المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4880 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الفرعون رعمسيس الثامن
2024-11-28
رعمسيس السابع
2024-11-28
: نسيآمون الكاهن الأكبر «لآمون» في «الكرنك»
2024-11-28
الكاهن الأكبر (لآمون) في عهد رعمسيس السادس (الكاهن مري باستت)
2024-11-28
مقبرة (رعمسيس السادس)
2024-11-28
حصاد البطاطس
2024-11-28

ما حقيقة الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل ؟
2024-10-22
بوهر ، اجه
20-10-2015
Radio properties of Sgr A*
12-2-2017
موقف القوانين من الشروط المتعلقة بالسكنى
11-2-2016
الأكاروس المفترس Phytoseiulus persimilis
21-12-2015
Solomon,s Seal Knot
5-6-2021


عموم قدرته تعالى  
  
2390   11:56 صباحاً   التاريخ: 24-10-2014
المؤلف : محمّد آصف المحسني
الكتاب أو المصدر : صراط الحق في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية
الجزء والصفحة : ج1- ص131-142
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / القدرة و الاختيار /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014 1152
التاريخ: 5-08-2015 2427
التاريخ: 24-10-2014 1309
التاريخ: 24-10-2014 935

المدّعى : أنّ الواجب الوجود قادر على كلّ ممكن (1) تحقّق في الخارج أم لا ، والدليل على ذلك وجوه :

1 ـ إنّ الممكن ـ كما علمت ممّا مضى ـ لا يقتضي الوجود ولا العدم ولو بنحو الأولوية ، بل هما متساويان إليه ، يوجد لوجود المرجّح ويعدم بعدم المرجّح ، فإذن هو محتاج إلى غيره في الوجود والعدم ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أُخرى ، أنّ الممكن لا يعقل أن يبقى على حالة الاستواء في الخارج ؛ لاستحالة ارتفاع النقيضين ، وإنّما هي بلحاظ نفسه ، وعليه فكل ممكن إمّا موجود وإمّا معدوم ، وقد قرّرنا أنّ كل موجود محتاج إلى وجود المرجّح ، وكلّ معدوم مفتقر إلى عدمه ، وليس هذا المرجّح إلاّ إرادة الواجب عزّ اسمه ؛ لانتهاء سلسلة الموجودات إليها ، فيستنتج من هذه المسائل ، أنّ الممكنات بأسرها محتاجة إلى الله تعالى أزلاً وأبداً ، وأنّ الله هو المفيض القابض ، و...أنّ فاعليته تعالى بنحو الاختيار والتمكّن دون الجبر والإيجاب ، فقد اتّضح أنّه قادر على كلّ ممكن ، وكلّ ممكن مقدور له ، وهذا دليل إنّي متين قوي على المطلوب .

2 ـ إنّ القدرة ثابتة له في الجملة ... وبما أنّها عين ذاته المقدّسة ، فهي غير محدودة ، فإنّ التناهي من خصائص الإمكان ونواقض الوجوب ... وعليه فقد ثبت عدم تناهي قوته وقدرته ، وهذا هو معنى عمومها وتعلّقها بكل ممكن ، فتدبّر .

3 ـ القدرة العميمة ممكنة الثبوت له تعالى ، وما أمكن في حقّه وجب ...

4 ـ العجز ـ ولو في بعض الموارد ـ نقص ، وهو ممتنع عليه . ذكره بعضهم .

5 ـ لو لم يكن قادراً على الإطلاق لكان محتاجاً ـ ولو في مورد ـ إلى غيره ، فهو إن كان ممكناً لزم الدور ، فإنّ الممكن في حدوثه وبقائه ، وفي وجوده وأفعاله ، محتاج إلى الواجب ، وإن كان واجباً فأدلة التوحيد تنفيه .

أقول : هذا الوجه ينفي المحتاج إليه دون الحاجة ، ولا ملازمة بينهما قطعاً .

6 ـ إنّ علم الواجب فعلي ، فإنّه عين ذاته ، التي هي عين حيثية العلّية لكلّ شيء ، وعلمه تعلّق بكلّ شيء ، فقدرته تعلّقت بكلّ شيء . ذكره السبزواري في شرح المنظومة ، وكذا الوجه الآتي

وفيه  ... من أنّ إرادته زائدة على ذاته .

ويرد أيضاً على قوله : ( وعلمه تعلّق بكل شيء ) أنّه مصادرة محضة ، فإنّ تعلّق علمه الفعلي، الذي هو إرادته بشيء فرع مقدوريته ، وكون الواجب قادراً عليه وهو أَوّل الكلام ، وإن شئت فقل : إنّه مستلزم للدور ؛ بداهة توقّف الإرادة على شمول القدرة ، فلو عُكس لدار ، فافهم .

7 ـ إنّ الإيجاد فرع الوجود ، وإذ لا وجود حقيقي للممكنات في ذواتها ؛ إذ الممكن من ذاته أن يكون ليس ، وله من علّته أن يكون أَيس ، فلا إيجاد حقيقي لها ، فإذن كما لا وجود إلاّ وهو ترشّح من لديه ، كذلك لا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم .

