المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الأحماض الأمينية البروتينية
2023-11-11
فان فلاك ، جون هازبروك
18-11-2015
السلالات الهامة لدودة القز التوتية
16-12-2019
Concentration of Sample Extracts
25-2-2018
متسلسلة هندسية حسابية Arithmetice Geometric Series
1-12-2015
مفاتيح تنموية، ح2
17/9/2022


أصالة الاحتياط  
  
1060   09:19 صباحاً   التاريخ: 23-8-2016
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : الوسيط في أُصول الفقه
الجزء والصفحة : ج 2 ص 124- 149.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / الاحتياط /

قد تقدّم بيان مجرى الاحتياط (1) وهو ما إذا قام دليل عقلي أو نقلي على ثبوت العقاب بمخالفة الواقع، وله صور أربع:

أ. الشبهة التكليفية قبل الفحص.

ب. الشبهة البدوية ولكن كان للمحتمل أهمية بالغة، كما في الدماء والأعراض والأموال.

ج. إذا دار الأمر بين وجوب فعل وترك فعل آخر.

د. إذا علم نوع التكليف وتردّد الواجب بين أمرين، كتردد الفريضة بين الظهر والجمعة، والخمر بين الإناءين. والثلاثة الأُول من قبيل الشك في التكليف مع وجوب الاحتياط فيها، والرابع من قبيل الشكّ في المكلّف به.

ومن هنا علم أنّ مجرى أصالة الاحتياط أعمّ من الشكّ في المكلّف به، والميزان قيام الدليل العقلي أو النقلي على وجود العقاب عند المخالفة والجميع داخل تحت هذا العنوان، وبما انّ حكم الصور الثلاث الأُول واضحة نكرس البحث في الصورة الرابعة أي الشكّ في المكلّف به، والكلام فيه في مقامين:

1. اشتباه الحرام بغير الواجب بمسائله الأربع، ويعبّر عنه بالشبهة التحريمية.

2. اشتباه الواجب بغير الحرام بمسائله الأربع، ويعبّر عنه بالشبهة الوجوبية.

وإليك الكلام في كلا المقامين:

المقام الأوّل الشبهة التحريمية:

مقتضى ما ذكرناه في الشكّ في التكليف أن يكون في هذا المقام أيضاً مسائل أربع، لأنّ منشأ الشكّ إمّا فقدان النص أو إجماله أو تعارض النصين، أو خلط الأُمور الخارجية، وبما انّ المسائل الثلاث الأُول، فاقدة للتطبيقات الفقهية، خصصنا البحث في الشبهة التحريمية الموضوعية.

وهي على قسمين: لأنّ الحرام المشتبه بغيره إمّا مشتبه في أُمور محصورة أو غير محصورة، فيقع الكلام في هذا المقام في موردين:

المورد الأوّل: حكم الشبهة المحصورة:

إذا علم المكلّف بتكليف(الحرمة) على وجه لا يرضى المولى بمخالفته، فلا محيص عن وجوب الموافقة القطعية، فضلا عن حرمة المخالفة القطعية سواء أكان العلم إجمالياً أم تفصيلياً، فالبحث عن إمكان جعل الترخيص لبعض الأطراف أو لجميعها مع العلم الوجداني بالتكليف الجدي تهافت، لاستلزامه اجتماع الإرادتين المتضادتين ،وهذا كمثل قتل المؤمن إذا اشتبه بغيره، وهذا النوع من العلم الإجمالي يناسب البحث عنه في باب القطع.

وأمّا المناسب للمقام، كما هو الظاهر من كلام الشيخ (2) فهو ما إذا قامت الأمارة على حرمة شيء وشمل إطلاق الدليل مورد العلم الإجمالي، كما إذا قال:

اجتنب عن النجس، وكان مقتضى إطلاقه شموله للنجس المعلوم إجمالاً أيضاً، و عندئذ فمقتضي القاعدة الأوّلية هو تحصيل البرائة القطعيّة بالإجتناب عن كلا الطرفين لأنّ المفروض شمول اطلاق الدليل، المعلوم اجمالاً كشموله للمعلوم تفصيلاً.

انّما الكلام في مقتضي القاعدة الثانويّة أعني امكان الترخيص اوّلاً، و وقوعه ثانياً و إليك الكلام فيهما.

الأوّل: إمكان الترخيص

فالحقّ إمكانه لأنّك عرفت أنّ ما لا يقبل الترخيص هو العلم الوجداني بالتكليف وهو الذي لا يجتمع مع الترخيص لاستلزامه اجتماع الإرادتين المتناقضتين.

وأمّا لو كان سبب العلم بالتكليف هو إطلاق الدليل أعني { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]

الشامل للصور الثلاث.

أ. المعلوم تفصيلاً.

ب. المعلوم إجمالاً.

ج. المشكوك وجوداً مع وجوده واقعاً.

فكما يصحّ تقييد إطلاقه بإخراج المشكوك وجعل الترخيص فيه، فهكذا يجوز تقييد إطلاقه بإخراج صورة المعلوم بالإجمال، فتكون النتيجة اختصاص حرمة الخمر بصورة العلم به تفصيلاً، فالشكّ في إمكان التقييد كأنّه شكّ في أمر بديهي، إنّما الكلام في الأمر الثاني.

الثاني: ورود الترخيص في لسان الشارع

وهذا هو الأمر المهم في هذا الباب، والمتتبع للروايات وفتاوى العلماء يقف على عدم ورود الترخيص لبعض الأطراف، فكيف بجميعها، وقد ذكرنا بعض الروايات في الموجز(3)؟ فلا نعيد.

نعم ربما استدلّ ببعض الروايات على جعل الترخيص نذكر منها ما يلي:

الأوّل: قوله «كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه» بناء على أنّ قوله «بعينه» تأكيد للضمير في قوله: «انّه» فيكون المعنى حتى تعلم أنّه بعينه حرام، فيكون مفاده انّ محتمل الحرمة مالم يتعين انّه بعينه حرام فهو حلال فيعم العلم الإجمالي والشبهة البدوية.

