المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



رسالة المأمون للعباسيين  
  
3760   06:01 مساءاً   التاريخ: 8-8-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : حياة الإمام الرضا (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ج‏2،ص315-325.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / موقفه السياسي وولاية العهد /

تبودلت رسائل السب و القذف بين المأمون و اعمامه و اقربائه العباسيين و كان من بينها هذه الرسالة التي بعثها المأمون للعباسيين‏ و هذا نصها بعد البسملة:

الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آل محمد على رغم أنف الراغمين أما بعد:

عرف المأمون كتابكم و تدبير أمركم و محض زبدتكم و أشرف على قلوب صغيركم و كبيركم و عرفكم مقبلين و مدبرين و ما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل و صرف وجوه الحق عن مواضعها و نبذكم كتاب اللّه و الآثار و كلما جاءكم به الصادق محمد (صلّى اللّه عليه و آله) حتى كأنكم من الأمم السالفة التي هلكت بالخسفة و الغرق و الريح و الصيحة و الصواعق و الرجم.

أ فلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها؟ و الذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد لو لا أن يقول قائل: إن المأمون ترك الجواب عجزا لما اجبتكم من سوء أخلاقكم و قلة أخطاركم و ركاكة عقولكم و من سخافة ما تأوون إليه من آرائكم فليستمع مستمع فليبلغ شاهد غائبا .

و حفل هذا المقطع من كلام المأمون بما يلي:

1- انه ابتدأ رسالته بالصلاة على النبي ثم عطف عليه آله فصلى عليهم و عقب ذلك بقوله: على رغم الراغمين و عنى الراغمين بني العباس الذي جاهدوا على محو ذكر آل النبي (صلى الله عليه واله) و ازالة ارصدتهم الروحية و الفكرية من دنيا الاسلام.

2- ان المأمون مطلع على خفايا نفوس العباسيين و عالم بدخائل قلوبهم عرفهم مقبلين و مدبرين عرفهم مندفعين نحو الباطل نابذين للحق تاركين لكتاب اللّه و ما جاء به الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله)

3- انه انما اجابهم عن رسائلهم لا عناية بهم و انما كي لا يقال انه عاجز عن الجواب و لنعد لنقرأ الفصل الثاني من رسالة المأمون.

أما بعد: فان اللّه تعالى بعث محمدا (صلى الله عليه واله) على فترة من الرسل و قريش في أنفسها و أموالها لا يرون أحدا يساميهم و لا يباريهم فكان نبينا (صلى الله عليه واله) أمينا من أوسطهم بيتا و أقلهم مالا فكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد فواسته بمالها ثم آمن به امير المؤمنين علي بن أبي طالب و هو ابن سبع سنين لم يشرك باللّه شيئا طرفة عين و لم يعبد وثنا و لم يأكل ربا و لم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم و كانت عمومة رسول اللّه اما مسلم مهين أو كافر معاند إلّا حمزة فانه لم يمتنع من الاسلام، و لا يمتنع الاسلام منه فمضى لسبيله على بينة من ربه.

و أما أبو طالب فانه كفله و رباه و لم يزل مدافعا عنه و مانعا منه فلما قبض اللّه أبا طالب فهم القوم و اجمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الذين تبوءوا الدار و الايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون .

عرض هذا المقطع إلى بعثة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) في مجتمع متكبر يرى أنه لا يدانيه و لا يساويه أحد و في فجر الدعوة المشرقة ما آمن به إلّا أم المؤمنين السيدة خديجة و قد رصدت لدعوته جميع اموالها و من بعدها آمن به الامام امير المؤمنين سلام اللّه عليه و كان عمره الشريف سبع سنين و لم يسجد لصنم و لم يعبد وثنا و انما عبد اللّه تعالى عن إيمان و اخلاص.