أقول : هذا بيان متين ، لكن مع أنّه أخص من المدّعى ـ حيث لا يجري في الممكن غير الموجود ـ راجع إلى الوجه الأَوّل .

8 ـ ما قيل إنّه المشهور ، من أنّ المقتضي للقدرة هو الذات لوجوب استناد صفاته إلى ذاته ، والمصحّح للمقدورية هو الإمكان ؛ لأنّ الوجوب والامتناع يحيلان المقدورية ، ونسبة الذات إلى جميع الممكنات على السوية ، وإذا ثبت قدرته على بعضها تثبت على كلها .

ويُزيّف بأنّ مجرّد كون الإمكان مصحّحاً لا علّة موجبة ، غير كافٍ لإثبات المقدورية ؛ لاحتمال توقّفها على شرط مفقود ، وإن أُريد من المصحّح العلية ، فيفسده أنّ الإمكان علّة للاحتياج دون المقدورية ، وإلاّ كانت العلل الموجبة مؤثّرات بالاختيار .

9 ـ الضرورة المذهبية والإجماع والكتاب والسنّة بأجمعها تدل على ذلك ، ذكره بعض المتكلّمين من أصحابنا .

أقول : الاستدلال بالنقل لا محذور فيه في المقام كما يظهر بالتدبّر ، غير أنّ الإجماع التعبّدي غير متحقّق قطعاً ، كما يظهر وجهه ممّا سبق ، وأمّا الكتاب فيحتمل أن قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1]ونحوه ناظر إلى كلّ شيء موجود ، فيكون أخص من المدّعى ، نعم قوله تعالى : {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 81، 82] يمكن أن يكون شاملاً للمقام ، لكنّه ظهور غير قطعي . وأمّا الضرورة فهي غير بعيدة ، فتأمل .

 

مطالب مهمّة:

 

المطلب الأَوّل : قد نسبوا الخلاف في هذه المسألة إلى طوائف من الناس ، وأنّهم ينكرون عموم قدرة الله تعالى على كل ممكن .

أقول : الظاهر أنّه لا مخالف في المقام أصلاً ، وأنّ الكلّ متّفقون على الكلّية المذكورة ، وإنّما نزاعهم في امتناع بعض الأشياء وعدمه ، فالبحث صغروي ، وبعبارة واضحة : أنّ قدرته تعالى لا تتعلّق بالواجب والممتنع ، فإنّ ضرورة الوجود أو العدم يبطل تعلّق القدرة ، التي هي ما تلزمه صحة الصدور واللاصدور ، فمتعلّقها هو الممكن لا غير ، فيقال : هذا ممكن ، وكل ممكن مقدور لله تعالى ، والكبرى كما أنّها قطيعة عقلاً وفاقية قولاً ، والصغرى مختلف فيها ، وهذا الخلاف ليس بعزيز ، بل هو منتشر في كثير من المسائل العلمية ، إذا تقرّر ذلك فإليك بيان تلك الموارد ، التي وقع الخلاف في إمكانها وامتناعها :

المورد الأَوّل : عدم صدور الكثير من الواحد الحقيقي ، فلا يمكن أن يصدر عن الواجب البسيط أكثر من شيء واحد بلا توسّط أمر آخر ، ادّعاه الحكماء وأصرّوا عليه ، وأنكره أرباب الكلام وشدّدوا عليهم النكير ، وإليك بيان هذه القاعدة المشهورة بـ ( الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد ) من كتاب الأسفار : قال مؤلّفها (2) :