يلاحظ عليه: بأنّ الرواية جزء من رواية مسعدة بن صدقة، والإمعان في الأمثلة الواردة فيها يورث اليقين بأنّ موردها هو الشبهة البدوية ولا صلة لها بأطراف العلم الإجمالي، وقد أوضحنا حالها في الموجز فلاحظ.(4)

الثاني: ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن عبد اللّه بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السَّلام ـ عن الجبن، فقال لي: «لقد سألتني عن طعام يُعجبني» ثمّ أعطى الغلام درهماً، فقال: «يا غلام ابتع لنا جبناً»، ثمّ دعا بالغداء، فتغدّينا معه، فأتى بالجبن فأكل وأكلنا، فلمّا فرغنا من الغذاء، قلت: ما تقول في الجبن... إلى أن قال:« سأخبرك عن الجبن وغيره، كلّما كان فيه حلال وحرام، فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه».(5)

وربّما يتوهم جواز الترخيص في أطراف العلم الإجمالي لكن الرواية ناظرة إلى الشبهة غير المحصورة، إذ كان في المدينة المنورة أمكنة كثيرة تُجعل الميتة في الجبن، وكان هذا سببَ السؤال، فأجاب الإمام ـ عليه السَّلام ـ بما سمعت. ويشهد على ذلك ما رواه أبو الجارود، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السَّلام ـ في الجبن، فقلت له: أخبرني مَنْ رأى أنّه يجعل فيه الميتة فقال: «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة، حرّم في جميع الأرضين».(6)

فخرجنا بالنتيجة التالية: انّ الروايتين المرخِّصتين خارجتان عن محطّ البحث، وانّ العلم الإجمالي بالتكليف منجّز مطلقاً سواء أكان علماً قطعياً، أم حاصلاً من إطلاق الدليل، فتحرم مخالفته القطعية كما تجب موافقته القطعية.

المورد الثاني: حكم الشبهة غير المحصورة:

قد عرفت أنّ الشبهة التحريمية الموضوعية تنقسم إلى محصورة وغير محصورة، وقد عرفت حكم الأُولى، وإليك الكلام في الثانية، فيقع الكلام تارة في معيار كون الشبهة غير محصورة، وأُخرى في حكمها.

أمّا الأوّل: فقد عُرّفت الشبهة غير المحصورة بتعاريف أفضلها :بلوغ كثرة الوقائع المحتملة للتحريم إلى درجة لا يعتني العقلاء بالعلم الإجمالي الحاصل فيها، ألا ترى أنّ المولى إذا نهى عبده عن المعاملة مع زيد، فعامل مع واحد من أهل قرية كثيرة الأهل يعلم وجود زيد فيها لم يكن ملوماً وإن صادف الواقع، وقد ذكر انّ المعلوم بالإجمال قد يؤثر مع قلّة الاحتمال، مالا يؤثّر مع الانتشار وكثرة الاحتمال، كما إذا نهى المولى عن سبّ زيد وهو تارة مردّد بين اثنين وثلاثة، وأُخرى بين أهل بلدة ونحوها.(7)

وأمّا الثاني أي حكمها، فانّ عنواني المحصورة و غير المحصورة لم يردا في النصوص لكن العنوان الأوّل مشير إلى تنجيز العلم الإجمالي لاعتناء العقلاء بالعلم فيها لقلة الأطراف، والعنوان الثاني مشيراً إلى عدم تنجيزه لعدم اعتنائهم بالتكليف فيه لصيرورته موهوماً في كلّ طرف، وهذا هو الدليل القاطع على عدم التنجيز.

هذا مضافاً إلى أنّ الاجتناب عن الأطراف في الثاني يوجب العسر، والتبعيض في الارتكاب إلى حدّ العسر غير خال عن العسر أيضاً .

على أنّ هناك روايات في أبواب مختلفة تدلّ على إمضاء الشارع بناء العقلاء، وهذه الروايات مبثوثة في أبواب أربعة.

1. ما ورد حول الجبن.(8)

2. ما ورد حول شراء الطعام والأنعام من العامل الظالم.(9)

3. ما ورد حول قبول جائزة الظالم.(10)

4. ما ورد حول التصرف في المال الحلال المختلط بالربا.(11)

ولعلّ هذه الروايات مع بناء العقلاء والسيرة الجارية بين المتشرعة كافية في رفع اليد عن إطلاق الدليل لو قلنا بأنّ له إطلاقاً لصورة اختلاط الحرام بين كثير من الحلال.

إذا عرفت حكم الشبهتين: المحصورة وغير المحصورة فاعلم انّ هنا تنبيهات مهمة حول المحصورة نذكرها واحداً بعد الآخر.

تنبيهات:

التنبيه الأوّل: تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات:

لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين أن يكون أطرافه حاصلة بالفعل، أو يكون بعضها حاصلة بالفعل دون بعض، و هذا ما يسمّى بالعلم الإجمالي بالتدريجيات، كما إذا علم بأنّ أحد البيعين: إمّا ما يبيعه اليوم أو ما يبيعه غداً، ربوي، فلا فرق عند العقل بينه و بين ما علم أنّ أحد البيعين الحاضرين ربوي، فيجب ترك الجميع تحصيلاً للموافقة القطعية.

التنبيه الثاني: تنجيز العلم الإجمالي إذا تعلّق بحقيقتين لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين أن تكون المشتبهات من حقيقة و احدة، كما إذا علم بنجاسة ماء أحد الإناءين، أو من حقيقتين، كما إذا علم إجمالاً إمّا نجاسة هذا الماء، أو غصبية الماء الآخر، و المناط في الجميع واحد، و هو انّ الاشتغال اليقيني بالتكليف (وجوب الاجتناب) يستلزم البراءة اليقينية.

التنبيه الثالث: شرط التنجيز كونه محدثاً للتكليف على كلّ تقدير

يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون محدِثاً للتكليف على كلّ حال فلو وقعت النجاسة في أحد الإناءين الطاهرين و لم يعلم أنّها وقعت في أيّ واحد منهما، فهو ينجِّز، لأنّها لو وقعت في أيّ منهما يحدث تكليفاً بإيجاب الاجتناب عنه. و أمّا إذا لم يحصل لنا علم بحدوث التكليف على كلّ تقدير فلا يكون منجزاً، كما إذا علم بوقوع النجاسة إمّا في هذا الماء القليل، أو في ذاك الماء الكر، فلا ينجّز

حتى يجب الاجتناب عن الماء القليل فإنّه لو وقع في الماء القليل يكون محدثاً للتكليف دون ما إذا وقع في الكر، فلا يكون محدثاً للتكليف على كلّ تقدير فلا يكون هناك علم بالتكليف على كلّ تقدير.

