أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-6-2020
1039
التاريخ: 1-8-2016
512
التاريخ: 1-8-2016
665
التاريخ: 1-8-2016
641
|
منها: قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء: 15].
حيث إنّه وردت فيها ثلاث فقرات:
أحدها: أنّ نتيجة عمل كلّ إنسان تعود إلى نفسه: (من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها).
ثانيها: ما يكون بمنزلة المفهوم للحكم الأوّل، أي: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وكلّ واحد من هذين الحكمين إرشاد إلى ما يحكم به العقل.
ثالثها: البراءة في موارد عدم البيان والبعث: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وهى تؤكّد بالآية التالية لها، أي قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16] حيث إنّه بيّنت فيها كيفية العذاب المذكور في تلك الآية وأنّه يقع بعد الأمر ووقوع الفسق، كما أنّ المراد من بعث الرسل في تلك الآية إنّما هو إتمام الحجّة على الناس، فهو كناية عن بيان التكليف، فلا موضوعيّة للبعث كما يشهد عليه أنّه لا يعقل العذاب في صورة البعث مع عدم البيان.
ثمّ إنّ هيهنا آيتين اُخريين توافقان الآية المذكورة في الدلالة على البراءة في ما نحن فيه، وقد غفل عنهما في كلماتهم:
الاُولى: قوله تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59] حيث لا يخفى إنّ دلالة هذه الآية أظهر ممّا ذكره القوم، لما ورد فيها من التعبير بـ «يتلوا عليهم آياتنا» الذي يدلّ صريحاً على بيان التكليف وإنّه لا عقاب إلاّ بعد البيان، فلا حاجة فيها إلى التوجيه المذكور في تلك الآية من أنّ البعث كناية عن البيان.
الثانية: قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134] حيث إنّ المراد من كلمة «قبله» هو قبل بعث الرسل، فتدلّ على البراءة بناءً على أنّ نقل كلام الكفّار مشعر بالقبول.
وبالجملة، إنّ لهذه الآيات الثلاثة مدلولا واحداً مشتركاً، وهو البراءة في الشبهات الحكميّة مطلقاً.
المناقشة:
ولكنّه قد يناقش في دلالتها باُمور عديدة، وما قيل أو يمكن أن يقال فيها اُمور خمسة:
الأمر الأوّل: ما أورده المحقّق الخراساني(رحمه الله)، وحاصله: إنّ الآية تدلّ على نفي فعلية العذاب لا نفي استحقاقه، ونفي الفعليّة ليس لازماً مساوياً لنفي الاستحقاق حتّى يدلّ نفيها على نفيه، بل هو أعمّ من كونه من باب عدم الاستحقاق أو من باب تفضّله تبارك وتعالى على عباده مع استحقاقهم للعذاب، فلا يصحّ الاستدلال بالآية على البراءة.
ثمّ أورد على نفسه بأنّ المخالفين يعترفون بالملازمة بين نفي الفعليّة ونفي الاستحقاق.
وأجاب عنه أوّلا: بأنّ قبول الخصم لا يوجب صحّة الاستدلال بها إلاّ جدلا مع أنّنا نطلب الحجّة بيننا وبين الله تعالى سواء قبل الخصم أو لم يقبل.
وثانياً: بأنّ عدم وجود الملازمة بين الأمرين أمر واضح، ضرورة أنّ ما شكّ في وجوبه أو حرمته ليس عند الخصم بأعظم ممّا علم بحكمه، فإذا لم تكن ملازمة بينهما في المخالفة القطعيّة فعدمها في المخالفة الاحتماليّة بطريق أولى.
أقول: يمكن الجواب عنه بأنّ ما يهمّنا في الفقه إنّما هو الأمن من العذاب، وهو حاصل بنفي الفعليّة سواء لزمه نفي الاستحقاق أم لا.
الأمر الثاني والثالث: ما أفادهما الشيخ الأعظم(رحمه الله) من أنّ ظاهر الآية الإخبار بوقوع العذاب سابقاً بعد البعث فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الاُمم السابقة، فمحصّل كلامه: أوّلا: أنّ الآية مختصّة بالاُمم السابقة، وثانياً: أنّ الله تعالى قد أخبر بنفي خصوص العذاب الدنيوي، وليس في الآية دلالة على أنّه تعالى لم يعذّبهم لعدم استحقاقهم له كي يكون دليلا على نفي العقاب قبل البيان مطلقاً، أي الدنيوي والاُخروي جميعاً بل لعلّه لم يفعل ذلك منّة منه تعالى في خصوص الدنيا.
