أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-3-2019
610
التاريخ: 25-10-2014
855
التاريخ: 25-10-2014
1155
التاريخ: 25-10-2014
713
|
قد علم بالضرورة من الدين ، وثبت بالكتاب والسُنّة ، واتّفاق أهل الملل ، أنّه تعالى حي ، وحيث إنّ الحياة المتحقّقة في الحيوان ـ وهي صفة تقتضي الحس والحركة مشروطة باعتدال المزاج ـ غير ممكنة في حقه تعالى ، اختلفوا في تفسيرها على أقوال :
1 ـ إنّها عبارة عن عدم استحالة كونه عالماً وقادراً . نُسب (1) إلى المتكلّمين من الإمامية والمعتزلة ، وقيل (2) : إنّه مذهب الحكماء وأبي الحسين البصري ، ومرجعها إذن إلى الصفات السلبية كما لا يخفى .
2 ـ إنّها صفة توجب صحّة العلم والقدرة ، فهي إذن صفة زائدة على ذاته المتّصفة بالعلم والقدرة . نُقل هذا عن الأشاعرة وجمهور المعتزلة ، أي قدمائهم القائلين بزيادة الصفات (3) .
3 ـ إنّها بمعنى الدرك والفعل ، فكونه تعالى حياً أنّه درّاك فعّال ، أي كون ذاته بحيث تكون درّاكةً وفعّالة ، وإلاّ فهذا القول ظاهر الفساد ، فإنّ حياته التي هي من صفاته الذاتية لا تكون نفس الفعل . وحكى هذا القول من الحكماء ، المجلسي (4) وغيره .
4 ـ معنى كونه حيّاً هو الفعّال المدبّر اختاره الصدوق في كتابه التوحيد (5) .
أقول : الحياة والممات كالحركة والسكون ، والقيام والجلوس منفية عنه تعالى بانتفاء موضوعها، أعني الجسم والجسماني ، فلو كنّا نحن وعقولنا لمّا جوّزنا اتّصافه بالحياة أصلاً ، ولكن لمّا ورد النقل به جوّزناه تعبّداً .
وعليه فجميع هذه الأقوال بلا شاهد ودليل عليها ، بل هي ـ باستثناء الأَوّل ـ ثابتة العدم ، فإنّ القول الثاني يبطل بالمذهب الصحيح من عينية الصفات ، والثالث والرابع مستلزمان قِدم العالم فيبطلان ببطلان لازمها ، والعجب من الصدوق فإنّه مع اعتقاده بحدوث العالم فسّر حياته تعالى وهي من صفاته الذاتية ـ بما يلزم قِدم العالم ، وبالجملة لابدّ أن يقول إمّا بقِدم العالم أو بحدوث الحياة ، وكلا الأمرين باطل عنده .
وأمّا القول الأَوّل ، فاتّصافه بالعلم والقدرة إنّما يُستكشف عن وجوده تعالى ، وأنّه موجود غير معدوم لا عن حياته ، فإنّها لا تكون شرطاً للعلم والقدرة مطلقاً كما لا يخفى .
فالإنصاف أنّه لم يتّضح لنا معنى الحياة الواردة في حقّه تعالى شرعاً ، نعم لو قلنا بأنّ معنى الحياة في الحيوان يتمّ بإدراك وفعل ، كما ادّعاه صاحب الأسفار لكان القول الثالث حقاً ، وحينئذٍ يمكن إثباته عقلاً بقاعدة الملازمة المتقدّمة ، لكن على نحو لا يستلزم قِدم العالم ، إلاّ أنّه غير ظاهر .
ويمكن أن يقال : إنّ هذه الصفة حيث وردت في الكتاب والسنة الملقيَين على عامة الناس حسب عقولهم ، أُريد بها ما هو متفاهم عندهم ، فلا يكون معناها بمجمل ، فيكون حياته بمعنى أنّه يتمكّن من الفعل ، وأنّه يمكن أن يصدر منه آثاره اختياراً ، وليس كالميت حيث لا أثر له ، أو بمعنى أنّه موجود غير معدوم والله العالم .
وأعلم أنّ الحياة على أقسام بحياة الإنسان ، وحياة الحيوان ـ ولعلّها على درجات ـ حياة الملائكة، وحياة الجن ، حياة الموجودات الحية في المجرّات والسماوات ، ولعلّها على أقسام متباينة ، وهناك أقسام أُخر للحياة ، كحياة الخلايا ، وحياة أعضاء البدن ، وحياة الشعر وغيرها ، كما ذكرها الطب الجديد ولقلّتها في كتابنا ( الفقه ومسائل طبيّة ) الذي ألّفناه بعد أكثر من أربعين عاماً أو أكثر من تأليف هذا الكتاب ، ونحن لا نعرف حقيقة حياة هذه المخلوقات ، بل لا نعلم حقيقة حياتنا إلاّ بمقدار أنّها حصلت من تعلّق الروح بالبدن تعلّقاً تدبيرياً ، وأمّا حقيقة حياتنا فهي مجهولة لنا ، إلاّ بآثارها من التغذية ، والنمو ، والحسّ والحركة ، والإدراك ، والتكاثر ونحو ذلك ، كما بُيّنت في علم الإحياء الحديث (البايولوجيا ) ، فكيف نحيط بحياته تعالى ، حتى نحرّفها في الكلام والفلسفة ! والأقوى ردّ جميع الأقوال المذكورة في الكتاب وغيره ، والتوقّف في معرفتها ، وإنّ المذكورات من آثارها الحياة لا منها ولا من لوازمها (6) .
إلحاق وإتمام:
قد برهنّا ـ إلى الآن ـ على وجوده ، ووجوبه ، وقدرته ، واختياره ، وبصره وسمعه ، وحياته ، ولكن يرجع اختياره إلى قدرته ، وأمّا سمعه وبصره فقد مرّ أنّهما من أفراد علمه أو من توابعه، على تردّد في ذلك ، وأمّا الوجوب فليس إلاّ الوجود الغير المسبوق بالعدم ، فأُصول صفاته ثلاثة: بعد وجوده : الحياة والعلم والقدرة ، والبقية راجعة إليها .
فإلى الوجود يرجع الأزلية ، والأبدية ، السرمدية ، والبقاء ، والحقّية ، والسالمية ، والدوام ، وأمثالها .
وإلى العلم يرجع رؤيته ، (7) وإحاطته ، وحكمته على أحد الوجهين ، وعينه ، وأمثالها .
وإلى القدرة يرجع قوته ، وبطشه ، وشدّته ، ويده ، وقهره ، ونظائرها .
وستقف إن شاء الله على أنّ هذا التعدّد الثلاثي إنّما يجول في ميدان المفهوم وساحة الاعتبار فقط، وإلاّ ففي واقع المصداق ليس إلاّ الذات الأحدية البسيطة ، فكلّه الوجود والقدرة والعلم ، وعلمه قدرته ووجوده ، وقدرته علمه ووجوده ، ووجوده علمه وقدرته {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] .
_______________
(1) بحار الأنوار 4 / 69.
(2) المواقف 3 / 66 وغيرها .
(3) المصدر نفسه .
(4) بحار الأنوار 4 / 68.
(5) بحار الأنوار 4 / 192.
(6) ذكرنا هذه الزيادة عند طبع الكتاب مرّة ثالثة في سنة 1385 هـ . ق = 1427 هـ . ق .
(7) كما قال تعالى : {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 7] .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|