الوجه الثاني من الوجوه الّتي استدلّ الأشاعرة بها على استحالة الكذب على الله |
1820
09:15 صباحاً
التاريخ: 3-07-2015
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-08-2015
756
التاريخ: 25-10-2014
991
التاريخ: 25-10-2014
953
التاريخ: 5-08-2015
837
|
وهو أنّه ـ سبحانه ـ لو اتصف بالكذب لكان كذبه قديما ـ إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب وإلاّ لجاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ـ فانّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ـ ؛ واللازم ـ وهو امتناع الصدق عليه تعالى ـ باطل ، فانا نعلم بالضرورة إنّ من علم شيئا امكنه أن يخبر عنه على ما هو عليه.
وأنت خبير بأنّ هذا الوجه انّما يدلّ على كون الكلام النفسي صادقا دون اللفظي ، مع أنّ الأهمّ بيان صدق اللفظي دون النفسي.
وربما أجيب عن ذلك بما قيل في الوجه الأوّل من أنّ مرجع الصدق والكذب انّما هو المعنى دون اللفظ ، فكذب الكلام اللفظي راجع إلى كذب الكلام النفسي ـ كما ذكر في الوجه الأوّل ـ ، وكذب الكلام النفسى قديم فكذب اللفظي أيضا قديم ، وحينئذ يلزم ما ذكر من المحذور في الكلام اللفظي أيضا ، فثبت منه عدم وقوع الكذب فيه.
وردّ بعضهم هذا الجواب : بأنّ الأشاعرة لمّا جوّزوا حدوث الكلام اللفظي مع قدم الكلام النفسي فان جوّزوا حدوث صفة اللفظي ـ أعني : حدوث كذبه ـ كان أولى وبقبول العقل أحرى ، وإذا كان كذبا حادثا عندهم فلا يجري هذا الدليل فيه.
وقال بعض المشاهير : إنّ هذا الوجه كالوجه الأوّل في اجراء الجواب المذكور ، وتفصيل اجرائه في هذا الوجه أن يقال : إذا كان مرجع الصدق والكذب هو المعنى دون اللفظ وكان الكلام النفسي عبارة عن مدلول الكلام اللفظي فلا يتصوّر كذب الكلام اللفظى بدون كذب الكلام النفسي ، فكذب الكلام اللفظي انّما يكون بكذب الكلام النفسي ؛ فلو كذب الكلام اللفظي كذب الكلام النفسي ؛ وكذبه انّما يكون قديما بما ذكر.
أقول : إن كان مراده إنّ القدم في الكذب منحصر في الكلام النفسى ـ لأنّه إذا كان الكلام اللفظي حادثا ومدلوله قديما يجوز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ، فالملازمة وعدم الانفكاك انّما يكون بين أصل كذب الكلام اللفظي وكذب الكلام النفسى لا بين وصف الكذبين أيضا ، أعني : القدم والحدوث لجواز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ـ ، ففيه : انّ كذب الكلام اللفظي لو كان حادثا يجري هذا الوجه في ابطال كذبه ووجوب صدقه ؛
وإن كان مراده انّ كذب اللفظي ككذب النفسي قديم ، ففيه : إنّه لا يتصوّر كون أصل الكلام اللفظي حادثا وكون صفته ـ أعني : كذبه ـ قديما ، وهو ظاهر بديهي. فظهر أنّ جريان الجواب المذكور في هذا الوجه باطل ، ومنه يظهر عدم دلالة هذا الوجه على بطلان كذب الكلام اللفظي.
فان قيل : على ما ذكرت يكون كذب الكلام اللفظي حادثا وتجويز حدوثه لا يمكن أن يتحقّق بدون كذب الكلام النفسي ـ بناء على الجواب المذكور ـ ، فيلزم منه تجويز كذب الكلام النفسي وهو باطل بالدليل المذكور ـ أعني : الوجه الثاني للأشاعرة ـ ،
فيجب أن يدفع الجواب المذكور بما نقلناه عن بعض المشاهير في الوجه الأوّل من أنّ القاء الكلام اللفظي إلى آخر وايجاده على ثلاثة اقسام ، ولا يلزم من كذب الكلام اللفظي الكذب في الكلام النفسي إلاّ في القسم الثالث دون القسمين الأوّلين ؛
قلت : تجويز حدوث كذب الكلام اللفظي انّما هو بعد تسليم وقوع الكذب فيه ، ونحن بيّنا عدم جواز كذب كلام الله اللفظي بلزوم القبح العقلي والنقص في فعله لولاه ، وهما باطلان عندنا ؛
وأيضا قد عرفت أنّ الكلام النفسي ليس له معنى معقول ولا يرجع إلى معنى محصّل ، اللهم إلاّ أن يرجع إلى التكلّم الحقيقي أو العلم وإن لم يكن مطابقا لقول الأشعري ولا معنى لوقوع الكذب فيهما ، فاذا لم يدلّ هذا الوجه على بطلان كذب اللفظي أيضا يثبت سقوطه بالكلّية.