فالعلم الاجمالي بوقوع النجاسة في أحد المائين و إن كان متحقّقاً، لكنّ العلم بانعقاده مؤثّر على كلّ تقدير بمعنى احتمال احداث التكليف في كلّ من الطرفين على فرض وقوعها فيه غير متحقّق و ذلك لأنّه لو وقعت النجاسة في الماء الكر لا تؤثر فيه أبداً فلا يُحتمل فيه التكليف، فهو طاهر قطعاً على كلّ تقدير، ولو وقعت في الإناء الآخر فهو وإن كان يحدث تكليفاً، لكن وقوعه فيه محتمل فيكون محتمل النجاسة و يقع مجرىً لأصل البراءة وبالتالي: ينحلّ العلم الإجمالي بوقوع النجاسة في أحدهما ،إلى طاهر قطعي و هو الماء الكرّ، و مشكوك النجاسة و هو الماء القليل فلا ينعقد العلم الإجمالي مؤثّراً.

ومثله ما إذا كان أحد الإناءين نجساً قطعاً و الآخر طاهراً قطعاًً، فوقعت النجاسة في أحدهما، فمثل هذا العلم بما أنّه لا يحدث تكليفاً ـ على كلّ تقديرـ لا يكون منجزاً، لأنّه لو وقعت في الإناء النجس لا تزيده النجاسة الجديدة حكماً جديداً، ووقوعه في الإناء الآخر مشكوك، فتجري فيه البراءة ، فلا ينعقد العلم الإجمالي مؤثّراً، إذ لا يصحّ لنا أن نقول: إمّا هذا نجس، أو ذاك نجس، بل الأوّل نجس قطعاً، و الثاني مشكوك النجاسة.

والحاصل: أنّه لو لم يحدث تكليفاً في كلّ طرف على فرض وقوعها فيه لا ينعقد العلم الإجمالي مؤثراً، لأنّ العلم بوقوع النجاسة في أحد الإناءين وإن كان حاصلاً، لكن العلم الإجمالي بتنجيس أحدهما لا بعينه غير حاصل بل أحدهما نجس قطعاً والآخر مشكوك، فتدبّر.

التنبيه الرابع: حكم خروج أحد الطرفين عن محلّ الابتلاء قبل العلم:

إذا تعلّق العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين اللّذين يتمكّن المكلّف عرفاً من ارتكاب أحدهما دون الإناء الآخر ـ لأنّه في بيت شخص لا يتفق للمكلّف عادة دخوله و استعماله ـ فلا يكون منجِّزاً، لأنّه لا يحدث التكليف على كلّ تقدير، إذ لو وقعت النجاسة في الإناء الذي ابتلى به يُحدث التكليف ويحسن الخطاب بالاجتناب دونما إذا وقعت فيما لا يبتلى به لأنّه يقبح الخطاب، فلا يصحّ خطابه بـ «اجتنب إمّا عن هذا الإناء، أو ذلك الإناء»، فإذا كان الخطاب بالنسبة إلى الإناء الخارج عن ابتلائه قبيحاً لا ينعقد العلم الإجمالي منجّزاً و مؤثراً، فيكون الشكّ في الإناء الأوّل أشبه بالشبهة البدوية.

ولأجل ذلك يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون كلا الطرفين مورداً للابتلاء قبل حدوث العلم الإجمالي حتى يصحّ خطابه بالنسبة إلى كلا الطرفين، وأمّا لو كان أحدهما خارجاً عن محلّ الابتلاء قبل حدوث العلم الإجمالي، ثمّ حدث فلا يكون منجزاً، لأنّه ليس محدثاً للتكليف على كلّ تقدير.

نعم لو حدث العلم الإجمالي و الطرفان في محل الابتلاء، ثمّ خرج أحدهما عن محلّ الابتلاء، فالاجتناب عن الإناء الآخر لازم، و ذلك لأنّ الخطاب بالاجتناب على وجه الترديد و إن كان قبيحاً بعد خروج أحد أطرافه عن محلّ الابتلاء، و لكنّ العلم الإجمالي لما انعقد مؤثراً فالاجتناب عن الإناء الباقي، من آثار العلم الإجمالي السابق، فوجوده آناً ما، يوجب الاجتناب عن الثاني مادام موجوداً.

و يدلّ على ذلك أنّه لو كان الخروج عن محل الابتلاء بعد طروء العلم موجباً لجواز ارتكاب الإناء الآخر، لما أمر الإمام بإهراقهما(12)، بل أمر بإهراق أحدهما والتوضّؤ بالآخر.

التنبيه الخامس: الاضطرار إلى بعض الأطراف:

لو اضطرّ إلى ارتكاب بعض المحتملات، فهو على قسمين:

الأوّل: إذا اضطر إلى ارتكاب واحد معيّن .

الثاني: إذا اضطر إلى ارتكاب واحد لا بعينه.

أمّا القسم الأوّل، فله صورتان:

الأُولى: إذا اضطرّ إلى ارتكاب واحد معيّن قبلَ العلم أو معه، فلا يجب الاجتناب عن الآخر.

الثانية: إذا اضطر إلى ارتكاب واحد معيّن بعد العلم، فيجب الاجتناب عن الآخر.

أمّا الصورة الأُولى، أي إذا كان الاضطرار إلى طرف معيّن قبل العلم، أو معه، فلما عرفت من أنّه يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون محدِثاً للتكليف على كلّ تقدير و أن يصحّ خطاب المكلّف بالاجتناب عن كلّ من الطرفين، و هذا الشرط غير موجود في هذه الصورة، لأنّ الحرام لو كان فيما اضطرّ إليه معيّناً فلا يكون العلم محدثاً للتكليف لفرض اضطراره إليه و هو رافع للتكليف فلا يصحّ خطابه بالاجتناب عنه، ولو كان الحرام في غير ما اضطرّ إليه فهو، و إن كان يحدث فيه التكليف و يصحّ خطابه بالاجتناب عنه، لكن وجوده فيه عندئذ أمر محتمل فتجري فيه البراءة .

و إن شئت قلت: إنّ العلم الإجمالي بحرمة واحد من الأُمور إنّما ينجِّز فيما لو عُلِم تفصيلاً لوجب الاجتناب عنه على كل حال، و هذا الشرط غير متحقّق، لأنّه لو عُلِم أنّ الحرام في غير الطرف المضطرّ إليه و إن وجب الاجتناب عنه، لكن لو كان في الجانب المضطرّ إليه لا يجب و يقبح الخطاب، فاذاً العلم التفصيلي بالحرام ليس منجّزاً على كلّ حال بل منجّز على حال دون حال، فيكون العلم الإجمالي مثله، فلا يكون هناك قطع بالتكليف المنجَّز على كلّ التقادير حتى يجب امتثاله.

