإنّما تسمّى كلاما مجازا ؛ لدلالتها على ما هو كلام حقيقة حتى صرّحوا بأنّ اللفظ حادث على مذهبه أيضا ، لكنّها ليست كلاما حقيقة ، وهذا الذي فهموه من كلام الشيخ ، له لوازم كثيرة فاسدة : كعدم إنكار من أنكر كلاميّة ما بين دفّتي المصحف مع أنّه علم ضرورة كونه كلام الله حقيقة ، وكعدم المعارضة والتحدّي بكلام الله الحقيقيّ ، وكعدم كون المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتفطّن في الأحكام الدينيّة ، فوجب حمل كلام الشيخ على أنّه أراد به المعنى واللفظ ليكون الكلام النفسيّ عنده أمرا شاملا للّفظ والمعنى جميعا قائما بذات الله ـ تعالى ـ ، وهو مكتوب في المصاحف ، مقروء بالألسن ، محفوظ في الصور وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة.
وما يقال من أنّ الحروف والألفاظ مرتبة متعاقبة ، فجوابه أنّ ذلك المرتّب إنّما هو في التلفّظ بسبب عدم مساعدة الأدلة ، فالتلفّظ حادث والأدلّة الدالّة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا بين الأدلّة » (9).
أقول (10) : بيان ذلك أنّ الكلام على قسمين :
الأوّل : ما هو من صفاته تعالى وهو القدرة على إيجاد الكلام والألفاظ والحروف الدالّة على المعاني المقصودة وهي في الإنسان باللسان وفيه تعالى في مخلوقاته كلسان جبرئيل وشجرة موسى ونحوهما.
والثاني : ما هو غير صفته وهو أيضا على قسمين :
الأوّل الكلام بمعنى إيجاد ما يدلّ على المراد.
والثاني نفس ما يدلّ على المراد وهو بمعنى المتكلّم به المراد من قولنا للقرآن : إنّه كلام الله وهو غير صفته تعالى ؛ لكونه حادثا نوعا وشخصا. أمّا نوعا ، فعند النزول ، وأمّا شخصا ، فحين التلاوة ، ولا شيء من الحوادث صفة له تعالى.
ووجه ثبوت تلك الصفة [ له ] تعالى ، ووجه كونها من الصفات العينيّة أنّ دليل ثبوت القدرة وعينيّتها دليل لها أيضا ؛ لأنّها من شعبها.
ووجه حصول أثرها أنّ حصول الغرض من الخلق موقوف على إيجادها الألفاظ المذكورة ؛ لتوقّف العلم [ و ] الإيصال إلى النعيم الأبديّ الذي هو الغرض على تحصيل القابليّة ، وهذا يتوقّف على العمل بمقتضى ومباشرة الطاعات ، والاجتناب عن المعاصي ، وذلك موقوف على العلم بالأحكام الشرعيّة ، وهو موقوف على بيانه تعالى ، وهو موقوف على إيجاد الألفاظ المذكورة ، فالداعي على الإيجاد موجود والمانع عنه مفقود ، فالإيجاد لازم.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ كلام الله لفظيّ لا نفسيّ محض. بيانه أنّه لا خلاف لأرباب المذاهب أنّه تعالى متكلّم ، وإنّما الخلاف في معنى كلامه وقدمه وحدوثه ، وذلك لأنّ هاهنا قياسين متعارضين لهم ـ على ما حكي (11) عنهم ـ :
أحدهما : أنّ كلامه تعالى صفة له ، وكلّ ما هو صفة له فهو قديم ، فكلامه تعالى قديم.
وثانيهما : أنّ كلام الله تعالى مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود ، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث ؛ فكلامه حادث.
فالحنابلة قالوا بالقياس الأوّل ومنعوا كبرى القياس الثاني ، وادّعوا قدم الحروف والأصوات القائمة بذاته تعالى.
[ و ] الكراميّة عكسوا ؛ حيث جوّزوا قيام الحوادث بذاته تعالى.
والمعتزلة قالوا بصحّة القياس الثاني أيضا ولكنّهم قدحوا في صغرى القياس الأوّل ؛ حيث ادّعوا أنّ كلام الله ليس قائما بذاته ، بل خلقه الله في غيره كجبرئيل والنبيّ صلى الله عليه وآله ، فمعنى التكلّم عندهم خلق الكلام.
والأشاعرة عكسوا ؛ حيث قالوا : إنّ كلام الله معنى قائم بذاته يسمّى بالكلام النفسيّ ، وهو مدلول الكلام اللفظيّ المركّب من الحروف.