أما اعمام النبي (صلى الله عليه واله) فكان فيهم المشرك و الحاقد و الضال و هو أبو لهب و كان فيهم بطل الاسلام أسد اللّه الشهيد حمزة الذي اعز اللّه به الاسلام و نافح عن الرسول بكل بسالة حتى استشهد , و خيرة اعمام النبي (صلى الله عليه واله) هو أبو طالب الذي آمن بالاسلام و اعتنق اهدافه و مبادئه و وقف إلى جانب الرسول (صلى الله عليه واله) يحميه و يدفع عنه كيد المعتدين و لما انتقل هذا العملاق العظيم إلى حظيرة القدس فقد النبي (صلى الله عليه واله) المحامي و المدافع عنه و همت قريش بقتله فخرج (صلى الله عليه واله) مهاجرا الى (يثرب) فاتخذها مقرا لدعوته و عاصمة لحكومته فقد وجد فيها الصفوة الصادقة المتفانية في الذب عنه و لنعد إلى فصل آخر من فصول هذه الرسالة.

و لم يقم مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب فانه آزره و وقاه بنفسه و نام في مضجعه ثم لم يزل بعد مستمسكا بأطراف الثغور و ينازل الأبطال و لا ينكل عن قرن و لا يولي عن جيش منيع القلب يؤمر على الجميع و لا يؤمر عليه أحد أشد الناس وطأة على المشركين و اعظمهم جهادا في اللّه و أفقههم في دين اللّه و أقرأهم لكتاب اللّه و اعرفهم بالحلال و الحرام.

و هو صاحب الولاية في حديث غدير خم و صاحب قوله (صلى الله عليه واله) : أنت مني‏ بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي و صاحب يوم الطائف و كان أحب الخلق إلى اللّه تعالى و الى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) و صاحب الباب فتح له و سد أبواب المسجد و هو صاحب الراية يوم خيبر و صاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة و أخو رسول اللّه (صلى الله عليه واله) حين آخى بين المسلمين , و هو منيع جزيل و هو صاحب آية {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] و هو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين و سيدة نساء أهل الجنة و هو ختن خديجة و هو ابن عم رسول اللّه (صلى الله عليه واله) رباه و كفله و هو ابن أبي طالب في نصرته و جهاده و هو نفس رسول اللّه (صلى الله عليه واله) في يوم المباهلة.

و هو الذي لم يكن أبو بكر و عمر يتقلدان أمرا حتى يسألانه عنه فما رأى انفذاه و لم يره رداه و هو دخل من بني هاشم في الشورى و لعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنه كما دفع العباس رضوان اللّه عليه و وجدوا إلى ذلك سبيلا لدفعوه.

فأما تقديمكم العباس عليه فان اللّه تعالى يقول: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 19].

و اللّه لو كان ما في امير المؤمنين من المناقب و الفضائل و الآي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل من رجالكم أو غيره لكان مستأهلا للخلافة مقدما على اصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه واله) بتلك الخلة ثم لم تزل الأمور تترقى به إلى ان ولي أمور المسلمين فلم يعن بأحد من بني هاشم إلّا بعبد اللّه بن عباس تعظيما لحقه و وصلة لرحمه و ثقة به فكان من أمره الذي يغفر اللّه له .

و عرض هذا المقطع إلى بعض فضائل الامام أبي الحسين رائد الحكمة و العلم في دنيا الاسلام و التي منها دفاعه عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فقد آزره و وقاه بنفسه و مهجته و بات على فراشه حينما احتمت قريش على قتله (صلّى اللّه عليه و آله) و قد نازل الابطال فحصد رءوسهم دفاعا عن الاسلام فكان من أشد الناس وطأة على الكافرين و الملحدين فما اعظم عائدته على الاسلام!

و من فضائله أنه كان اعلم المسلمين و أفقههم و اكثرهم احاطة و دراية بأحكام الدين و شريعة سيد المرسلين و قد عقد النبي (صلى الله عليه واله) له الولاية و جعله خليفة من بعده في (غدير خم) و قال مقالته الذائعة من كنت مولاه فهذا علي مولاه‏ اللهم من والاه و عاد من عاداه و اشاد النبي (صلى الله عليه واله) به مرة أخرى فقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا انه لا نبي بعدي.