وأمّا الصورة الثانية، أي إذا كان الاضطرار إلى واحد معيّن بعد انعقاد العلم الإجمالي، فالحقّ وجوب الاجتناب عن الآخر، لأنّ الخطاب ـ بعد طروء الاضطرار ـ بالاجتناب عن كلّ من الطرفين و إن لم يكن صحيحاً، لكن وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر من آثار العلم الإجمالي السابق حيث نجّز التكليف وأوجب الاجتناب و حكم العقل بوجوبه، فإذا طرأ الاضطرار فلا يتقدّر إلاّ بقدر الضرورة، فالحكم العقلي السابق من لزوم الخروج عن عهدة التكليف القطعي باق على حاله إلاّ ما خرج بالدليل، أي المضطرّ إليه.

هذا كلّه إذا كان الاضطرار إلى طرف معيّن.

وأمّا القسم الثاني، أي إذا كان الاضطرار إلى ارتكاب واحد لا بعينه، فيجب الاجتناب عن الطرف الآخر مطلقاً سواء أكان الاضطرار بعد العلم كما هو واضح ـ لما عرفت في القسم الأوّل من أنّ وجوب الاجتناب في هذه الصورة من آثار العلم السابق المتقدّم على الاضطرار ـ ، أم كان الاضطرار قبل العلم الإجمالي، أو معه فهو على خلاف ما إذا كان الاضطرار إلى معين.

والفرق بين القسمين ظاهر ممّا سبق، و هو أنّ العلم الإجمالي في هذا القسم حاصل بحرمة واحد من أُمور على وجه لو علم بحرمته تفصيلاً، وجب الاجتناب عنه على كل تقدير، لإمكان رفع الاضطرار ، بغير الحرام، فيكون العلم الإجمالي مثل التفصيلي، غاية الأمر انّ ترخيص بعضها على البدل لرفع الاضطرار موجب لاكتفاء الآمر في مقام الامتثال، بالاجتناب عن الباقي، بخلاف القسم السابق فإنّ

العلم التفصيلي فيه لم يكن فيه منجزاً على كلّ تقدير، لما قلنا من أنّ الحرام لو كان في غير الطرف المضطرّ إليه و إن وجب اجتنابه لكن لو كان في الجانب المضطر إليه لا يجب بل يقبح الخطاب، فإذا كان هذا حال العلم التفصيلي فكيف بالعلم الإجماليّ؟

التنبيه السادس: حكم ملاقي أحد الأطراف:

لا شكّ انّه يجب الاجتناب عن ملاقي النجس الواقعي. إنّما الكلام فيما إذا لاقى شيئاً لا نعلم بنجاسته و لكنّه محكوم عقلاً و شرعاً بوجوب الاجتناب، كأحد طرفي العلم الإجمالي، فهل يجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً أو لا؟ وهذا كما إذا علم بنجاسة موضع من ثوبه وتردد بين أسفله وأعلاه ثمّ أصاب الملاقي الرطب، أحد الموضعين، فيقع الكلام في وجوب الاجتناب عن الملاقي وعدمه.

وبذلك اتضح خروج الموارد التالية عن محلّ النزاع.

أ. إذا لاقى الملاقي كلا الطرفين، فهو معلوم النجاسة قطعاً لا مشكوكها فيجب الاجتناب عنه.

ب. إذا تعدّد الملاقي، بأن يلاقي شيء أحدَ الطرفين و شيء آخر الطرف الآخر، فيحدث علم إجمالي بنجاسة أحد الملاقيين، كالعلم الإجمالي بنجاسة أحد الأصلين.

ج. انّ البحث عن طهارة الملاقي و نجاسته إذا كان هناك مجرّد ملاقاة دون أن يحمل شيئاً من أجزاء الملاقي، و على ذلك فلو غمس يده في أحد الإناءين ثمّ أخرجها تكون اليد طرفاً للعلم الإجمالي لا ملاقياً، فينقلب العلم عن كونه ثنائي الأطراف إلى ثلاثيّها، نظير ما إذا قسّم أحد المشتبهين، قسمين و جعل كلّ قسم في إناء.

إذا علمت ذلك، فالمشهور بين الأُصوليّين المتأخّرين عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي .

ادلّة الطرفين

استدل القائل بعدم وجوب الاجتناب بأنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي من شؤون ملاقاة النجس لا من شؤون محتمل النجاسة و إن حكم على المحتمل بوجوب الاجتناب مقدمة.

و ذلك لأنّ الشكّ في طهارة الملاقي ناشئ من طهارة الملاقي ونجاسته، فليس الأصل (الطهارة) الجاري في الملاقي، في رتبة الأصل الجاري في الملاقي في رتبة واحدة، و بما أنّ أصالة الطهارة في الملاقي معارضة لأصالة الطهارة في الطرف الآخر فتتعارضان و تتساقطان، فيجري الأصل في الملاقي بلا معارض.

والحاصل: أنّ الأصل يجري في الملاقي و الطرف الآخر ثمّ يتساقطان، ولا يجري في الملاقي حين جريانه في الملاقي لتأخّر رتبته عن الملاقي و المفروض انّ الأصلين فيهما تعارضا و تساقطا، فيكون الأصل في جانب الملاقي بلا معارض.

استدل القائل بالاجتناب عن الملاقي بأنّه بعد العلم بالملاقاة يتبدّل العلم، الثُنائي الأطراف، إلى ثُلاثي الأطراف، فيحصل العلم إمّا بنجاسة الملاقي و الملاقي أو ذاك الطرف، و ذلك لاتحاد حكم الملاقي والملاقي، فلو كان الأوّل طرفاً للعلم، فالثاني أيضاً كذلك، وعليه يجب الاجتناب عن الجميع لتحصيل العلم بالاجتناب عن النجس الموجود في البين.

يلاحظ عليه: بما مرّ في التنبيه الثالث من أنّه يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون محدِثاً للتكليف على كلّ تقدير، فلو أحدث على تقدير دون آخر فلا يكون منجِّزاً.

وهذا الشرط موجود في العلم الأوّل لأنّه لمّا لم يكن واحد من المشتبهين محكوماً بوجوب الاجتناب، حدث العلم الإجمالي مؤثراً، وهذا بخلاف العلم الثاني، لأنّه حدث عند ما كان الطرف الآخر محكوماً بوجوب الاجتناب بالعلم الإجمالي الأوّل، ومعه لا يُحدث في الملاقي ولا يؤثر فيه حكماً لفقدان الشرط المؤثّر في تنجيز العلم الإجمالي، أعني: كونه محدثاً للتكليف على كلّ تقدير، فيكون الملاقي بحكم الشبهة البدويّة يجري فيه الأصل بلا معارض.

فإن قلت: انّ هنا علماً إجمالياً ثالثاً وهو العلم الإجمالي بنجاسة الطرف، أو الملاقي والملاقي معاً فالطرفان بين أُحاديّ، وثُنائيّ.

