أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
1177
التاريخ: 31-8-2016
1641
التاريخ: 13-6-2020
1795
التاريخ: 1-9-2016
1910
|
تخصيص العام بمخصص متصل مشتبه يخرجه من الحجية بالنسبة إلى الافراد المشتبهة سواء كانت الشبهة مفهومية: بان اشتبه مفهوم المخصص، أو مصداقية: بان اشتبه شموله لفرد بعد العلم بشمول العام له، وسواء كان التردد بين المتباينين أو بين الاقل والاكثر (ووجه ذلك) ان الظهور لا ينعقد للعام الابعد تمامية الكلام فلا مجال للتمسك به حينئذ.
(وكذا لا اشكال) في عدم جواز التمسك بالعام فيما إذا خصص بمخصص منفصل وتردد امره بين المتباينين فلا يجوز التمسك به في واحد منهما بخصوصه. (نعم) يجوز ان يتمسك به لنفى الثالث إذ عدم حجيته في هذا بخصوصه وفي ذاك بخصوصه لا ينافى حجيته في احدهما المردد، ويترتب على ذلك عدم جواز اجراء الاصل المخالف في كليهم (ولا فرق) فيما ذكرنا بين ان يكون المفهومان المتباينان متساويين بحسب المصداق وبين ان يكون احدهما اكثر مصداقا من الاخر إذا لم يتداخلا بحسب المصداق كما إذا تردد المخصص بين مفهوم له عشرة افراد وبين مفهوم له عشرون فردا مغايرة بتمامها لهذه العشرة (وبالجملة) التردد بين المتباينين بقسميه يوجب الاجمال في العام حكما كما لا يخفى. وان تردد المخصص المنفصل بين الاقل والاكثر بحيث كان الاول داخلا في ضمن الثاني فأما ان يكون الشبهة مفهومية واما ان تكون مصداقية (اما في الاولى) فيجوز التمسك بالعام في غير ما يكون الخاص حجة فيه فعلا (اعني الاقل)، فانه من باب مزاحمة الحجة باللاحجة، مثال ذلك ما إذا قال اكرم العلماء، ثم قال لا تكرم الفساق منهم وتردد الفساق مفهوما بين مرتكبي الكبيرة فقط وبين مرتكبي الصغيرة والكبيرة واما في الثانية فهل يجوز التمسك بالعام في الافراد المشكوك فيها اولا؟ فيه خلاف بين الاعلام، مثالها ما إذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق منهم وكان زيد عالما مشكوك الفسق. (واستدل) القائل بالجواز (بما حاصله) ان الحجة من قبل المولى لا تتم الا بعد ثبوت الكبرى والصغرى معا، والموجود فيما نحن فيه كبريان معلومتان:
احديهما قوله اكرم كل عالم، والثانية قوله لا تكرم الفساق من العلماء، والظهور وان انعقد لكل من العمومين ولكن فردية زيد مثلا للأول معلومة وللثاني مشكوك فيها فينضم هذه الصغرى المعلومة إلى الكبرى الاولى فينتج وجوب اكرام زيد، ولى في البين حجة تزاحمها، إذ الفرض ان فردية زيد لموضوع الكبرى الثانية مشكوك فيها، وصرف الكبرى لا تكون حجة ما لم ينضم إليها صغرى معلومة، ففي ناحية العام قد علم الكبرى والصغرى معا، وفي جانب المخصص قد علم الكبرى فقط، فالعام حجة في الفرد المشكوك فيه ولا يزاحمه حجة.
(ونظير ذلك) ما ذكره الشيخ (قدس سره) في اجراء اصل البراءة في الشبهات الموضوعية حيث قال: ان قوله لا تشرب الخمر لا يكون حجة الا على من ثبت عنده الكبرى والصغرى معا حتى ينضم احديهما إلى الاخرى، فان صرف الصغرى أو الكبرى ممالا يمكن الاحتجاج بها ما لم تنضم إلى الاخرى. هذه غاية ما يمكن ان يستدل به للجواز.
(وفيه) ان حكم المخصص لا يختص بأفراده المعلومة بل هو حكم صدر عن المولى ويكون دالا على ان كل ما هو فرد للفاسق واقعا فهو مما لم يتعلق الارادة الجدية بوجوب اكرامه وان كان مرادا بحسب الاستعمال، فيصير حجية العام مقصورة على غير من هو من افراد المخصص واقعا.
(لا نقول) ان التخصيص يوجب تعنون العام بحيث يصير الموضوع لوجوب الاكرام عبارة عن العالم الغير الفاسق بما هو كذلك.
بل نقول ان من وجب اكرامه فانم يثبت له الوجوب بما هو عالم، ولكن العلماء الفساق قد خرجوا بحسب نفس الامر بحيث لم يبق بالنسبة إليهم ارادة جدية بوجوب الاكرام وخالف فيها الجد للاستعمال، فمصداقية كل واحد منهم للعام بما هو عام وان كانت معلومة ولكن مصداقيته له بما هو حجة غير معلومة لكون حجيته مقصورة على غير من هو فاسق في متن الواقع وان شئت توضيح المطلب فنقول: ان ما ذكره المستدل من عدم حجية الكبرى بنفسها ممنوع بأطلاقه، فان الكبرى حجة بنفسها في مقام تشخيص الحكم الشرعي الكلى ولا نحتاج في ذلك إلى وجود الموضوع خارج.
(نعم) حجيتها بالنسبة إلى الخارجيات لا تتصور الا بعد تشخيص الصغرى، فهيهنا مقامان: مقام حجية العام بنفسه، ومقام حجيته بالنسبة إلى الخارجيات، والمحتاج إلى الصغرى هو الثاني دون الاول، فقول المولى: اكرم العلماء مثلا حجة على العبد ويجب عليه ان يتصدى لامتثاله وان لم يعلم وجود عالم في الخارج فيجب عليه ان يتفحص عن وجودهم وعن حال من شك في كونه منهم. (ومما يدل على ذلك) تمسكهم في عدم وجود نفس الكبرى بالاستصحاب ونحوه، فيعلم من ذلك كونها ذوات آثار فيستصحب عدمها لنفيها، ولو كانت الحجية مقصورة على صورة ثبوت الصغرى كان صرف الشك فيها كافيا ولم نحتج إلى اثبات عدمها بالاستصحاب. كيف! وهل يعذر العبد إذا سمع من المولى اكرم العلماء وشك في عالمية زيد أو في اصل وجود العالم فترك الاكرام من غير فحص عن حال زيد أو عن وجود الموضوع معتذرا بعدم ثبوت الصغرى عنده، لا والله (والسر في ذلك) ان وظيفة المولى انما هي بيان الاحكام الكلية لا تعريف الصغريات وتشخيصها، فبعد وصول الكبرى إليه قد حصل كل ما هو من قبل المولى.