البسيط إذا كان ذاته بحسب الحقيقة البسيطة علّةً لشيء ، كانت ذاته محض علّة ذلك الشيء ، بحيث لا يمكن للعقل تحليلها إلى ذات وعلّة ؛ لتكون علّيتها لا بنفسها من حيث هي ، بل بصفة زائدة ، أو شرط ، أو غاية ، أو وقت ، أو غير ذلك ، فلا يكون مبدأ بسيطاً بل مركّباً ، فالمراد من المبدأ البسيط ، أنّ حقيقته التي بها يتجوهر ذاته هي بعينها كونه مبدأً لغيره ، وليس ينقسم إلى شيئين يكون بأحدهما تجوهر ذاته ، وبالآخر حصول شيء آخر عنه ، كما أنّ لنا شيئين نتجوهر بأحدهما ، وهو النطق ونكتب بالآخر هو صفة الكتابة ، فإذا كان كذلك صدر عنه أكثر من واحد ، ولا شك أنّ معنى مصدر كذا غير معنى مصدر غير كذا ـ فتقوّم ذاته من معنيين مختلفين ، هو خلاف المفروض ، فافهم هذا ودع عنك الإطنابات التي ليس فيها كثير فائدة ، وإيّاك أن تفهم من لفظ الصدور وأمثاله الأمر الإضافي ، الذي لا يتحقّق إلاّ بعد شيئين ؛ لظهور أنّ الكلام ليس فيها ، بل كون العلّة بحيث يصدر عنها المعلول ، فإنّه لابدّ أن تكون للعلّة خصوصية ، بحسبها يصدر عنها المعلول المعيّن دون غيره ، وتلك الخصوصية هي المصدر في الحقيقة ، وهي التي يعبّر عنها بالصدور ، ومرّة بالمصدرية ، وطوراً بكون العلّة بحيث يجب عنها المعلول ؛ وذلك لضيق الكلام عمّا هو المرام ، حتى أنّ الخصوصية أيضاً لا يراد بها المفهوم الإضافي ، بل أمر مخصوص له ارتباط وتعلّق بالمعلول المخصوص ، ولا شك في كونه موجوداً ومتقدّماً على المعلول المتقدّم على الإضافة العارضة لهما ، وذلك قد يكون نفس العلّة إذا كانت العلّة علّةً لذاتها ، وقد يكون زائداً عليها ، فإذا فرض العلّة بما هي به علّةً بسيطاً حقيقياً ، يكون معلوله أيضاً بسيطاً حقيقياً ، وبعكس النقيض، كلّ ما كان معلوله فوق واحد ليس بعضها بتوسّط بعض ، فهو منقسم الحقيقة إمّا في ماهية أو في وجود ، انتهى كلامه .

وقال في موضع آخر ردّاً على الرازي : إنّ المصدرية بالمعنى المذكور نفس ماهية العلة البسيطة ، والماهية من حيث هي ليست إلاّ هي ، فإذا كان البسيط الحقيقي مصدراً لـ (1) مثلاً ، ولِما ليس(1) مثلاً ، كانت مصدريته لِما ليس (1) غير مصدريته لـ (1) التي هي نفس ذاته ، فتكون ذاته غير ذاته وهذا هو التناقض. قال تلميذه في شوارقه (3) : إنّ الفاعل المستقل إذا كان واحداً من جميع الجهات، بحيث لا يكون فيه كثرة الأجزاء ، ولا كثرة الوجود والمهية ، ولا يكون متّصفاً بصفة حقيقية زائدة في الخارج ، أو اعتبارية زائدة في العقل ، ولا يتوقّف فعله على شرط وآلة وقابل ، فلا يمكن أن يصدر عنه في مرتبة واحدة إلاّ معلول واحد ، سواء كان الفاعل موجباً أو مختاراً اختياره وإرادته نفس ذاته ، والحكماء يسمّون مثل هذا المختار الفاعل بالرضاء ، وأمّا إذا كان إرادته واختياره زائدةً على ذاته ، وهو الذي يسمّونه الفاعل بالقصد فهو خارج عمّا نحن فيه ؛ لأنّ فيه اثنينية بالفعل ، سواء تعدّد إرادته أو تعلّقها أو لا ، فلا يكون واحداً من جميع الجهات .

أقول : لو سلّمنا هذه القاعدة ، وفرضنا صحّة دليلها كما هو الصحيح ، لم يصحّ إجراؤها في المقام ؛ لأنّ فاعليته تعالى ... بالعلل الغائية الزائدة على ذاته ، وإن شئت فقل : الممكن لابدّ من مسبوقية وجوده بعدمه ، ولا ربط ولا سنخية بين الوجود البحت والعدم المحض ، وإنّما يوجِد الواجب ما يوجده بلا ربط واقتضاء ذاتي ، بل من أجل المصالح والغايات ، فحينئذٍ الواجب الوجود عزّ اسمه غير مشمول لهذه القاعدة باعتراف الفلاسفة ، فتدبّر جيداً .

هذا ، و...أنّ الفلاسفة لم يقدروا على إثبات أنّ ماهيته إنيّته ، فمن هذه الجهة أيضاً لايمكن إجراء القاعدة على الواجب ، هذا كله بناءً على مسلك العدلية أو معظمهم ، وأمّا بناءً على مسلك الأشاعرة القائلة بزيادة الصفات فالأمر أوضح ، لكن الالتزام بمقالة الحكماء أسهل وأهون من الميل إلى هذه النظرية الرديئة الباطلة ، بمراتب بالقياس إلى النواميس العقلية .

وأمّا ما قيل ، من أنّ في القرآن ألف آية أو قريب منه تدل على بطلان المقالة المزبورة ، فهو ممنوع ، فتدبّر جيداً .

المورد الثاني : القبائح فإنّها غير مقدورة لله تعالى ؛ إذ إتيانها مع العلم بقبحها سفه ، وبدونه جهل ، وكلاهما محال على الله سبحانه ، نسبوه إلى النظام وأتباعه .

أقول : وكان هذا المسكين لم يعلم أنّ مفاد هذا البيان أنّها لا تصدر عنه لحكمته ، لا أنّها غير مقدورة ، فالقبيح مقدور له تعالى ، فيمكنه إدخال الأنبياء في النار مثلاً ، لكنّه لا يفعل لمخالفته لحكمته البالغة .