و كان من سمو منزلته و عظيم شأنه عند النبي (صلى الله عليه واله) أنه أمر بسد جميع الأبواب التي كانت على جامعه الاعظم و لم يستثن منها الا باب عليّ فإنها ظلت مفتوحة لم تغلق و من مناقبه أنه صاحب الراية (يوم خيبر) فهو الذي فتح حصون (خيبر) و قضى على اليهود و هو صاحب عمرو بن عبد ود الذي جبن المسلمون عن منازلته فلم يبرز إليه سوى بطل الاسلام و حاميه الامام (عليه السّلام) و من مناقب الامام امير المؤمنين ان النبي (صلى الله عليه واله) لما آخى بين المسلمين فبقي علي وحده فأخاه النبي (صلى الله عليه واله) و قال له: يا علي أنت أخي في الدنيا و الآخرة.

و من مناقبه و فضائله أنه نزلت فيه و في ولديه و زوجته سيدة نساء العالمين الآية الكريمة {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً}.

و من مناقبه أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) زوجه بسيدة نساء المسلمين و بضعته فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فلم يكن لها كفؤ سواه.

و من عظيم مناقبه أنه نفس النبي (صلى الله عليه واله) كما دلت على ذلك بوضوح آية المباهلة فكان سلام اللّه عليه بمواهبه و عبقرياته امتدادا ذاتيا لشخصية الرسول الكريم التي ملأت الآفاق نورا.

و نظرا لسمو ذاته و عظيم مكانته كان أبو بكر و عمر لا ينفذان أمرا حتى يأخذ رأيه فيه و من الطبيعي ان ذلك الأمر مما يتعلق باحكام الدين.

و في هذا المقطع انه لو وجدت بعض فضائل الامام امير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل من المسلمين لكان أهلا ليتقلد الخلافة و الامرة على المسلمين هذا بعض ما قاله المأمون في هذا المقطع و لنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول: ثم نحن و هم يد واحدة- كما زعمتم- حتى قضى اللّه تعالى بالأمر إلينا فأخفناهم و ضيقنا عليهم و قتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم و يحكم ان بني أميّة انما قتلوا من سلّ منهم سيفا و انا معشر بني العباس قتلناهم جملا فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت و لتسألن نفوسا ألقيت في دجلة و الفرات و نفوس دفنت ببغداد و الكوفة احياء هيهات انه من عمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال‏ ذرة شرا يره.

عرض هذا المقطع إلى بعض ما جرى على آل النبي (صلى الله عليه واله) من الماسي من حكام بني العباس فقد جاهدوا على ظلمهم و تصفيتهم جسديا يقول المنصور الدوانيقي للامام الصادق (عليه السّلام): لاقتلنك و لاقتلن أهلك حتى لا أبقي منكم قامة سوط .

و قال المنصور: قتلت من ذرية فاطمة الفا أو يزيدون و تركت سيدهم و مولاهم جعفر بن محمد.

و قال اسماعيل الديباج عند ما هرب من المنصور:

لم يروه ما أراق البغي من دمنا           في كل أرض فلم يقصر من الطلب‏

و ليس يشفي غليلا في حشاه سوى‏      أن لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي‏

 و قد عرض المأمون إلى الوان رهيبة مما صبه العباسيون على السادة العلويين من الماسي و التي منها:

أ- ابادة العلويين جملا.

ب- القاؤهم و هم احياء في حوض دجلة و الفرات حتى ماتوا غرقا.

ج- دفنهم و هم احياء في بغداد و الكوفة.