(ولذلك) بعينه نستشكل على ما ذكره الشيخ (قدس سره) لأجراء البرائة العقلية في الشبهات الموضوعية، فان الظاهر عدم جريانها فيها، نعم يجرى فيه البرائة الشرعية.
(والحاصل) ان الكبرى الواصلة من قبل المولى حجة على العبد ويجب عليه التصدي لامتثالها والفحص عن وجود موضوعها من دون ان يحتاج في حجيتها إلى العلم بوجود الصغرى (نعم) في تشخيص حكم الموجود الخارجي نحتاج إلى العلم بمصداقيته لما هو عنوان الموضوع.
(إذا عرفت ما ذكرنا فنقول): ان قوله لا تكرم الفساق من العلماء وان كان كليا ولم يثبت فردية مشكوك الحكم لموضوعه، ولكنه حجة صدرت عن المولى ويكون مفاده عدم وجوب الاكرام في جميع الافراد الواقعية للفاسق فيضيق بهذه الحجة الاقوى دائرة الموضوع الجدى في حكم العام وينحصر في غير من صدق عليه عنوان المخصص واقع فكما يكون فردية مشكوك الحكم للمخصص مشكوكا فيها يكون فرديته لما هو المراد جد من العام ايضا مشكوكا فيها، فلا يتمسك بواحد منهما لأثبات حكمه وان كان كل منهما في اثبات الحكم الكلى حجة.
(فان قلت): بعد ما كان الفرد المشكوك فيه مرادا في ضمن العام بالإرادة الاستعمالية نتمسك بالقاعدة العقلائية لأثبات حكمه فانهم يحكمون بتطابق الارادة الجدية للاستعمالية ما لم يظهر الخلاف.
(قلت): ان اردت بما ذكرت اثبات الحكم للفرد المشكوك فيه بما هو مشكوك الحكم حتى يصير حكما ظاهريا (ففيه) ان الحكم الظاهري متأخر عن الحكم الواقعي بمرتبتين فلا يمكن ان يتكفل قوله اكرم العلماء بوحدته لحكمين طوليين.
وان اردت بما ذكرت اثبات الحكم للفرد المشكوك فيه لا بما هو مشكوك فيه بل بما انه فرد من افراد العام حتى يكون حكما واقعي (ففيه) ان المفروض خروج افراد المخصص رأسا من حكم العام لكونه حجة اقوى بالنسبة إلى كل ما هو فرد واقعى للفاسق مثلا، وبعدما حصل العلم بمخالفة الارادة الجدية للاستعمالية في كل ما هو فرد واقعى للمخصص كيف يمكن التمسك بأصالة التطابق في الفرد المشكوك فيه لأثبات حكمه الواقعي ،فتدبر.
ثم انه ربما يستدل لجواز التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية بوجه آخر، (وحاصله) ان لقوله اكرم العلماء مثل عموما افراديا يشمل به كل فرد من افراد العالم، واطلاقا احواليا بالنسبة إلى جميع الحالات الطارية للموضوع، فيشمل بسببه معلوم العدالة ومعلوم الفسق ومشكوكهما ويكون حجة في جميعها لولا المخصص، واما المخصص فهو حجة اقوى على خلاف العام في خصوص معلوم الفسق فيبقى معلوم العدالة ومشكوكهما باقيين تحته لعدم حجية الخاص بالنسبة اليهم (انتهى).
(اقول): قد وقع الخلط من هذا المستدل من جهة عدم احاطته بمعنى الاطلاق، وسيأتي تفصيله في مبحث المطلق والمقيد.
(واجماله) ان الاطلاق عبارة عن كون حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم وعدم دخالة حيثية اخرى فيه (وبعبارة اخرى) الاطلاق عبارة عن لحاظ حيثية الطبيعة بوحدتها موضوعة للحكم بحيث يكون النظر مقصورا على ذاتها وتكون مرسلة بالحمل الشائع عن جميع القيود كما يدل على ذلك معناه اللغوي.
(وبعبارة ثالثة) الاطلاق عبارة عن لحاظ الطبيعة بذاتها ورفض القيود والغائها بأجمعها، وليس معناه اعتبار القيود والحيثيات المتحدة ودخالتها في الموضوع حتى يصير الطبيعة في كل مورد بضميمة القيود المنضمة إليها موضوعا للحكم فيكون الموضوع مركبا من حيثيات متعددة بعدد العناوين الطارية.
(إذا عرفت هذا فنقول): معنى الاطلاق في قوله: اكرم العلماء كون حيثية العالم تمام الموضوع للحكم بحيث لا يكون لحيثية العدالة أو الفسق أو غيرهما من الحيثيات المتحدة معه دخالة في الحكم اصلا، وليس معناه وجود موضوعات متعددة كما يظهر من كلام المستدل.
(وقد تلخص مما ذكرنا) عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص، وان ما يتوهم من اثبات الحكم للمشكوك فيه بأصالة التطابق بين الارادتين أو بالإطلاق الاحوالي فاسد جدا، إذ مقتضى الاول تكفل العموم بوحدته لبيان حكمين طوليين:
واقعى وظاهري، ومقتضى الثاني كون معنى الاطلاق لحاظ القيود واعتبارها في الموضوع، وفسادهما اظهر من الشمس وابين من الامس (1) هذا.
وكان بعض مشايخنا (طاب ثراه) يستدل لعدم جواز التمسك بان التمسك بأصالة العموم وعدم التخصيص انما يصح فيما إذا شك في تخصيص العام أو علم بتخصيصه وشك في تخصيص زائد، وما نحن فيه ليس كذلك، إذ على فرض عدم التمسك بالعام في الفرد المشكوك فيه لا يلزم تخصيص زائد، فان اخراج جميع افراد الفاسق في المثال السابق بتخصيص واحد لوقوعه بكلمة واحدة وليس اخراج كل منها بتخصيص مستقل. (وذكر الشيخ قدس سره )
(على ما في تقريرات بحثه) لعدم جواز التمسك وجها آخر (وحاصله) ان التمسك بالعموم انما يصح في الشكوك التي يكون المرجع لرفعها هو الشارع كما إذا شك في تخصيص زائدا وفى اصل التخصيص، (واما) الشبهة المصداقية فليس رفعها من وظائف الشارع، إذ ما هو على الشارع انما هو بيان كلي المخصص، والمفروض انه بينه، واما ان زيدا مثلا داخل في عنوان المخصص اولا فلا يرتبط بالشارع فلا يجوز فيه التمسك بعموم كلامه.