قلت: ليس هذا علماً ثالثاً وراء العلمين وإنّما هو تلفيق منهما وقد عرفت أنّ العلم الأوّل منجز دون الثاني، فليس هنا علم ثالث نبحث في حكمه.

هذا خلاصة الكلام والتفصيل موكول إلى دراسات عليا.

المقام الثاني الشبهة الوجوبية:

قد عرفت أنّ الشكّ في المكلّف به ينقسم إلى شبهة تحريمية وإلى شبهة وجوبية، وقد تمّ الكلام في الأُولى مع الإشارة إلى مسائلها الأربع، ولكن ركزنا البحث على مسألة واحدة من المسائل الأربع وهي الشبهة الموضوعية لعدم وجود تطبيقات عملية لسائر مسائلها الثلاث.

بقي الكلام في الشبهة الوجوبية من المكلّف به فهي تنقسم إلى قسمين، تارة يكون الشكّ مردداً بين المتباينين كتردد الأمر بين وجوب الظهر أو الجمعة.

وأُخرى بين الأقل والأكثر كتردد الواجب بين الصلاة مع السورة أو بدونها. وبذلك يقع الكلام في موضعين.

ولما كان حكم المتباينين واضحاً وهو وجوب الاحتياط فيهما مضافاً إلى أنّا تعرضنا له في الموجز(13) نقتصر في المقام من الشبهة الوجوبية على الأقل والأكثر.

ثمّ إنّ الأقل والأكثر ينقسمان إلى الاستقلاليين والارتباطيين ، والفرق بينهما بأنّ الأقل الاستقلالي يغاير الأكثر الاستقلالي ـ على فرض وجوبه ـ حكماً ووجوباً، ملاكاً وغرضاً، طاعة وامتثالاً، كالفائتة المرددة بين الواحد والكثير، والدّين المردّد بين الدرهم والدرهمين، بخلاف الأقل الارتباطي فانّه على فرض وجوب الأكثر، متحد معه حكماً ووجوباً، ملاكاً وغرضاً، طاعة وامتثالاً، ولا استقلال له في شيء من الأُمور الثلاثة، كالشكّ في وجوب الصلاة مع السورة أو لا معها.

ثمّ إنّ المشكوك في الشبهة الوجوبية يكون تارة الجزء الخارجي كالسورة والقنوت وجلسة الاستراحة بعد السجدتين، وأُخرى الشرط أي الخصوصية المعتبرة في العبادة، المنتزعة من الأمر الخارجي كالطهارة الحاصلة عن الغسلات والمسحات بنيّة التقرب، وثالثة الخصوصية المتحدة مع المأمور به، كما إذا دار أمر الواجب بين مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة، أو دار أمر الواجب بين واحد معين من الخصال أو المردد بين الأُمور الثلاثة، وحكم الجميع واحد.

والأقوال في المقام لا تتجاوز عن ثلاثة:

أ. جريان البراءة العقلية والشرعية.

ب. القول بالاحتياط وعدم جريانهما.

ج. التفصيل بين العقلية والشرعية تجري الأُولى دون الثانية.

ولكن الحقّ جريانهما معاً، وقد استدل على البراءة العقليّة بوجوه مختلفة نذكر منها وجهاً واحداً وهو أوضح الوجوه.

وهو انّ الأمر وإن تعلق بعنوان الصلاة لكنّها ليست شيئاً مغايراً للأجزاء بل هو عبارة أُخرى عن نفس الأجزاء لكن بصورة الجمع والوحدة في التعبير. وذلك لانّ الاجزاء تارة تلاحظ بصورة الكثرة بملاحظة كلّ جزء مستقلاً مع جزء آخر، وأُخرى تلاحظ بنعت الجمع وفي لباس الوحدة ،والعنوان المشير إلى ذات الأجزاء بهذا النعت هو عنوان الصلاة. وهي نفس الأجزاء في لحاظ الوحدة وعلى نحو الجمع في التعبير.

إذا علمت ذلك فنقول: إنّ الحجة قامت على وجوب العنوان نحو قوله {أَقِمِ الصَّلَاةَ} [الإسراء: 78] وقيام الحجّة عليه نفس قيامها على الأجزاء، وقد عرفت أنّ نسبة الصلاة إليها نسبة المجمل إلى المفصّل لكن الاحتجاج بالعنوان على وجوب

الأجزاء إنّما يصحّ فيما إذا علم انحلاله إلى جزء وجزء حتى يكون داعياً إليه، وأمّا إذا جُهلت جزئية الشيء فلا يكون الأمر به، حجّة عليها وداعياً إليها ضرورة انّ قوام الاحتجاج بالعلم، والعلم بتعلّق الأمر المركب، إنّما يكون حجّة على الأجزاء التي علم تركب المركب منها دون ما لا يكون.

وإن شئت نزّل المقام على ما إذا تعلّق الأمر بالأجزاء بلا توسط عنوان، فكما أنّه لا يحتج إلاّ على الأجزاء المعلومة دون المشكوكة، فهكذا المقام فانّ الأمر وإن تعلق بالعنوان مباشرة دونها، لكنّك عرفت أنّ نسبة العنوان إليها نسبة المجمل إلى المفصل، فالأجزاء في مرآة الإجمال، عنوان; و في مرآة التفصيل، أجزاء.

وعلى ضوء ذلك: إذا بذلا لعبد جهده للعثور على الأجزاء التي ينحلّ العنوان إليها، فلم يقف إلاّ على التسعة منها دون الجزء العاشر المحتمل، يستقل العقل بانّه ممتثل حسب قيام الحجة ويعدّ العقاب على ترك الجزء المشكوك عقاباً بلا بيان.

وبعبارة موجزة: انّ العقل يستقل بقبح مؤاخذ مَنْ أُمر بمركب لم يُعلَم من أجزائه إلاّ عدّة أجزاء، ويشكّ في وجود جزء آخر، ثمّ بذل جهده في طلب الدليل على جزئية ذلك الأمر، فلم يعثر فأتى بما علم وترك المشكوك، خصوصاً مع اعتراف المولى بعدم نصب قرينة عليه، فكما تقبح المؤاخذة فيما إذا لم ينصب قرينة فهكذا تقبح فيما إذا نصب ولكن لم تصل إلى المكلّف بعد الفحص وهذا تقرير للبراءة العقلية.(14)

وبهذا يعلم جريان البراءة الشرعية حيث إنّ تعلّق الوجوب الشرعي بالنسبة إلى الجزء أو الشرط أو القيد مجهول فيشمله حديث الرفع وغيره من أدلّة البراءة الشرعية.