الى غير ذلك من صنوف الارهاق و التنكيل الذي عاناه ابناء النبي (صلّى اللّه عليه و آله) من العباسيين و لنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة: و أما ما وصفتم في أمر المخلوع و ما كان فيه من لبس فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم اذ هونتم عليه النكث و زينتم له الغدر و قلتم له: ما عسى أن يكون من أمر أخيك و هو رجل مغرب و معك الأموال و الرجال نبعث إليه فيؤتى به فكذبتم و دبرتم و نسيتم قول اللّه تعالى: {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60] و اعرب المأمون- في هذا المقطع- عن الاحداث التي جرت بينه و بين أخيه الأمين و انها تستند إلى العباسيين فهم الذين حببوا إليه خلع المأمون و النكاية به و لم يكن ما وقع عن رأي الأمين و تدبيره و هذا فصل آخر من هذه الرسالة: و أما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا فما بايع له المأمون إلّا مستبصرا في أمره عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا و لا اظهر عفة و لا اورع ورعا و لا أزهد زهدا في الدنيا و لا اطلق نفسا و لا ارضي في الخاصة و العامة و لا أشد في ذات اللّه منه و ان البيعة له لموافقة رضى الرب عزّ و جلّ و لقد جاهدت و ما أجد في اللّه لومة لائم.

و لعمري لو كانت بيعتي محاباة لكان العباس ابني و سائر ولدي أحب إلى قلبي و احلى في عيني و لكن اردت أمرا و اراد اللّه امرا فلم يسبق أمري أمر اللّه.

و حكى هذا المقطع بيعته للامام الرضا (عليه السّلام) بولاية العهد و انها لم تكن محاباة أو اندفاعا وراء العواطف و الأهواء و انما كانت عن اجتهاد و تبصر و تدبر في أمور المسلمين و ذلك لما يتمتع به الامام العظيم من الصفات الرفيعة و التي منها:

أ- ان الامام أفضل انسان على وجه الأرض.

ب- إن الامام اعف انسان.

ج- الورع عن محارم اللّه.

د- اجماع المسلمين على تعظيمه و تقديمه بالفضل على غيره.

هـ - انه (عليه السّلام) لا تأخذه في اللّه لومة لائم.

و هذه الصفات هي التي دفعت المأمون إلى البيعة للامام بولاية العهد و لنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول: و أما ما ذكرتم مما مسكم من الجفاء في ولايتي فلعمري ما كان ذلك إلّا منكم بمظافرتكم علي و مما يلتكم إياه فلما قتلته و تفرقتم عباديد فطورا اتباعا لابن أبي خالد و طورا أتباعا لاعرابي و طورا اتباعا لابن شكلة ثم لكل من سل سيفا علي و لو لا ان شيمتي العفو و طبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحدا فكلكم حلال الدم محل بنفسه.

و أعرب المأمون عن الجفاء و الحرمان الذي لحق بالعباسيين في عهده فانهم هم السبب في ذلك فقد أيدوا الأمين و ناصروه و لما قتل انضموا إلى كل من أعلن‏ التمرد على حكومته امثال ابراهيم بن شكلة و غيره و بذلك فقد ملأوا قلب المأمون حقدا عليهم و لو لا ان طبيعته التجاوز- كما يقول- لما ابقى عباسيا على وجه الارض و هذا فصل آخر من رسالته يقول: و أما ما سألتم من البيعة للعباس ابني أ تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ويلكم إن العباس غلام حدث السن و لم يؤنس رشده و لم يمهل وحده و لم تحكمه التجارب تدبره النساء و تكفله الاماء ثم لم يتفقه في الدين و لم يعرف حلالا من حرام إلّا معرفة لا تأتي به رعية و لا تقوم به حجة و لو كان مستأهلا قد احكمته التجارب و تفقه في الدين و بلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا و صرف النفس عنها ما كان له عندي إلّا ما كان لرجل من عك و حمير فلا تكثروا من هذا المقال فان لساني لم يزل مخزونا عن امور و انباء كراهية أن تخنث النفوس عند ما تنكشف علما بأن اللّه بالغ أمره و مظهر قضاه يوما.

