المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



المطلق والمقيد  
  
1464   09:58 صباحاً   التاريخ: 8-8-2016
المؤلف : حسين البروجردي الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأصول
الجزء والصفحة : ص.331
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

(اعلم) انهم قسموا اللفظ إلى المطلق والمقيد، وعرفوا المطلق بانه ما دل على شايع في جنسه والمقيد بخلافه.

(والظاهر من التعريفين) ان الاطلاق والتقييد عندهم وصفان لنفس اللفظ ولكن بلحاظ المدلول، فان كان مدلول اللفظ شايعا سمى اللفظ مطلقا وان لم يكن كذلك سمى اللفظ مقيدا.

(ثم لا يخفى) ان ظاهر كلامهم ايضا كون التقسيم للفظ في حد ذاته مع قطع النظر عن تعلق حكم به، فيوجد القسمان في الالفاظ وتتصف بالوصفين سواء كان في البين حكم ام لا، فيتحقق في الالفاظ نوعان متمايزان: نوع مطلق، ونوع مقيد، نظير انقسام الكلمة إلى الاسم والفعل والحرف.

(وهذا فاسد جدا) فان اللفظ في حد ذاته لا يتصف بالإطلاق والتقييد بل التقسيم اليهما والاتصاف بهما بلحاظ الحكم، فاللفظ الذى يكون لمدلوله شياع وانتشار ذاتا إذا صار موضوعا لحكم من الاحكام (سواء كان حكما وضيعا ام تكليفيا) فان كان تمام الموضوع لهذا الحكم سمى مطلقا، وان لم يكن تمام الموضوع لهذ الحكم بل كان في مقام الموضوعية مقيدا بقيود سمى مقيدا، فالرقبة مع كونها لفظ واحدا ان جعلت تمام الموضوع للحكم اتصفت بالإطلاق، وان جعلت مقيدة بقيد موضوعا له اتصفت بالتقييد، فالرقبة في قولنا: اعتق رقبة مطلقة، وفي قولنا: اعتق رقبة مؤمنة مقيدة، فاللفظ الواحد يمكن ان يتصف بالإطلاق بلحاظ حكم، وبالتقييد بالنسبة إلى حكم آخر، وحيث ان الموضوع للحكم حقيقة هو نفس المدلول، واللفظ يكون موضوعا في القضية الملفوظة فلا محالة يكون الاطلاق والتقييد اولا وبالذات وصفين لنفس المعنى الذى له شيوع افرادي أو أحوالي، وبتبع المعنى يتصف اللفظ بهما (وكيف كان) فالاتصاف بهم انما يكون بلحاظ الموضوعية للحكم فان لوحظ تمام الموضوع له من دون أن يؤخذ معه حيثية اخرى اتصف بالإطلاق والا فبالتقييد، وكلاهما وصفان لمعنى واحد كالرقبة مثلا، ففي قول الشارع أعتق رقبة مؤمنة ما يتصف بالتقييد هو نفس الرقبة من جهة صيرورة حيثية الايمان قيدا له في مقام الموضوعية للحكم، لا الرقبة المؤمنة، بل الرقبة المؤمنة تتصف بالإطلاق بالنسبة إلى قيود اخر يمكن ان تؤخذ في الموضوع.

وقد انقدح بذلك أن المعنى إذا لم يكن له شيوع افرادي ولا انتشار أحوالي فلا يتصف بالوصفين اصلا، وان كان له شيوع افرادي أو أحوالي وصار موضوعا لحكم فان لوحظ في مرتبة جعله موضوعا كونه تمام الموضوع له سمي مطلقا والا فمقيدا، (وعلي هذا) فمثل الاعلام الشخصية ايضا باعتبار حالاتها المختلفة يمكن ان تتصف بالإطلاق والتقييد ولكن بلحاظ موضوعيتها للحكم، فزيد في قول المولى:

(اكرم زيدا) مطلق، وفي قوله: (أكرم زيد الجائى) مقيد.

وقد ظهر بما ذكرن ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من قبيل تقابل الاعدام والملكات، إذ كلاهما وصفان لماله شأنية التقييد، لكن التقييد عبارة عن ضم حيثية اخرى إليه في مقام الموضوعية للحكم، والاطلاق عبارة عن عدم تقييد ماله شأنية التقييد وقابليته. ثم انهم مثلوا للمطلق بامثلة وذكروا منها اسماء الاجناس كانسان ورجل وفرس وامثال ذلك. (وقال في الكفاية ما حاصله): ان الموضوع له لاسم الجنس هو نفس المهية المبهمة المهملة وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء اصلا ولو كان ذلك الشيء هو الارسال، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذى هو الماهية اللابشرط القسمي (انتهى).

(اقول): اعلم انهم قسموا الماهية إلى ثلاثة اقسام: اللابشرط ، والبشرط شيء والبشرط لا، وقالوا في بيان ذلك: انه ان لوحظ نفس الماهية من دون ان يلحظ معها شيء آخر من القيود الوجودية والعدمية سميت باللابشرط، وان لوحظت مقيدة بوجود شيء معها سميت بالبشرط شيء، وان لوحظت مقيدة بعدم كون شيء معها سميت بالبشرط لا ، (ثم قالوا) ان البشرط لا ليست موجودة في الخارج لكونها معراة من جميع ما يكون وراء ذاتها حتى الوجود الخارجي والذهني، ونفس لحاظها وان كان وجودا ذهنيا لها، ولكن هذ الوجود مغفول عنه، وما هو متعلق اللحاظ هو نفس الماهية المعراة، نظير شبهة المعدوم المطلق حيث اجابوا عنها بكونها معدوما بالحمل الاولى الذاتي وموجودا في الذهن بالحمل الشايع ولكن وجوده في اللحاظ الاول مغفول عنه.

(وكيف كان) فالماهية التي تكون بشرط لا ليست موجودة، والبشرط شيء موجودة، وكذلك اللابشرط بمعنى نفس الماهية لتحققها في ضمن البشرط شيء وحملها عليها.

(ثم انهم) توجهوا إلى انه لابد في التقسيم من مقسم يوجد في جميع الاقسام ويغاير كل واحد منها، وفيما نحن فيه يكون المقسم هو نفس الماهية وهى بعينها جعلت قسما أو لا فاتحد القسم والمقسم، فتصدى بعضهم للجواب عن ذلك فقال: ان المقسم نفس الماهية، والقسم الاول هو الماهية المقيدة بكونها لا بشرط، ويسمى الاول باللابشرط المقسمي والثاني باللابشرط القسمي. (ثم اختلفوا) في ان الكلي الطبيعي (اعني ما هو معروض وصف الكلية) هو اللابشرط المقسمي أو القسمي، بعد الاتفاق على عدم كونه عبارة عن القسمين الاخيرين، فممن قال بكونه عبارة عن اللابشرط المقسمي صاحب المنظومة (قدس سره) وممن قال بكونه عبارة عن القسمي المحقق الطوسي (قدس سره) في التجريد.

 ثم سرى هذا البحث تدريجا إلى الاصول فوقع البحث في ان اسم الجنس الذى يعد من مصاديق المطلق وضع لنفس المهية من حيث هي اعني اللابشرط المقسمي ام للطبيعة الملحوظ معها عدم لحاظ شيء معها اعني اللابشرط القسمي، هذا ما ذكروه في المقام.