(وينبغي التنبيه على امور):
(الاول) قال الشيخ (على ما في تقريرات بحثه) ما حاصله: ان المخصص اما ان يكون له عنوان واما ان لا يكون له عنوان: بان ثبت خروج بعض الافراد من تحت العام بلا توسط عنوان جامع بينها يكون هو الخارج حقيقة، وما لا يجوز فيه التمسك بالعام في الشبهات المصداقية هو القسم الاول دون الثاني، ثم قال : والاكثر تحقق القسم الاول في المخصصات اللفظية والقسم الثاني في المخصصات اللبية (انتهى).
(وفي الكفاية) لم يجعل الميزان ما له عنوان وما ليس له عنوان، بل قال ما حاصله: ان ما ذكرناه من عدم جواز التمسك بالعام انما هو في المخصصات اللفظية، واما اللبية فان كان المخصص من الاحكام البديهية للعقل بحيث يكون كالمتصل بالعام كان حكمه حكم المخصصات المتصلة في عدم جواز التمسك، وان لم يكن كذلك فالحق فيه جواز التمسك (والوجه في ذلك) ان في اللفظيات قد القى المولى بنفسه حجتين، وبعد تحكيم الخاص وتقديمه في الحجية بالنسبة إلى ما يشمله واقعا يصير العام كأنه كان مقصور الحجية من اول الامر وكأنه لم يكن بعام، وهذا بخلاف المخصصات اللبية فان الملقى فيها من قبل المولى حجة واحدة وهى العام فيجب العمل به ما لم يقم حجة اقوى، الا ترى انه إذا قال المولى اكرم جيراني وترك المكلف اكرام واحد منهم باحتمال عداوته للمولى صح للمولى مؤاخذته وعقوبته كما لا يخفى على من راجع السيرة والطريقة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية اصالة الظهور (انتهى).
فقد ظهر لك ان الشيخ (قدس سره) لم يفرق بين اللفظي واللبي بما هما كذلك، بل فرق بين ما إذا كان للمخصص عنوان وبين غيره، واما في الكفاية فجعل ملاك الفرق كون المخصص لفظيا أو لبيا، وغاية ما تمسك به للفرق بالأخرة هي السيرة.
(اقول): وفي كلامهما نظر (اما كلام الشيخ) فلان المخصص إذا لم يكن له عنوان فكيف يتصور له شبهة مصداقية، بل الامر يدور حينئذ بين قلة التخصيص وكثرته فيخرج من محل الكلام (واما كلام صاحب الكفاية) فلانا لا نتصور الفرق بين كون المخصص لفظيا وبين كونه لبيا بعد كون اللبي ايضا حجة، لان رفع اليد عن العام بسبب المخصص اللبي ليس الا لكونه حجة اقوى من العام، و حينئذ فيصير العام بسببه مقصور الحجية على ما بقى مثل ما ذكر في المخصص اللفظي طابق النعل بالنعل (وبالجملة) أي فرق بين ان يصدر نحو لا تكرم اعداء المولى عن نفس المولى وبين ان يحكم به العقل، بعد فرض حجيته على التقديرين، واقوائيته من العام، وكون المراد من المخصص (كيف ما كان) افراده الواقعية لا العلمية فقط - هذا.
ولقائل ان يقول : ان للحجية (كما ذكرنا سابقا) مرتبتين:
(الاولى) حجية نفس الكبريات والعمومات، وفي هذا المقام لا نحتاج إلى احراز الصغريات. (الثانية) حجيته بالنسبة إلى المصاديق، وفي هذا المقام نحتاج إلى احراز المصاديق والصغريات فلا يكون قوله: (لا تشرب الخمر) مثلا حجة بالنسبة إلى هذا الفرد الخارجي الا بعد احراز خمريته وان كان نفس الكبرى في حجيتها لا تحتاج إلى احرازها، وعلي هذا فالحكم العقلي ايضا على قسمين:
(الاول) حكم كلى لا يحتاج العقل في حكمه به إلى احراز الصغرى كحكمه بحرمة اكرام اعداء المولى.
(الثاني) حكم جزئي يحتاج في حكمه به إلى العلم بالصغرى والكبرى معا كحكمه بحرمة اكرام زيد مثلا فانه يحتاج في حكمه به إلى احراز عداوة زيد حتى تجعل هذه صغرى لحكمه الاول فينتج حرمة اكرامه.
(إذا عرفت هذا فنقول): بعد ان صدر عن المولى قوله (اكرم جيراني) يحتمل ان يكون قد اعتمد في تخصيص حكمه هذا على الحكم الثاني للعقل دون الاول، ونتيجة ذلك حجية كلامه في غير ما اخرجه العقل بحكمه الثاني المتوقف على احراز الصغرى فتصير المصاديق المشتبهة محكومة بحكم العام قهر (وبعبارة اخرى) يمكن ان يكون اكرام الجيران في نظر المولى بمثابة من الاهمية بحيث تقتضي اكرام الافراد التى يحتمل عداوتهم له ايضا احتياطا لتحصيل الواقع، وانما الذى لا يجب هو اكرام خصوص من ثبت عداوته، فاعتمد في اخراجهم على الحكم الثاني للعقل، ولا دليل على اعتماده على الحكم الاول له حتى يصير موجبا لإجمال العام.
ولا يخفى عدم جريان هذا البيان في المخصصات اللفظية، إذ الفرض ان المولى بنفسه قد القى المخصص فلا يمكن عدم اعتماده عليه بل يصير حجة اقوى في قبال العام موجبا لقصر حجيته على ما بقى تحته واقعا.
(الامر الثاني) إذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيد فانه عدو لي، واستفدنا من التعليل العموم فهل هو كالمخصص اللفظي أو يكون وزانه وزان المخصص اللبي؟ فيه وجهان، ولعل السيرة هنا على جواز التمسك كالعقلي.
(الامر الثالث) كل ما ذكرنا إلى هنا انما هو فيما إذا لم يكن كل واحد من الدليلين تام الاقتضاء متكفلا لأثبات حكم فعلى على العنوان المذكور فيه بحيث يكون هذا العنوان تمام الموضوع له، إذ في هذه الصورة يصير الحكمان متزاحمين فيجب الاخذ بكل منهم ما لم يثبت له مزاحم اقوى، ولا يجوز رفع اليد عن الحكم الفعلي باحتمال المزاحم، فإذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق واحرز كون كل من الموضوعين تمام الموضوع لحكمه لزم في الفرد المشتبه الاخذ بحكم العام فافهم وتدبر جيدا (2).