وأمّا ما أجاب به الأشعريون من أنّه لا قبح بالنسبة إليه ، فله التصرّف في ملكه كيف يشاء ، فهو في سخافته كأصل الشبهة ...

المورد الثالث : الإتيان بمثل أفعالنا فإنّها إمّا طاعة أو معصية أو سفه ، والكل محال .

أقول : إذ لا آمر له تعالى ليصدق الطاعة والمعصية في حقّه ، وهو عالم فلا يتصوّر السفاهة فيه ، نقل هذا عن البلخي ومَن تبعه ، وفيه : أنّ المحال هو صدق هذه العناوين أي الطاعة والمعصية لا نفس الأفعال ، نعم لابدّ من اشتمالها على مصلحة ، ولكن المصلحة لا تستلزم عنوان الطاعة بلا إشكال ، وإنّما هو في أفعالنا بلحاظها إلى أمر الله تعالى ، نعم لا يمكن له أن يفعل مثل جملة من أفعالنا المحتاجة إلى الجسم كالتكلّم ، والتفكّر ، والتحرّك ، والركوع ، والسجود ونحوها ، وذلك واضح ولعلّهم أيضاً أرادوا ذلك .

المورد الرابع : الإتيان بعين مقدورنا ومفعولنا ، بعين دليل التمانع المذكور في مبحث التوحيد . نسب ذلك الجبائيينِ وأتباعهما . ويزيّف بأنّ التأثير في فرض مزاحمة قدرة العبد وربّه ، مستند إلى إرادة الله تعالى فإنّها أقوى ، وهذا واضح بل مشاهد في تزاحم إرادتي الممكنينِ ، فإذا حرّك أحد جسماً إلى جانب ، والآخر حرّكه إلى جانب آخر ، يكون الترجيح مع الأقوى ، نعم هاهنا شيء آخر وهو أنّ الله تعالى لا يمكنه الإتيان بعين أفعالنا، وإلاّ لم تكن الأفعال أفعالنا بل هي أفعاله ، وهذا مثل عدم قدرته على إيجاد ابن زيد من غير زيد ، أو إيجاد العرض بغير معروضه ، وهكذا ، فمعنى أنّه قادر على جميع الأشياء ، أنّه قادر عليها إمّا بلا واسطة أو بواسطة ، وهذا بيّن جداً .

المورد الخامس : ما علم الله عدم وقوعه لاستحالة وقوعه ، وكذا ما علم أنّه يقع لوجوبه .

نقله في الشوارق ...

قال شيخنا المفيد قدّس سره (4) : إنّه سبحانه قادر على ما علم أنّه لا يكون ممّا لا يستحيل كاجتماع الأضداد ، ونحو ذلك من المحال ، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلاّ النظام وشذاذ من أصحاب المخلوق . انتهى .

المورد السادس : الشرور بحجّة أنّ الواحد لا يكون خيّراً وشرّيراً ، فلو كان الله قادراً على الشرّ ـ كما هو قادر على الخير ـ لكان خيّراً وشرّيراً ، والقائل به المجوس .

أقول : مع أنّه لا دليل على بطلان التالي في الفاعل المختار نمنع الملازمة ؛ إذ مجرّد تعلّق القدرة على الشرّ لا يوجب كون القادر شرّيراً ، وإنّما الشرّير مَن يفعل الشرّ لا مَن يقدر عليه ، ولعلّ هذا ضروري ، فالواجب الحكيم قادر على الخير والشر بقدرة تامّة ، لكنّه لا يريد الشرور ولا يفعلها البتة .

 

تنوير عقلي :

حديث الشرور ذو إعضال شديد ، قد تحيّرت فيه الأنظار والآراء ، ومجمله أنّ الشرور متحقّقة في الكون تحقّقاً محسوساً لكل أحد ، فوقع البحث في استنادها وتعيين منبعها ، وللناس فيه مذاهب ومسالك :

فمنهم مَن أنكروا وجود الواجب الصانع ؛ بدعوى أنّ فاعل العالَم لو كان مدبّراً حكيماً لَما صدر عنه هذه الشرور ، فأسندوا العالَم إلى المادة ، وهم الماديون .

ومنهم مَن أثبتوا مع الله خالقاً آخر ، فأسندوا الخيرات إلى الله والشرور إلى ذلك الآخر ، وهم الثنوية ، فقال المجوس منهم :(5) إنّ فاعل الخير يزدان ، أي الله ، وفاعل الشر أهرمن ، أي الشيطان .

وقالت الديصانية والمانوية منهم : إنّ فاعل الخير هو النور ، وفاعل الشر هو الظلمة ، ولعلّ حجّتهم في ذلك ما نقلناه عن الماديين .