والجواب عنهما واضح، أمّا بالنسبة إلى الأوّل منهما فلأنّ لحن الآية الشريفة إنّما هو لحن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ، فيدلّ على أنّه لا يكون العذاب من دون بعث الرسول لائقاً بشأنه تعالى، ولا معنى لاختصاص هذا المفهوم بالأمم السابقة كما تشهد عليه الفقرتان السابقتان على هذه الفقرة (أي قوله تعالى { فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [يونس: 108] وقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] حيث إنّه لا إشكال في عدم اختصاصهما بالأمم السابقة.
وأمّا بالنسبة إلى الثاني منهما فلأنّه إذا لم يعذّبهم في الدنيا فعدم تعذيبه في الآخرة بطريق أولى، وهو عذاب يدوم بقاؤه ولا يخفّف عن أهله، والشاهد عليه الآية اللاحقة وهى قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } [الإسراء: 16]
الأمر الرابع: «إنّ أقصى ما تدلّ عليه الآية المباركة هو أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلاّ بعد بعث الرسل وإنزال الكتب وتبليغ الأحكام والتكاليف إلى العباد، وهذا لا ربط له بما نحن فيه من الشكّ في التكليف بعد البعث والإنزال والتبليغ وعروض اختفاء التكليف لبعض الموجبات التي لا دخل للشارع فيها»(1).
والجواب عنه: أنّ بعث الرسل في الآية كناية عن إتمام الحجّة كما مرّ، فتدلّ على نفي العذاب ما لم تتمّ الحجّة بعد البعث، والشاهد عليه قوله تعالى في الآية اللاحقة: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ...) فهى تدلّ على أنّ الميزان في العذاب هو صدور الأمر ووقوع الفسق بعده، كما يشهد عليه أيضاً ما مرّ من قوله تعالى في سورة القصص: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ...} [القصص: 59] لأنّها تصرّح بأنّ الملاك هو تلاوة الآيات لا مجرّد البعث.
الخامس: النقض بالمستقلاّت العقليّة، فإنّه لا إشكال (كما مرّ في بعض الأبحاث السابقة) في تعذيبه تعالى على ترك المستقلاّت العقليّة، كقبح قتل النفس المحترمة والسرقة والخيانة وغيرها من المعاصي التي يحكم بقبحها العقل مستقلا، ولو وقعت قبل بعث الرسل.
والجواب عنه: أنّ الآية منصرفة إلى أحكام تحتاج إلى البيان، ولا حاجة إلى البيان في المستقلاّت العقليّة التي لا يصحّ فيها الإعتذار بقولهم {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } [طه: 134] ، ولذلك يقال في مباحث العقائد أنّ من فوائد وجود النبي (صلى الله عليه وآله)تأكيده المستقلاّت العقليّة والتأسيس بالنسبة إلى غيرها.
فتلخّص ممّا ذكر أنّ جميع الإشكالات الواردة مندفعة، وإنّ الآية صالحة للاستدلال على أصالة البراءة في الشبهات الحكميّة التحريميّة.
نعم إنّ النسبة بين هذه الآية والأخبار التي استدلّ بها الأخباريون على الاحتياط هى نسبة الورود، فهي مورودة بتلك الأخبار لأنّ لسانها لسان قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو بلا حجّة، وتلك الأخبار على فرض دلالتها بيان وحجّة، لكن تظهر ثمرتها في تأسيس الأصل الأولي في المسألة وأنّ الأصل هو البراءة، فيرجع إليها إذا ناقشنا في دلالة تلك الأخبار على الاحتياط.
ومنها: قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } [الطلاق: 7] ، وتقريب الاستدلال بها أنّ «ما آتاها» بمعنى «ما أعلمها» أي لا يكلّف الله نفساً إلاّ ما آتاها من العلم، فدلالتها على البراءة واضحة.
وقد يناقش في الاستدلال بها بأنّ المراد من الموصول فيها إنّما هو المال بقرينة ما ورد في صدرها من قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 6، 7] فيكون المعنى حينئذ: لا يكلّف الله نفساً إلاّ مالا آتاها، أي أعطاها، وهو أجنبي عن البراءة كما هو واضح.
ولكن في اُصول الكافي عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال: فقال «لا»، قلت: فهل كلّفوا المعرفة؟ قال «لا، على الله البيان، لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها، ولا يكلّف الله نفساً إلاّ ما آتاها»، قال: وسألته عن قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] قال: «حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه»(2).