(الامر الرابع) كل ما ذكرناه انما هو فيما إذا لم يحرز عنوان المخصص اثباتا أو نفيا بأصل موضوعي، والا كان المصداق المشتبه محكوما بحكم المخصص على الاول وبحكم العام على الثاني، ففي المثال السابق ان كان لفسق زيد أو عدم فسقه حالة سابقة صح استصحابه وحكم على زيد بحكم المخصص أو العام (هذا) إذا كان المتيقن في السابق اتصاف زيد في حال وجوده بصفة الفسق أو عدمه، واما إذا لم يكن كذلك فهل يجرى استصحاب العدم الثابت قبل وجود زيد؟ فيه كلام بين الاعلام ويعبرون عن ذلك باستصحاب العدم الازلي (وتقريره) بوجهين: (الاول) ان يكون المستصحب هو العدم المحمولي اعني به مفاد ليس التامة ،(الثاني) ان يكون عبارة عن العدم الربطى اعني به مفاد ليس الناقصة، ومرادنا بالعدم الربطى ما هو الرابط في القضايا السالبة، فان التحقيق عندنا ان الرابط فيه هو نفس العدم فكما يعتبر في الموجبات وجود رابط يعبر عنه بكون الشيء شيئا فكذلك يعتبر في السوالب عدم رابط أي عدم الشيء شيئا (3)
(وما قد يتوهم) من كون مدخول السلب في السوالب عبارة عن الوجود الرابط فاسد جدا، فان المدخول له هو نفس المحمول، والعدم هو الرابط، بداهة انه لا يعتبر في القضية السالبة ازيد من تصور الموضوع والمحمول والنسبة السلبية اعني بها سلب المحمول عن الموضوع، ولا يجب ان يتصور وجود المحمول للموضوع اولا ثم يجعل مدخولا للسلب حتى يصير اجزائها اربعة: الموضوع، والمحمول، والوجود الرابط، والسلب، ويعلم ذلك بملاحظة مراد فها في الفارسية فيقال:
(زيد نيست قائم) ولا يقال: (زيد نيست هست قائم).
(والحاصل) ان وزان العدم وزان الوجود، فكما ان الوجود قد يكون محموليا كما في الهليات البسيطة، وقد يكون ربطيا كما في الهليات المركبة، فكذلك العدم قد يكون محموليا وقد يكون ربطيا، والاول في السالبة البسيطة، والثاني في السالبة المركبة (إذا عرفت هذا فنقول): استصحاب العدم الازلي (بناء على صحته) انما يجرى في كلا قسمي العدم، مثال ذلك ان الشارع حكم بان المرأة تحيض إلى خمسين ثم استثنى من ذلك القرشية فحكم بتحيضها إلى ستين، فالعام هو عنوان المرأة والمخصص هو عنوان القرشية، و حينئذ فقد يجعل المستصحب عبارة عن مفاد الهلية البسيطة اعني به العدم المحمولي فيقال: انتساب هذه المرأة إلى قريش لم يكن فيستصحب، فالمستصحب حينئذ هو عدم الانتساب المتحقق قبل وجود المرأة ، وقد يجعل المستصحب عبارة عن مفاد الهلية المركبة اعني به العدم الربطي والنعتى، فيقال: هذه المرأة لم تكن منتسبة إلى قريش فيستصحب، والمستصحب حينئذ ايضا هو العدم الثابت قبل وجود المرأة، فالقضية المتيقنة هي السالبة بانتفاء الموضوع، والمشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول، ولا يضر ذلك بالاستصحاب بعد اتحاد مفادهما عرفا (لا يقال): موضوع الحكم الشرعي هو السالبة بانتفاء المحمول فإثباتها باستصحاب اصل السلب الجامع اعتماد على الاصل المثبت (فانا نقول): لا نسلم ذلك إذ ما ذكرت موقوف على لحاظ الوجود في موضوع القضية الشرعية، ولا دليل على ذلك، بل الموضوع فيها ظاهرا هو نفس الماهية.
(نعم) هنا شيء آخر وهو ان اثبات السلب الناقص باستصحاب السلب التام يوجب العمل بالأصل المثبت، فلابد فيما إذا كان الاثر مترتبا على السلب الناقص من ان يستصحب نفسه، هذا ما ذكروه في المقام. (والظاهر) عدم صحة استصحاب العدم الازلي بكلا قسميه وانصراف لا تنقض عن مثل هذا الاستصحاب (4) فان الذى يراد استصحابه في المقام ليس نفس عدم الانتساب بل عدم انتساب هذه المرأة ، والهذية انما تعتبر عند وجود المشار إليه، ولا هذية للمرأة المعدومة فلا عرفية لهذ الاستصحاب ويكون الادلة منصرفة عنه.
وان شئت قلت: ان عدم المحمول في حال وجود الموضوع يعتبر بنظر العرف مغايرا للعدم الذى يفرض في حال عدم الموضوع، فان الموضوع للأول امر يمكن ان يشار إليه بهذا، دون الثاني، ففي الحقيقة ليس لنا متيقن مشكوك البقاء حتى يستصحب (فتبين مما ذكرنا) ان استصحاب العدم الازلي من الامور المخترعة في المدرسة، ولا اساس له عند العرف والعقلاء فافهم. (ثم اعلم) انه قال شيخنا الاستاذ (طاب ثراه) في هذا المبحث من الكفاية ما هذا لفظه:
(ايقاظ) لا يخفى ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص، بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد الا ما شذ ممكنا فبذلك يحكم عليه بحكم العام (انتهى). ثم ذكر مسألة تحيض المرأة إلى خمسين واستثناء القرشية منها.
(وذكر بعض اعاظم العصر) في بيان عدم تعنون العام ان المخصص انما يكون لإخراج الافراد الغير المرادة، واما الافراد الباقية تحت العام فهى محكومة بالحكم بما انها من افراد العام، فيكون عنوان العام بالنسبة إلى حكم الباقي تمام الموضوع من غير دخل للمخصص وجودا أو عدما في ثبوت الحكم له، فالتخصيص بمنزلة موت بعض الافراد فكما ان الموت لا يوجب تعنون الموضوع، وانما يوجب التقليل في افراده فكذلك التخصيص، (اقول): عبارة المحقق الخراساني قد توهم ما يبعد جدا ارادته من مثله، فان الظاهر منها في بادى النظر ان العام إذا اتحد مع كل عنوان سوى عنوان الخاص صار (مقيدا بهذا العنوان) موضوعا للحكم الثابت للباقي فيصير كل عنوان طار دخيلا في الموضوع فيلزم وجود موضوعات غير متناهية واحكام متعددة بعددها، وهذا واضح الفساد لا يصدر القول به عن مثله، فيجب حمل كلامه على ما حكيناه عن بعض المعاصرين، فيكون مراده ان الموضوع للحكم هو حيثية المرأة فقط في المثال، والخارج منها هو القرشية، وبعد نفى عنوانه باستصحاب العدم الازلي يكون حكم العام متبعا، ومراده قدس سره باستصحاب العدم هن استصحاب العدم المحمولي.