ومنهم مَن أسندوا الشرور كلّها إلى الله الحكيم كاستناد الخيرات إليه فقالوا : إنّه تعالى خالق الجميع ؛ ولذا أجابوا عن شبهة المجوس بالتزام التالي ، وأنّه تعالى خالق للخيرات والشرور كلها ، وإنّما لا يطلق لفظ الشرّير عليه ، كما لا يُطلق عليه لفظ خالق القردة والخنازير مع كونه خالقاً لهما ؛ وذلك لأحد الأمرين : إمّا لعدم التوقيف من الشرع وأسماء الله توقيفية ، وإمّا لأنّه يوهم أن يكون الشر غالباً في فعله كما يقال : فلان شرّير ، أي ذلك مقتضى طبعه (6) . انتهى، وهم الأشاعرة .

وهذه الطوائف الثلاث بأسرها قد ضلّوا ضلالاً مبيناً ، وخسروا خسراناً كبيراً ، ... أمّا أهرمن المجوس وظلمة المانوية والديصانية ، فإن كانتا ممكنتين فلابدّ من استنادهما واستناد أفعالهما إلى الله تعالى ، وإن كانتا واجبتين ، فأدلة التوحيد تدفعهما ، وأمّا توهّم الأشعريين فهو سخيف جداً  ... ، فإنّها لا تليق بالحكيم ، ولعمري إنّ هذا ـ أي عدم صدور الشر من الله الحكيم ـ ممّا أودعه الله في الفطرة البشرية ؛ فلذا لم ينكره أحد غير هؤلاء المخالفين للنواميس العقلية .

ولذا أشرك المجوس ، وكفر الماديون ، ولم ينكروا حكمة الخالق القديم ، واستحيوا من استناد الشرور إليه .

فإن قلت : لا موجود إمكاني إلاّ وهو معلول له تعالى ، إمّا بلا واسطة أو بواسطة ، والكلّ من عند الله وهو خالق كلّ شيء ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم ، فما تقول أنت في إسناد الشرور ؟ وهل يمكن إسنادها إلى غير الواجب ؟ فإن أجبت بالنفي فهو مذهب الأشعري ، وإلاّ فهو مذهب المجوس أو المادي .

قلت : قد أجابوا عن هذا بوجهين :

الأَوّل : ما نقل عن أفلاطون من أنّ الشرّ عدمي ، والعدم لا يحتاج إلى علّة : فالشرور الواقعة في العالم لا تقتضي فاعلاً حتى يتكلّم فيه ، فبهذا يُدفع جميع ما لزم الماديين والثنوية والأشعرية

أقول : أمّا الصغرى فقد اعتنى بها الفلاسفة جداً ، وأوضحوها بذكر أمثلة (7) ومن جملتها القتل، فإنّه شرّ عند العقلاء ، فقالوا : إنّ شريّته ليست من جهة قدرة القاتل عليه، ولا من جهة حركات أعضائه فإنّهما كمال له ، ولا من جهة قطع الآلة فإنّه أيضاً كمال لها، ولا من حيث قبول العضو المقطوع للتقطيع لأنّه أيضاً كمال له ، بل هي من جهة إزالة الحياة ، وهي عدمية . نعم كل واحد من هذه المذكورات شرّ بالعرض لا بالذات ؛ ...  وهكذا النار فإنّها خير بالذات شرّ بالعرض ، فالشر بالذات لا يكون إلاّ عدمياً .

وقد ادّعى عليها ـ أي على عدمية الشرّ ـ الضرورة بعضهم ، ولشارح حكمة الإشراق عليها برهان ذكره صاحب الأسفار معتمداً عليه ، والظاهر أنّ اهتمام الفلاسفة بذلك ؛ إنّما هو لأجل اعتبار السنخية في العلّة والمعلول عندهم ؛ إذ لو كان الشر وجودياً لامتنع استناده إلى الخير المحض ، وهو الله الواجب ، وإذا قيل لهم : إنّ العدم لا أثر له والشر مؤثّر ، يقولون : إنّه ليس عدماً صرفاً بل عدم ملكة وله تأثير كالعمى ونحوها .

الثاني : ما نقل عن أرسطو ـ وقيل : إنّه تفاخر به ـ من أنّ الأشياء على خمسة احتمالات: ما لا خير فيه ، وما لا شرّ فيه ، وما يتساويان فيه ، وما خيره غالب ، وما شره غالب ، وذات الواجب بالذات لمّا لم يمكن أن تصير مبدأ للشر ، وجب أن لا يصدر عنها إلاّ قسمان من هذه الأقسام ، أي ما لا شريّة فيه ، وما خيريته غالبة ، فإنّ ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير .

أقول : أمّا الوجه الأَوّل فبعد تسليم الصغرى وعدم المناقشة فيه ، فيرد عليه : أنّ الممكن كما يحتاج في وجوده إلى إرادة الواجب ، كذلك في عدمه إلى عدمها ، فعدم الممكن مستند إلى عدم إرادته ، فيعود الإشكال وأنّه تعالى لِمَ ما أراد كذا حتى لا يتحقّق الشر ؟ فإرجاع الشرّ إلى العدم لا يجدي عن دفع الإشكال .