فاذا أبيتم إلّا كشف الغطاء و قشر العظاء فالرشيد أخبرني عن آبائه و عما وجده في كتاب الدولة و غيرها ان السابع من ولد العباس لا تقوم لبني العباس بعده قائمة و لا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته فاذا اودعت فودعها و إذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلا و هيهات ما لكم إلّا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر فيحصدكم حصدا أو السفياني المرغم و القائم المهدي لا يحقن دماءكم إلّا بحقها .

و حفل هذا المقطع بذكر الاسباب التي دعت المأمون إلى عدم ترشيح ولده العباس لولاية العهد فانه لم يستجمع الشرائط التي ينبغي توفرها في ولي العهد من العلم و الفضل و التقوى و غيرها فقد كان العباس غلاما لم تهذبه الايام و لم تصقله التجارب و لم يقم على تكوينه علم أو ثقافة و انما كان صبيا تدير أموره النسوان و تدبر شئونه الامهات فكيف يصح ان يرشحه لهذا المنصب الخطير؟

و اضاف المأمون بعد هذا إلى أن الرشيد أخبره عما وجده في كتاب الدولة من أن نهاية الدولة العباسية تكون بعد الملك السابع من بني العباس و بعده لا تقوم للعباسيين قائمة.

و قد اخطأ الرشيد فقد استمرت الدولة العباسية بعد السابع من ملوكهم و كانت نهايتها على يد هولاكو التتار فقد حصد رءوس العباسيين و ازال ملكهم‏ و سلطانهم و لنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول: و أما ما كنت اردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق لها في نفسه و اختيار مني له فما كان ذلك مني إلّا أن اكون الحاقن لدمائكم و الذائد عنكم باستدامة المودة بيننا و بينهم و هي الطريق أسلكها في اكرام آل أبي طالب و مواساتهم في الفي‏ء بيسير ما يصيبهم منه .

و أعرب المأمون ان بيعته للامام الرضا (عليه السّلام) كانت من أجل صالح العباسيين ففي هذه البيعة قد حقن دماءهم و لعل سبب ذلك هو انفجار البلاد بثورات متصلة تنادي للرضا من آل محمد (صلى الله عليه واله) ليقيم في ربوع الوطن العدل السياسي و العدل الاجتماعي و حينما جاء بالامام الرضا و نصبه ولي عهده خمدت تلك الثورات و لو استمرت لقضت على الحكم العباسي و قضت على العباسيين .. و نعود لفصل آخر من هذه الرسالة يقول: و إن تزعموا أني اردت أن يؤول إليهم عاقبة و منفعة فإني في تدبيركم و النظر لكم و لعقبكم و ابنائكم من بعدكم و أنتم ساهون لاهون تائهون في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم و ما اظللتم عليه من النقمة و ابتزاز النعمة همة أحدكم أن يمسي مركوبا و يصبح مخمورا تباهون بالمعاصي و تبتهجون بها و آلهتكم البرابط مخنثون مأفونون لا يتفكر متفكر منكم في اصلاح معيشة و لا استدامه نعمة و لا اصطناع مكرمة و لا كسب حسنة يمد بها عنقه يوم لا ينفع مال و لا بنون إلّا من أتى اللّه بقلب سليم.

اضعتم الصلاة و اتبعتم الشهوات و اكببتم على اللذات فسوف تلقون غيا و ايم اللّه لربما أفكر في أمركم فلا أجد أمة من الأمم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلة من الخلال إلّا أصبت تلك الخلة بعينها فيكم مع خلال كثيرة لم اكن اظن ان ابليس اهتدى إليها و لا أمر بالعمل بها و قد اخبر اللّه تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح أنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض و قد اتخذتموهم شعارا و دثارا استخفافا بالمعاد و قلة يقين بالحساب و أيكم له رأي يتبع أو روية تنفع فشاهت الوجوه و عفرت الخدود .