فهذه الرواية تؤكّد أنّ الآية ناظرة إلى العلم والمعرفة، ولا يخفى أنّ المراد من المعرفة فيها ليست معرفة أصل وجود الله تبارك وتعالى، لأنّه لا ريب في أنّ أحسن الأدلّة على وجوده تعالى وأوّلها هو العقل من دون اعتماد عى البيان، فليكن المراد معرفة الصفات التي لا تصاب بالعقول، ولذا اشتهر بين العلماء أنّ أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية.
فلابدّ حينئذ من الجمع بين مورد الآية وهذه الرواية، فنقول: يحتمل في المراد من الموصول في الآية ثلاثة وجوه:
أحدها: أن يكون المراد المال.
ثانيها: أن يكون المراد المعارف والتكاليف.
ثالثها: الجامع بين المعنيين، فاستعمل الموصول في مطلق الاعطاء أعمّ من الاعطاء المالي واعطاء الحجّة والعلم.
فقد يقال: إنّ الموصول استعمل في المعنى الثالث، فيكون كلّ واحد من الموردين (مورد الآية ومورد الرواية) من مصاديق هذا المعنى الجامع فتكون دلالته على المراد تامّة.
لكن أورد عليه أوّلا: بأنّ «إرادة الأعمّ منه (من الإعلام بالحكم والتكليف) ومن المورد (مورد الآية) يستلزم استعمال الموصول في معنيين، إذ لا جامع بين تعلّق التكليف بنفس الحكم وبالفعل المحكوم عليه»(3).
وإن شئت قلت: «المفعول المطلق هو المصدر أو ما في معناه المأخوذ من نفس الفعل، والمفعول به ما يقع عليه الفعل المباين معه ولا جامع بين الأمرين حتّى يصحّ الإسناد»(4).
والجواب عنه: أنّ الموصول في الآية يكون مفعولا به في كلتا الصورتين، أي سواء اُريد منه نفس التكليف أو اُريد منه الأمر الخارجي الذي يقع عليه التكليف، لأنّ المراد من التكليف في الصورة الاُولى معناه اسم المصدري، أي ما كلّف به (لا المعنى المصدري)، فيكون المعنى: «لا يكلّف الله نفساً بتكليف كمعرفة صفات الله أو الإمام أو الأحكام كما ورد في سؤال الراوي في الرواية: «هل كلّف الناس بالمعرفة».
فعلى أي تقدير يكون الموصول مفعولا به ويصير المعنى: «لا يكلّف الله نفساً إلاّ تكليفاً أو مالا آتاها» فاستعمل الموصول في القدر الجامع بينهما، وهو مطلق المعطى أعمّ من الاُمور المادّية كالمال أو المعنوية كالمعرفة، ويكون هذا الجامع هو المفعول به، كما أفاده المحقّق النائيني(رحمه الله) بما نصّه: «لكن الإنصاف أنّه يمكن أن يراد من الموصول الأعمّ من التكليف وموضوعه، وإيتاء كلّ شيء إنّما يكون بحسبه، فإنّ إيتاء التكليف إنّما يكون بالوصول والإعلام، وإيتاء المال إنّما يكون بإعطاء الله تعالى وتمليكه، وإيتاء الشيء فعلا أو تركاً إنّما يكون بإقدار الله تعالى عليه فإنّ للإيتاء معنىً ينطبق على الاعطاء وعلى الاقدار، ولا يلزم أن يكون المراد من الموصول الأعمّ من المفعول به والمفعول المطلق، بل يراد منه خصوص المفعول به»(5).
وثانياً: بما مرّ في آية البعث من المحقّق النائيني(رحمه الله) أيضاً من أنّ أقصى ما تدلّ عليه الآية هو أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلاّ بعد تبليغ الأحكام والتكاليف إلى العباد، وهذا لا ربط له بما نحن فيه من الشكّ في التكليف بعد التبليغ وعروض اختفاء التكليف ببعض الموجبات التي لا دخل للشارع فيها.
والجواب عنه: هو الجواب من أنّ المراد من الإيتاء هو إتمام الحجّة، فتدلّ الآية على نفي العذاب ما لم تتمّ الحجّة بعد التبليغ، وهو المطلوب.
وثالثاً: بأنّ المقصود في الآية وكذلك في الرواية التكليف بما لا يطاق، فإنّ معرفة صفاته تعالى مثلا خارجة عن طاقة البشر، ولا يمكن حصولها له إلاّ من ناحية البيان، فالآية تنفي التكليف بما لا يطاق لا التكليف بالاحتياط في مثل التدخين الذي يكون ممكناً للإنسان، وليس خارجاً عن طاقته، والشاهد على ذلك أنّ الإمام(عليه السلام) ذكر هذه الآية في جنب قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] التي لا إشكال في أنّ المقصود منها التكليف بما لا يطاق، فالآية حينئذ أجنبية عمّا نحن فيه.