ومن هنا يعلم انّ المرجع في الأقل والأكثر هو البراءة من غير فرق بين أن يكون منشأ الشك فقدان النص كما علمت أو إجمال النص، كما إذا دلّ الدليل على غسل ظاهر البدن ويشك في أنّ الجزء الفلاني داخل فيه أو لا، أو تعارض النصين، كما إذا دلّ دليل على جزئية السورة، وأُخرى على عدم جزئيتها، فالمرجع حسب القاعدة الأُولى هو البراءة، غير انّ الأدلة الشرعية دلت على التخيير بين الدليلين عند عدم المرجح.(15)

أو كان منشأ الشك خلط الأُمور الخارجية، كما إذا أمر بتكريم مجموع العلماء على نحو العام المجموعي بأن يكون هناك وجوب واحد وإطاعة واحدة فشكّ في كون زيد عالماً أو لا. فالمرجع هو البراءة، لأنّ الشكّ في كون زيد عالماً يرجع إلى الشكّ في كون الموضوع ذا أجزاء كثيرة أو قليلة فيكون حكمه، حكم الأقل والأكثر الارتباطيين.(16)

وثمة سؤال وهو لماذا خصصنا الأقل والأكثر بالشبهة الوجوبية ولم نتعرض له في الشبهة التحريمية؟

والجواب واضح لأنّ مرجع دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهة التحريمية إلى الشكّ في أصل التكليف، لأنّ الأقل معلوم الحرمة والشكّ في حرمة الأكثر، نظير الشك في الأقل والأكثر الاستقلاليين في المقام.

تنبيهات:

التنبيه الأوّل: حكم النقيصة السهوية:

إذا ترك جزء المركب أو شرطه سهواً فهل تبطل عبادته أو لا؟ والكلام في المقام في تبيين حكم القاعدة الأُولى دون النظر إلى الأدلة الخارجية(القاعدة الثانويّة).

أقول: إنّ للمسألة صوراً:

الأُولى: إذا كان لدليل المركب إطلاق يدلّ على مطلوبية الباقي مطلقاً سواء كان معه الجزء المنسيّ أو لا، مثل قوله ـ عليه السَّلام ـ : «لا تترك الصلاة بحال» إذا كان لفظ الصلاة صادقاً على غير المنسي.

الثانية: إذا كان لدليل الجزء إطلاق يدل على مدخليته في المركب مطلقاً في حالتي الذكر و النسيان، كقوله ـ عليه السَّلام ـ : «لا صلاة إلاّ بطهور».

الثالثة: أن يكون لكلّ من دليلي المركب و الجزء إطلاق، فمقتضى إطلاق دليل المركب وجود الأمر بالباقي، و مقتضى إطلاق دليل الجزء عدم الأمر بالباقي.

الرابعة: أن لا يكون لواحد منهما إطلاق.

أمّا الصورة الأُولى: أي وجود الإطلاق لدليل المركب دون دليل الجزء، فيؤخذ بمقتضى إطلاق دليل المركب، و يحكم بصحّة المأتي به عدا المنسيّ، و لو شكّ في جزئية الجزء أو شرطية الشرط في حال النسيان تجري أصالة البراءة فيها.

أمّا الصورة الثانية: أي إذا كان لدليل الجزء والشرط إطلاق دون دليل المركب، فيدلّ على فعلية أحكامهما في حالتي الذكر و النسيان، ومقتضى الإطلاق

عدم الاكتفاء بالمأتي به، و لو ارتفع النسيان كان عليه الإعادة أو القضاء.

وأمّا الصورة الثالثة:ـ أي إذا كان لكلّ من الدليلين إطلاق ـ فيقدم إطلاق دليل الجزء على إطلاق المركب تقدمَ المقيد على المطلق، فإنّ دليل المركّب و إن كان يدلّ على مطلوبية كلّ واحد من الأجزاء غير المنسيّة حالتي الذكر والنسيان وبالتالي يدل وجود الأمر بما عدا المنسي سواء أنسي الجزء الآخر أم لا، لكن دليل الجزء أخص منه حيث يدلّ على دخله في صحّة المركب و عدم إيفاء الباقي بغرض المولى مطلقاً ذاكراً كان أو ناسياً، فيقدم على إطلاق المركب، و على ذلك فلا يجوز الاكتفاء بما عدا المنسي، فإذا قال المولى: «لا صلاة إلاّ بطهور» (17) أو قال: «لا صلاة لمن لا يقيم صلبه»(18) كان ظاهرهما مدخليتهما في ماهية الصلاة وحقيقتها، فيعمّان حالتي الذكر والنسيان، فتكون النتيجة بطلانَ الصلاة المنسيّ جزؤها حسب إطلاق دليل الجزء والشرط، و ليس المقام مجرى للبراءة العقلية أو الشرعية من شرطية الشرط أو جزئية الجزء لفرض وجود الدليل الاجتهادي، أعني: الإطلاق فيهما.

وأمّا الصورة الرابعة: أعني: إذا لم يكن لدليل المركب ولا لدليل الجزء إطلاق فأتى بما عدا المنسي ثمّ ذكر بعد الفراغ عن العمل، فهذا هو المناسب للمقام والمحكّم فيه هو البراءة، لأنّ الواقع لا يخلو من أحد أمرين، إمّا أن تكون الجزئية مطلقة تلزم إعادتها، أو مختصة بحال الذكر فيكفي ما أتى به، فيكون مرجع الشك في وجوب الإعادة، إلى الشك في ثبوت جزئية الجزء أو شرطية الشرط في حال النسيان و الأصل البراءة من الجزئية أو الشرطية في هذه الحالة، فيحكم عليها بالصحّة.

التنبيه الثاني: تعذّر الإتيان ببعض الأجزاء (19) إذا عُلِمت جزئية شيء أو شرطيته و دار الأمر بين كونه جزءاً أو شرطاً مطلقاً ولو في حال العجز حتى يسقط الأمر بالباقي لعدم تمكنه من الإتيان بالمأمور به، أو كونه جزءاً أو شرطاً في حال التمكّن فيبقى الأمر بالباقي على حاله، فللمسألة صور أربع:

الأُولى: أن يكون لدليل المركّب وحده إطلاق بالنسبة إلى سائر الأجزاء يعم الحكم حالتي التمكّن والتعذّر.

الثانية: أن يكون لدليل الجزء وحده إطلاق يعم الحكم كلتا الحالتين.

الثالثة: أن يكون لكلا الدليلين إطلاق.

الرابعة: أن لا يكون لواحد منهما إطلاق.