لقد وصف المأمون أسرته باقبح الصفات التي لا يتصف بها إلّا اراذل البشر و شذاذ الآفاق لقد صورهم بصورة تشمئز منها النفوس و يترفع عنها أقل الناس احساسا .. و لنستمع إلى فصل آخر من رسالته يقول: و أما ما ذكرتم من العثرة كانت في أبي الحسن نور اللّه وجهه فلعمري أنها عندي للنهضة و الاستقلال الذي ارجو به قطع الصراط و الأمن و النجاة من الخوف يوم الفزع الاكبر و لا أظن عملا هو عندي أفضل من ذلك إلّا أن أعود بمثلها الى مثله و اين لي بذلك و أين لكم بتلك السعادة .

لقد رد المأمون على أسرته التي عابت عليه عقده بولاية العهد للامام الرضا (عليه السّلام) و انه قد عثر بذلك عثرة لا تغفر فأجابهم انه قد خطا بذلك خطوة كبرى لنهضة الأمة و استقلالها فقد رشح لزعامتها افضل انسان على وجه الأرض يقيم الحق و ينشر العدل و يعيد للاسلام كرامته

و هذا فصل آخر من هذه الرسالة يقول: و أما قولكم: إني سفهت آراء آبائكم و احلام اسلافكم فكذلك قال مشركو قريش: إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون ويلكم إن الدين لا يؤخذ إلّا من الأنبياء فافقهوا و ما أراكم تعقلون.

ورد المأمون بهذا الكلام على ما زعمته أسرته من أنه سفه آراء آبائه و أفسد أحلام اسلافه و ذلك ببره و احسانه إلى آل النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فان هذا المنطق الهزيل قد تمسك به المشركون من قبل حينما دعاهم الرسول الأعظم إلى كلمة التوحيد فرفضوا ذلك فقالوا: انا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون .. و لنستمع إلى الفصل الأخير من هذه الرسالة يقول: و أما تعييركم إياي: بسياسة المجوس إياكم فما اذهبكم الانفة في ذلك و لو ساستكم القردة و الخنازير و ما اردتم إلّا امير المؤمنين و لعمري لقد كانوا مجوسا فأسلموا كآبائنا و امهاتنا في القديم فهم المجوس الذين اسلموا و أنتم المسلمون الذين ارتدوا فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد فهم يتناهون عن المنكر و يأمرون بالمعروف و يتقربون من الخير و يتباعدون من الشر و يذبون عن حرم المسلمين يتباهجون بما نال الشرك و أهله من النكر و يتباشرون بما نال الاسلام و أهله من الخير منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.

و ليس منكم إلّا لاعب بنفسه مأفون في عقله إما مغن أو ضارب دف أو زامر و اللّه لو ان بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا فقيل لهم: لا تأنفوا من معايب تنالوهم بها لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعارا و دثارا و صناعة و اخلاقا.

ليس منكم إلّا من إذا مسه الشر جزع و إذا مسه الخير منع و لا تأنفون و لا ترجون إلّا خشية و كيف يأنف من يبيت مركوبا و يصبح باثمه معجبا كأنه قد اكتسب حمدا غايته بطنه و فرجه لا يبالي أن ينال شهوته بقتل الف نبي مرسل أو ملك مقرب أحب الناس من زين له معصية أو اعانه في فاحشة تنظفه المخمورة و تربده المطمورة مشتت الأحوال فان ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات و الفضائح و ما تهذرون به من عذاب السنتكم و إلّا فدونكم تعلو بالحديد و لا قوة إلّا باللّه و عليه توكلي و هو حسبي .

و انتهت هذه الرسالة و قد ادلى المأمون في أواخرها بعيوب أسرته و فضائحها و لا أعلم أن أسرة عربية قد وصمت بمثل الفضائح التي ذكرها المأمون و التي انتهت بهذه الأسرة إلى مستوى سحيق ماله من قرار.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.