(ونحن نقول): ما دعى القوم إلى تقسيم الماهية انما هو تعيين ما يعرضه وصف الكلية اعني الكلى الطبيعي وبيان انه موجود في الخارج ام لا، فانهم لما رأوا ان الماهية يمكن ان توجد في الذهن وحدها، ويمكن ان توجد فيه مقيدة بوجود شيء معها، ويمكن ان توجد فيه مقيدة بان لا يكون معها شيء، فلا محالة احتاجوا إلى تحقيق الاقسام الثلاثة الموجودة في الذهن حتى يتبين ان ما هو معروض وصف الكلية في الذهن وما وقع النزاع في وجوده في الخارج أي قسم من الاقسام الثلاثة، وعلي هذا فليس التقسيم (حقيقة) لنفس الماهية ولو في ظرف الخارج، بل التقسيم انما يكون للماهية في ظرف لحاظها فانه ظرف عروض وصف الكلية، فالتقسيم اولا وبالذات لنفس اللحاظ والاعتبار اعني الوجود الذهني، وينسب إلى الماهية الموجودة بهذا اللحاظ ثانيا وبالعرض، فالمقسم ليس نفس الماهية من حيث هي هي، بل المقسم هو لحاظ الماهية واعتبارها وينقسم هذا المقسم إلى اقسام ثلاثة:

(الاول) ان يتعلق اللحاظ بالماهية فقط بحيث لا يتعدى اللحاظ من نفس الماهية إلى شيء آخر من القيود الوجودية والعدمية

(الثاني) ان يتعلق بالماهية المقيدة بشيء وراء ذاتها، فقد تعدى اللحاظ في هذا القسم من نفس الماهية إلى احد من قيودها فصار ملحوظ معها.

(الثالث) ان يتعلق بالماهية المقيدة بعدم كون شيء (مما هو وراء ذاتها) معها، ففد تعدى اللحاظ في هذا القسم ايضا من نفس الماهية إلى امر آخر وراء ذاتها وهو عدم كون شيء معها، فالملحوظ في القسم الاول هو نفس الماهية، وفي القسم الثاني والثالث هو الماهية مع شيء آخر وجودي أو عدمي.

(وبهذا البيان) يختلف المقسم والاقسام، فان المقسم هو اعتبار الماهية ولحاظها، والقسم الاول هو لحاظ الماهية حالكون اللحاظ مقيدا بعدم تعديه من نفس الماهية إلى امر آخر، والقسم الثاني هو لحاظها حالكون اللحاظ مقيدا بتعديه من الماهية إلى احد من قيودها وحالاتها، والقسم الثالث هو لحاظها حالكون اللحاظ مقيدا بتعديه من الماهية إلى عدم كون شيء معها، فنفس اللحاظ هو المقسم، وفي كل واحد من الاقسام الثلاثة قد انضم إليه قيد به امتاز القسم من المقسم، واما الملحوظ ففي القسم الاول هو نفس الماهية، وفي القسم الثاني هو الماهية مع احد من قيودها الوجودية، وفي القسم الثالث هو المهية مع عدم كون شيء معها، ففي كلا القسمين الاخيرين يتعدى اللحاظ من الماهية إلى شيء آخر.

(وبالجملة) ليس التقسيم لنفس الماهية إذ هي ليست الا قسما واحدا وهو الماهية البشرط شيء فانها التي تتحقق في الخارج، بل التقسيم لاعتبار الماهية ولحاظها، ولأجل ذلك اشتهر بينهم ان اعتبارات المهية ثلاثة، وعلي هذا فليس هنا لا بشرطان قسمي ومقسمي كما توهموه (وحيث عرفت) ان تقسيم لحاظ الماهية انما هو لبيان ان معروض وصف الكلية في الذهن هو الملحوظ بأي قسم من اللحاظات الثلاثة، وعرفت ايضا ان الملحوظ في القسم الاول هو نفس الماهية بخلاف القسمين الاخرين، فلا محالة يجب الاذعان بان الكلى الطبيعي (اعني ما يعرضه وصف الكلية في الذهن) هو الملحوظ في القسم الاول اعني نفس الماهية، وان شئت قلت: ان الكلى الطبيعي هو القسم الاول ولكن مع حذف اللحاظ واعتبار الملحوظ فقط. واما على مذاق من جعل التقسيم لنفس الماهية وجعل المقسم نفسها والقسم الاول عبارة عن الماهية المقيدة بكونها لا بشرط فلا محالة يتعين الكلى الطبيعي في المقسم كما هو واضح فتدبر (1)

(هذا كله) فيما يرجع إلى اعتبارات الماهية، وإذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما كنا فيه

(فنقول): ان الطبيعة الواقعة موضوعة للحكم قد يكون جميع افرادها متساوية النسبة بلحاظ هذا الحكم فيكون ثابتا لجميع الافراد وساريا بسريان الطبيعة، وقد لا يكون كذلك بل يكون الحكم ثابتا لبعض الافراد، فعلى الاول تتصف الطبيعة بالإطلاق وعلى الثاني بالتقييد، فهذا في الجملة مما لا اشكال فيه.

انما الاشكال في ملاك الاطلاق والتساوي المذكور بحسب مقام الثبوت والجعل، فالمستفاد من كلام الشيخ قده وجملة ممن تبعه ان ملاك الاطلاق والتساوي انما هو لحاظ السريان، وملاك التقييد لحاظ الطبيعة مع قيد ينضم إليها، وبالجملة يتوقف كل منهما على اللحاظ، (قال الشيخ) قدس سره (على ما في تقريرات بحثه) في مقام بيان الماهية الملحوظة بشرط شيء ما حاصله: انه قد تلاحظ الماهية مع قيد آخر ينضم إليها وان كان ذلك القيد هو السريان الذى بلحاظه يشمل الحكم جميع الافراد وتسمى الماهية حينئذ بالبشرط شيء (انتهى).

فمحصل كلام هؤلاء ان اسم الجنس مثلا موضوع للمهية من حيث هي هي، وهى بذاتها مهملة فلابد في كونها مطلقة بحيث يسرى الحكم بسرايتها، من لحاظ الشيوع والسريان في مقام جعله موضوعة للحكم، فالشياع والسريان كالعرض المفارق للماهية يتوقف ثبوته لها على اللحاظ فيكون كل واحد من الاطلاق والتقييد امرا وجوديا يتصف به اللفظ ، فاللفظ إذا واقع موضوعا للحكم فان لوحظ سريان مدلوله ووضع الحكم على الطبيعة السارية سمى مطلقا، وان انضم إليه قيد آخر وراء السريان بحيث يمنعه عن السريان سمى مقيدا هذا بحسب مقام الثبوت.

واما في مقام الاثبات فيتوقف احراز الاطلاق على وجود دليل يحرز بسببه لحاظ السريان كمقدمات الحكمة مثلا. (فحاصل كلام القوم) يرجع إلى دعاوى اربع :

(الاولى) ان اسم الجنس مثلا موضوع للماهية المهملة .

(الثانية) ان السريان خارج من ذاتها ويكون بالنسبة إليها كالعرض المفارق.

(الثالثة) ان ثبوت السريان لها بحسب مقام الثبوت وجعل الحكم يتوقف على لحاظه.