فالمحكّم هو الدليل الاجتهادي، أعني: الإطلاق في الأوّلين، فتكون النتيجة لزوم الإتيان بغير المتعذّر في الأُولى و عدمه في الثانية، و تقديم إطلاق الجزء على إطلاق المركّب في الصورة الثالثة، فتكون النتيجة عدم جواز الإتيان بغير المتعذر، لتقدّم إطلاق دليل الجزء على دليل المركّب، تقدمَ المقيد على المطلق. كما مرّ في النقيصة السهويّة.

إنّما الكلام في الصورة الرابعة، أي ما لا يكون هناك إطلاق في كلا الموضعين، فهل يجب الإتيان بالباقي إذا كان عنوان المركّب صادقاً على الباقي، كالأمر بالصلاة في ثوب طاهر مع تعذر إقامتها في الطاهر، أو لا ؟

الظاهر هو الثاني، لأنّ التكليف المتيقّن إنّما كان بمجموع الأجزاء والشرائط، فإذا لم يتمكّن من بعضها فكأنّه لم يتمكّن من الكل بما هو كل، فالتكليف الجديد بالنسبة إلى الباقي يحتاج إلى الدليل والأصل البراءة منه.

قاعدة الميسور:

وربما يقال بوجوب الإتيان بالباقي تمسّكاً بقاعدة الميسور التي دلّ عليها الحديث النبويّ و المولويّ.

1. روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنّه قال: خطبنا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال: «أيّها الناس قد فرض عليكم الحجّ فحجّوا» فقال رجل: أكلّ عام يا رسول اللّه ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-  : «لو قلت نعم لوجب و لما استطعتم» ثمّ قال: «ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن شيء فدعوه».(20)

والرواية غير صالحة سنداً و متناً.

أمّا الأوّل: فيكفي في ضعفه كون الناقل ممّن لا يصحّ الاحتجاج برواياته.

وأمّا الثاني: فإنّ الرواية ناظرة إلى واجب ذي افراد لا ذي أجزاء بقرينة موردها، و هو الحج، و بقرينة قول الرجل: أكلّ عام يا رسول اللّه؟ و لكنّ الكلام في المقام انّما هو في واجب ذي أَجزاء لا في واجب ذي افراد.

2. ما رواه صاحب «غوالي اللآلي» قال الإمام عليّ ـ عليه السَّلام ـ :«لا يُترك الميسور بالمعسور».(21) و قال ـ عليه السَّلام ـ :« ما لا يُدْرَك كُلُّه لا يُترَكُ كُلّه ».(22)

يلاحظ عليهما: عدم ثبوت سند الحديثين.

وأمّا الدلالة، فالظاهر أنّه لا غبار في دلالتهما شريطة أن يكون الباقي ميسوراً للمعسور، كالثمانية بالنسبة إلى العشرة، لا الخمسة بالنسبة إليها.

ومثله قوله: «مالا يدرك كلّه لا يترك كلّه» المنصرف إلى ما إذا كان المُدرَك مرتبة ناقصة ممّا لا يُدرك.

التنبيه الثالث: حكم الزيادة السهوية:

انّ لزيادة الجزء صوراً ثلاثاً:

أ. إذا أُخذ شيء جزء للمركب و أُخذَ عدم زيادته قيداً للمركب لا لجزئيّة الجزء، بأن يقول: يجب عليك الصلاة بشرط عدم زيادة جزء من أجزائها.

ب. إذا أخذ شيء جزء للمركّب لكن أُخذ عدم زيادته قيداً لجزئيّة الجزء فصارّ الجزء بقيد الوحدة جزء، كأن يقول: اركع بشرط عدم الزيادة.

ج. إذا أخذ شيء جزءاً و كان بالنسبة إلي الزيادة لا بشرط، بأن تكون الزيادة وعدمها غير مؤثرين في صحّة الواجب ولا في بطلانه .

فلا شكّ انّ الصلاة في الصورتين الأُوليين باطلة لعدم كون المأتي به موافقاً للمأمور به كما لا شكّ في صحّة الصلاة في الصورة الثالثة.

إنّما الكلام فيما إذا لم تحرز كيفية اعتبار الجزء ودار الأمر بين كونه من ذينك القسمين أو القسم الثالث. فيقع الكلام في مقتضى القاعدة الأوّلية، و المرجع هو البراءة، لأنّ مرجع الشك إلى أخذ العدم قيداً للمركب أو لجزئية الجزء أو أخذ الزائد مانعاً، وقاطعاً والأصل في الجميع هو العدم. هذا حكم الزيادة حسب القواعد الأوّلية، وأمّا حكمها حسب القواعد الثانوية فهو موكول إلى الفقه. ولكن نقول على وجه الإجمال انّ مقتضى القاعدة الثانوية هو البطلان في موارد خمسة

اعتماداً على قاعدة «لا تعاد».

روى زرارة عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود» ثمّ قال: «القراءة سنّة، والتشهد سنّة فلا تنقض السنة الفريضة» (23)، هذا بناء على أنّ شمول الحديث النقيصة والزيادة .

التنبيه الرابع: دوران الأمر بين شرطية شيء ومانعيته أو قاطعيته (24) إذا علمنا اعتبار شيء في المأمور به ولكن دار الأمر بين كون وجوده مؤثراً في الصحّة أو وجوده مانعاً عنها(25) وهذا كالجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة حيث قيل بوجوبه، و قيل بوجوب الإخفات، و كتدارك الحمد بعد الدخول في السورة و غيرهما من الشبهات الحكمية.

الظاهر وجوب الاحتياط إذا أمكن، كما إذا كان للواجب أفراد طولية، كصلاة الظهر في يوم الجمعة فدار الأمر بين كون الجهر شرطاً أو مانعاً فيجب التكرار، و نظير ذلك دوران الأمر بين التمام والقصر للشك في كون الركعتين الأخيرتين جزءاً أو مانعاً.

نعم إذا لم يتمكّن إلاّ من فرد واحد كصلاة الجمعة في الشبهة الحكمية، فالمرجع هو التخيير.

خاتمة: في شرائط العمل بالاحتياط والبراءة والمراد من الشرائط ما هو شرط لجريانهما دون جواز العمل بهما، و الفرق بينهما واضح، لأنّ الشرائط على قسمين:

الأوّل: ما يكون وجوده محقِّقاً لموضوع الأصل بحيث لولاه لما كان هناك محلّ للأصل.

الثاني: ما يكون وجوده شرطاً للعمل بالأصل على وجه يكون الأصل جارياً، و لكن لا يعمل به إلاّ مع هذا الشرط، و إليك الكلام في كلا الشرطين على وجه الإيجاز.