ورابعاً: بأنّ سند الرواية ضعيف من ناحية عبد الأعلى المجهول في كتب الرجال، اللهمّ إلاّ أن يقال: بأنّه وقع بعد حمّاد وهو من أصحاب الإجماع، ولكن المختار عندنا عدم تماميّة هذه القاعدة.
وبهذا يظهر أنّ الآية غير صالحة للاستدلال بها في المقام.
ومنها: قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115] ودلالتها على المدّعى تتمّ إذا كانت «يضلّ» بمعنى «يعذّب» لأنّ مفادها حينئذ عدم العقاب بلا بيان، فالمهمّ في المقام تعيين معنى «يضلّ» بعد عدم تصوّر معناها اللغوي المعروف بالنسبة إلى الباري تعالى، فنقول: يحتمل فيها أربعة وجوه:
1 ـ أن يكون بمعنى التعذيب كما مرّ آنفاً.
2 ـ أن يكون بمعنى الحكم بالضلال.
3 ـ أن يكون بمعنى الخذلان أي ترك العون والإمداد وسلب التوفيق.
4 ـ أن يكون بمعناه الحقيقي مع حقيقة الإسناد بالنسبة إليه تعالى من باب إنّه مسبّب الأسباب وسبب في تأثير عمل العبد في ضلالته، فهو الذي جعل العمل السيئ والذنوب الكبار سبباً للضلالة عن طريق الحقّ، فيصحّ إسناده إليه تعالى حقيقة كما يصحّ إسناده كذلك إلى الفاعل بلا واسطة، وهذا نظير من قتل نفسه بشرب السمّ حيث يصحّ إسناد القتل إليه حقيقة لأنّه شرب السمّ باختياره، وإلى الباري تعالى كذلك لأنّه خلق السمّ بحيث يوجب القتل.
ولا يخفى أنّ الإسناد في الوجوه الثلاثة الاُول مجازاً، فلا وجه للذهاب إليها مع إمكان حفظ الكلمة على معناه الحقيقي بالوجه الأخير، كما أنّه كذلك في الآيات المشابهة التي استند الاضلال فيها إلى الله تعالى.
منها: قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27]
ومنها: قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } [غافر: 34] فاستناد الاضلال إليه تعالى أمر مأنوس في القرآن الكريم، ولا ريب في عدم مجازيته، لأنّ كلّ فعل يصدر من العباد يصحّ إسناده إليه تعالى حقيقة «لأنّه المالك لما ملّكك والقادر على ما عليه أقدرك» كما ورد في حديث الإحتجاج(6).
وبالجملة الآية تدلّ على عدم اضلال الله تعالى للعباد حتّى يبيّن لهم الحلال والحرام لقوله تعالى فيها: {حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] وبما أنّ الاضلال منشأ للعذاب بل هو نوع من العذاب الإلهي فدلالة الآية على عدم العذاب من دون البيان تكون بالأولوية أو بإلغاء الخصوصيّة.
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا أورده بعض على دلالة الآية من أنّها تدلّ على نفي العذاب الدنيوي لا الاُخروي، وذلك لأنّ دلالتها على نفي العذاب الاُخروي ـ وهو عذاب تطول مدّته ويدوم بقاؤه ـ بطريق أولى كما مرّ ذلك بالنسبة إلى آية البعث.
بقي هنا شيء:
وهو أنّ جميع هذه الآيات إنّما تأسّس لنا الأصل الأوّلي وتدلّ على عدم العذاب بلا بيان، وحينئذ تكون أدلّة الأخباري على فرض تماميتها واردة عليها، لأنّها حينئذ تكون بمنزلة البيان، لكن سيأتي عدم تماميتها فالمرجع هو ما يستفاد من هذه الآيات.
هذا كلّه في الآيات التي استدلّ بها على البراءة.
______________
1. فوائد الاُصول: ج 3، ص 333.
2. اُصول الكافي: ج 1، باب «البيان والتعريف ولزوم الحجّة» من كتاب الحجّة.
3. أورده الشيخ الأعظم(رحمه الله) في رسائله.
4. تهذيب الاُصول: ج 2، ص 143، طبع جماعة المدرّسين.
5. فوائد الاُصول: ج 3، ص 332، طبع جماعة المدرّسين.
6. راجع تفسير الميزان: ج 1، ص 101.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|