(الرابعة) ان احراز الاطلاق في مقام الاثبات يتوقف على احراز هذا اللحاظ.

هذه خلاصة مغزاهم في باب الاطلاق (وفيه نظر) بداهة ان السريان امر ذاتي للطبيعة لا يحتاج إلى لحاظ وراء لحاظ نفس الطبيعة، إذ ليس المراد بالشياع والسريان الا حكاية الطبيعة لمصاديقها واتحادها معها خارجا، والطبيعة بذاتها تحكى مصاديقها بما هي وجودات لها، ولا يعقل انفكاك هذه الخاصية من الطبيعة، لا اقول : ان مفهوم السريان مأخوذ في الطبيعة، بل اقول انه من قبيل الخارج المحمول المنتزع عن نفس الطبيعة بل احتياج إلى لحاظ امر وراء لحاظ نفس الطبيعة، فالسريان ذاتي للطبيعة بهذا المعنى، بل لحاظ مفهوم السريان وضمه إلى الطبيعة مما يخرجها من السريان لكونه قيدا ذهنيا كما لا يخفى.

(وبالجملة) ليس ملاك الاطلاق ثبوتا لحاظ سريان الماهية قيدا لها، ولا لحاظها في حال السريان، بل الملاك في الاطلاق والتقييد هو ما اشرنا إليه في صدر المبحث: من ان الطبيعة الواقعة موضوعة للحكم ان كانت تمام الموضوع لهذا الحكم بحيث كان الملحوظ في مقام الموضوعية هو نفس حيثية الطبيعة من دون ان يؤخذ معها حيثية اخرى سميت مطلقة، وان لم تكن كذلك بل انضم إليها امر آخر وكان كل منهما دخيلا في الموضوعية سميت مقيدة، فملاك الاطلاق وتساوى نسبة الافراد في الحكم عبارة عن كون نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع بحيث لم يلحظ امر وراء ذاتها وان كان هذا الامر هو السريان، فإذا جعل نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع فبسريانها الذاتي إلى جميع وجوداتها يسرى الحكم ايضا إليها، وملاك التقييد عبارة عن عدم كون نفس الحيثية تمام الموضوع بل هي مع قيد آخر يمنع عن سراية الحكم بسراية الطبيعة، فالمولى قد يرى ان تمام غرضه يحصل بعتق الرقبة مثلا من دون ان يكون لحيثية اخرى دخل في متعلق غرضه فيجعل نفس طبيعة الرقبة موضوعة لحكمه وتسمى الرقبة حينئذ مطلقة، وقد يرى ان تمام غرضه انما يحصل بعتق الرقبة المؤمنة فيكون لحيثية الايمان ايضا دخالة فيه فيجعل الموضوع عبارة عن الرقبة المؤمنة فيصير الرقبة جزء للموضوع وتسمى الرقبة حينئذ مقيدة، (نعم) مجموع الرقبة المؤمنة ايضا مطلقة بالنسبة إلى القيود التى يمكن ان تنضم إليها، وعلى ما ذكرنا فلا يكون ملاك الاطلاق امرا وجوديا بل يكون امرا عدمي اعني به عدم لحاظ حيثية اخرى وراء حيثية الطبيعة، واطلاق لفظي الاطلاق والتقييد في المقام ليس من باب اصطلاح خاص بل هو باعتبار معناهما اللغوي، فان الاطلاق بحسب اللغة هو الارسال ويعبر عنه بالفارسية (رها كردن)، وفى مقابله التقييد ومعناه جعل الشيء في قيد ويعبر عنه بالفارسية (زنجير كردن)، والرقبة في اعتق رقبة تكون مرسلة أي غير مقيدة، وفي اعتق رقبة مؤمنة تكون في قيد.

(فان قلت) : ان جعل الحكم على نفس الطبيعة اعم من كونه تمام الموضوع إذ لعلها مهملة فلابد في الاطلاق من لحاظ السريان (قلت) : الاهمال انم يتصور في مقام الاثبات ولسنا فعلا بصدد بيان ما هو ملاك الاخذ بالإطلاق في مقام الاثبات، إذ الكلام يأتي فيه عن قريب، بل الكلام فعلا انما هو في مقام الثبوت وجعل الحكم، ومعلوم ان جاعل الحكم للرقبة مثلا قد يجعله لها بحيث لا يلاحظ حين الجعل امرا وراء هذه الحيثية، وقد يجعله للرقبة مع قيد آخر، ولا يعقل الاهمال في مقام الثبوت فتأمل. (2)

" فذلكة " قد اتضح لك من جميع ما ذكرناه امور:

(الاول) ان الاطلاق والتقييد وصفان للمدلول فانه الموضوع للحكم حقيقة، وانما يتصف بهما اللفظ بالعرض والمجاز.

(الثاني) ان الاتصاف بهما انما يكون بلحاظ الموضوعية للحكم، والا فنفس المفهوم مع صرف النظر عن كونه موضوعا لحكم من الاحكام لا يتصف بالإطلاق ولا بالتقييد.

(الثالث) ان المهم في مبحث المطلق والمقيد ليس بيان مفهوم المطلق والمقيد بل بيان ما يتصف بهما من المفاهيم وبعبارة اخرى المقصود بيان ما هو المطلق أو المقيد بالحمل الشايع، لا بيان المطلق أو المقيد بالحمل الاولى الذاتي.

(الرابع) ان الطبيعة الواقعة موضوعة للحكم انما تتصف بالإطلاق إذا كانت جميع افرادها متساوية النسبة بحسب هذا الحكم بحيث يسرى الحكم إلى جميع الافراد، وتتصف بالتقييد إذا لم تكن كذلك.

(الخامس) ان تمام الملاك في حصول هذا التساوي وعدمه عبارة عن كون نفس هذه الحيثية تمام الموضوع للحكم أو كونها مع قيد آخر تمامه، هذا كله بحسب مقام الثبوت واما في مرحلة الاثبات فان كان الحكم في لسان الدليل مجعولا على الطبيعة مع قيد آخر وجب الحكم بتقيدها الا ان يثبت من الخارج عدم دخالة القيد، وان كان مجعولا على نفس الطبيعة وعلمنا بكونها تمام الموضوع وجب الحكم بإطلاقها، وان شككنا في ذلك: بان احتملنا دخالة قيد زائد في الموضوعية وان ترك المولى لذكره كان من جهة عدم كونه في مقام بيان تمام الموضوع لحكمه، فحينئذ يقع البحث في أنه هل يكون لن طريق لأحراز الاطلاق أو لا ؟ (وقبل الورود) في هذا المبحث يجب أن نشير إلى أن التقييد هل يوجب المجازية كما نسب إلى المشهور أو لا؟ (فنقول): ان توهم المجازية اما بتخيل كون السريان مأخوذا في الموضوع له والتقييد يوجب الغائه فيصير اللفظ الموضوع للكل مستعملا في الجزء، واما بتخيل كون المطلق بعد التقييد مستعملا في بعض افراده كما هو الظاهر من اكثر القائلين بالمجازية. وقد خالف المشهور في القول بالمجازية سلطان العلماء فقال قده (على ما في تقريرات بحث الشيخ قدس سره ): انه يمكن العمل بالمطلق والمقيد من دون اخراج من حقيقته بان يعمل بالمقيد ويبقى المطلق على اطلاقه، فلا يجب ارتكاب مجاز حتى يجعل ذلك وظيفة المطلق، فان مدلول المطلق ليس صحة العمل بأي فرد كان حتى ينافى مدلول المقيد بل هو اعم منه ومما يصلح للتقييد بل المقيد في الواقع، الا ترى انه معروض للقيد

كقولنا: اعتق رقبة مؤمنة والا لزم حصول المقيد بدون المطلق مع انه لا يصلح لأي رقبة كانت، فظهر ان مقتضى المطلق ليس ذلك والا لم يتخلف عنه (انتهى).

