أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-8-2016
814
التاريخ: 1-8-2016
720
التاريخ: 1-8-2016
751
التاريخ: 24-8-2016
664
|
يوجد هناك إعتراضان رئيسيان على أدلة البراءة المتقدمة.
أحدهما: أن هذه الادلة، إنما تشمل حالة الشك اليدوي ولا تشمل حالة الشك المقترن بعلم إجمالي، كما تقدم في الحلقة السابقة، والفقيه حينما يلحظ الشبهات الحكمية ككل، يوجد لديه علم إجمالي بوجود عدد كبير من التكاليف المنتشرة في تلك الشبهات، فلا يمكنه إجراء أصل البراءة في أي شبهة من تلك الشبهات.
والجواب: أن العلم الاجمالي المذكور وان كان ثابتا ولكنه منحل، لان الفقيه من خلال إستنباطه وتتبعه يتواجد لديه علم تفصيلي بعدد محدد من التكاليف لا يقل عن العدد الذي كان يعلمه بالعلم الاجمالي في البداية، ومن هنا يتحول علمه الاجمالي إلى علم تفصيلي بالتكليف في هذه المواقع، وشك بدوي في التكليف في سائر المواقع الاخرى. وقد تقدم في حلقة سابقة إن العلم الاجمالي إذا انحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي، بطلت منجزيته، وجرت الاصول المؤمنة خارج نطاق العلم التفصيلي.
والاعتراض الآخر أن أدلة البراءة معارضة بأدلة شرعية، وروايات تدل على وجوب الاحتياط، وهذه الروايات، أما رافعة لموضوع أدلة البراء ة، واما مكافئة لها، وذلك ان هذه الروايات بيان لوجوب الاحتياط لا للتكليف الواقعي المشكوك.
فدليل البراءة ان كانت البراءة فيه مجعولة في حق من لم يتم عنده البيان لا على التكليف الواقعي، ولا على وجوب الاحتياط، كانت تلك الروايات رافعة لموضوع البراءة المجعولة فيه باعتبارها بيانا لوجوب الاحتياط، وان كانت البراءة في دليلها مجعولة في حق من لم يتم عنده البيان على التكليف الواقعي، فروايات الاحتياط لا ترفع موضوعها، ولكنها تعارضها، ومع التعارض لا يمكن ايضا الاعتماد على ادلة البراءة.
ومثال النحو الاول من ادلة البراء ة: البراءة المستفادة من قوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "، فإن الرسول اعتبر كمثال لمطلق البيان وإقامة الحجة، واقامة الحجة كما تحصل بإيصال الحكم الواقعي، كذلك بإيصال وجوب الاحتياط. فروايات وجوب الاحتياط بمثابة بعث الرسول، وبذلك ترفع موضوع البراءة.
ومثال النحو الثاني من ادلة البراءة المستفادة من حديث الرفع او الحجب، فان مفاده الرفع الظاهري للتكليف الواقعي المشكوك، ومعنى الرفع الظاهري عدم وجوب الاحتياط، فالبراءة المستفادة من هذا الحديث وامثاله تستبطن بنفسها نفي وجوب الاحتياط وليست منوطة بعدم ثبوته.
ونستعرض فيما يلي جملة من الروايات التي تدعي دلالتها على وجوب الاحتياط، وسنرى انها لا تنهض لإثبات ذلك: فمنها: المرسل عن الصادق (عليه السلام) قال: " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه "، ونلاحظ ان الرواية غاية ما تدل عليه الترغيب في الاتقاء، وليس فيها ما يدل على الالزام.
ومنها: ما روي عن امير المؤمنين (عليه السلام) من انه قال لكميل: يا كميل اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت.
ونلاحظ ان الرواية وان اشتملت على امر بالاحتياط ولكنه قيد بالمشيئة، وهذا يصرفه عن الظهور في الوجوب، ويجعله في افادة ان الدين امر مهم، فأي مرتبة من الاحتياط تلتزم بها تجاهه فهو حسن.
ومنها: ما عن ابي عبدالله (عليه السلام): اورع الناس من وقف عند الشبهة.
ونلاحظ ان هذا البيان لا يكفي لإثبات الوجوب إذ لم يدل دليل على وجوب الاورعية.
ومنها: خبر حمزة بن طيار انه عرض على ابي عبدالله (عليه السلام) بعض خطب ابيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له: كف واسكت.
ثم قال: لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على الحق، ويجلوا عنكم فيه العمى، ويعرفوكم فيه الحق.
قال الله تعالى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]
ونلاحظ ان هذه الرواية تأمر بالكلف والتريث من اجل مراجعة الامام، واخذ الحكم منه لا بالكف والاجتناب بعد المراجعة وعدم التمكن من تعيين الحكم، وما نريده هو اجراء البراءة بعد المراجعة، والفحص لما سيأتي من ان البراءة مشروطة بالفحص، وبذل الجهد في التوصل إلى الحكم الواقعي.
ومنها: رواية ابي سعيد الزهري عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.
وتقريب الاستدلال انها تدل على وجود هلكة في اقتحام الشبهة، وهذا يعني تنجز التكليف الواقعي المشكوك وعدم كونه مؤمنا عنه، وهو معنى وجوب الاحتياط.