ثمّ ما ذكره بعض المشاهير في رفع الجواب المذكور قد عرفت حاله.
هذا ؛ مع أنّه يرد على ما ذكر في الوجه المذكور ـ من أنّه مع قدم الكذب يمتنع الصدق وإلاّ جاز زوال الكذب ـ : بانّا لا نسلّم أنّه بالصدق يزول الكذب. وتفصيل ذلك : أنّه إن أريد بزوال الكذب: زوال مدلول اللفظ الكاذب بعد حصول معنى صادق أو زوال اللفظ الكاذب بعد حصول لفظ صادق فهو ممنوع ، لأنّه لا تنافي بين قيام المعنى الصادق والكاذب كليهما بذات واحدة ـ كما في أنفسنا حين اخبارنا بما علمنا إنّه مخالف للواقع ـ ، انّما المحال اعتقادهما معا ، فيجوز أن يصدر خبر واحد عن شخص واحد مرّتين في إحداهما كان مدلوله صادقا وفي الأخرى كان مدلوله كاذبا وكلاهما كانا قائمين بهذا الشخص الواحد ؛ وكذا حال اللفظ الصادق والكاذب ، فانّه باللفظ الصادق لا يزول اللفظ الكاذب. والحاصل : إنّ الكلام النفسي ليس أمرا واحدا قائما بذاته ـ تعالى ـ عندهم حتّى يمتنع أن يكون صادقا وكاذبا ، بل المشهور عندهم أنّ الكلام النفسي عبارة عن مدلول الكلام اللفظي ومدلول الكلام اللفظي يتعدّد بتعدّد الكلام اللفظي ، وإذا كان الكلام اللفظي أمورا متعدّدة فيجوز أن يكون بعضها صادقا وبعضها كاذبا ، فما هو صادق يكون صادقا ابدا وما هو كاذب يكون كاذبا ابدا ؛
وإن أريد : أنّه يزول الاعتقاد بالكاذب فانّه يدلّ على امتناع اعتقاده ـ تعالى ـ وتصديقه بالكاذب ، ولا ريب في أنّ عدم الاعتقاد بالكاذب قد كان حاصلا قبل حصول الصادق أيضا ولم يكن قبله اعتقاد به حتّى يزول بالصادق ، ولا شبهة في أنّ امتناع الاعتقاد بالكاذب لا يستلزم امتناع الكاذب بدون الاعتقاد ـ بل مع علمه بانّه خلاف الواقع ـ ، فعلى هذا الشقّ يلزم قدم كذب مدلول اللفظ ، لأنّه إذا كان المدلول قديما وجاز كذبه ولم يلزم من حصول الصدق زواله يكون الكذب قديما البتة. ولا يلزم منه زوال قديم أصلا ، بل يلزم أن يقوم به ـ تعالى ـ الصادق والكاذب ـ أي : مدلول اللفظين أو اللفظان ـ مع اعتقاده باحدهما وعدم اعتقاده بالآخر ازلا وابدا. فلا يدلّ هذا الدليل على امتناع كذب مدلول اللفظ ولا اللفظ بالنسبة إليه ـ تعالى ـ نظرا إلى عدم اعتقاده بالكذب ، بل امتناع اعتقاده. وكذا الدليل الّذي قبله ، فانّ اعتقاد الكذب نقص لا قيام مدلول كاذب به ـ تعالى ـ بطريق التصوّر أو غيره. نعم! ، يتمّ الدليل الّذي قبله بما ذكرناه من أنّ صدور الألفاظ الكاذبة منه ـ تعالى ـ قبيح ؛ هذا.
وقيل : لو تمّ هذا الدليل لدلّ على امتناع صدقه ـ تعالى ـ أيضا بأن يقال : إنّه ـ تعالى ـ لو اتصف بالصدق لكان صدقه قديما ، فيمتنع عليه الكذب المقابل لذلك الصدق ، لكنّا نعلم ضرورة أنّ من علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فيلزم أن لا يتّصف بالصدق أصلا ؛ انتهى.
وفيه : انّا لا نسلّم أنّ الواجب ـ تعالى ـ لو علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فهل الكلام إلاّ فيه؟!. فيجوز أن يكون الاخبار لا على ما هو عليه محالا بالقياس إليه ـ تعالى ـ لاستلزامه النقص.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|