(اقول): مراده (قدس سره) بالمطلق اللفظ الموضوع لنفس الطبيعة ، وغرضه بيان عدم كون التقييد مجازا من جهة كون نفس الطبيعة محفوظة حال التقييد ايضا، والدلالة على البعض من باب تعدد الدال والمدلول لا من باب استعمال المطلق في بعض الافراد، وهذا هو الحق عندنا ايضا حيث عرفت ان الاطلاق ليس بلحاظ السريان وكونه مأخوذا في الموضوع له حتى يكون التقييد موجبا لإلغائه فيصير مجازا.

(نعم) نفس حيثية الطبيعة بذاتها سارية إلى افرادها، وحينئذ فان جعلت تمام الموضوع للحكم سميت مطلقة ويسرى الحكم بسريانه الذاتي، وان لم تكن تمام الموضوع بل انضم إليها حيثية اخرى سميت مقيدة، ولا يوجب ذلك المجازية، إذ اللفظ الدال على حيثية الطبيعة لا يستعمل في البعض بل يراد منه نفس معناه، والتقيد يستفاد من القيد المنضم إليه المانع عن سريان الحكم بسريان الطبيعة.

وبالجملة نحن ايضا نوافق السلطان في عدم كون التقييد موجبا للمجازية، ولكنه مع ذلك بين كلامه قده وبين ما ذكرناه فرق بين، إذ المطلق عنده عبارة عن اللفظ الموضوع لنفس الطبيعة المهملة المحفوظة حال التقييد ايضا، فالمطلق على مذهبه باق حال التقييد ايضا على وصف الاطلاق، واما على ما ذكرناه فالطبيعة انما تتصف بوصف الاطلاق حال كونها تمام الموضوع للحكم وعدم اخذ حيثية اخرى معها، واما بعد التقييد فلا تتصف بوصف الاطلاق.

(هذا كله) بناء على عدم اخذ السريان في الموضوع له. واما بناء على اخذه فيه فالتقييد يوجب المجازية حيث انه يستلزم الغاء قيد السريان كما لا يخفى.

 (إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم) انه إذا شك في الاطلاق فعلى القول بكون التقييد مجازا كما نسب إلى المشهور يحرز الاطلاق بأصالة الحقيقة:

واما على القول بعدم المجازية كما هو الحق فلابد لإحرازه من دليل آخر، وقد ذكروا لإثباته دليلا سموه بقاعدة الحكمة وهى على ما في الكفاية تتألف من ثلث مقدمات:

(الاولى) كون المتكلم في مقام بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه لا في مقام الاهمال أو الاجمال.

 (الثانية) انتفاء قرينة توجب تعيين المراد.

 (الثالثة) انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب، والمراد من القدر المتيقن في مقام التخاطب ان يكون بعض افراد الطبيعة بحيث يتيقن المخاطب ويعلم تفصيلا بكونه مراد اما بخصوصه واما في ضمن الجميع مع كون تيقنه لذلك بنفس القاء الخطاب لا بعد التأمل والتدبر، فحاصل المقدمة الثالثة عبارة عن عدم كون المتكلم عالما بان ذهن المخاطب مسبوق ببعض الخصوصيات وانه يحصل له بصرف القاء الخطاب إليه العلم بان البعض المعين مراد قطعا وموضوع للحكم جزما غاية الامر وقوع الشك بالنسبة إلى بقية الافراد، فإذ تحققت المقدمات الثلاث علم منها ان ما ذكره المولى من الطبيعة المطلقة هي تمام الموضوع لحكمه والا لأخل بغرضه، والاخلال بالغرض ينافى الحكمة، وان انتفت واحدة منها بان لم يكن المولى بصدد بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه، أو ذكر قرينة على التعيين، أو كان في البين قدر متيقن كذلك لما كان عدم ارادة الاطلاق ملازما للأخلال بالغرض، اما في الاوليين فواضح، واما في الثالثة فلان غرضه ان كان هو البعض المتيقن لما كان الاطلاق مخلا بهذا الغرض، إذ الفرض تيقن المخاطب بان هذا البعض المعين متيقن الارادة فهو يعلم بما هو بالحمل الشايع تمام غرض المولى، والمولى ايضا احرز ذلك من ناحية المخاطب، فليس الاطلاق منه اخلالا بالغرض لانه بصدد بيان ما هو تمام الغرض بالحمل الشايع وقد بينه، لا بصدد بيان انه تمام كي يقال انه اخل ببيانه، هذه خلاصة ما ذكر في تقريب مقدمات الحكمة.

(اقول): لا يخفى انه بناء على ما ذكره القوم من احتياج الاطلاق في مقام الثبوت إلى لحاظ السريان يصير المطلق عاما ويكون موضوع الحكم بحسب الحقيقة افراد الطبيعة، فان تمت المقدمات الثلاث يحرز بسببها للمخاطب ما هو تمام غرض المولى اعني الاطلاق والعموم، وان تم الاوليان وانتفى الثالثة بان كان في البين قدر متيقن ففي بادى النظر يكون موضوعية الافراد المتيقنة معلومة وبقية الافراد مشكوكا فيها، ولكن هذا الشك بدوى ينقلب قهرا إلى العلم بكون البعض المتيقن تمام الغرض فيحرز التمام بما انه تمام ايضا، ووجه ذلك ان المفروض بحسب المقدمة الاولى كون المولى بصدد بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه من الجميع أو البعض، والمفروض بحسب المقدمة الثانية عدم قرينة معينة في البين، وحينئذ فإذا فرض كون البعض المعين متيقن الارادة فلا محالة يحصل للمخاطب (بضم القدمة الاولى إلى هذا المتيقن) الجزم بان هذا البعض المعين تمام الموضوع للحكم وان ما عداه من الافراد ليس موضوعا له، إذ الواصل إليه هو موضوعية هذا البعض المعين، والباقي مشكوك فيه ولم يصل بالنسبة إليه بيان، والمفروض بحسب المقدمة الاولى كون المولى بصدد بيان ما هو تمام الموضوع، فيظهر من ذلك عدم موضوعية الافراد المشكوك فيها.

(والحاصل) انه بعد ما فرض تحقق المقدمتين الاوليين ووجود القدر المتيقن في البين يتحقق شكل ثان ينتج كون القدر المتيقن تمام غرض المولى، وصورة الشكل هكذا: لا شيء من غير القدر المتيقن بمعلوم، وكل ما هو مراد المولى معلوم، ينتج لا شيء من غير القدر المتيقن بمراد، اما الصغرى فواضحة، واما الكبرى فبمقتضى المقدمة الاولى، وبالجملة يحرز بذلك غرض المولى وهو البعض ويعلم اي انه تمامه. فما في الكفاية من انه بعد احراز المقدمتين الاوليين ووجود القدر المتيقن في البين يعلم تمام غرض المولى وان لم يعلم انه تمامه، فاسد كما لا يخفى، (هذا كله) بناء على مذاق القوم في باب الاطلاق.