(ثم انه) يرد على القول بعدم التعنون وكون عنوان العام تمام الموضوع ان معنى تمامية العنوان في الموضوعية دوران الحكم مداره وجودا وعدما، والمفروض فيما نحن فيه خلاف ذلك، فان عنوان العام متحقق في ضمن افراد المخصص ايضا وليست مع ذلك محكومة بحكمه (وبعبارة اوضح) ففي مقام الثبوت والارادة الجدية اما ان يكون تمام الملاك في وجوب الاكرام مثلا هو حيثية العالمية فقط، واما ان لا يكون كذلك بل يشترط في ثبوت الحكم للعالم عدم كونه فاسقا، فعلى الاول لا معنى للتخصيص، وعلى الثاني لا يكون عنوان العام بنفسه تمام الموضوع بل يشترط في ثبوت الحكم له عدم عنوان المخصص بالعدم النعتي أو المحمولي، فعدم المخصص (اجمالا) بأحد النحوين دخيل ثبوتا، وهذا معنى التعنون وعدم كونه تمام الموضوع (ثم ان الظاهر) دخالة العدم بنحو النعتية والربطية، فان حكم المخصص ثابت لوجوده الربطي، وانتفاء الوجود الربطي بالعدم الربطي، فالتحيض إلى ستين مثلا ثابت للمرأة الموصوفة بالقرشية، وبأزاء هذا الوجود الربطي العدم الربطى، فبضم المخصص إلى العام يستظهران التحيض إلى خمسين انما يكون للمرأة الموصوفة بعدم الانتساب إلى قريش فيتعنون الموضوع بالعدم الربطي والنعتى، وقد عرفت انه لا مجال للاستصحاب في ذلك الا إذا كان بنحو الربطية متيقنا في السابق مع وجود الموضوع. (واما تنظير بعض الاعاظم) التخصيص بموت بعض الافراد فعجيب، فان انعدام بعض الافراد لا يوجب تقيدا في موضوع الحكم ولا يخرجه من كونه تمام الموضوع، وهذا بخلاف التخصيص فانه يخرجه من التمامية كما عرفت، وكيف كان فلا يعقل كون عنوان العام تمام الموضوع ثبوتا بعد ورود التخصيص عليه (نعم) لا يوجب التخصيص تقيده في مقام الاثبات، وهذا بخلاف المطلق والمقيد فان ورود المقيد يوجب تقيد المطلق في مقام الاثبات ايضا.
(الامر الخامس) قال في الكفاية (ما هذا لفظه): ربما يظهر عن بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد لا من جهة احتمال التخصيص بل من جهة اخرى كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف فيكشف صحته بعموم مثل اوفوا بالنذور فيم إذا وقع متعلقا للنذر بان يقال: وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم وكلم يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا للقطع بأنه لو لا صحته لما وجب الوفاء به، وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الاحرام والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلق بهم النذر كذلك، (والتحقيق ان يقال): انه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفلة لأحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها إذا اخذ في موضوعاتها احد الاحكام المتعلقة بالأفعال بعناوينها الاولية كما هو الحال في وجوب اطاعة الوالد والوفاء بالنذر وشبهه في الامور المباحة أو الراجحة، ضرورة انه معه لا يكاد يتوهم عاقل انه إذا شك في رجحان شيء أو حليته جاز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته.
(نعم) لا باس بالتمسك به في جوازه بعد احراز التمكن منه والقدرة عليه فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم اصلا (انتهى). (5)
(اقول): ليت شعرى على أي شيء حمل المحقق الخراساني كلام هذا البعض حيث استوحش منه وقال انه لا يكاد يتوهم عاقل ذلك، مع ان ما ذكره هذا البعض ليس الا تمسكا بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص المنفصل وقد التزم جم غفير بجوازه، فليس الالتزام به موجبا للوحشة، ولذلك اهتم المتأخرون حتى نفسه (قدس سره) بالمسألة كما مر.
(ووجه) كون ما نحن فيه من جزئيات تلك المسألة ظاهر، فان قوله اوفوا بالنذور عام، وقد خص (بسبب قوله لا نذر الا في طاعة الله) بما إذ كان متعلقه راجحا فيكون التمسك بالعام والحكم بوجوب الوفاء فيما شك في رجحانه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص (نعم) كأن غرض هذا البعض مضافا إلى الحكم بوجوب الوفاء اثبات رجحان العمل وصحته في غير مورد النذر ايضا ولكن هذا امر آخر يمكن ان يلتزم به من يعمل بلوازم العموم ومثبتاته، وكيف كان فالمسألة من جزئيات المسألة السابقة وليس الاشكال فيها من جهة كون عنوان اوليا أو ثانويا أو غير ذلك. اللهم الا ان يقال: ان وجوب الوفاء بالنذر عبارة عن وجوب الاتيان بالمنذور، والمنذور فيما نحن فيه ليس هو اتيان صورة العمل فقط، بل الوضوء الشرعي بالماء المضاف، والمفروض ان مشروعية الوضوء به وكونه وضوء شرعيا مشكوك فيه، فأثباته بعموم وجوب الوفاء بالنذور تمسك بالعام فيما شك في كونه من افراده وهو مما يجب ان يستوحش منه.
(ثم قال في الكفاية ما حاصله): ان صحة الصوم في السفر بنذره فيه وكذا الاحرام قبل الميقات فإنما هي من جهة الدليل الدال على صحتهما، هذا في مقام الاثبات، واما في مقام الثبوت فيمكن ان يكون صحتهم من جهة رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات، غاية الامر انه كان للأمر بهما ندب أو وجوبا مانع يرتفع بالنذر، كما يمكن ان يكون صحتهما من جهة صيرورتهما راجحين بسبب تعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك. ويدل على قوة الثاني ما ورد من ان الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت (6) لا يقال : لا يجدى صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما فان وجوب الوفاء بالنذر توصلي ولا شك ان الصوم والاحرام تعبديان (فانه يقال): عباديتهما ليست بالأمر النذري بل من جهة كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما ملازما لتعلق النذر بهما، هذا بناء على اعتبار الرجحان في متعلق النذر مع قطع النظر عن نفس الرجحان النذري، ولكنه يمكن ان يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهم من قبل النذر في عباديتهما بعد تعلق النذر بإتيانهما عباديا، وعدم تمكن المكلف من اتيانهما كذلك قبل النذر لا يضر بعد تمكنه منه بعده فانه لا يعتبر في صحة النذر الا التمكن من الوفاء ولو بسببه (انتهى).