وأمّا الوجه الثاني فهو بمجرّده غير مفيد ؛ لأنّه لم يخرج عن حدّ المدّعى بعد فهو مصادرة.

هذا ، والظاهر من جماعة من الفلاسفة جعل الوجهين وجهاً واحداً ، فالشر عدم محض وليس بأمر وجودي حتى لا يصحّ صدوره من الواجب من أجل عدم السنخية .

وأمّا الشرور بالعرض فهي وإن كانت أُموراً وجودية ، لكن غير صادرة عنه تعالى بالقصد الأَوّل بل بالعرض ، فإنّها غالبة الخيرية وإيجادها لأجل غلبة خيرها على شرها ، وأمّا الشرور بالذات فهي مستندة إلى عدم إرادته ، والواقع منها القسمان المتقدّمان لا غير ، فإنّ الشرور التي تلحق الأشياء هي في أنفسها خيرات ، وبالقياس إلى بعض الأشياء شرور ، كوجود النار والماء، والسيف والسنان ، والسبع والحية ، وغيرها من الذوات ، وكوجود الغضب والشهوة ، والجُربزة والشيطنة ، وغيرها من الصفات ، وكوجود الضرب والطعن والقتل وغير ذلك من الأفعال .

أقول : لا شكّ في أنّ جملةً كثيرة من الموجودات ـ التي توجب الشر لبعض الأشياء الأُخر ـ خيرات في نفسها ، وبها ينتفع غيرها انتفاعاً أكثر ممّا يترتّب عليها من الشر المذكور ، إلاّ أنّ الإشكال لا يُدفع بهذا المقدار ، فإنّه يقال : إنّ إحراق النار لثوب الفقير ممكن والله سبحانه قادر على منع تأثيرها ، فلِمَ لم يمنعه ؟ وكذا وقوع الطفل في النار ، أو غرق شاب في الماء مثلاً ، فإنّ إيجاد النار أو الماء مثلاً لأجل المنافع الكثيرة ، لا يوجب استحالة منع تأثيرهما في توليد الشر في بعض الموارد ، وهذا ما يقال : من أنّ الذي يغلب خيره على شره ، لِمَ لم يوجد عن الباري على وجه لا يعتريه شرّ أصلاً ؛ حتى يكون الموجودات كلها خيرات محضة ؟

وأمّا ما أُجيب عنه وارتضاه صاحب الأسفار (8) ـ من أنّه لو كان كذلك لكان الشيء غير نفسه؛ إذ كان هذا القسم غير ممكن في هذا القسم من الوجود ... إلى أن قال : فإذا قلت: لِمَ لا يوجِد النار التي هي أحد أنواع هذا القسم على وجه لا يلزمها شر ، فكأنّك قلت: لِمَ لم يجعل النار غير النار ؟ ومن المستحيل أن يجعل النار غير النار ، ومن المستحيل أن يكون النار ناراً ، وتمس ثوب ناسك ، ولا مانع من الحريق ، ولا تحرقه . انتهى ـ فهو قعقعة ، ويظهر فساده ممّا أشرنا إليه آنفاً فلاحظ .

وقال في مورد آخر من هذا الفصل : وأكثر مَن يطوّل حديث الخير والشر ، ويستشكل الأمر يظن أنّ الأُمور العظمية الإلهية ، من الأفلاك وما فيها ، إنّما خُلقت لأجل الإنسان، وأنّ الأفعال الإلهية منشؤها إرادة قُصدت بها أشياء وأغراض ، على نحو إرادتنا وأغراضنا في الأفعال الصادرة عنّا بالاختيار ، ولو تأمّل هذا الجاهل المحجوب عن شهود العارفين أدنى تأمّل ، لدرى أنّ الأمر لو كان كما توهّمه ، ولم يكن هناك أحكام مضبوطة، وعلوم حقّة إلهية ، وضوابط ضرورية أزلاً وأبداً ، ما كان أحوال أولياء الله في الدنيا على هذا الوجه من المحن الشديدة ... إلى آخر ما لفّقه ممّا لا فائدة في نقله .

وقد دريت أنّ الله تعالى فاعل مختار ... فلا ضرورة له في إيجاد شيء أبداً ، فإذن بقي الأشكال على حاله ، وملخّصه أنّ المصلحة النوعية لشيء ، لا تجوّز وقوع الشرّ منه من حيث الحكمة ، ما دام تأثير الشيء موقوفاً على إذنه تعالى .

فالصحيح أن يقال : إنّ كلّ شرّ يستند إلى الله تعالى ، له مصلحة زائدة على أصل المصلحة النوعية في نفس الموجود المسمّى بالشر بالعرض ، مثلاً أنّ للنار مصلحةً هامّة نوعية ، وفي إحراقها ثوب أحد ، أو ولد آخر ، مصلحة أُخرى للمتضرّر والمغموم أو لطف لأجنبي ، لكن مع العِوض للمالك أو الوالد ، وهكذا .