 (واما على ما بيناه) من ان الملاك فيه كون حيثية الطبيعة تمام الموضوع كما ان ملاك التقييد دخالة حيثية اخرى في الموضوعية من دون ان يلحظ السريان وعدمه، فيرد الاشكال على المقدمة الثالثة إذ المفروض بحسب المقدمة الاولى كون المولى بصدد بيان ما هو تمام المراد من اللفظ بحسب الاستعمال، وليس المراد بذلك ما اريد من اللفظ بحسب الاستعمال فقط، إذ لا ينحصر ذلك بلفظ دون لفظ بل يجرى في جميع الالفاظ، بل المقصود بذلك كونه بصدد بيان ما هو المراد بحسب الواقع والجد، وحينئذ فان لم يكن تمام الموضوع بحسب الواقع نفس حيثية الطبيعة بل كان لحيثية اخرى دخالة فيه صار عدم ذكرها اخلالا منه بالغرض، إذ المفروض ان المذكور ليس الا حيثية الطبيعة، والمستفاد منه هو الاطلاق وكونها تمام الموضوع للحكم، وكون بعض الافراد متيقن الارادة لا يضر بالإطلاق بعد كون الملاك في الاطلاق والتقييد عندنا وحدة الحيثية وتعددها من دون نظر إلى الافراد

(والحاصل) ان التيقن بالنسبة إلى بعض الافراد يوجب العلم بكفايته في مقام الامتثال، ولا يوجب ذلك تقييدا في موضوع الحكم بحيث يصير الموضوع للحكم الطبيعة المقيدة، إذ بيان حدود الموضوع من وظائف المتكلم، والمفروض انه لم يذكر الا نفس حيثية الطبيعة، ومقتضى ذلك كون نفس الحيثية تمام الموضوع لحكمه وسريان الحكم بسريانها قهر.

والسر في ذلك ان نظر المتكلم بحسب ما حققناه في معنى الاطلاق والتقييد ليس إلى الافراد بل إلى نفس الحيثية، فالملاك كل الملاك فيهما هو وحدة الحيثية وتعددها

(وبالجملة) المقدمة الثالثة غير محتاج إليها، بل هي مخلة بعد ما حققناه من ان الملاك في الاطلاق والتقييد ليس لحاظ السريان وعدمه، وليس الافراد ملحوظة بل النظر مقصور على نفس حيثية الطبيعة، فان جعلت تمام الموضوع سميت مطلقة وان انضم إليها حيثية اخرى سميت مقيدة، فيكفى في الاطلاق لحاظ الطبيعة وعدم لحاظ حيثية اخرى معها، وعلى هذا فالأمر في التيقن والشك بعكس ما ذكروه، إذ كون نفس حيثية الطبيعة دخيلة في الموضوع متيقن ودخالة حيثية اخرى مشكوك فيها، وحيث ان المولى لم يبين دخالتها مع كونه في مقام البيان فلا محالة يحرز بذلك ارادة الاطلاق، (هذا كله) بالنسبة إلى المقدمة الثالثة.

(واما المقدمة الثانية) فهى ايضا زائدة إذ البحث انما هو في صورة الشك، ومع وجود القرينة لا يكون شك في البين، فيبقى من المقدمات الثلاث المقدمة الاولى وهى بنفسها تكفي لأثبات الاطلاق، ولكن على مذاقنا دون مذاق القوم. بيان ذلك انه بناء على ما ذكرناه في معنى الاطلاق والتقييد لا يحتاج الاطلاق في مقام البيان الا إلى بيان نفس حيثية الطبيعة، واما التقييد فيحتاج إلى مؤنة زائدة إذ يجب فيه مضافا إلى ذكر ما يدل على حيثية الطبيعة ان يذكر ما يدل على الحيثية المنضمة (والحاصل) انهما يشتركان في الاحتياج إلى بيان الطبيعة، ويمتاز التقييد باحتياجه إلى بيان الحيثية المنضمة، وعلي هذا فإذا فرض كون المولى بصدد بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه بمقتضى المقدمة الاولى، وفرض ايضا عدم ذكره الا لما يدل على نفس حيثية الطبيعة فلا محالة يثبت الاطلاق أي كون هذه الحيثية تمام الموضوع لحكمه ويسرى الحكم إلى جميع الافراد بسريانها الذاتي من دون احتياج إلى اللحاظ، هذا بناء على مذاقنا، واما بناء على مشى القوم في الاطلاق فكل من الاطلاق والتقييد يحتاج إلى مؤنة زائدة بعد اشتراكهما في لحاظ اصل الطبيعة، إذ المفروض احتياج الاطلاق ايضا إلى لحاظ السريان والشمول، واللفظ الدال على نفس حيثية الطبيعة لا يدل على السريان الملحوظ فلابد في بيانه من لفظ آخر يدل عليه، وعلي هذا فصرف كون المولى بصدد بيان تمام الموضوع لحكمه لا يثبت الاطلاق على مذاقهم، إذ المفروض انه في مقام الاثبات لم يذكر الا اللفظ الدال على نفس حيثية الطبيعة، وعلى مذاقهم لا يكفي صرف لحاظ الطبيعة في تحقق الشمول والسريان، فتلخص مما ذكرناه ان المقدمات لا تنتج الاطلاق على مذاق القوم، واما بناء على ما اخترناه (من عدم احتياج الاطلاق الا إلى لحاظ نفس حيثية الطبيعة) فدليل الحكمة ينتج الاطلاق الا ان المادة العاملة فيه هي المقدمة الاولى فقط فتدبر.

وينبغي التنبيه على امور  :

