أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016
1950
التاريخ: 31-8-2016
5007
التاريخ: 29-8-2016
1429
التاريخ: 8-8-2016
1331
|
إنّ من المسلّمات عند أكابر القوم هو تركّب القضايا ـ موجباتها وسوالبها ومعدولاتها ـ من أجزاء ثلاثة : الموضوع والمحمول والنسبة ، وهم يرون أنّ لجميعها محكيات في الخارج ، وأنّ الألفاظ من حيث إنّها نقوش الخارج ومرايا الواقع مشتملة على ما اشتمل عليه الواقع من الأجزاء الثلاثة .
هذا ، ولكنّك إذا تأمّلت حقّه تجد الحمليات عارية عن النسبة كافّة في جميع المراحل ; لفظية كانت أو معقولة أو خارجية .
ومجمل القول في ذلك : أنّك لا تجد أثراً من النسبة في محكي قولنا : «الإنسان إنسان» ; لامتناع جعل الربط بين الشيء ونفسه ; لاستلزامه جواز سلب الشيء عن نفسه ، وكونه غير نفسه خارجاً ; ليجعل بينهما الربط ويحصل الإضافة .
ولا في قولنا «الإنسان حيوان ناطق» ; إذ ليس الحدّ غير المحدود ، بل هو نفسه ، وإنّما يفترقان بالإجمال والتفصيل ، وليس الغرض إلاّ بيان الهوهوية لا حصول أحدهما للآخر .
ولا في قولنا : «زيد موجود» ; لاستلزامه وقوع الماهية التي ليست في ذاتها شيئاً طرف النسبة في الخارج ، وأن تكون في قبال الوجود في الخارج ، وأن يكون زائداً عليها فيه .
وأوضح من ذلك قولنا : «الله تعالى موجود» ، مع أنّه الوجود البحت ، لا يدانيه شوب التركيب، ولا يقرب منه وهم الاثنينية ، ولا تحيط به الماهية والحدود .
وكذلك قولنا : «زيد ممكن» أو «شريك البارئ ممتنع» ; إذ لو اشتملا على النسبة الخارجية لزم كون الإمكان والشيئية من الاُمور العامّة الزائدة على موضوعاتها خارجاً ، ومثلها قولنا : «البياض أبيض» ممّا حمل فيه المشتقّ على مصداقه الذاتي ; لامتناع توسّط النسبة بين الشيء ومصداقه الحقيقي .
فالتدبّر التامّ يقضي بخلوّ الخارج عن النسبة التي زعموها في هذه القضايا .
وإن شئت تفصيل المقام فنقول : إنّ القوم قد قسّموا الحملية باعتبار الاتّحاد في المفهوم والماهية ، أو الاتّحاد في الوجود فقط إلى الحملي الأوّلي الذاتي والشائع الصناعي ، وقسّموا الثاني أيضاً باعتبار كون الموضوع مصداقاً حقيقياً لما هو المحمول ، نحو قولنا : «البياض أبيض» ، أو مصداقاً عرضياً له ، كحمله على الجسم إلى الحمل الشائع بالذات والحمل الشائع بالعرض . فلابدّ لنا من النظر إلى الخارج المحكي أوّلا ، ثمّ إلى الهيئات التي جعلت آلة للحكاية عنه .
فنقول : الحقّ خلوّ صحيفة الوجود عن النسبة والربط والإضافة في جميع هذه الموارد ; لبداهة امتناع دعوى النسبة في محكي الأوّليات والبسائط بحسب نفس الأمر ، فإنّ الحدّ عين المحدود وتفصيل نفس حقيقته ، فلا يمكن فرض إضافة واقعية بينهما في وعاء تقرّر الماهية .
وكذا الحال في الهليات البسيطة ; فإنّه لا يعقل تحقّق الإضافة بين موضوعها ومحمولها ، وإلاّ لزم زيادة الوجود على الماهية في الخارج ، وغيرها من المحاذير .
كما أنّه لا يعقل في حمل الشيء على نفسه أو حمله على مصداقـه الذاتي ، وكذلك مـا يكون كمصداقـه الذاتي ، مثل قولنا : «الوجود موجـود» ، أو «الله تعالى موجـود» .
فتبيّن : أنّ محكيات تلك القضايا الكثيرة خالية عن الإضافة والنسبة ، هذا حال الخارج .
وأمّا القضايا اللفظية والمعقولة : فلا شكّ في كونها مطابقة للخارج ، فلا تحكي إلاّ عمّا اشتملت عليه صحيفة الوجود ، بلا زيادة ولا نقصان ; لأنّه لا معنى لاشتمالها على الإضافة والنسبة بلا حكاية عن الخارج ، ومع الحكاية عن الخارج تصير كاذبة غير مطابقة للواقع ونفس الأمر .