(اقول): لا يخفى ان الاحرام قبل الميقات صحيح عند العامة بل يجعلونه افضل من الميقات ولكنه فاسد عندنا بالأخبار الواردة فيه، واما إذا تعلق به النذر فقد دلت الاخبار على صحته.
(ثم ان) في جعل مسئلتي الاحرام قبل الميقات والصوم في السفر مؤيدين لما نحن فيه نظر، فان الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات فاسدان قطعا، وانما يصحان في حال النذر فقط فكيف يصير صحتهما في هذه الحالة مؤيدة لصحة الوضوء، بالماء المضاف مثلا عند عدم تعلق النذر به، (نعم) يمكن ان يؤيد بها صحته في حال النذر فقط.
(وليعلم ايضا) ان ما التزمه في الكفاية اخيرا من تعلق النذر بإتيان الصوم والاحرام عباديا وكفاية نفس الامر النذري في اتيانهما كذلك يجرى فيه اشكالات باب التعبدي والتوصلى وهو قدس سره مع ايراده الاشكالات في ذلك الباب (من الدور وغيره) التزم هنا بما تجرى فيه الاشكالات بعينها فتدبر.
(الامر السادس ) ما ذكرناه سابقا من جواز التمسك بالعام أو عدم جوازه انما كان فيما إذا احرز فردية زيد مثل للعام وشك في حكمه من جهة احتمال كونه من افراد المخصص. واما إذا كان هنا عام ذو حكم وعلمنا بعدم كون زيد محكوما بحكمه، ولكن شك في كونه من افراده حتى يكون خروجه بالتخصيص، أو عدم كونه كذلك حتى يكون خروجه بالتخصص، فهل يثبت بأصالة العموم عدم كونه من افراده ويترتب عليه آثار ذلك اولا ؟ فيه كلام، (قال في الكفاية) ما حاصله بتوضيح منا: ان مثبتات الاصول اللفظية وان كانت حجة ولكن حجية اصالة العموم انما هي من باب بناء العقلاء، والمتيقن من بنائهم على العمل بها انما هو فيما إذا شك في المراد من جهة الشك في ارادة العموم، لا فيما إذا علم بالمراد وشك في كيفيتها وانه بنحو التخصيص أو التخصص (انتهى).
(اقول): قد عرفت سابقا ان استعمال اللفظ على ثلاثة انحاء:
(الاول) ان يستعمل في معناه الموضوع له ليتقرر بنفسه في ذهن السامع من جهة كونه مرادا جديا.
(الثاني) ان يستعمل فيه ليجعل معبرا يعبره ذهن السامع إلى معنى آخر يكون هو المراد جدا
(الثالث) ان يستعمل في معناه ويكون المقصود تقرر بعض المعنى في ذهن السامع ليحكم عليه وخروج بعضه الاخر من جهة عدم ارادته جدا، وهذا القسم انما يتصور فيما إذا كان للمعنى وحدة جمعية وكانت متكثرة في عين الوحدة كالعام الإفرادي أو المجموعى، والاستعمال على النحو الاول حقيقي، وعلى الثاني مجازى، وعلى الثالث لا هذا ولا ذاك وقد عرفت تفصيل الانحاء الثلاثة سابقا فراجع.
(وكيف كان) فالعام المخصص من القسم الثالث فهو ايضا يستعمل في نفس معناه الموضوع له اعني به جميع الافراد، غاية الامر انه لما كان المقصود بالحكم عليه بعض افراده اتى بالمخصص حتى يخرج بسببه الافراد الغير المرادة ويبقى الباقي فالتخصيص ليس عبارة عن تضييق المستعمل فيه، بل هو عبارة عن تضييق المراد الجدى، والمستعمل فيه ليس الا جميع الافراد، وهو وان كان معنى وحدانيا ولكنه لما كان عين الكثير خارجا كان المستعمل فيه بحسب الحقيقة هو المتكثرات، وعلي هذا فان علمنا بكون الجميع مرادا جديا ايضا فهو، والا جرى بالنسبة إلى كل فرد شك في حكمه اصالة تطابق الارادة الجدية مع الاستعمالية حتى انه لو علم بخروج بعض الافراد وشك في بعضها الاخر جرى بالنسبة إلى هذا المشكوك فيه ذلك الاصل العقلائي، فليس في العام اصل عقلائي وحداني، بل يجرى فيه اصول عقلائية متعددة بعدد افراده (وبالجملة) حجية العام تتقوم بأمرين:
(احدهما) وضعه للعموم وكونه مستعملا في العموم دائما، (والثاني) جريان الاصل العقلائي المذكور في كل فرد فرد منه بمعنى ان كل فرد علم ارادته جدا فهو، وكل ما علم عدم ارادته فلا اشكال فيه ايضا، واما كل فرد شك في حكمه فيجرى فيه اصالة التطابق، فيكون محكوما بحكم العام، فأصالة العموم اصل عقلائي مرجعه إلى استقرار سيرة العقلاء على الحكم بتطابق الارادتين وكون ما هو المراد بحسب الاستعمال مرادا جديا.
(إذا عرفت هذا) تبين لك عدم جواز التمسك بأصالة العموم لنفى فردية شيء للعام إذ لم يرد في آية أو رواية لفظ اصالة العموم حتى ينازع في انها تشمل لما نحن فيه أو تختص بصورة الشك في المراد، بل الثابت ليس الابناء العقلاء على اجراء اصالة التطابق بين الارادتين في كل فرد، ولا محالة يختص ذلك بم إذا احرز فردية شيء للمستعمل فيه وشك في كونه مرادا بحسب الجد. واما إذا شك في فردية شيء للعام مع العلم بعدم كونه محكوما بحكمه فلا مجال للتمسك بلفظ العام ولا بالأصل العقلائي لأثبات فرديته أو نفيها، فان لفظ العلماء مثل قد استعمل في جميع افراد العالم، واما ان زيدا من جعلة افراده أو لا فمما لا يتكفل له لفظ العلماء، واما الاصل العقلائي فإنما يجرى بعد احراز كونه من افراد المستعمل فيه، والمفروض كون ذلك مشكوكا فيه، مضافا إلى ان مفاد الاصل العقلائي كما عرفت تطابق الارادة الجدية للاستعمالية وكون الفرد محكوما بحكم العام، فلا مجال لان يتمسك به لنفى فرديته له، (فتلخص مما ذكرنا) ان المتحقق في العمومات امران: (احدهما) صيغة العموم المستعمل في العموم دائما، (والثاني) الاصل العقلائي الحاكم بتطابق الارادتين وهو معنى اصالة العموم، ولا يتكفل واحد من الامرين لنفى فردية شيء أو اثباتها فافهم وتأمل جيدا.