(الاول) قد عرفت ان ملاك الاطلاق عندنا بحسب مقام الثبوت هو جعل حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم من دون احتياج إلى لحاظ السريان والشياع، وملاك التقييد انضمام حيثية اخرى إليها في مقام الموضوعية، هذ بحسب مقام الثبوت، واما في مقام الاثبات فيتوقف الحكم بالإطلاق على احراز كون المولى في مقام بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه، فهو الاساس لإحراز الاطلاق ولا نحتاج إلى مقدمة اخرى، وحينئذ فيقع الكلام في ان احراز كون المولى بصدد البيان هل يتوقف على العلم به أو انه يوجد هناك امارة عقلائية يحرز بها ذلك (الظاهر) هو الثاني، فان الظاهر من كلام المتكلم العاقل (بما انه تكلم وفعل اختياري له) هو انه صدر عنه ذلك بداعي الافهام والبيان لا الاهمال والاجمال إذ الظاهر من الفعل الصادر عن العاقل (بما انه فعل اختياري له) ان يكون صدوره عنه بداعي غايته الطبيعية اعني ما يعد غاية وفائدة له عند العقلاء بحيث يكون صدور هذا النوع من الفعل عنهم بهذا الداعي، والغاية الطبيعية العادية للتكلم بكلام انما هو القاء مضمونه بداعي بيان المقصود، (ونظير ذلك) حمل الالفاظ على معانيها الحقيقية عند عدم القرينة، إذ الفائدة الطبيعية المتعارفة لاستعمال اللفظ الموضوع عبارة عن افهام معناه الذى وضع هو بأزائه من دون ان يجعل هذا المعنى معبرا لمعنى آخر كما هو الملاك في الاستعمالات المجازية (والحاصل) ان الكلام الصادر عن العاقل يحمل عند العقلاء على كونه صادرا عنه لغرض افادة ما هو قالب له، ولا يحمل على الاهمال الا إذا كان هناك قرينة عليه، ولذلك ترى العقلاء يعتمدون على المطلقات الصادرة عن الموالى وغيرهم، وعلى ذلك استقر بنائهم في محاوراتهم، وان سمع احدهم مطلقا وبنى عليه وعمل بأطلاقه بعد الفحص عن المقيد لم يكن للمولى الاحتجاج عليه بانه لم يكن في مقام البيان، ولعل نظر المشهور القائلين بوجوب الحمل على الاطلاق ما لم يثبت قرينة على التقييد ايضا إلى ما ذكرناه، لا إلى كون التقييد مخالفا للأصل من جهة المجازية، إذ القول بالمجازية ينشأ اما من توهم كون اللفظ موضوعا للطبيعة بقيد السريان وكون التقييد موجبا لإلغاء هذا القيد واستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء، أو توهم كونه موضوعا لاصل الطبيعة وكونه عند التقييد مستعملا في الطبيعة المقيدة مع قيده فيكون من قبيل استعمال لفظ الجزء في الكل، ومن البعيد ذهاب المشهور إلى كون اللفظ موضوعا للطبيعة بقيد السريان أو كونه عند التقييد مستعملا في الطبيعة مع القيد، وكيف كان فاللفظ الدال على الطبيعة إذا ذكر في كلام ولم يذكر معه قيد يحمل (عند العقلاء) على ان نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم وان المولى بصدد البيان لا الاهمال أو الاجمال، إذ الظاهر من كلامه (بما انه فعل اختياري له) كونه صادرا لبيان الحكم بموضوعه، فيستفاد من ذكر الطبيعة وعدم ذكر القيد كون نفس الطبيعة تمام الموضوع للحكم، ولذا لو صدر عنه بعد ذلك كلام آخر وجعل فيه نفس هذه الطبيعة مقيدة بقيد موضوعة للحكم المذكور بحيث احرز وحدة الحكم لصار الكلامان بنظر العقلاء متعارضين وان كانا مثبتين، فإذا قال المولى ان ظاهرت فاعتق رقبة، ثم قال ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة واحرز بوحدة السبب مثلا وحدة الحكم حصل التعارض بين الكلامين لظهور الاول في كون نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع وظهور الثاني في خلافه، غاية الامر انه يجمع بينهم بحمل المطلق على المقيد أو حمل المقيد على افضل الافراد، والاول اقوى كما يساعد عليه العرف فتخصيص بعضهم حمل المطلق على المقيد بصورة كونهما مختلفين في النفي والاثبات في غير محله (نعم) مورد التعارض والحمل كما اشرنا إليه ما إذا احرز صدور الكلامين لبيان حكم واحد، والا فيعمل بظاهر كل منهما ويحملان على كونهما حكمين مستقلين لموضوعين مختلفين.

(التنبيه الثاني) قد عرفت ان معنى الاطلاق كون حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم، وحينئذ فنقول: ان نتيجة كونها تمام الموضوع تختلف باختلاف الاحكام المتعلقة بها، فان تعلق بها طلب الايجاد الذى هو مفاد الامر كانت النتيجة هي السريان والعموم البدلي، وان تعلق بها النهي كانت النتيجة السريان والعموم الاستغراقي، إذ الطلب إذا تعلق بنفس حيثية الطبيعة من دون ان يلحظ الوحدة أو السريان (كما هو مقتضى الاطلاق) كان مقتضاه وجوب ايجادها على المكلف من دون نظر إلى خصوصيات المصاديق، والطبيعة توجد بوجود فرد ما، فإذا وجدت الطبيعة بإيجاد فرد أو فردين منها في عرض واحد سقط الامر بها قهرا لحصول الامتثال فلا تقع الافراد المتعقبة مصاديق للامتثال وبالجملة تعلق الامر بنفس حيثية الطبيعة يقتضى العموم البدلي، وهذا بخلاف ما إذا تعلق بها النهى فان مفاد النهى كما عرفت في محله ليس عبارة عن طلب الترك، بل المستفاد منه هو الزجر عن متعلقه، فالمتعلق لكل من امر والنهى ليس الا نفس حيثية الطبيعة، والفرق بينهما ان الامر من مقولة الطلب والبعث، والنهي من مقولة الزجر، فمتعلق الامر على فرض وجوده يقع امتثالا له، ومتعلق النهى على فرض وجوده يقع عصيانا له، فإذا تعلق الزجر بنفس حيثية الطبيعة كان الغرض منه انزجار العبد من نفس حيثية الطبيعة وعدم تحققها منه في الخارج، فكل ما هو وجود للطبيعة يكون مزجورا عنه بما انه وجود لها، ولو عصى المكلف واوجد فردا منها يكون سائر الافراد ايضا مزجور عنها لأنها ايضا وجودات لهذه الطبيعة، والمفروض تعلق الزجر بنفس حيثية الطبيعة، ومقتضاه تنفر المولى من وجود الطبيعة بما هو وجود لها فيسرى الحكم اينما سرت (فان قلت): كما ان امتثال التكليف يوجب سقوطه فكذلك عصيانه فكيف يبقى الزجر عنها مع تحقق العصيان! (قلت) هذا الكلام من الاغلاط المشهورة، إذ لا نسلم ان العصيان من المسقطات، وما تراه من سقوط الواجب الموقت بعصيانه في وقته فليس ذلك من جهة مسقطية العصيان بل من جهة عدم القدرة عليه بانقضاء وقته (والحاصل) ان تعلق الزجر بأصل الطبيعة بحيث تكون نفس حيثيتها تمام الموضوع للزجر يقتضى سريان الزجر إلى جميع افرادها ويكون كل فرد منها بما هو وجود لها مزجورا عنه، وإذا تحقق العصيان في بعضه يبقى الزجر بالنسبة إلى البقية، وليس ذلك بسبب لحاظ السريان استيعابا، بل هو مقتضى كون نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع للزجر، ومثل ذلك الاحكام الوضعية إذا تعلقت بالطبيعة كقوله (تعالى): {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] مثلا، فان كون نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع للصحة مثلا يقتضى سريانها اينما سرت، ونتيجته العموم الاستغراقي (وبالجملة) اختلاف نتيجة الاطلاق بالبدلية والاستغراق انما هو من مقتضيات الاحكام المتعلقة بها، والا فمعنى الاطلاق في جميعها ليس الا جعل حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم من دون ان يلحظ السريان فضلا عن البدلية أو الاستيعاب، وعلي هذا فلا يرد ما اورده بعض اعاظم العصر من ان مقدمات الحكمة اما ان تنتج السريان البدلي أو السريان الاستيعابي فلم يحكم في بعض الموارد بهذا وفي بعض الموارد بذاك؟ ولا يصح الجواب عن ذلك بان نتيجة المقدمات هو اصل السريان، والخصوصيات تستفاد من قرائن المقام، بل الحق في الجواب ان نتيجة المقدمات هو الارسال لا السريان، ومعنى الارسال هو عدم تقييد الطبيعة في مقام الموضوعية للحكم، وجعلها تمام الموضوع له، لا لحاظ الشياع والسريان، غاية الامر ان نتيجة كونها تمام الموضوع تختلف باختلاف الاحكام المتعلقة بها، ففي الاوامر تكون النتيجة هي العموم البدلي وفي النواهي والاحكام الوضعية العموم الاستغراقي، ولذا يطلق على البيع في قوله (تعالى): احل الله البيع العام كما يطلق عليه المطلق فالثاني باعتبار كون حيثيته تمام الموضوع للصحة بحيث لم ينضم إليه حيثية اخرى في مقام الموضوعية، والاول باعتبار ان نتيجة الاطلاق في المقام شمول الحكم المتعلق بالبيع لجميع افراده (3)