فتلخّص من جميع ذلك : أنّه لا وجود للنسبة فيها لا في الخارج ، ولا في القضية المعقول من الواقع ، ولا في القضية اللفظية ، ولا المفهوم من القضية .
وأمّا الشائعات من الحملية ، التي لا يحمل فيها المحمول على مصداقه الذاتي ، مثل «زيد أبيض» فالمختار فيها : أنّها أيضاً لا تدلّ إلاّ على الهوهوية ; لأنّا إن قلنا بكون الذات مأخوذاً في المشتقّ فحالها حال الحمل الشائع بالذات ; لعدم تعقّل النسبة بين الذات وبين الموضوع خارجاً .
وإن قلنا ببساطة المشتقّ ، وأنّ الفرق بينه وبين مبدئه هو اللابشرطية والبشرط لائية ، فبما أنّ اللابشرط لا يأبى عن الحمل وعن الاتحاد مع الغير يكون الموضوع في هذه الموارد متّحداً مع المحمول ، وتتحقّق الهوهوية التي هي المقصود ، والقضية حاكية عنها ، وكونها عرضية الحمل إنّما هو بالبرهان الدقيق ، كموجودية الماهية بالعرض .
فإذن لم يبق من الحمليات الموجبة ما يتوهّم اشتمالها على النسبة ، سوى الحمليات المؤوّلة ممّا يتخلّل فيها الأداة ، نحو قولنا : «زيد في الدار» و«زيد على السطح» ، وهي ليست حمليات حقيقية ; ولذلك تتأوّل بكائن أو حاصل .
ودلالتها ـ لفظاً ـ على النسبـة الخارجيـة ممّا لا إشكال فيه ، كما أنّ الإضافات لها نحو تحقّق في الخـارج ; إذ هـي بشهادة التبادر تحكي عـن النسبة بين الأشياء بعضها مع بعض ، ولفظة «في» وما أشبهها تدلّ على نحو إضافة وحصول بينهما ، هذا حال الموجبات في الحمليات .
فمن ذلك كلّه ظهر : عدم صحّة ما عليه بعض المحقّقين من أنّ مدلول الهيئة هو ربط العرض بموضوعه ، وأنّ ذلك هو المعبّر عنه بالوجود الرابط (1) ; فإنّ فيه وجوهاً من الخلل ، لا تخفى على المتأمّل .
فإن قلت : لأيّ شيء وضعت الهيئة في الحمليات الحقيقية الخالية عن النسبة ، وكذا المؤوّلة منها ممّا تشتمل على النسبة ؟
قلت : أمّا الاُولى فالهيئة فيها وضعت للدلالة على الهوهوية التصديقية ـ مقابل الهوهوية التصوّرية ـ كما سيأتي في المركّبات الناقصة ، ومفادها : أنّ المحمول عين الموضوع خارجاً ، كما أنّ الهيئة في الثاني وضعت لتدلّ على تحقّق النسبة ـ دلالة تصديقية ـ فهي تشتمل على التصديق ـ لا محالة ـ على اختلاف في المتعلّق من الهوهوية أو ثبوت النسبة .
ومن هنا يتّضح حال السوالب ; فإنّها عند المحقّقين ليست لحمل السلب أو حمل هو السلب ، بل لسلب الحمل ونفي الهوهوية بنحو التصديـق في الحمليات غير المؤوّلة ، كقولنا : «زيد ليس حجراً» ، ولسلب الحصول ونفي النسبة والكينونة تصديقاً في المؤوّلة منها ، نحو «زيد ليس في الدار» و«عمرو ليس له البياض» . فالحمليات الحقيقية السالبة لا تشتمل على النسبة مطلقاً ، والمؤوّلة منها يؤخذ لفظ الدالّ على النسبة فيها لإيقاع السلب عليها .
أمّا الجمل الفعلية فسيأتي تحقيق حالها في مباحث المشتقّ .
فاتّضح ممّا ذكرنا : عدم صحّة اُمور تتسالم عليها القوم :
الأوّل : مـا ربّما يقال في توضيح الفرق بين الإنشاء والإخبار : مـن أنّ للثاني نسبة في الخارج والذهن ، وأنّهما تارة تتطابقان واُخرى تختلفان ، بخلاف الإنشاء .
الثاني : ما هو المعروف الدائر بينهم : من أنّ العلم إن كان إذعاناً للنسبة فتصديق ، وإلاّ فتصوّر.
الثالث : ما يقال من أنّ تقوّم القضايا من أجزاء ثلاثة : من النسبة والموضوعين .
الرابع : تفسير الصدق والكذب بتطابق النسبة وعدمه .
تنبيه : في الجمل التامّة وغير التامّة:
للحمل تقسيمات واعتبارات :
منها : تقسيمها إلى التامّة وغيرها .