وهذا العِوض أكثر فائدة للمتضرّر من ضرره ، وهذا الكلام ممّا لابدّ منه لوجوه :

الأَوّل : إنّ صدور الشرّ منه تعالى ـ ولو في مورد مع الاختيار والقدرة على دفعه ـ قبيح ، والقبح غير جائز عليه .

الثاني : إنّ أفعاله معلّلة بالأغراض الراجعة إلى نفع غيره ، فلابدّ من عائدة في الشرّ المذكورة راجعة إلى مَن ابتُلي بالشر المذكور ...

الثالث : إنّ صدور الشر عنه ترجيح المرجوح على الراجح ، أو ترجيح بلا مرجّح وهو باطل ، فتلخّص أنّ الموجود في العالم هو ما لا شرّ فيه ، أو ما فيه شرّ أقلّ من خيره ، وهذا الشر أيضاً لابدّ له من مصلحة شخصية ، ويمكن أن يقال : إنّ الشرور الواقعة من سوء أفعال العباد الاختيارية لا مصلحة شخصية فيها ، أو لا ملزم لها ولو دائماً سوى المصلحة العامّة في جعل الإنسان مختاراً ؛ لكي لا تبطل التكاليف والتشريعات ، فإنّ المضطرّ لا يجوز تكليفه ، فتأمّل .

ثم إنّه بعد ما ثبت لزوم المصلحة في أفراد الشرور ، لا مانع من إمكان موجود كان شره أكثر من خيره ، كما لا يخفى وجهه على المتأمل ، فتدبّر جيداً .

ثمّ إنّ جميع ما ذكرنا واضح بحمد الله ، فشبهة الشرور مندفعة ، غير أنّ مسألة خلود الكافرين في العقاب أمر مشكل ، ... وما أُجيب عنه (9) من تجسّم الأعمال باطل .

المطلب الثاني :

قد دريت أنّ القدرة إنّما تتعلّق بالممكن وحده دون الواجب والممتنع ، فإنّ الشيء إذا كان ضروري الوجود أو العدم ولا يمكن تغيّره ، استحال أن يتعلّق به القدرة التي هي بمعنى صحّة الفعل والترك ؛ بداهة تصادم الصحّة والضرورة ، فذات واجب الوجود وصفاته الذاتية خارجة عن دائرة قدرته ، بل لا قدرة على مطلق الذاتيات ، فلا يكون زوجية الأربعة، وإمكان الماهيات، وفقر الموجودات الممكنة ، وأمثالها بمقدورة أصلاً ، وكذا شريك الباري واجتماع النقيضين ونحوهما .

كلّ ذلك ظاهر ، وأمّا قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: 45] إمّا منصرف  إلى الشيء الممكن من الأَوّل بحيث لا يشمل لفظ الشيء الضروريات ، أو هو مخصّص به على تقدير الشمول اللفظي ، ولا فرق في ذلك التخصّص والتخصيص بين أن يعبّر بعدم القدرة ، وبين أن يعبّر بعدم قابلية المحل ، فإنّ الضروري ممّا لا يتعلّق به قدرة القادر ، سواء كان عدم التعلّق من جهة العجز أو من نقص القابل ، فإنكار التخصيص على الثاني كما توهّمه صاحب الأسفار (10) لا وجه له .

وممّا ذكرنا كلّه ظهر أنّ إدخال العالم كلّه في بيضة ، مع عدم تصغير العالم ولا تكبير البيضة ، محال غير قابل لتعلّق القدرة الأزلية به ، وقد دلّ عليه مرسلة ابن أبي عمير عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) (11) قال : ( إنّ إبليس قال لعيسى ابن مريم ( عليه السلام ) : أَيقدر ربّك على أن يدخل الأرض بيضةً ، لا تصغر الأرض ولا تكبر البيضة ؟ فقال عيسى ـ على نبينا وآله وعليه السلام ـ : ويلك ، إنّ الله لا يوصف بعجز ، ومَن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة! ) .

ورواية ابن أُذينة عنه ( عليه السلام ) قال : ( قيل : لأمير المؤمنين ( عليه السلام): هل يقدر ربّك أن يُدخِل الدنيا في بيضة ، من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة ؟ قال : إنّ الله تبارك ، وتعالى لا يُنسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون ) .

ورواية أبان بن عثمان المشتملة على جواب أمير المؤمنين لرجل ، بمثل ما أجاب به عيسى ( عليه السلام ) في مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة .

وأمّا رواية البزنطي ـ قال : جاء رجل إلى الرضا ( عليه السلام ) فقال هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة ؟ قال : ( نعم وفي أصغر من البيضة، وقد جعلها في عينك ، وهي أقل من البيضة ؛ لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما ، ولو شاء لأعماك عنها ) ـ فالجواب مبني على إفحام السائل وإسكاته ، فإنّه لم يكن طالباً لواقع الأمر وحقيقة الحال ، وإنّما سأله تعنّتاً ولجاجاً كما يظهر من قوله عليه السلام : ( ولو شاء لأعماك )، فإنّ هذا الخطاب لا يليق بغير المعاند اللجوج .