ويرد على ذلك ان هذا يتوقف على حمل الشبهة على الاشتباه بمعنى الشك، مع ان الاصل في مدلول الشبهة لغة المثل والمحاكي، وانما يطلق على الشك عنوان الشبهة، لان المماثلة والمشابهة تؤدي إلى التحير والشك، وعليه فلا موجب لحمل الشبهة على الشك، بل بالامكان حملها على ما يشبه الحق شبها صوريا، وهو باطل في حقيقته كما هو الحال في كثير من الدعوات الباطلة التي تبدو بالتدليس، وكأنها واجدة لسمات الحق، وقد فسرت الشبهة بذلك في جملة من الروايات، كما في كلام للأمام لابنه الحسن حيث روي عنه انه قال: (وانما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فاما اولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليهم سمت الهدى، واما اعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى).
وعلى هذا الاساس يكون مفاد الرواية التحذير من الانخراط في الدعوات والاتجاهات التي تحمل بعض شعارات الحق لمجرد حسن الظن بوضعها الظاهري بدون تمحيص وتدقيق في واقعها، ولا ربط لها حينئذ بتعيين الوظيفة العملية في موارد الشك في التكليف.
واما مشهور المعلقين على الرواية، فقد افترضوا ان الشبهة بمعنى الشك تأثرا بشيوع هذا الاطلاق في عرفهم الاصولي، وحاولوا المناقشة في الاستدلال بوجه آخر مبني على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان، إذ على هذا المسلك تكون الشبهة البدوية مؤمنا عنها بالقاعدة المذكورة ما لم يجعل الشارع منجزا للتكليف المشكوك بإيجاب الاحتياط ونحو ذلك، وهذا معناه ان التنجز واستحقاق العقاب من تبعات وجوب الاحتياط وليس سابقا عليه، ونحن إذا لاحظنا الرواية المذكورة نجد انها تفترض مسبقا، ان الاقدام مظنة للهلكة وتنصح بالوقوف حذرا من الهلكة، ومقتضي ذلك انها تتحدث عن تكاليف قد تنجزت وخرجت عن موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان في المرتبة السابقة، وليست بصدد إيجاب الاحتياط وتنجيز الواقع المشكوك بنفسها، ونتيجة ذلك ان الرواية لا تدل على وجوب الاحتياط، وانها تختص بالحالات التي يكون التكليف المشكوك فيها منجزا بمنجز سابق، كالعلم الاجمالي ونحوه.
ومنها: رواية جميل عن ابي عبدالله (عليه السلام) عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله ) : الامور ثلاثة، أمر بين لك رشده فاتبعه، وأمر بين لك غيه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فرده إلى الله. وكأنه يراد ان يدعى ان الشبهات الحكمية من القسم الثالث، وقد أمرنا فيه بالرد إلى الله وعدم الترسل في التصرف، وهو معنى الاحتياط.
ويرد عليه اولا: ان الرد إلى الله ليس بمعنى الاحتياط بل لعلة بمعنى الرجوع إلى الكتاب والسنة في استنباط الحكم في مقابل ما يكون بينا متفقا على رشده او غيه، فكأنه قيل: إن ما كان متفقا على غيه ورشده وبينا في نفسه عومل على أساس ذلك، وما كان مختلفا فيه فلا بد من الرجوع فيه إلى الكتاب والسنة، ولا يجوز التخرص فيه والرجم بالغيب، وبهذا يكون مفاد الرواية أجنبيا عما هو المقصود في المقام.
وثانيا: لو سلم ان المراد بالأمر بالرد إلى الله الامر بالاحتياط، فنحن ننكر ان تكون الشبهة الحكمية بعد قيام الدليل الشرعي على البراءة من القسم الثالث، بل الاقدام فيها بين الرشد لقيام الدليل القطعي على إذن الشارع في ذلك.
وعلى العموم فالظاهر عدم تمامية سائر الروايات التي يستدل بها على وجوب الاحتياط، وعليه فدليل البراءة سليم عن المعارض. ولو سلمنا المعارضة كان الرجحان في جانب البراءة لا وجوب الاحتياط، وذلك لوجوه: منها: ان دليل البراءة قرآني، ودليل وجوب الاحتياط من اخبار الآحاد، وكلما تعارض هذان القسمان قدم الدليل القرآني القطعي، ولم يكن خبر الواحد حجة في مقابله.
ومنها: ان دليل البراءة لا يشمل حالات العلم الاجمالي كما سيأتي، ودليل وجوب الاحتياط شامل لذلك، فيكون دليل البراءة اخص فيخصصه.
ومنها: ان دليل وجوب الاحتياط أخص من دليل الاستصحاب القاضي باستصحاب عدم التكليف، فان افترضنا ان دليل الاحتياط ودليل البراءة متكافئان وتساقطا رجعنا إلى دليل الاستصحاب، إذ كلما وجد عام (كدليل الاستصحاب) ومخصص (كدليل الاحتياط) ومعارض للمخصص (كدليل البراءة) سقط المخصص مع معارضه ورجعنا إلى العام.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|