ومنها : تقسيم التامّة إلى ما يحتمل الصدق والكذب ، وما لا يكون كذلك . وسيجيء الكلام مستوفى في هذا التقسيم ـ بعون الله العزيز ـ عند تحقيق الفرق بين الإنشاء والإخبار(2) .
وأمّا الأوّل : فقد عرفت آنفاً مفاد الهيئات في القسم الأوّل منه ; أعني الجمل التامّة الإخبارية التي يصحّ السكوت عليها ، وأنّها تدلّ بنحو التصديق على الهوهوية فيما لم يتخلّلها الأداة ، وعلى النسبة فيما إذا تخلّل الأداة بينها .
أمّا الناقصة : فلا شكّ في أنّ حكمها حكم المفردات ، لا تحكي إلاّ حكاية تصوّرية ; ولذا لا تتّصف بالصدق والكذب ، ولا تحتملهما .
وبعبارة أوضح : أنّ هيئات الجمل التامّة إنّما تحكي عن تحقّق شيء أولا تحقّقه ، أو كون شيء شيئاً أو لا كونه ، حكاية تصديقية ، ولكنّها في الناقصة منها كـ «غلام زيد» تدلّ على نفس الربط والإضافة لا على تحقّقها ، وعلى الهوهوية بنحو التصوّر لا على ثبوتها في الخارج .
نعم ، تنقسم ـ كانقسام التامّة ـ إلى أنّ المحكي بالحكاية التصوّرية تارة : يكون هو الهوهوية والاتّحاد ، كجملة الموصوف والصفة مثل «زيد العالم» ; ولذلك يصحّ حملها على موصوفها بلا تخلّل الأداة ; بأن يقال : «زيد عالم» ، واُخـرى : يكون هو الانتساب والإضافة التصوّرية ، كجملة المضاف والمضاف إليه ; ولذلك لا يصحّ الحمل فيها . ولا تنعقد القضية منها إلاّ بتخلّل الأداة نحو «زيد له الغلام» حتّى فيما إذا كانت الإضافة بيانية ، فتدبّر .
وبذلك يظهر : ضعف ما أفاده بعض المحقّقين ; حيث فرّق بين المركّبات الناقصة والتامّة ; بأنّ الاُولى تحكي عن النسبة الثابتة التي تعتبر قيداً مقوّماً للموضوع أو المحمول ، وأ مّا الثانية فتحكي عن إيقاع النسبة ; فإنّ المتكلّم يرى بالوجدان الموضوع عارياً عن النسبة التي يريد إثباتها ، وهو بالحمل والإنشاء يوقعها بين الطرفين ; ولهذا يكون مفاد التركيب الأوّل متأخّراً عن الثاني ; تأخّر الوقوع عن الإيقاع (3) .
وفيه : أنّ المركّبات الناقصة لا تحكي عن النسبة الثابتة الواقعية إن كان مراده من النسبة الثابتة هي الواقعة بحسب نفس الأمر كما هو الظاهر من مقابلتها لإيقاع النسبة ، ضرورة أنّ الحكاية عن الواقع أمر تصديقي لا تصوّري .
وأيضاً أنّ المركّبات التامّة تحكي عن النسبة الثابتة الواقعية تارة ، وعن الهوهوية التصديقية اُخرى ، ولا معنى لحكايتها عن إيقاع المتكلّم نسبة ذهنية أو كلامية ; ولذا لا ينتقل السامع إلاّ إلى الثبوت الواقعي ، ويكون إيقاع المتكلّم مغفولا عنـه إلاّ باللحاظ الثاني .
هـذا في الحمليات ، وأمّـا الإنشائيات فسيأتي حالهـا عـن قريب .
هـذا ، مضافـاً إلى أنّ تأخّـر الوقوع عـن الإيقاع إنّما هـو فيما إذا كـان الأوّل معلول الثاني ، وليست النسبـة في الجمـل الناقصـة معلولـة لإيقاع النسبـة في التامّـة ، فلا وجـه للتأخّـر مـع فقد مناطـه ، هـذا كلّـه إذا كان المراد مـن النسبـة الثابتـة هـي النفس الأمريـة .
وأمّا إذا كان المراد منها هي النسبة اللفظية فلا ريب في كونها في الجملتين بإيقاع المتكلّم بوجه استجراري ; تبعاً للإخبار عن الواقع على ما هو عليه في الجمل الإخبارية المشتملة على النسبة ، لا كما ذكره من أنّ المتكلّم يرى الموضوع عارياً عن النسبة فيوقعها ; ضرورة أنّ المتكلّم حين التكلّم لا يتوجّه إلى كلامه استقلالا ، ولا ينظر إلى خلوّه عن النسبة .
____________
1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 50 ـ 51 .
2 ـ يأتي في الصفحة 54 .
3 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 60 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
مكتب المرجع الديني الأعلى يعزّي باستشهاد عددٍ من المؤمنين في باكستان
|
|
|