ويمكن أن يقال بمثله في رواية هشام بن الحكم أيضاً ، وأنّ السائل من هشام بن الحكم كان لجوجاً ، أو أنّ الجواب منزّل على قصور فهمه . فلاحظ (12) .

فجواب الصادق ( عليه السلام ) في هذه الرواية ، وجواب الرضا في رواية البزنطي ، ليسا لبيان الواقع ، وإلاّ لقالا بالعدم كما في الروايات المتقدمة ، ومن العجيب ما يظهر من المحدّث الجزائري من الالتزام بمفادها وبنائه على مقدورية ذلك ، قال : فسبحان مَن هو قادر على أن يدخل الدنيا في بيضة ، من غير ترقيق الدنيا ولا تعظيم البيضة (13) ، وكذا ابن الحزم الأندلسي قال : وهو تعالى قادر على نفسه كما هو عالمٌ بها (14) ، وكلا القولين ضعيف جداً باطل قطعاً .

المطلب الثالث :

إنّ الفاضل الطريحي نقل عن العلاّمة الحلي قدّس سرهما ، في حاشيته على شرح الباب الحادي عشر (15) : أنّه حكي عن السيد المرتضى والشيخ الطوسي رحمهما الله ، أنّهما ممّن نفى قدرة الباري وقالا : إنّه خلاف الحقّ .

أقول : ما أدري هل هذه الجملة المطبوعة من الطريحي أم لا ؟ نقلها العلاّمة أم لا ؟ قال بها العلَمان المذكوران أم لا ؟ نعم ذكر الرجالي الشهير المامقاني رحمه الله كلاماً عن البحراني ومن جملته : أنّ الشيخ الطوسي وشيخه أبا عبد الله المفيد قدّس سرهما ، يذهبان إلى أنّه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد ، كما هو مذهب أبي على الجبائي المعتزلي، نقل ذلك العلاّمة في بعض كتبه الكلامية وغيره (16) . انتهى .

أقول : وعليه فيمكن أن يكون المراد من نفي القدرة المذكور في عبارة الطريحي المتقدّمة هو ذلك ، أي نفيها عن عين مقدور العبد ، وإلاّ فهو مقطوع الكذب ، فإنّا نقطع أنّ ذلك لم يخطر ببالهما فضلاً عن اعتقادهما به .

وأمّا الكلام الأخير المحكي عن الشيخين ، من إنكار قدرته تعالى على عين مقدور العبد فله وجه صحيح ، كما ذكرنا في ذيل كلام الجبائي وقلنا : إنّ عين فعل العبد غير ممكن الصدور عن الله تعالى بلا واسطة العبد ، وإلاّ لم يكن الفعل فعل العبد بل فعل الربّ ، وما هو غير ممكن غير مقدور ، كما مرّ فلاحظ .

ويحتمل قريباً أنّ مراد الشيخ والسيّد ـ على تقدير صدور هذا الكلام منهما ـ هو نفيها عن غير الممكنات ، وهذا الاحتمال قريب جداً .

__________________

(1) قال مَن في قلبه مرض في مختصر تحفة الاثني عشر / 81 : إنّ الله قادر على كل شيء ، خالف الشيخ أبو جعفر الطوسي والشريف المرتضى وجمع كثير من الإمامية في ذلك ، فإنّهم قالوا : إنّ الله لا يقدر على عين مقدور العبد .

أقول : النسبة كاذبة ، كما تعرف من مراجعة الصفحة الآتية ، في الوجه التاسع ، وقد ذكرنا في المطلب الثالث من عنوان تنوير عقلي : : 36 مراد العلَمينِ : الشيخ الطوسي والسيد المرتضى قدّس سرهما .

(2) الأسفار 2 / 214.

(3) الشوارق 1 / 191.

(4) أوائل المقالات / 23.

(5) ظاهر بعضهم كصريح آخر : أنّ الثنوية تشمل المجوس والمانوي والديصانية ، لكنّ المذكور في تبصرة العوام أنّ الديصانية والمانوية من أقسام المجوس ، وأنّ الثنوية غير المجوس فلاحظ . وأمّا تفصيل عقائدهم فلا ربط له بالمقام .

(6) شرح المواقف 3 / 51.

(7) وللمحقّق الطوسي كلام في توضيح ذلك نقله اللاهيجي في شوارقه 1 / 48 عن شرح الإشارات ، ولصاحب الأسفار أيضاً كلام مفصّل في ذلك .

(8) الأسفار ، المجلد الثاني ، الموقف الثامن ، الفصل السادس .

(9) المجيب صاحب الأسفار ناسباً جوابه إلى الفلاسفة ...

(10) الأسفار ، مباحث الشرور.

(11) البحار 4 / 142.

(12) البحار 4 / 140.

(13) الأنوار النعمانية 1 / 208.

(14) الفصل 2 / 128.

(15) شرح الباب الحادي عشر / 13.

(16) تنقيح المقال ( المدخل ) / 208.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.