(الامر السابع) إذا قال: (اكرم العلماء) ثم قال: (لا يجب اكرام زيد) فتردد ذلك بين شخصين مسميين بزيد: احدهما عالم، والاخر جاهل، فالظاهر انه يجب العمل بعموم العام واكرام زيد العالم، إذ العام حجة ما لم ينهض في قباله حجة اقوى، والمفروض ان الفرد المرخص فيه مجمل مردد بين زيد العالم وغيره فلا حجة في البين في قبال العام.
(هذا) إذا كان الحكم الثاني ترخيصيا، واما إذا كان الزاميا كما إذا قال: لا تكرم زيدا فيقع فيه الاشكال من جهتين:
الاولى : انه هل يجب اجراء حكم العام على زيد العالم أو يكون العلم الاجمالي بحرمة اكرام احد الشخصين موجبا لإجمال العام ايضا ؟
الثانية : انه بناء على العمل بالعموم بالنسبة إلى زيد العالم هل ينحل العلم الاجمالي بسبب عموم العام ويحكم بكون المراد من زيد الذى حرم اكرامه هو الفرد الجاهل حتى يترتب عليه آثار العلم بحرمة الاكرام تفصيل أو لا ينحل؟ يمكن ان يقال : بحجية العام في الفرد العالم لعدم وجود حجة اقوى على خلافه، ولا عذر للعبد في رفع اليد عن عموم العام، هذا بالنسبة إلى الجهة الاولى، واما بحسب الجهة الثانية ففي جواز الحكم بانحلال العلم الاجمالي نظر، لما عرفت من ان الثابت من بناء العقلاء انما هو الحكم بتطابق الارادتين فيما ثبت فيه الارادة الاستعمالية، واما تكفله لنفى فردية شيء أو اثبات حكم آخر فليس ثابتا عند العقلاء، وكون الاصول اللفظية من الامارات لا يقتضى ترتيب جميع لوازمها العقلية بعد عدم بناء العقلاء على ترتيبها، هذا.
(وقال بعض أعاظم العصر ما حاصله): انه ربما يقال: ان العلم الاجمالي بحرمة اكرام زيد العالم أو الجاهل موجب لترك اكرامهما معا، ولا يكون عموم العام موجبا لانحلاله، فان دليل العموم بمنزلة الكبرى الكلية فلا يتكفل لحال الفرد، وليس حاله حال البينة القائمة على وجوب اكرام زيد العالم الموجبة لانحلال العلم، فالعلم الاجمالي موجب لسقوط العام من الحجية بالنسبة إلى زيد العالم.
(وفيه) ان العام وان لم يتكفل لحكم الفرد ابتداء ولكنه يثبت حكمه بعد انضمام الصغرى المعلومة إلى الكبرى المستفادة من دليل العام، وإذا ثبت له الحكم الوجوبي بالعموم ارتفع عنه الحكم التحريمي بالملازمة فتتعين الحرمة في الطرف الاخر لكون المثبتات من الاصول اللفظية حجة، فينحل العلم ايضا ببركة العام إذ الانحلال يتحقق اما بأثبات الحكم المعلوم بالإجمال في طرف أو بنفيه عنه انتهى.
(اقول) هذا المعاصر لم يعنون الامر السابق فكأنه كان مبناه فيه ايضا جواز التمسك بالعام لنفى فردية ما شك في فرديته له لما ذكره من حجية مثبتات الاصول اللفظية، وقد عرفت الجواب عن ذلك وان حجيتها من باب بناء العقلاء، ولم يستقر بنائهم على العمل بأصالة العموم الا فيما إذا شك في تطابق الارادتين فتدبر.
(الامر الثامن) إذا وقع الاختلاف في كون يد امينة أو عادية فالمشهور على ان القول قول مدعى الضمان وان البينة على مدعى الامانة، وحيث ان ذلك بحسب الظاهر على خلاف القواعد، إذ القاعدة تقتضي تقديم قول مدعى الامانة من جهة ان الاصل عدم الضمان، تصدى بعضهم لتصحيح فتوى المشهور، فاستدل لذلك بعموم على اليد، ونحن ايضا تمسكنا به في حواشين على العروة، ولكنه لا يخفى فساده، فان عمومه مخصص باليد الامينة، فالتمسك به في اليد المشكوك فيها تمسك بالعام في الشبهات المصداقية، وليس فتوى المشهور في هذه المسألة دليلا على اجازتهم لهذا النحو من التمسك لعدم استنادهم في هذه الفتوى إلى ذلك، (والظاهر) ان مستندهم في هذه الفتوى الروايات الواردة في المسألة وحيث لم يظفر عليها بعض المتأخرين ذكر وجوها غير مغنية، ومن الروايات رواية ابن ابي نصر عن اسحق بن عمار عن ابى الحسن الاول عليه السلام فراجع.
___________
(1) لقائل ان يقول ان اصالة الجد و التطابق بين الارادة الاستعمالية والجدية ليست من الاصول العملية حتى يكون الحكم المستفاد بسببها حكما ظاهريا محمولا على الشك، بل هي من الامارات، فان اصالة الجد في العمومات عبارة اخرى عن اصالة العموم كما لا يخفى، وهى من الامارات قطع نعم بعد تحكيم الخاص على العام ورفع اليد عنه بسببه من جهة اظهريته لا يبقى مجال للتمسك بالعام فيما احتمل خروجه منه، فان المفروض تحكيم الخاص عليه، وليس معنى التحكيم الا تقديمه في الحجية في كل ما هو فرد له فيصير النتيجة قصر حجية العام على ما بقى، وليس مفاد اصالة التطابق الا حجية العام كما عرفت، فقصر حجية العام على ما بقى مساوق لقصر اصالة التطابق عليه فيكون الفرد المشتبه شبهة مصداقية لمجرى اصالة التطابق فلا يجوز التمسك به وبعبارة اخرى اصالة التطابق من الاحكام العقلائية، فحجتيها تدور مدار اعتبارهم، والفرض انهم يحكمون الخاص في مقام الحجية على العام فيصير النتيجة تضييق مجرى اصالة التطابق في طرف العام، فالشبهة المصداقية للمخصص شبهة مصداقية لمجراها ايضا فافهم. فاتضح بذلك عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ويمكن ان يقرر الدليل عليه بوجه اخر وهو ان اصالة التطابق اصل عقلائي وليس حجيته الا من جهة السيرة فحيث اعتبروها عملنا بها وحيث ردوها أو شككنا في اعتبارهم له رددناها، وبذلك يظهر الفرق بين المخصص اللفظي واللبي ما ذكر في الكفاية، فالأقوى هو الفرق بينهما كيف، ولو لم يجز التمسك بها حتى في اللبيات لم يبق لنا عام جائز العمل، فان كل عام مخصوص عقلا بما إذا لم يزاحم ملاك حكمه بملاك اقوى واقعا، ولا حكم من الاحكام الشرعية الا ويحتمل فيه عروض ملاك اقوى يرفع به الحكم التابع للملاك الاول فافهم.
