أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
3330
التاريخ: 2023-02-09
3123
التاريخ: 7-8-2016
2033
التاريخ: 22-8-2020
2334
|
اختلف في أفضلية كل من الصبر و الشكر على الآخر، فرجح كلا منهما على الآخر طائفة والظاهر أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، لأنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
اذ الصبر على الطاعة و على المعصية هو عين الشكر، لكون أداء الطاعة و ترك المعصية شكرا ، كما مر في باب الشكر.
والصبر على الشدائد و المصائب يستلزم الشكر، لما مر من أن الشدائد و المصائب الدنيوية تتضمن نعما ، فالصبر على هذه الشدائد يستلزم الشكر على تلك النعم ، و لأن الصبر على المصائب هو حبس النفس عن الجزع تعظيما للّه - سبحانه-.
وهذا هو الشكر بعينه ، لأنه تعظيم للّه يمنع عن العصيان ، و الشاكر يمنع نفسه عن الكفران مع ميل النفس إليه ، و هذا هو عين الصبر عن المعصية.
وأيضا ، توفيق الصبر و العصمة من الجزع نعمة يشكر عليها الصابر، فكل صبر يستلزم الشكر، و بالعكس.
وبالجملة : لا ريب في استلزام كل من الصبر و الشكر للأخر، فان اجتماعهما في الطاعة و ترك المعصية ، بل اتحادهما فيهما ، امر ظاهر، كما تقدم.
وفي البلاء المقيد الدنيوي ، اذا حصل فيه الصبر، فلا ريب في عدم انفكاكه عن تصور النعم اللازمة له ، من الثواب الاخروي ، و حصول الانزعاج عن الدنيا و الرغبة إلى الآخرة فيشكر على ذلك.
فهو لا ينفك عن الشكر، لانه يعرف هذه النعم من اللّه ، كما يعرف البلاء أيضا من اللّه ، فيفرح بالنعم ، و يعمل بمقتضى فرحه من التحميد و غيره.
وفي النعمة المقيدة ، مثل المال ، إذا توسل به إلى تحصيل الدين ، فلا ريب في أنه كما تحقق فيه الكر تحقق فيه الصبر أيضا.
إذ في إنفاق المال و بذله في تحصيل الدين حبس النفس عما تحبه و تميل إليه ، و ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى , و في البلاء المطلق ، كالكفر و الجهل ، لا معنى لتحقق الشكر أو الصبر فيه ، و في النعمة المطلقة ، كسعادة الآخرة و العلم و حسن الأخلاق ، كما يتحقق فيها الشكر يتحقق فيها الصبر أيضا , إذ تحصيل السعادة ، و العلم ، و الأخلاق الفاضلة ، و الابقاء عليها ، لا ينفك عن مقاومته مع الهوى و منع النفس عما تميل إليه , مع ان الشكر عليهما يستلزم منع النفس عن الكفران ، و هو الصبر على المعصية , حتى أن شكر العينين بالنظر إلى عجائب صنع اللّه يستلزم الصبر عن الغفلة و النوم ، و النظر إلى ما تميل إليه النفس من النظر إلى غير المحارم و أمثال ذلك.
فان قيل : استلزام كل من الصبر و الشكر للأخر مما لا ريب فيه ، إلا أن الكلام في أنه إذا لم يتحقق الاتحاد بينهما في فعل ، كما في فعل الطاعة و ترك المعصية لكونهما متحدين فيهما ، بل تحقق الاستلزام الموجب لتحقق جهتين ، فأي الجهتين أفضل؟ , مثل أن يبتلى أحد بمصيبة دنيوية ، فصبر عليها ، بمعنى أنه عرف أنها من اللّه و حبس نفسه عن الجزع و الاضطراب و شكر عليها أيضا ، بمعنى أنه عرف أن النعم اللازمة لها من الثواب الاخروي وغيرها من اللّه وفرح بها ، و عمل بمقتضى فرحه من التحميد أو طاعة أخرى ، فهل الأفضل حينئذ جهة الصبر، أو جهة الشكر؟.
قلنا : التأمل يعطى : أن كل صبر هو شكر بعينه ، و بالعكس , فلا تتحقق بينهما جهتان مختلفتان حتى يتصور الترجيح بينهما , فان الصبر على البلاء إنما هو حبس النفس عن الجزع تعظيما للّه.