(التنبيه الثالث) لا يخفى ثبوت الفرق بين الطبيعة الواقعة في حيز الامر أو النهى وبين الطبيعة الواقعة في حيز الاحكام الوضعية، فان الامر لطلب اصدار الطبيعة وايجادها والنهى للزجر عن اصدارها، فالطبيعة الواقعة في حيزهما غير مفروضة الوجود وانما اريد بالأمر ايجادها وبالنهى ابقاءها على حالة العدم، واما الاحكام الوضعية فمتعلقها هو الطبيعة المفروضة الوجود فيكون الحكم ثابتا (بنحو القضية الحقيقية) لوجوداتها المفروضة بما هي وجودات له، فعتق الرقبة في نحو اعتق رقبة اولا تعتق رقبة لم يفرض وجوده حتى يكون الحكم لوجوداته المفروضة، وهذا بخلاف البيع في نحو احل الله البيع، فان الصحة والمضي انما شرعت للبيع المفروض وجوده في الخارج.

(التنبيه الرابع) لا يخفى ان الاحكام المتعلقة بالطبائع على نحوين: بعضها مما يمكن ان يتعلق بأصل الطبيعة مع فرض كون الموضوع لها بحسب الواقع والجد الطبيعة المقيدة، وبعضها مما لا يمكن تعلقها بأصل الطبيعة الا إذا كان الموضوع واقعا هو نفس حيثيتها، فمثال القسم الاول الاحكام الايجابية كالأوامر مثلا، فإذا كان مراد المولى بحسب الواقع عتق الرقبة المؤمنة صح له ان يقول في مقام الانشاء اعتق رقبة ويكون غرضه ذكر القيد بعد ذلك، ومثال القسم الثاني الاحكام السلبية كالنفي والنهى فلا يصح ان يقال لا رجل أو لا تعتق رجلا الا إذا كان المراد بحسب الواقع نفى حيثية الطبيعة المطلقة أو الزجر عنها، وان كان مراده نفى المقيد لم يصح ادخال حرف النفي على نفس الطبيعة بل ذكر القيد، لان حرف النفي موضوع لنفى مدخوله، وانتفاء الطبيعة بانتفاء جميع افرادها، وهذا بخلاف الامر فانه لطلب ايجاد المتعلق، فان كان المطلوب بحسب الواقع ايجاد المقيد ايضا صح في مقام الانشاء تعلق الامر بأصل الطبيعة، إذ وجودها بوجود فرد ما فإرادة ايجاد المقيد ارادة لإيجادها ايضا فيصح ان يتعلق الطلب بها ويذكر القيد بعده.

(إذا عرفت ما ذكرنا فنقول): ان الاحتياج إلى مقدمات الحكمة انما هو في القسم الاول اعني الاحكام الايجابية، لما عرفت من صحة تعلق الحكم فيها بأصل الطبيعة مع كون المراد لبا هو المقيد، فنحتاج في اثبات الاطلاق إلى احراز كون المولى في مقام بيان تمام الموضوع لحكمه وعدم كونه بصدد الاهمال.

واما القسم الثاني اعني الاحكام السلبية فيمكن ان يقال فيها بعدم الاحتياج إلى مقدمات الحكمة لما عرفت من ان كلمة لا مثلا موضوعة لنفى مدخولها أي شيء كان، فان كان المدخول عبارة عن اللفظ الدال على نفس حيثية الطبيعة كان النفي متوجها إليها، وانتفائها كما عرفت انما يكون بانتفاء جميع وجوداتها، فلا يحتمل الاهمال حتى ينتفى بأحراز كونه في مقام البيان (وبالجملة) استفادة الاطلاق هنا انما تكون بالاستعانة من وضع لا (4) لأنها لنفي المدخول أي شيء كان من المطلق أو المقيد.

____________
(1) اقول: لا يخفى ان التقسيم عبارة عن ضم قيود إلى المقسم الواحد حتى يحصل بضم كل قيد إليه قسم في قبال الاقسام الاخر التي يتحقق كل منها بضم قيد آخر، ولا بد من ان تكون القيود متقابلة كما هو واضح، وعلي هذا فليس تقسيم القوم تقسيما صحيحا حيث جعلوا القيد في القسم الاول عبارة عن نفس مفهوم اللابشرطية التي هي امر ذهني فيجب بمقتضى المقابلة ان يجعل القيد في القسمين الاخيرين ايضا عبارة عن نفس مفهوم البشرط شيئية والبشرط لائية حتى يصير القيود الثلاثة كلها ذهنية متقابلة، وهم قد جعلوا التقييد باللابشرطية في القسم الاول في قبال التقييد ببعض القيود الخارجية أو التقييد بعدمها فلا يحصل التقابل بين القيود حينئذ، ولو جعلوا القيد في البشرط شيء اعم من القيود الخارجية والذهنية لم يكن اللابشرط القسمي قسما على حدة بل كان داخل في البشرط شيء (والحاصل) ان التقسيم يجب ان يكون اما بلحاظ القيود الذهنية فقط أو الخارجية فقط أو بلحاظ الاعم منهما، (فعلى الاول) تكون القيود عبارة عن مفهوم اللابشرطية والبشرط شيئية والبشرط لائية وتشترك الاقسام الثلاثة في عدم الوجود خارج (وعلى الثاني) لا يصح اعتبار اللابشرطية قيدا حتى يحصل قسما في قبال القسمين الاخرين (وعلى الثالث) يدخل اعتبار اللابشرطية في البشرط شيء فليس قسما على حدة ايضا فتدبر.  (وبما ذكرنا) من لزوم تقابل القيود في التقسيمات ظهر فساد ما ربما يتوهم في المقام من تربيع الاقسام بناء على جعل المقسم عبارة عن اللحاظ كما هو مبنى السيد الاستاذ (مد ظله العالي) بل على كلا المبنيين: بتقريب ان اللحاظ قد يتعلق بالماهية فقط بحيث لا يتعدى منها، وقد يتعلق بها ويتعدى منها إلى امر آخر، من قيودها الخارجية، وقد يتعلق بها ويتعدى منها إلى عدم كون قيودها معها، وقد يتعلق بها ويتعدى منها إلى كونها لا بشرط بالنسبة إلى قيودها فهذا هو اللابشرط القسمي. (وجه الفساد) ان عد القسم الاخير في قبال سائر الاقسام بلا وجه، فان القيد فيه ذهني، والتقسيم كان بلحاظ القيود الخارجية فقط وقد عرفت بيانه.