(2) ربما يقال بعدم صحة فرض التزاحم في امثال المقام مما كان العموم فيه استغراقي لعدم وجود المندوحة في مورد الاجتماع من اول الامر فيكون التنافي في مقام الجعل ولا بدفيه من الكسر والانكسار في مقام الجعل وانشاء حكم واحد لما هو الاقوى منهما ملاك (نعم) إذا كان العموم في احدهما بدليا كان من باب التزاحم لكون التصادم في مقام الامتثال، ولتحقيق المطلب محل آخر فتدبر.
(3) اقول: هذا ما اختاره بعض المتأخرين، وذهب القدماء من القوم إلى ان القضية السالبة لا تشتمل على النسبة بل يكون مفادها سلب النسبة وقطعها لا بان تعتبر اولا بين الطرفين نسبة ثبوتية ثم ترفع وتسلب، بل السلب عندهم يتوجه اولا إلى نفس المحمول، ولكن سلب المحمول عن الموضوع عبارة اخرى عن سلب الانتساب بينهما كما ان الموجبة لا يعتبر فيها أو لا نسبة ثبوتية ثم تثبت للموضوع بل يثبت فيها اولا نفس المحمول للموضوع، ومع ذلك يقال ان فيه ايجاب النسبة وايجادها (والسر في ذلك) ان النسبة معنى حرفي إلى فلا يتعلق بها لحاظ استقلالي الا بنظر ثانوي مساوق لخروجها من كونها نسبة بالحمل الشائع، فالذي يتوجه إليه الذهن اولا ويراه مفادا للقضية انما هو اثبات شيء لشيء أو سلبه عنه، ثم بالنظر الثانوي يرى ان الموجبة تشتمل على نسبة وارتباط بين الموضوع والمحمول والسالبة لا تشتمل الا على سلب النسبة والارتباط، لا على ارتباط يكون بنفسه امر عدميا. هذا بعض ما قيل في المقام وتحقيق المطلب خارج من عهدة فن الاصول. و ربما يستشكل على مبنى سيدنا الاستاذ (مد ظله العالي) بان المراد بالعدم الرابط ان كان صورته الذهنية المتحققة في القضية الذهنية، ففيه انها ليست عدما بالحمل الشائع بل هو امر موجود في الذهن، وان كان المراد به ما به يرتبط الموضوع والمحمول في الخارج نظير الكون الرابط في الموجبات المركبة (ففيه) ان مقتضى ذلك هو ان يتحقق في الخارج امر يكون حقيقة ذاته العدم والبطلان ويكون مع ذلك رابطا بين الموضوع والمحمول، وهذا واضح الفساد، مع انه من الممكن ان لا يكون شيء من الطرفين موجودا في الخارج كما في السالبة بانتفاء الموضوع، فيلزم على هذا ان يتحقق في الخارج عدم رابط بين عدمين، وفساد هذا اوضح من السابق. (لا يقال): مقتضى ما ذكرت ان لا تكون السالبة مشتملة على النسبة مع ان تقوم القضية بالنسبة (فانا نقول) لا نسلم توقفها مطلقا على النسبة بل هي امر يتقوم ويتحقق اما بالنسبة أو بسلبها فمفاد الموجبة تحقق الارتباط بين الطرفين، ومفاد السالبة عدم تحققه بينهما.
(4) لا يخفى ان سيدنا الاستاذ مد ظله العالي لا يريد انكار الاستصحاب العدمي مطلقا كما قد يتوهم من منعه استصحاب العدم المحمولي ايضا في المقام، بل مراده انكاره فيما إذا كان العدم مضافا إلى مفهوم لا يعتبر الا عند الوجود كمفهوم الهذية فلا عرفية للاستصحاب حينئذ سواء في ذلك العدم الربطي والمحمولي.
(5) ربما يقرر مقصود صاحب الكفاية (قدس سره) بان المنذور في المثال ليس هو صرف الغسلات بل ما يكون وضوء شرعيا، والقدرة عليه انما هو بعد تشريع الشارع اياه، والمفروض انه مشكوك فيه، فالشك انما يكون في القدرة وهى مما لا يمكن اثباتها بالعموم وان قلن بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص (انتهى):
(اقول): هذا صحيح لو لم يكن جعل القدرة بيد الشارع، واما إذا كان بيده كما فيما نحن فيه امكن التمسك بعموم اوفوا بالنذور واستكشاف تشريعه له بدلالة الاقتضاء (نعم) لا يجوز التمسك نظرا إلى ورود المخصص فليس الاشكال في المسألة زائدا على اشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، هذا، والظاهر ان نظر صاحب الكفاية قدس سره في المقام إلى امر آخر وهو ان جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية بناء على القول به انما هو فيما إذا ثبت الحكم لنفس عنوان العام ثم طرء عليه تخصيص فحينئذ يمكن ان يقال بجواز التمسك به في الافراد المشكوك فيها نظرا إلى ان شمول عنوان العام لها قطعي وشمول عنوان المخصص مشكوك فيه فرفع إليه عنه بسببه من قبيل رفع اليد عن الحجة باللاحجة، واما إذا لم يكن الحكم من اول الامر ثابتا لنفس عنوان العام بل اخذ ولو بدليل منفصل مع بعض الخصوصيات ومعنونا بعنوان خاص ثبوتي موضوعا للحكم وكان تحقق هذا العنوان الخاص مشكوكا فيه فإثباته بعموم الحكم غير معقول، إذ الفرض ثبوت الحكم لعنوان خاص، وهو في العموم والخصوص تابع لموضوعه، ومثال النذر من هذا القبيل، فان قوله اوفوا بالنذور وان كان بحسب الصورة عاما ولكنه اخذ في موضوعه بدليل منفصل خصوصية رجحان المتعلق فوجوب الوفاء ثابت لخصوص ما كان راجحا، فإثبات الرجحان بعموم الوفاء من قبيل اثبات الموضوع بحكم نفسه وهو محال كما لا يخفى.
(6) ويضعف الاول ايضا بانه يلزم عليه كونهما مشروعين قبل تعلق النذر بهما ايضا لوجود الملاك.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|