وهذا هو الشكر، إذ كل طاعة للّه - سبحانه- شكر، و في الشكر على النعم المطلقة منع النفس عن الكفران ، و هو عين الصبر عن المعصية.
فان قلت : فعلى هذا ، يجتمع الصبر و الشكر في محل واحد بجهة واحدة ، و قد تقدم انهما متضادان ، اذ الصبر يستدعي ألما ، و الشكر يستدعى فرحا ، و قد ذكرت ان اجتماع الصبر و الشكر في محل واحد انما يكون من جهتين متغايرتين لا من جهة واحدة.
قلنا : امتناع الاتحاد فيهما انما هو في الصبر و الشكر على ما هو كان نعمة و بلاء بعينه ، فانه لا يمكن ان يكون الصبر على فوت ولد - اعني حبس النفس عن الجزع - هو عين الشكر على النعمة ، اذ موت الولد بعينه ليس نعمة ، بل هو مستلزم للنعمة , فالشكر على اللازم ، و الصبر على الملزوم ، فاختلفت جهتا الصبر و الشكر، فلا اتحاد , و ما ذكرناه من الاتحاد انما هو الشكر و الصبر على النعمة و ترك المعصية ، او على البلاء و الطاعة , وندعي أن من وصلت إليه نعمة ، فشكر عليها بعرفانها من اللّه ، ففرح بها ، و عمل بمقتضى الفرح ، من التحميد او طاعة أخرى ، كان هذا الشكر عين الصبر عن معصية هي الكفران ، او على الطاعة التي هي التحميد و غيره.
كذا من ابتلى ببلية ، فصبر عليها بحبس نفسه عن الجزع ، فهذا الصبر عين الشكر بأداء الطاعة التي هي تعظيم اللّه بكف النفس عن الجزع ، أو عن المعصية التي هي الجزع و الاضطراب. وهذا الاتحاد و العينية يطرد في كل صبر و شكر، و لا يتحقق شكر لا يكون عن الصبر من هذا الوجه ، و بالعكس.
وليس بينهما تضاد و تغاير أصلا ، و الاستلزام و اختلاف الجهة انما هو في الصبر على البلاء والشكر على ما يستلزمه من النعم ، ولا يمكن هنا اتحادهما لتضادهما , و في هذه الصورة يكون كل من الصبر و الشكر المتميزين عن الآخر باختلاف الجهة عين الآخر، من حيث ملاحظة الاعتبار السابق ، فلا يمكن الترجيح في هذه الصورة مع اختلاف الجهة أيضا.
فان قيل : عرفان النعم من اللّه داخل في حقيقة الشكر، و ليس داخلا في الصبر، فينبغي ان يكون الشكر لذلك أفضل من الصبر.
قلنا : في الشق الأول من صورة العينية و الاتحاد ، يكون عرفان النعمة داخلا في الصبر، و في الشق الثاني منهما ، و في صورة الاستلزام ، يدخل عرفان البلاء من اللّه في الصبر.
فكما ان الشاكر يرى نعمة العينين من اللّه ، فكذا الصابر يرى العمى من اللّه ، فهما في المعرفة متساويان.
ثم جميع ما ذكر في الفرق بين الصبر و الشكر إنما إذا كانت حقيقة الصبر حبس النفس عن الشكوى في البلاء مع الكراهة و التألم ، و على هذا يكون الرضا فوقه ، لو قطع النظر عن كون الصبر شكرا أيضا ، و يكون الشكر فوق الرضا ، إذ الصبر مع التألم و الرضا يمكن بما لا ألم فيه و لا فرح ، و الشكر لا يمكن إلا على محبوب يفرح به ، و لو لم يعتبر في مفهوم الصبر الكراهة و التألم ، لصار الرضا و الشكر في بعض درجاته ، إذ يمكن أن يصل حال العبد في الحب مرتبة لا يتألم من البلاء أو يفرح به ، لأنه يراه من محبوبه.
و حينئذ ، ترك الشكوى في البلاء مع الكراهة صبر، و بدونها رضا ، و مع الفرح به شكر.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|