(2) اقول: قال في نهاية الدراية في مبحث اعتبارات الماهية ما حاصله: ان الماهية إذ لوحظت وكان النظر مقصورا على ذاتها من دون نظر إلى الخارج من ذاتها فهي الماهية المهملة التي ليست من حيث هي الا هي، وإذا نظر إلى الخارج من ذاتها فاما ان تلاحظ بالاضافة إلى هذا الخارج مقترنة به بنحو من الانحاء فهي البشرط شيء. واما ان تلاحظ بالإضافة إليه مقترنة بعدمه فهي البشرط لا، واما ان تلاحظ بالاضافة إليه لا مقترنة به ولا مقترنة بعدمه فهي اللابشرط، وحيث ان الماهية يمكن اعتبار احد هذه الاعتبارات معها بلا تعين لاحدها فهى ايضا لا بشرط من حيث قيد البشرط شيء وقيد البشرط لا وقيد اللابشرط، فاللابشرط حتى عن قيد اللابشرطية هو اللابشرط المقسمى، واللابشرط بالنسبة إلى القيود التي يمكن اعتبار اقترانها وعدم اقترانه هو اللابشرط القسمي. وقال ايضا : ان نفس الماهية من حيث هي غير واجدة ال لذاتها وذاتياتها، واما إذا حكم عليها بأمر خارج من ذاتها فلا محالة تخرج من حد الماهية من حيث هي فيكون المحكوم عليه هو الماهية بأحد الاعتبارات الثلاثة. وقال ايضا . كما ان المتقيد به الماهية في البشرط شيء والبشرط لا نفس المعنى المعتبر لا بما هو معتبر ولا اعتباره، كذلك اللابشرط القسمي، فان قيد الماهية هو عدم لحاظ الكتابة وعدمها لا لحاظ عدم اللحاظ، فهذه الاعتبارات مصححة لموضوعية الموضوع على الوجه المطلوب لا انها مأخوذة فيه وقال في اوائل العام والخاص ما لفظه: ان العام ليس حكمه حكما جهتيا من حيث عنوان العالم مثلا فقط، بل حكم فعلى تام الحكمية بمعنى ان العالم (وان كان معنون بأي عنوان) محكوم بوجوب الاكرام فيكشف عن عدم المنافاة لصفة من صفاته وعنوان من عناوينه لحكمه انتهى .

 اقول : لا يخفى ان الحاكم بعد تصوره للعنوان الواجد للمصلحة كعتق الرقبة مثلا لابد من ان يلاحظ انه واجد للمصلحة مطلقا معنونا بأي عنوان كان أو ان الواجد لها هو عتق الرقبة المقترنة بالأيمان مثلا، فنفس تعلق اللحاظ بالماهية اجمالا لا يكفى في جعلها موضوعة أو متعلقة للحكم ما لم يلحظ انه تامة المصلحة أو انها جزء المحصل لها، ولكنه بعد ما رأى ان عتق الرقبة تمام الموضوع في تحصيل المصلحة يجعل نفس هذه الحيثية موضوعة للحكم من غير احتياج إلى لحاظ السريان، فتمام الموضوع للحكم هو نفس حيثية الماهية لا الماهية المقيدة بكونها تمام الموضوع أو بالسريان، ولكن تماميته ملحوظة باللحاظ السابق على جعلها موضوعة للحكم، إذ يجب على الحاكم ان يلحظ ان تمام المحصل للغرض هو نفس هذه الحيثية أو هي بضميمة حيثية اخرى والظاهر ان مراد هذا المحقق من لزوم اعتبار الماهية في مقام الموضوعية بنحو اللابشرط القسمي هو ما ذكرناه من لزوم اعتبار التمامية في مرحلة تصور  الموضوع وملاحظة جهاته لا في مرحلة جعل الحكم عليه، كما ان الظاهر ان مراد الاستاذ (مد ظله العالي) من عدم تعدى اللحاظ في المطلقات عن نفس الماهية هو عدم التعدي في مرتبة الموضوعية وجعل الحكم عليه لا في المرحلة السابقة عليه وبالجملة المطلق عبارة عما يكون في مقام جعل الحكم تمام الموضوع بحيث كان النظر في هذ المقام مقصورا على ذاته، وهذا لا ينافى لحاظ تماميته في المصلحة الموجبة لتماميته في الموضوعية قبل مرتبة الجعل، وعلى هذا فلا تنافى بين الكلامين نعم الظاهر كون مشى الاستاد مد ظله العالي في باب اعتبارات الماهية امتن من مشى هذا المحقق، ولا سيما انه يرد على ما سماه باللابشرط القسمي انا وان سلمنا ان الحاكم قبل جعل الحكم في المطلقات يلاحظ ان الماهية بنفسها تامة في المصلحة والموضوعية وليست مقترنة بوجود القيد ولا بعدمه، ولكن لا يصير عدم الاقتران بوجود القيد ولا بعدمه من قيود الماهية، بل الملحوظ حينئذ نفس الماهية غاية الامر انه تعلق لحاظ مستقل آخر بأن هذه الماهية غير مقترنة لا بوجود شيء ولا بعدمه من دون ان يصير الملحوظ بهذا اللحاظ قيدا للملحوظ بذاك اللحاظ المتعلق بالماهية، إذ ليس كل مجتمعين في اللحاظ يجب ان يكون احدهما قيدا للآخر، وهذا بخلاف القسمين الاخرين، ففي البشرط شيء مثلا يصير الايمان الملحوظ باللحاظ الثاني قيدا للرقبة الملحوظة اولا لكونه من حالاتها، فبطل ما سماه باللابشرط القسمي وعده احدا من اعتبارات الماهية من اصله واساسه، فتدبر فان المسألة دقيقة جدا ولأجل ذلك خرجنا من طور الاختصار.

(3) اقول: قد اشتهر بينهم ان كل عام مطلق وكل مطلق عام، والفرق بين العام والمطلق ان اطلاق المطلق على حيثية انما هو باعتبار كونها تمام الموضوع وانه لم ينضم إليه حيثية اخرى في الموضوعية، وفي مقابله التقييد، واطلاق العام عليها باعتبار شمول الحكم المتعلق بها لجميع افرادها، وفى مقابله التخصيص، وقد يفرق بينهما بان العام ما لوحظ فيه الكثرة وجعل الطبيعة فيه ما به ينظر، بخلاف المطلق فانه لم يلحظ فيه الكثرة فضلا عن جعل الطبيعة مرآتا لها. وقد يفرق ايضا بان العام لا يطلق الا على ما يكون شموله بالوضع سواء كان استيعابيا ام مجموعيا ام بدليا، والمطلق يطلق على ما كان الشمول فيه بقرينة الحكمة.

(4) اقول: وهذا البيان يجرى في لفظة كل ونحوه ايضا مما وضع للشمول فانها وضعت لشمول المدخول لا لشمول ما اريد منه لبا (فان قلت): على هذا يلزم ان يكون التقييد بدليل منفصل موجبا للمجازية بالنسبة إلى لفظ لا أو الكل أو نحوهما وان لم يلزم المجازية بالنسبة إلى المدخول (قلت): لفظة كل مثلا انما وضعت لشمول ما اريد من المدخول استعمالا لا بحسب الجد، واحراز الجد انما يكون بأصالة التطابق بين الارادتين والتقييد تصرف في الجد لا في الاستعمال فافهم.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.