وتمسّك المعتزلة بوجوه :
الأوّل : أنّه علم بالضرورة من دين النبيّ صلى الله عليه وآله أنّ القرآن هو هذا المؤلّف المفتتح بالتحميد ، المختتم بالاستعاذة.
الثاني : أنّ خواصّ القرآن الثابتة بالنصّ والإجماع ـ ككونه ذكرا وعربيّا ونحو ذلك ـ ثابتة لهذا المؤلّف لا المعنى.
الثالث : أنّ كلام الله لو كان أزليّا ، لزم الكذب في إخباره الذي يكون بطريق المضيّ ؛ لاقتضائه سبق وقوع النسبة.
وأجيب : بأنّ الاتّصاف بالمضيّ ونحوه ليس في الأزل ، بل فيما لا يزال بحسب التعلّقات.
وفيه : أنّه مناف للقول بأنّ الأزليّ مدلول اللفظيّ المتّصف بالمضيّ ونحوه.
الرابع : أنّ كلامه مشتمل على أمر ونهي ونحوهما ، فلو كان أزليّا ، يلزم الأمر بلا مأمور والنهي بلا منهيّ ونحو ذلك.
والإيراد هنا كالسابق.
والخامس : أنّه لو كان أزليّا ، لكان أبديّا ؛ لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ فيلزم أبديّة التكليف ، وهو باطل إجماعا.
وأيضا لم يختصّ مكالمة موسى عليه السلام بالطور ونحو ذلك ، وهو باطل إجماعا.
وقد تذكر وجوه أخر ككون التكلّم صفة كمال ، وعدمه صفة نقص ، ولزوم عدم تكفير من أنكر كلاميّة ما بين الدفّتين إذا علم بالضرورة أنّه كلام الله تعالى ، ولزوم عدم المعارضة والتحدّي بكلام الله الحقيقي ، وعدم كون المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة.
أقول : يرد ـ مضافا إلى ما ذكر ـ عدم كون القرآن من معجزات نبيّنا صلى الله عليه وآله من الله؛ إذ الإعجاز إنّما هو بسبب الفصاحة والبلاغة اللتين هما من صفات اللفظ ، مع أنّه من أعلى معجزاته صلى الله عليه وآله ، فلعلّ مراد بعض محقّقي الأشاعرة من الكلام النفسي هو الأمر القائم بالغير الشامل للّفظ والمعنى جميعا بأن يكون ترتّب الحروف وتعاقب الألفاظ في التلفّظ بسبب عدم مساعدة الآلة ، فالمتلفّظ حادث دون الملفوظ ، فتأمّل.
والدليل النقلي على ذلك قوله تعالى : {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء: 164] ونحو ذلك.
__________________
(1) انظر « شرح المواقف » 8 : 90 ـ 104 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 143 ـ 151.
(2) « المحصّل » : 408.
(3) الموجود في « نقد المحصّل » : 292 كالتالي : « الاستدلال بهذا البيت ركيك ، وهو يقتضي أن يقال للأخرس : متكلّم ؛ لكونه بهذه الصفة ، والباقي ظاهر ».
(4) « شرح المقاصد » 4 : 149.
(5) الخلد : البال والقلب والنفس.
(6) « شوارق الإلهام » : 414 ـ 415. وفي تجريد الاعتقاد : 168 « ولا يعقل غيره ».
(7) إلى هنا نهاية كلام المحقق اللاهيجي ، راجع شوارق الإلهام : 555.
(8) « شرح المواقف » 8 : 93 ـ 99.
(9) « شرح تجريد العقائد » : 319. ما نقل عن القوشجي في « ب » و « ز » غير موجود في الشوارق ، وكلام الشارح باعتراف ابنه محمّد حسن يبتدئ من « أقول ».
(10) إلى هنا كلام الفاضل اللاهيجي ، وقد جفّ قلمه ، وأتمّه الوالد الماجد بقوله : أقول ... [محمّد حسن ابن الشارح ].
(11) للتعرّف للأقوال في المسألة راجع « الأربعين في أصول الدين » 1 : 247 ـ 258 ؛ « المحصّل : 403 ـ 408 ؛ « نقد المحصّل » : 289 ـ 292 و 307 ـ 310 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 527 ـ 563 ؛ « كشف المراد » : 289 ـ 290 ؛ « مناهج اليقين » 193 ـ 194؛ « شرح المواقف » 8 : 91 ـ 99 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 143 ـ 151 ؛ « النافع يوم الحشر » : 16 ـ 18 ؛ « مفتاح الباب » : 121 ـ 126 ؛ « إرشاد الطالبين » : 208 ـ 213 و 219 ـ 221.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|