أصل الاحتياط و شروط جريانه لا شكّ في حسن الاحتياط لكونه طريقاً لتحصيل الحقّ و العمل به والعقل حاكم بحسنه، ولا يشترط فيه سوى أمرين:

1. عدم استلزامه لاختلال النظام.

2. عدم مخالفته لاحتياط آخر.

وأمّا موارده فتنحصر في المواضع التالية:

1. الاحتياط المطلق فيما إذا لم يكن هنا علم إجمالي و لا حجّة شرعية، كالشبهة البدويّة.

2. الاحتياط فيما إذا كان هناك علم وجداني إجمالي.

3. الاحتياط إذا كانت هناك حجّة شرعية لها إطلاق بالنسبة إلى المعلوم بالتفصيل والمعلوم بالإجمال.

أصل البراءة و شرط جريانه لا يشترط في جريان البراءة في الشبهات الحكمية إلاّ الفحص عن الدليل الاجتهادي، لأنّ البيان الرافع لقبح العقاب هو البيان الواصل هذا من جانب.

ومن جانب آخر ليس المراد من الواصل هو إيصاله إلى كلّ واحد بدقّ باب بيته و إعطائه البيان، بل المراد وجود البيان في مظانّه على وجه لو أراد لوقف عليه، وعلى هذا فوجود البيان عند الرواة أو حملة العلم أو في الجوامع الحديثية كاف في رفع القبح و مع احتماله فيها لا يستقل العقل بالقبح مالم يتفحّص.

وأمّا الشبهات الموضوعية، فالظاهر تسالم الأُصوليين على عدم وجوب الفحص، و لكنّه على إطلاقه غير صحيح، وإنّما لا يحتاج إلى الفحص إذا كان تحصيل العلم منوطاً بمقدّمات بعيدة.

وأمّا إذا كان العلم بالواقع ممكناً بأدنى نظر، كالنظر إلى الأُفق فيمن شكّ في دخول الفجر فيجب عليه الفحص، و مثله إذا شكّ في بلوغ الأموال الزكوية حدّ النصاب، أو الشكّ في زيادة الربح على المؤونة، أو الشكّ في حصول الاستطاعة المالية للحج، أو الشكّ في مقدار الدين مع العلم بضبطه في السجلاّت، إلى غير ذلك من الشبهات الموضوعية التي يحصل العلم بها بأدنى تأمل.

وأمّا شرائط العمل بالبراءة فيمكن أن يعدّ منها، عدم معارضته مع أصل آخر، كما في موارد العلم الإجمالي، أو أن لا يكون على خلاف المنّة. ولا يختص هذا الشرط بالبراءة، بل يعم الاضطرار الوارد في حديث الرفع أيضاً، كعدم الضمان في عام المجاعة إذا توقفت حياة المضطر على أكل طعام الغير، فالمرفوع هو حرمة التصرف ـ لأجل الاضطرار ـ لا الضمان، فالتصرف جائز لكن مع ضمان قيمته، لأنّ عدمه على خلاف المنَّة.

صحّة عمل تارك الفحص وعدمها إذا ترك المجتهد الفحص عن الدليل الاجتهادي، أو ترك العامي طريقي الاجتهاد والتقليد، فهل يحكم بصحّة العمل أو لا؟

لا شكّ في عدم الصحّة إذا خالف الواقع توصليّاً كان أو تعبديّاً ، و كما لا شكّ في الصحة إذا صادف الواقع في التوصليات كالمعاملات، لأنّ الصحّة ليست رهن قصد القربة، وأمّا العبادات إذا صادفت الواقع، فإن تمكن من الإتيان بها بقصد القربة ـ كما إذا كان غافلاً حين العمل ـ صحّت عبادته ظاهراً لحصول شرطها و هي القربة و مطابقتها للواقع، وإلاّ فهي باطلة لخلوّها من التقرّب.

نعم اتّفق الأصحاب على بطلان عمل الجاهل المقصّر في التعبديات إذا خالف الواقع إلاّ في موضعين، فأفتوا بالصحّة و عدم لزوم الإعادة و القضاء، و ذلك:

أ. إذا أتمّ في موضع القصر(دون العكس).

ب. إذا جهر في موضع الإخفات أو بالعكس، لتضافر الروايات على ذلك. (26)

_______________
1. لاحظ صفحه 95 من نفس الكتاب.

2. لاحظ الفرائد:240، طبعة رحمة اللّه.

3. الموجز:199.

4. الموجز:199.

5. الوسائل:17، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث1.

6. الوسائل:17، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 5.

7. الفرائد:261.

8. انظر الوسائل: 61/ 7  من أبواب الأطعمة المباحة.

9. الوسائل:12، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1، 3، 5.

10. الوسائل: 12، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، والباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2و3.

11. الوسائل: 12، الباب 5 من أبواب الربا، الحديث 2و3. وقد اقتصرنا بذكر مصادر الروايات خشية الإطالة فبإمكان الأُستاذ، نقل الروايات عن الوسائل خلال إلقاء المحاضرة .

12. الوسائل: الجزء2، الباب 64 من أبواب النجاسات، الحديث2.

13. الموجز:202.

14. ثمّ إنّ ما ذكرنا من الدليل، غير ما هو المعروف من القوم في المقام من كون الأقلّ واجباً على كلّ تقدير والأكثر مشكوك الوجوب فانّ الاستدلال على البراءة بهذا الطريق ذو شجون.

15. سيوافيك تفصيله في التعادل والترجيح، ص194.

16. فوائد الأُصول:4/202.

17. الوسائل: 1، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث 1.

18. الوسائل: 1، الباب 16 من أبواب الركوع، الحديث 1و2.

19. كان البحث في التنبيه السابق في جريان البراءة بعد العمل أي الإتيان بما عدا المنسيّ، بخلاف المقام فالبحث في جريانها قبل الإتيان بما عدا المتعذر. وكلا الأمرين يرجعان إلى أمر واحد: وهو انّ الأصل في الجزئية والشرطية، الركنيّة أو لا، فلاحظ.

20. التاج الجامع للأُصول:2/100، كتاب الحج.

21. غوالي اللآلي:4/58 برقم 205و207.

22. غوالي اللآلي:4/58 برقم 205و207.

23. الوسائل:3، الباب 1 من أبواب القبلة، الحديث1.

24. ومثله ما إذا دار الأمر بين جزئية شيء و مانعيته أو قاطعيته و الحكم في الجميع واحد.

25. قد تقدّم انّ معنى المانعية هو وجود الشيء مزاحماً للصحّة لا اعتبار عدمه في المأمور به إذ العدم ليس شيئاً قابلاً للاعتبار.

26. الوسائل: 5، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3و4و8و11.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.